Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
ب: الرَّأيُ المُنقسِمُ حول يَسُوع في الشَّعب والمجلس الأعلى
(يوحنَّا 7: 14- 52)
7:14وَلَمَّا كَانَ الْعِيدُ قَدِ انْتَصَفَ صَعِدَ يَسُوع إِلَى الْهَيْكَلِ وَكَانَ يُعَلِّمُ.15فَتَعَجَّبَ الْيَهُودُ قَائِلِينَ كَيْفَ هَذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ.16أَجَابَهُمْ يَسُوع وَقَالَ تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي.17إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ هَلْ هُوَ مِنَ اللَّهِ أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي.18مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ مَجْدَ نَفْسِهِ. وَأَمَّا مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ الَّذي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ.


لم يَخْشَ يَسُوع الموتَ ولا الأذى على يد أعدائه، فذهب منسجماً مع إرادة أبيه إلى أورشليم سِرّاً، أثناء العيد. لم يختبئ، بل تقدَّم إلى ساحة الهيكل، وعلَّم إِنْجِيْله بجرأةٍ كمُعلِّمٍ مُجازٍ في علوم اللاَّهُوْت. وشعر الحضور أنَّ الله يُحدِّثهم بيَسُوع مباشرةً، فسأل بعضهم بعضاً مِن أين لهذا الشَّاب هذه الأفكار اللاَّهُوْتيَّة العميقة؟ فهو لم يتعلَّم عند عالمٍ شهيرٍ مِن علماء التَّوْرَاة، فكيف لِنجَّارٍ لم يتلقَّ تعليماً أكاديميّاً عالياً أن يُعرِّفنا بحقيقة الله التَّامَّة؟
أجابهم يَسُوع، وكأنَّه يريد أن يقول لهم: "أَجَل. عندي تعليمٌ، وأنا مُعلِّم الحقيقة. وأكثر مِن هذا، أنا كلمة الله. وكلُّ أفكار الله ومشيئته حاضرةٌ فيَّ. وتعليمي هذا ليس مِن نفسي، بل أنا صوت الله، وهو ساكنٌ فيَّ. أبي هو الَّذي علَّمَني، وأنا أعرف ملء أفكاره وخططه وأهدافه ودوافعه وقدراته. لم آتِ بأفكارٍ مِن عندي، لأنَّ أفكار الله وحدها هي الحقّ، وكلُّ زيادةٍ هي كذبٌ وخداعٌ. ولم آتِ بأفكارٍ جديدةٍ، بل أقول القديم في شكلٍ حديثٍ، وأُكمل الوحي فيما ليس واضحاً بعد.
هكذا مجَّد يَسُوع أباه، وخضع له، ودعا نفسه رسول الله. فهو لم يُرسل نفسه بنفسه، بل أتى إلينا باسم أبيه ممتلئاً بسلطانه. وهكذا يكون المَسِيْح ابن الله ورسوله في الوقت نفسه، المستحقّ إصغاءنا وإيماننا وسجودنا كما للآب.
وحتَّى يُسهِّل على اليهود الإيمان به، أراهم طريقةً عمليَّةً ليؤكِّد لهم أنَّ تعليمه مطابقٌ لمشيئة الله. فما هو البرهان القاطع على صحَّة تعليم يَسُوع وشخصيَّته؟ قال يَسُوع: "اجتهدوا أن تعملوا بحسب إِنْجِيْلي، فتختبروا عظمته. نفِّذوا ما أقوله لكم كلمةً كلمةً، فترَوا سريعاً أنَّ كلامي ليس بشريّاً ضعيفاً أنانيّاً، بل إلهيّاً رحيماً قويّاً".
تحتاج محاولة تطبيق تعليم المَسِيْح أوَّلاً إلى عزمك؛ فبدون إرادتك لا يستطيع الله إنارتك. فهل تُريد ما يُريده هو؟ لا يُمكن أن تحلَّ معرفته فيك بدون انسجام إرادتك مع مشيئة الله. وعندما تخضع إرادتك لمشيئة المَسِيْح، يبدأ في صميمك مستوىً جديدٌ مِن الإدراك، فتُدرك الله كما هو.
ومن يتدرَّب على عمل مشيئة الآب، كما علَّمَنا المَسِيْح، يختبر سريعاً الهوَّة الشَّاسعة بين الإِنْجِيْل والشَّرِيْعَة. فربُّنا لا يضع حملاً ثقيلاً على أكتافنا فحسب، بل يمنحنا في الوقت نفسه القوَّة اللازمة لحمله، فنستطيع تنفيذ مشيئته فرِحين. إنَّ مَن يخضع لوصيَّة المَسِيْح ينَل القدرة على تنفيذ محبَّته. وتعليم يَسُوع لا يقودنا إلى الفشل، كما في شريعة موسى، بل إلى حياةٍ في ملء نعمة الله.
ومَن يُرِد تطبيق مشيئة الله المُعلَنَة في تعليم المَسِيْح، يتَّصِل شخصيّاً بالله مُدرِكاً أنَّ المَسِيْح ليس واحداً مِن المُعلِّمين البشريِّين، بل هو كلمة الله المتجسِّد. فهو لا يأتي بفلسفةٍ فارغةٍ، بل بغفران خطايانا؛ ويمنحنا قوَّة حياة الله.
والبرهان الثَّانِي على صحَّة تعليم المَسِيْح هو أنَّه لا يُكرم ذاته. فهو خالٍ مِن أيِّ عقدةٍ نفسيَّةٍ، أو تشاؤمٍ، أو تركيزٍ على الذَّات؛ فلم يجذب الأنظار إلى نفسه، بل إلى أبيه، وكأنَّ أباه وحده ينبوع أفكاره كلِّها. ولم يُطالب بحقوقٍ لذاته، بل أنكر نفسه ومجَّد أباه.
نستدلٌّ مِن هذا إلى أنَّ ابن الله ليس أنانيّاً البتَّة. وهو لم يستخدم حيلةً للوصول إلى السُّلطة، ولم يُقنِع إنساناً بمكرٍ، بل غلب جميع الشَّهوات الجسديَّة. لم يتبختر حول نفسه كالطَّاووس، ولم تخرج مِن قلبه أفكارٌ شرِّيرةٌ، بل كان بارّاً لا جور فيه. بمحبَّته أكمل الشَّرِيْعَة. وهكذا حقَّق في ذاته طَلَب الله مِن البَشَر: "كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَِنِّي أَنَا قُدُّوْس."