Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
4:31وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ يَا مُعَلِّمُ كُلْ32فَقَالَ لَهُمْ أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ.33فَقَالَ التَّلاَمِيْذ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَلَعَلَّ أَحَداً أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ.34قَالَ لَهُمْ يَسُوع طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.35أَمَا تَقُولُونَ إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ. هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ.36وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيّةِ لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعاً.37لأَِنَّهُ فِي هَذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ إِنَّ وَاحِداً يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ.38أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ


بعدَما بنى يَسُوع نفس الخاطئة، وأرشدها إلى الحياة الأَبَدِيّة، التفتَ إلى تلاميذه الأتقياء ليخدمهم نظير تلك الخدمة، لأنَّ أفكارهم كانت لا تزال دنيويَّةً، تهتمُّ بالطَّعام الجسدي. فهُم لم يفرحوا ويشعروا تماماً أنَّ روح الله حلَّ في قلب السَّامرية المحتقرَة. لا شكَّ أنَّ الطَّعام والشَّراب ضروريَّان للبقاء. لكن يوجد طعامٌ أهمُّ مِن الخبز، وقوَّةٌ أكثر إشباعاً مِن الماء. لم يكن التَّلاَمِيْذ يعرفون بَعْد الطَّعام الرُّوحِيّ، فلم يفهموا كلام ربِّهم بدقَّةٍ. لم يكونوا بأفضل مِن تلك المرأة التَّائبة، رغم تقواهم واتِّباعهم ليَسُوع، لأنَّ كل مَن لا يُولَد مِن فوق لا يقدر أن يرى مَلَكُوْت الله.
لكنَّ يَسُوع رحم أتباعه المفتكرين بطرق مادِّية، وأعلن لهم سِرَّ ذهنه، وأوضح لهم معنى الغذاء الرُّوحِيّ كما ناوله هو. وهذا الغذاء الرُّوحِيّ يُشبع النَّفس أكثر مِن جميع مأكولات العالم. فالمَسِيْح لم يشبع نفسه بتناول الطَّعام وابتلاعه، بل بإعطاء البركات وتنفيذ مشيئة أبيه.
سمَّى المَسِيْح نفسَه "رسول الله". ولا شكَّ أنَّه كان دائماً الابن الحُرَّ المُستقلَّ. ولكنَّه كان مُطيعاً لأبيه كلَّ ثانيةٍ، وعمل مشيئته بفرحٍ، لأنَّ اللهَ محبَّةٌ. ومَن يَثبت في المَحَبَّة، يثبت في الله، والله فيه. فإطاعة المَسِيْح لا تدلُّ على أنَّه أصغر مِن أبيه، بل ذلك بُرهانٌ على محبَّته العَظِيْمة. سمَّى الابنُ خلاصَ العالم "عمل أبيه"، رغم أنَّ الابن نفَّذ هذا العمل وحده. ولكنَّه لم يُرِدْ أن ينال مجداً لنفسه، بل أعطى المجدَ كُلَّه لأبيه. كما أنَّ أباه كان قد أعطى الابنَ كلَّ شيءٍ. وهكذا نرى في الإِنْجِيْل مراراً أنَّ المَسِيْح مجَّد أباه على الدَّوام. كما أبرز الآبُ ابنَه، وأجلسه عن يمينه، ودفع إليه كلَّ سُلطانٍ في السَّماء وعلى الأرض.
عند بئر يعقوب، كانت مشيئة الآب أن يُخلِّص المرأة المحتقَرَة. فلم يكن اليهود وحدهم مدعوِّين لفداء المَسِيْح، بل جميع النَّاس. الجميع فسدوا وحملوا بأنفسهم الجوع الكبير إلى الله. ورأى يَسُوع بمقابلته الزَّانية نضوجاً وجوعاً إلى الغفران في أعماق قلبها، واستعداداً لقبول خلاص الله أكثر مِمَّا رآه عند اليهود. فأبصر فجأةً البشر جميعاً أمامه كحقلٍ واسعٍ ممتلئٍ قمحاً ناضجاً للحصاد، متموِّجاً بحبوب الرُّوْح القُدُس.
ولكنَّ التَّلاَمِيْذ لم يروا هذا الحقل العالمي الحاضر للحصاد، بل التفتت أعينهم إلى نبتة القمح الخضراء الطَّالعة مِن الأرض البنِّية، لأنَّ يَسُوع وصل إلى السَّامرة في فصل الشِّتاء. والعادة أنَّ الحصاد يحتاج إلى عدَّة شهور حتَّى ينضج. ولكنَّ يَسُوع أخذ صورة الحصاد الذَّهبي مثلاً، كأنما يقول: "أنتم تنظرون إلى الواقع السَّطحي والظَّاهر. انظروا إلى الحقيقة الَّتي في القلوب، والأسئلة المستترة، والشَّوق إلى الحياة، والبحث عن الله، والانقلاب المُبتدئ. اليوم يوم الحصاد. كثيرٌ مِن النَّاس يستعدُّون لقبول ابن الله مخلِّصاً شخصيّاً لهم، إن أنتم قدَّمتُم لهم بُشرى الخلاص بحكمةٍ ومحبَّةٍ".
