Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
8:44أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ لأَِنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ.


يقول يَسُوع لجميع الَّذين لا يُحبُّونه إنَّهم أولاد إبليس. وقد بيَّن بقوله هذا لليهود حقيقتهم، على الرَّغم مِن ادِّعائهم معرفة الله، وأظهر للناموسيين أنَّهم بعيدون كُلَّ البُعد عن الله، لأنَّ الشِّرير نفسه كان أباهم.
فالشِّرير يُسبِّب الفوضى والاضطراب أينَما توجَّه. وقصْدُه إسقاط خليقة الله في الخراب والدَّمار، مفتِّشاً عن نقاط الضَّعف في كلِّ إنسانٍ، كي يستغِلَّها بمكرٍ للسَّيطرة عليه والإيقاع به في فخاخ التَّجارب والخطايا؛ومِن ثَمَّ يهرع إلى عرش الله مشتكياً ومتَّهماً السَّاقط مُتَّخِذاً مِن سقوطه ذريعةً لإدانته والحُكم عليه بالعذاب الأَبَدِيّ. يا لها مِن خدعةٍ شنيعةٍ! هكذا استغلَّ الشَّيْطَان عناد هؤلاء اليهود واستكبارهم وغرورهم وتعصُّبهم ليَمنعهم مِن الإيمان بالرَّبّ يَسُوع.
وصف يَسُوع الشَّيْطَان بخزَّان الأكاذيب والشهوات الشِّريرة الَّذي ينضح بما فيه، لأنَّ مخزونه النَّجِس قد حرمه كلَّ نيَّةٍ صالحةٍ، فصار عبداً لذاته حاقداً على نفسه وعلى العالمين. وفي هذا الرُّوح عاش جميع أعداء المَسِيْح، فأهلكوا الآخَرين وأنفسَهم، منقادين إلى شهواتهم الشِّريرة. فجميع الَّذين يعيشون بدون ربِّهم مُجبَرون على عمل الشَّر الَّذي يُلهمهم به إبليس عدوّ الخير.
ما هي شهوات الشَّيْطَان؟ يُعلن يَسُوع لنا طبيعة إبليس الدَّنيَّة، فيُسمِّيه قتَّالاً منذ البدء، لأنَّه أبغض صورة الله المجيدة في الإنسان وأهلكها. فبتحريضه النَّاس على الله، قادهم إلى موت الهلاك. فهو القتَّال لجميع النَّاس. وهو فوق ذلك قد قَتَل نفسَه، حين انفصل عن الله المُحيي. وهكذا بدأ فيه الموت الأَبَدِيّ الَّذي لا يُمكن أن يموت. ففي يد الشِّرير سلطة الموت، وقصده إبادة جميع الأحياء وقتلهم وإبادتهم. وهكذا نرى ثمار القتَّال الأَبَدِيّ إبليس في الحروب والأمراض وحوادث السَّير وكلِّ بغض وحقد وضغينة.
وسبب شراسة إبليس هذه هو الكذب والخداع. لقد أغرى آدم وحوَّاء، وقادهما بواسطة الكذب إلى عدم الإيمان، وتجاوُز وصيَّة الله. كما خدع نفسه أيضاً عندما كان زعيماً بين الملائكة، وتخيَّل في استكباره، أنَّه أعظم وأجمل وأقوى مِن الله.
إنَّ هذا الغرور هو جوهر الشَّيْطَان الَّذي لم يُدرك حدود مطامحه، فسقط سقوطاً عظيماً. أمَّا المَسِيْح فهو عكس ذلك، لأنَّه متواضع القلب، وديع النَّفْس. والمؤسِف أنَّ الإنسان يختار الغرور والمباهاة والاستكبار بدل تواضع يَسُوع وإنكاره ذاته. وهكذا يُنشئ المُجرِّب الكذَّاب جيوشاً مِن الكذَبَة، تَخرج الأكاذيب مِن أفواههم كحيَّاتٍ سامَّةٍ تُسمِّمُ الحياة كلَّها، فلا يثق أحدٌ بَعْدُ بالآخَر.
قالت سيِّدةٌ لأُمِّها: "الجميع يكذبون، ويُداهن بعضُهم بعضاً بابتسامٍ، ويتباغضون في الوقت نفسه. كلٌّ يُكرم ذاته. التَّلاَمِيْذ يغشُّون في الامتحانات، والتُّجار يخدعون. والكذب يَظهر حتَّى في البيوت بين الزَّوجَين. فلا يثق أحدٌ بالآخَر. بينما يعتبر كلُّ واحدٍ مِن هؤلاء الكَذَبَة نفسَه الإنسان الصَّادق المستقيم الوحيد".
إنَّ سبب غرور النَّاس هو عدم معرفتهم الحقيقة. فكانت الخطيئة الأصليَّة للشَّيطان عدم ثباته في معرفة حقيقة الله. وعندئذٍ فقد المقياس، واستكبر، ولم يرَ غير ذاته. إنَّ كُلَّ مَن لا يخاف الله يُصبح غبيّاً، لأنَّ رأس الحكمة مخافة الله. ومَن يتدرَّب على حكمة الله ووصاياه يثبت فيه روحُ التواضع والقداسة. أمَّا الحياة بدون الله فسُرعان ما تصير كذباً ورياءً وخداعاً. فالشَّيْطَان نفسُه خالٍ مِن روح الله، وليس فيه حقٌّ مُطلقاً.
لذلك أدعوكَ يا أخي إلى اليقظة والحذَر، فوسوسات الشَّيْطَان وإلهاماته كلُّها هي محض أكاذيب. وهو يُضمِّن أكاذيبه بعض الحقائق والُوْقَائع كي تكون طعماً يصطادك به ليُغرِّر بك ويُوقعك في حبائله. وكُلَّما تعمَّقْت في الإِنْجِيْل ستُدرك أنَّ جميع الفلاسفة، ومؤسِّسي المذاهب والأحزاب، ودُعاة التَّوحيد والتَّوفيق بين الأديان والمذاهب المتعارضة، هُم كذبَة بحسب تعليم الإِنْجِيْل إن لم تكُن حقيقة المَسِيْح أساسهم وهدفَهم.
كما أنَّ كلَّ تعليمٍ أو مبدأٍ خارج العهدَين القديم والجديد، وإن أضاء أمام عيوننا وتلألأ ببلاغته وجاذبيَّته وسِحره، هو في الحقيقة بدعةٌ مُضِلَّةٌ تقود إلى الموت وليس إلى الحياة. فالشَّيْطَان يُظهِر كلَّ كذبٍ وكأنَّه حقيقةٌ دامغةٌ، فيتكلَّم بمبالغةٍ ومُغالاةٍ وتجديفٍ، لأنَّه كذَّابٌ أبو الكذَبَة، ومُضلٌّ أبو المٌضِلِّين.