Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
4:16قَالَ لَهَا يَسُوع اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هَهُنَا.17أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ لَيْسَ لِي زَوْجٌ. قَالَ لَهَا يَسُوع حَسَناً قُلْتِ لَيْسَ لِي زَوْجٌ.18لأَِنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ وَالَّذي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هَذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ.19قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ يَا سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ.20آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هَذَا الْجَبَلِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ.21قَالَ لَهَا يَسُوع يَا امْرَأَةُ صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ.22أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ. أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ. لأَِنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ.23وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيْقِيّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ. لأَِنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ.24اَللَّهُ رُوحٌ. وَالَّذينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا.


بعدَما أوقد يَسُوع في المرأة ذروة عطشها إلى الماء الحيّ، ومنحها الإرادة لنيل عطيَّة الله، بيَّن لها الحاجز الَّذي يمنعها مِن نيل هذه العطيَّة، وهو خطيَّتها العمليَّة. فلم يَقُل لها بخشونةٍ: "أنتِ زانيةٌ"، بل طلب منها بلطفٍ أن تدعو زوجها إليه.
"المرأة المتزوِّجة لا تكون منفردةً وحدَها، بل واحدة مع زوجها". أصابَت كلمة يَسُوع المرأةَ في أعماق كيانها، وطعنَت صميم جرحها وحساسيتها، لأنَّها اشتاقت كبقيَّة النساء إلى حماية الزَّوج واهتمامه بها. ولكنَّها كانت منعزلةً محتقَرةً مرفوضةً بسبب خطاياها. ولم تُرِد إطلاع يَسُوع على ضيقها، وخجلَت مِن كشف حقيقتها. فأخفَت نفسها بكلمة موجزة: "ليس لي زَوجٌ".
عندئذٍ أعلن يَسُوع لها أنَّه هو بنفسه الحقّ، ويعرف جميع الأسرار، ويُبصر القلوب، كما عرف عَن بُعدٍ سيرة بُطْرُس ونَثَنَائِيْل ونِيْقُودِيْمُوس وجميع النَّاس في أورشليم. وأثبت يَسُوع للمرأة أنَّها متروكة وحيدة، وقد حاولت نيل المَحَبَّة عن طريق الحب، فوقعَت من خَطِيئة إلى أُخرى. وهكذا كشف لها بكلماتٍ قليلةٍ هوَّة عيوبها.
إنَّ كلَّ عمليَّة زنى هي عبارةٌ عن كارثةٍ هائلةٍ، تخلق عقَداً في الضَّمير، وتُسبِّب مرضاً في الشُّعور الباطني، ولا سيَّما في المرأة الَّتي تبقى متعلِّقةً بزوجها الأوَّل بشعورها الدَّفين، وتحنُّ إليه حتَّى بعد الانفصال، متمنِّيةً الانسجام والتَّفاهم والحماية.
لكنَّ يَسُوع، الطَّبيب السَّماوي، نزع قناع ضيق هذه الخاطئة، فأدركَت فوراً أنَّ يَسُوع ليس رجلاً عاديّاً، بل إنَّ بصيرة النبوة موجودةٌ فيه. وعَلِمَت في أعماق قلبها أنه لا يستطيع أحدٌ أن يساعدها إلاَّ الله. ولكنَّها لم تعرف القدير العَظِيْم، ولم تعلم أين تجده، وبأيِّ وسيلةٍ تعبُّديةٍ تتَّصل به. فالصَّلاَة والطُّقوس صارت غريبةً في حياتها. إنَّها لم تُنكر الله، ولكنَّها لم تحضر منذ سنواتٍ طويلةٍ أيَّ اجتماعٍ دينيٍّ على الجبل المقدَّس قرب قريتها، في الوقت الَّذي ما زال قلبها فيه مشتاقاً للخلاص والسَّلام مع الله.
وبعدَما أيقظ يَسُوع في نفسها العطش إلى الطَّهارة والغُفران، قادها بلطفٍ إلى الأمام، وأراها أنَّ المُهمَّ ليس مكان السُّجود، بل المسجود له. وطلب مِن المرأة أن تَصْدق بكلامها، لأنَّ بواسطة الإيمان بيَسُوع وحده نعرف الله.
بعدئذٍ أعلن يَسُوع لطالبة الله أنَّ العليَّ آبٌ. فمنح الرَّبّ هذه المرأة البسيطة الشَّرسة، رغم ذنوبها، خلاصة معرفة الله. وذكر أمامها اسمه الجوهريَّ "الآب" ثلاث مرَّاتٍ. فمعرفة الله لا تنشأ مِن العبقريَّة ولا مِن التَّقوى، بل مِن الإيمان بالمَسِيْح وحده.
