Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
4:7فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً. فَقَالَ لَهَا يَسُوع أَعْطِينِي لأَِشْرَبَ.8لأَِنَّ تَلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَاماً.9فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ. لأَِنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ.10أَجَابَ يَسُوع وَقَالَ لَهَا لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللَّهِ وَمَنْ هُوَ الَّذي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَِشْرَبَ لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً.11قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ يَا سَيِّدُ لاَ دَلْوَ لَكَ وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ.12أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ الَّذي أَعْطَانَا الْبِئْرَ وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ.13أَجَابَ يَسُوع وَقَالَ لَهَا. كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً.14وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ. بَلِ الْمَاءُ الَّذي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيّةٍ.15قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هَذَا الْمَاءَ لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَِسْتَقِيَ.


عندما جلس يَسُوع في حرِّ الظَّهيرة على حافَّة البئر، أقبلَت امرأةٌ سامريَّةٌ لاستخراج ماء. لم تأتِ صباحاً أو مساءً كالنِّساء الأخريات، بل ظُهراً، لأنَّها لم تُرِد أن تلتقي أحداً. فسمعتها كانت سيِّئةً، وقد احتقرها الجميع أينَما توجَّهَت.
رأى يَسُوع ضيق قلبها مِن بعيدٍ، وشعر بعطشها إلى الطَّهارة والحق، فعزم على إعانتها. لم يُبشِّرها بالوصايا العشر، ولم يوبِّخها بطريقةٍ مِن الطُّرُق، بل طلب منها بكلِّ بساطةٍ جرعة ماءٍ، إذ اعتبرها على نحوٍ ما مستحقَّةً أن تسقيه. لكنَّها حين رأت الرَّجل ذا المظهر اليهودي استاءت، لأنَّ بين شعبها واليهود هوَّةً عميقةً. ولم يكن أحدٌ مِن الفريقين ليَقبل أن يلمس إناءً يخصُّ الفريق الآخَر، اعتقاداً منه بأنَّه يتنجَّس بذلك. لكنَّ يَسُوع تصرَّف وكأنَّه لا يوجد أيّ فاصلٍ أو هوَّةٍ بينهما، مكرِّماً إيَّاها بطلبه.
كان قصده أن يوقظ في الخاطئة الجوع إلى الله. وبما أنَّهما التقيا على البئر، طفق يُحدِّثها عن الماء، ويخلق فيها الشَّوق لنيل عطيَّة الله. لم يوضح لها أوَّلاً ما هي هذه العطيَّة الَّتي كان الله مُزمعاً إعطاءها، بل وضع محبَّة الله هدفاً أمام عينيها. فلم تكن الدَّيْنُونَة هي الَّتي تنتظر هذه المرأة الزَّانية لتهلكها، بل عطيَّة الله المُعدَّة لها بالنِّعمة. ما أروعها مِن معجزة!
لا تأتي النعمة عفويّاً مع الرِّياح، بل تأتي في شخص يَسُوع المَسِيْح وحده. فهو الَّذي يمنحنا المواهب الإلهيَّة. لم تُدرك المرأة أنَّ الرَّبّ أمامها، بل رأته رجلاً عاديّاً. كان مجد المَسِيْح مستتراً عن عينيها، ولكنَّ محبَّته الطَّاهرة أشرقَت بوضوح أمام هذه الخاطئة. فقال المَسِيْح لها إنَّه يملك ماءً حيّاً. وبهذه العبارة فسَّر عطيَّة الله بشكلٍ أوضح. فالشَّراب السَّماوي الَّذي يُقدِّمه هو يروي غليل النَّفس. جميع النَّاس يشتاقون إلى المَحَبَّة والحقِّ والطَّهارة، ويُريدون أن يعودوا إلى الله في صميم قلوبهم. ومَن يأتِ إلى يَسُوع، يجد إرواءً لغليله.
لا يرسل يَسُوع ماءه الثَّمين إلى النَّاس جزافاً، بل يقدِّم عطيَّة الله لطالبها فقط. فعلَينا أن نعترف بحاجتنا، كما اعترف يَسُوع بحاجته إلى الماء. إن لم تحنِ رأسك وتطلب، لن تنال ماء السَّماء الحيّ.
