لم يسمح اليهود لأنفسهم بمجرَّد التَّفكير في أنَّ يَسُوع قال عن نفسه إنَّه الله والرَّبّ نفسه. فسألوه بإصرارٍ: "مَن أنت؟ هات برهانك، وأفصِح عن نفسك بطريقةٍ مفهومةٍ". ولم يُدركوا أنَّه قُبيل سؤالهم هذا بلحظاتٍ كان قد أعلن ذاته بأوضح بيانٍ.
فأجابهم يَسُوع قائلاً: "أنا الَّذي قلته لكم. إنَّني لا أُلقي الكلام على عواهنه، فأنا مِن البدء إلهٌ حقٌّ. أمَّا إذا كنتم لم تفهموا كلامي، ولم يكن لروحي سلطانٌ على قلوبكم، فلن تنفعكم الإعلانات كلُّها عن أسمائي وصفاتي. إنَّي أنا كلمة الله المتجسِّد. ولكنَّكم لا تسمعونني، ولا تفهمونني، لأنَّكم مِن أسفل، ولستم مِن الله. وآذانكم صمَّاء، ومع ذلك فإنَّكم لا تسمحون لروحي أن يخلق فيكم سمعاً جديداً."
"ولا جدوى مِن متابعة الحديث معكم، لأنَّكم قساةٌ. ولذلك تدينكم كلماتي، رغم أنَّني أُحبُّكم وأُعلن ذاتي لكم، لعلَّ واحداً أو اثنين منكم يُدركان جلالي. فأنا أُريد أن أُخلِّصكم وأُحييكم. الله ليس كاذباً، بل هو الحقُّ كما أنّي أنا الحقُّ. وحقيقته ستبيدكم، لأنَّكم ترفضون حلول روحه في قلوبكم. إنَّني أُعلن لكم روح الآب الحنون، ولا أتكلَّم مِن عندي، فأنا قريبٌ مِن الآب، وإِنْجِيْلي هو الوحي الحَقِيْقِيّ، وكلُّ وحيٍ غيره في العالم ليس وحياً مِن الله الآب، بل مِن الأسفل. لذلك كُلُّ مَن يُنكر الآب هو سفليٌّ. أقول هذا ليس لكم فقط، بل للعالم كلِّه. أنا لستُ عبد العهد القديم، بل ربّ العهد الجديد، مبشِّراً الخليقة كلها بفرحٍ عظيم."
لم يفهم اليهود المعاني المستترة في إعلانات يَسُوع، ولم يُدركوا أنَّه كان دائماً يتكلَّم عن وحدته بالآب. سمعوا كلامه، ولم يفهموه، لأنَّهم لم يؤمنوا به. فالإيمان البسيط بيَسُوع هو الَّذي يُعلن لعقولنا حقَّه الجَليّ.