قد تقولون إنَّني أختبر العكس تماماً. فجميع النَّاس مِن حولي معاندون، ومتعصَّبون، وعميان. وهذا تماماً ما فكَّر فيه التَّلاَمِيْذ زمنَ يَسُوع، لأنَّهم نظروا بسطحيَّةٍ. أمَّا يَسُوع فأبصر القلوب. فهو لم يحكم على الخاطئة الَّتي رفضته في بداية الحديث كغريبٍ، وما أحجم عن التَّحدث إليها عندما لم تفهم معاني كلماته الرُّوحِيّة، بل خاطبها بكلِّ وضوح حين كتمَت عيوبها في نفسها. وهكذا ساعدها أكثر بإرشاد الرُّوْح القُدُس، وأيقظ فيها تذكُّر السجود والمعرفة بسلطان المَسِيْح، حتَّى أصبحت مبشِّرةً لقريتها. فما أعظم التَّغيير! الزَّانية أصبحَت مبشِّرةً. لقد كانت أقرب لعمل الرُّوْح القُدُس مِن الرَّئيس نِيْقُودِيْمُوس. فكلّ مَن يخدم الرَّبّ يحتاج إلى بصيرة محبَّة يَسُوع، ليرى في محيطه الجياع إلى بِرِّ الله. قد يكونون خشنين بتصرُّفاتهم ورافضين للبشارة، فلا تهتمَّ بذلك، لأنَّ الله يُحبُّهم، والمَسِيْح يدعوهم.. وأذهانهم تتنوَّر بالنِّعمة رويداً رويداً. فإلى مَتى تظل واقفاً صامتاً في العالم الممتلئ بالقلوب الطَّالبة الله؟
عندما يهتدي الإنسان، ويرجع إلى المَسِيْح، تتحقَّق الحياة الأَبَدِيّة فيه، ويعمّ الابتهاجُ قلوبَ كثيرين، وحتَّى ملائكة الله تفرح بخاطئٍ واحدٍ يتوب. ويشترك خدّام الرَّبّ جميعاً في سرور الله الَّذي يريد أنّ جميع النَّاس يخلصون، وإلى معرفة الحقّ يُقبلون. فالإنسان الَّذي ينسجم بهذه المشيئة الإلهيَّة الجوهريَّة، ويُنفِّذها بإطاعةٍ روحيَّةٍ، ويُبشِّر الآخَرين بتواضعٍ، تشبَع نفسُه سروراً وفرحاً، كما قال يَسُوع في إعلانه عن نفسه: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ."
وأكمل يَسُوع تعليمه لتلاميذه قائلاً: "أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا". كان يُوْحَنَّا المَعْمَدَان قد حرث الحقل اليابس مِن قبل ببشارة التَّوبة. أمَّا يَسُوع فكان هو نفسه حبَّة القمح الَّتي وضعها الله في الأرض المحروثة. وجميعنا نحصد اليومَ ثمار موته على الصَّلِيْب.
إذا دعاكَ يَسُوع إلى حصاده، فلا تنسَ أنَّ هذا الحصاد ليس حصادك، وهذه الثِّمار ليست ثمارك. فالحصاد عمل الله. وقوَّة المَسِيْح تنضج في ثمار الرُّوْح القُدُس. ما نحنُ إلاَّ عبيد بطَّالون. ولكنَّ المَسِيْح يدعونا للاشتراك في الخدمة الإلهيَّة، أحياناً للزَّرع، وأحياناً أُخرى للحرث أو الحصاد. والعجيب أنَّ هذه الأَعْمَال تتمُّ أحياناً في وقتٍ واحد لكي يكمل فرحنا. ولكن خيرٌ لنا ألاَّ ننسى أنَّنا لسنا عمال الله الأوائل، فقد كدح قبلَنا أناسٌ كثيرون بدموعٍ كثيرةٍ، وصلواتهم مسجَّلةٌ في السَّماء. وأنت لست أكثر خُدَّام الرَّبِّ موهبةً ولياقةً، بل أنت في الواقع أوَّل الخطاة الَّذين برَّرهم المَسِيْح، وتعيش في كلِّ ثانيةٍ مِن نعمته الغافرة. فتعلَّم إطاعة روح الرَّبِّ في خدماتك التَّبشيرية، كي تنسجم بمشيئة أبيك السَّماوي، وتخدمه بتسابيح الحمد وسط الحصاد، وتُعظِّمه مع الحَصَدَة الآخَرين القائلين: "ليأتِ مَلَكُوْتك، ولك القوَّة والملك والمجد إلى الآبد. آمِيْن".