لم تفهم المرأةُ يَسُوع، فأجابته بفكرها العملي قائلةً: "ليس لك وعاءٌ لاستخراج الماء، والبئر عميقةٌ. فكيف تريد أن تعطيني ماءً؟" وفي الوقت نفسه اضطربَت في نفسها إذ فوجِئت بشخصيَّة يَسُوع ولطفه وجودة محبَّته. فهو لم يحتقرها كسائر أهل البلدة، ولم يشتهِها ككثيرٍ مِن الرِّجال، بل كان منفصلاً عنها في جلاله، محبّاً لها في قداسته. وهي لم تلتقِ في حياتها رجلاً طاهراً مثله. فقالت له: "هل أنت أعظم مِن أبينا يعقوب؟ هل تقصُد أن تصنع معجزةً فتهب لنا بئراً جديدةً؟"
أجابها يَسُوع بتأنٍّ، موضحاً لها أنَّه لم يتكلَّم عن ماءٍ دنيويٍّ مؤلَّفٍ مٍن أوكسجين وهيدروجين، فَمَن يشرب ماءً طبيعيّاً يعطش مِن جديد، لأنَّ الجسد يطلب الماء ومِن ثَمَّ يَطرحه، ليعود مِن جديدٍ ويطلبه، وهكذا دواليك. أمَّا الماء الحيُّ الَّذي يُعطيه يَسُوع فيطفئ كلَّ عطشٍ إلى الأبد.
إنَّنا لا نتشوَّق إلى الله دون أن نجده. فنحن لسنا فلاسفةً نبحث عن الحقّ دون أن نجده، ولسنا خياليِّين نَعبد بخوفٍ ورعدةٍ إلهاً بعيداً كلَّ البُعد عنَّا، ولا يُمكنَّنا الوصول إليه؛ بل إنَّ الله نفسه بحث عنَّا ووَجَدَنا، ونحن نعرفه في جوهره. فمعرفة الآب والابن أروَت غليلنا، لأنَّ محبَّته تكفينا إلى الأبد. ووحي يَسُوع لا يصير قديماً ممِلاًّ، بل هو نابعٌ متجدِّدٌ يوميّاً بصفاء مُنعشٍ مُثلجٍ. ومعرفة الله الحقَّة ليسَت فكراً فقط، بل هي قوَّةٌ وحياةٌ ونورٌ وسلامٌ. فالرُّوْح القُدُس عينه هو عطيَّة الله، الماء السَّماوي.
وعطيَّة الرُّوْح القُدُس ننالها بواسطة يَسُوع المَسِيْح وحده. ولقد ردَّد القول ثلاث مرَّاتٍ في حديثه مع المرأة إنَّه هو مُعطي الماء الحيّ وليس غيره. فلا يستطيع دينٌ ولا حزبٌ ولا عشيرةٌ ولا صداقةٌ إطفاء عطش نفسك، إلاَّ يَسُوع مخلِّصك الفريد.
والَّذي ينال عطيَّة الله العُظمى يتغيَّر في صميمه. فيصبح العطشان ينبوع ماءٍ يفيض على الدَّوام، ويستطيع أن يُبارك الآخَرين، ويُعطيهم قوَّةً ونعمةً وفرحاً ومحبَّةً وجميع ثمار الرُّوْح القُدُس. والَّذي يَثبت بيَسُوع مُعطي النِّعَم كلّها ينال منه نعمةً فوق نعمةٍ، ويصير هذا المؤمن عطيَّة الله لكثيرين.
شعرت المرأة أنَّ يَسُوع كان جادّاً في حديثه معها، ولم يكن ساخراً. وأدركَت أنَّ أمراً هامّاً ينتظرها. فطلبَت إلى يَسُوع أن يعطيها ماء الحياة، وهو الَّذي قد أيقظ فيها الاهتمام بعطيَّة الله. فاعترفَت بحاجتها، وهي ما زالت تفكِّر أنَّ يَسُوع إنَّما كان يتحدَّث عن الماء الدُّنيوي، ولكنَّها إن نالَت الماء الَّذي لا عَطَش مِن بعده، فلن تحتاج بَعْدُ إلى حَمْلِ القرَب الثَّقيلة على رأسها، والعبور بين النَّاس الَّذين يحتقرونها.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوع، أنت مُعطي الماء الحي. أروِ غليلَنا إلى المعرفة والمَحَبَّة والحقّ، واغفر لنا نجاساتنا، وطهِّرنا مِن كلِّ إثمٍ، كي يحلّ الرُّوْح القُدُس فينا، ويُقيم فينا إلى الأبد. اجعل مِنَّا ينابيع ماءٍ ليشرب كثيرون مِن فيض روحك المنسكب في قلوبنا. علِّمنا التواضع والصَّلاَة والمَحَبَّة والإيمان.
السُّؤَال
ما هي العطيَّة الَّتي يعطينا إياها يَسُوع؟ ما هي مزاياها؟