وأوضح يَسُوع لها مباشرةً أنَّه لم يكن يتكلَّم عن أيِّ إلهٍ كآب، بل يعني الرَّبّ في العهد القديم. فالسَّامريون كانوا يسجدون لآلهةٍ متعدِّدةٍ، ولم يعرفوا الأرواح المخفيَّة وراء أسماء آلهتهم. أمَّا اليهود فكانوا يعرفون مَن هو الرَّبّ، لأنَّه أعلن ذاته في تاريخٍ طويلٍ، ووعدهم بأن يأتي مخلِّص العالم مِن سبط الملك داود.
وتبلورَت خطَّة الخلاص حتَّى بلغَت ساعتها الفاصلة، حيث أصبح دين العهد القديم عالميّاً شاملاً الأمم والشُّعوب. وفي تلك السَّاعة تحرَّر السُّجود لله مِن حَصره في الهيكل المعيَّن، لأنَّ المؤمنين أصبحوا مسكن الله، وروح الرَّبّ حلَّ فيهم. فالله هو الآب للمولودين ثانيةً. وحياتهم صارَت سجوداً حَقِيْقِيّاً لمجده. وقد قبلوا المَسِيْح وفداءه كامتيازٍ شَرعيٍّ لهم، ودخَلوا رحاب محبَّته، مختبرين الحياة في الاستقامة والصِّدق والطَّهارة بواسطة قوَّته العُظمى. فليسوا هم بذواتهم صالحين، إنَّما أبوهم السَّماوي هو الَّذي جدَّدَهم. فأصبح سجودهم القلبي حمداً وتسبيحاً وتهليلاً على الدَّوام.
ليست الطقوس المعيَّنة ولا العظات النّموذجيَّة هي الصَّلوات المقبولة عند الله، لأنَّ الله يسَرُّ عندما تتكلَّم قلوب أولاده تلقائيّاً، فائضةً بشكر واعتراف وطلبة وابتهال وتكريس دائم. فالله يُريد أن يُخاطبه جميع النَّاس: "أبانا الَّذي في السَّماوات" لكي يكونوا أولاده في المَسِيْح يَسُوع.
الله روحٌ، وليس صنماً جامداً، ولا خيالاً غير محدود وغير مدرَك. هو أبونا، ونحن نعرف طبيعة روحه. هو محبَّةٌ وصبرٌ ولطفٌ وحنانٌ ورحمةٌ. هو يعرف ضعفنا وعدم قدرتنا على التقدّم إليه، فأتى هو إلينا في ابنه، وطهَّرنا بذبيحته، وأعدَّنا لاستقبال روحه القُدُّوْس الَّذي هو صميم جوهره. فالله يريد بملء إرادته أن يكون له أولادٌ كثيرون، لأنَّه يعلم أنَّ أولاده هم وحدهم القادرون على السُّجود بالرُّوح والحقّ. والطلبة الأولى في الصَّلاَة الرَّبَّانِيَّة تقصد كثرة أولاد الله السَّالكين حسب قداسة محبَّته. فنطلب إلى أبينا أن يملأنا بروحه وحقِّه ونعمته لتُصبح حياتنا كلُّها استجابةً لمحبَّته.
لا يستطيع إنسانٌ أن يسجد لله كما يليق. ولذلك أعطانا يَسُوع عطيَّة الله: الرُّوْح القُدُس. وبنَيْلِنا هذا الرُّوح نُصبح مُصلِّين أمناء وخُدّاماً فرحين وشهوداً بواسل. وعندئذٍ تصبح حياتنا كلُّها سجوداً لأبينا المحبّ في قوَّة الرُّوْح القُدُس النَّابع مِن صليب المَسِيْح.
لقد طهَّر يَسُوع الهيكل لِيُنشئ عبادةً طاهرةً، وأوضح للرئيس نِيْقُودِيْمُوس ضرورة الوِلاَدَة الثَّانِية. بَيْدَ أنَّ إعلان الله بكلِّيته كآبٍ وكروحٍ لم يستطع يَسُوع أن يُعلنه إلاَّ لتلك الخاطئة الجاهلة، لأنَّها اعترفَت بخطاياها، وعطشَت إلى المياه الحيَّة، فأعطاها نعمةً فوق نعمةٍ.

الصَّلَاة
أيها الآب السَّماوي، نشكرك لأنَّك تريد مِن كلَّ قلبك ألاَّ نسجد لك بطريقةٍ شكليَّةٍ، بل أن نكرمك مِن كلِّ قلوبنا، ونتقدَّس في سيرتنا، حامدين نعمتك. طهِّرنا لنُصبح ساجدين مقبولين عندك، واجعلنا خُدَّاماً لنتبع ابنك يَسُوع الَّذي مجَّدك في كلِّ حينٍ، واملأنا بروح الصَّلاَة، لكي نستجيب على الدَّوام لكلمتك الأبويَّة النَّابعة مِن الإِنْجِيْل في كلِّ حينٍ.
السُّؤَال
ما الَّذي يمنع السُّجود الحَقّ، وما الَّذي يُحقِّقُه؟