شعر بعض المستمعين بقدرة الحق في كلام يَسُوع، وخضعوا لقوَّته، واعترفوا جهراً بأنَّه نبيٌّ عالمٌ إرادةَ الله، وخبيرٌ بسرائر النَّاس. لم يُفكِّروا أنَّ يَسُوع نبيٌّ ما، بل النَّبي المُعيَّن الموعود به على لسان موسى، والَّذي سيقود شعبَ العهد مِن نصرٍ إلى نصرٍ، بشركةٍ مباشرَةٍ مع الله. وهكذا تجرَّأ بعضهم على الاعتراف بأنَّ يَسُوع النَّاصِرِيّ هو المَسِيْح الحَقِيْقِيّ الموعود.
لكنَّ منطق الكتَبَة قال: "لا، بل هو مِن النَّاصِرَة. أمَّا المَسِيْح الحَقِيْقِيّ فينبغي أن يأتي مِن مدينة داود، ومِن دم ونسل الملك داود". إنَّ هذا التَّمسك بكلمة النُّبوة حقٌّ. ولكن لماذا لم يُخبرهم يَسُوع أنَّه وُلد في بيت لحم حقّاً؟ نجد أسباباً مختلفةً لهذا السُّؤَال: فأوَّلاً لم تسمح عشيرة هِيْرُوْدُس بمجيء ملك جديد مِن خارجها. وكان أبناء عشيرة هِيْرُوْدُس مستعدِّين لسفك الدماء وقتل المئات والألوف في سبيل المحافظة على ملكهم. ثانياً لم يشأ يَسُوع أن يربح النَّاس ببراهين تاريخيّة، بل عمل على بناء ثقتهم بالمَحَبَّة وبإدراك سلطانه. وهكذا جذب يَسُوع إليه الَّذين آمنوا ولم يروا.
وتفاقم الخصام بين الجماهير، وتحزَّبوا فرقاً. فاعترف بعضهم بأنه المَسِيْح، وأنكر البعضُ الآخَر ذلك. ووقف خدَّام الهيكل بين هذه الفرق متحفِّزين للقبض على يَسُوع. ولكنَّ سلطان كلمته أمسكهم، وجلاله منعهم، فلم يتمكَّنوا مِن الاقتراب منه أو لمسه. كان يَسُوع قُدُّوْساً، على الرَّغم مِن أنَّه كان إنساناً حقّاً.