Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
8:6وَأَمَّا يَسُوع فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِأُصْبُعِهِ عَلَى الأَرْضِ.7وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيئة فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ.8ثُمَّ انْحَنَى أَيْضاً إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ.9وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ خَرَجُوا وَاحِداً فَوَاحِداً مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ.


عندما اشتكى الفَرِّيْسِيُّوْنَ على الزَّانية أمام يَسُوع خالق الكون، انحنى هو على الأرض، وجعل يكتب بأصبعه في التُّراب. لا نعلم ماذا كتب. ولعلَّه شاء أن يعطي أعداءه فرصةً للتَّفكير، فهُم واقفون أمام القُدُّوْس المُحِبِّ. ولربَّما كان يكتب جوهر وصيَّته الجديدة بكلمةٍ واحدةٍ: "المَحَبَّة".
ولكنَّ الشُّيوخ لم يفهموا تباطؤه، ولم يُدركوا أنَّ ديَّان العالم كان على وشك إصابتهم في الصَّميم، فألحّوا عليه لينطق بكلمةٍ حاسمةٍ، مستهزئين به في قلوبهم، ظنّاً منهم بأنَّهم قد ورَّطوه في مهلكةٍ لا نجاة له منها.
وإذ ذاك انتصب يَسُوع واقفاً، ونظر إليهم بحزنٍ ورحمةٍ وقداسةٍ. كان نظرُه نظَرَ الله، وكلمته هي الحقّ. ونطق بعبارته الفاصلة وحُكمه القاطع: "مَن كان فيكم، أيها الرؤساء والشيوخ والقادة، بلا خَطِيئة، فليبدأ بإلقاء الحجَر الأوَّل عليها".
لم يُغيِّر يَسُوع حرفاً واحداً مِن النَّاموس (الشَّرِيْعَة)، بل أكملها كلَّها. لا شكَّ أنَّ تلك الخاطئة كانت تستحقُّ الموت، وهذا ما أثبته يَسُوع جليّاً، لأنَّه وافق مبدئيّاً على استحقاقها الرَّجْم. فالله قُدُّوْس، وأنت تستحقٌّ الرَّجم اليومَ بسبب نجاساتك.
ولم يدن يَسُوع الزَّانيةَ وحدها، بل الأتقياء أيضاً. فطلب منهم أن يُبرهنوا على براءتهم بإلقاء الحجر الأوَّل. فمزَّق بقوله هذا أقنعة التقوى الَّتي تُغطِّي وجوه المتعصِّبين. فليس أحدٌ صالحاً مِن نفسه، وليس إنسانٌ خالياً مِن الخطيئة. جميعنا ضعفاء، مجرَّبون، ساقطون. ولا فرق أمام الله بين خاطئٍ ومتظاهرٍ بالتَّقوى، لأنَّ الجميع زاغوا وفسدوا، وأصبحوا أشراراً في طبيعتهم. ومَن تجاوَز وصيَّةً واحدةً فقد كسر النَّاموس (الشَّرِيْعَة) كلَّها، وصار مستحقّاً الهلاك فوراً.
كان جميع الشيوخ والنَّامُوْسِيِّيْنَ يذبحون حيواناتٍ في الهيكل للتَّكفير عن خطاياهم، معترفين بذلك ضمناً بأنَّهم خطاةٌ. فأصابتهم كلمة يَسُوع في ضمائرهم. لقد أرادوا القبض على النَّاصِرِيّ، ولكن انقلبت الآية، فإذا هو يكشف أقنعتهم، ويدينهم، ويوقعهم في الفخ الَّذي نصبوه له. وفي الوقت نفسه حافظ يَسُوع على النَّاموس (الشَّرِيْعَة)، ورفعها عالياً. فأحنى المشتكون عليه رؤوسهم، شاعرين أنَّهم واقفون أمام ابن الله، مرتجفين مِن قداسته، ومتزعزعين في قلوبهم. وقد رأى كلُّ منهم ذنوبه أمام عينيه، وهلاكه المُقْبِل.
نطق يَسُوع بجملته الفريدة، ولم يزِد عليها. ثمَّ تابع كتابته على الأرض. لقد انحنى الله إلى الأسفل، إلى أوساخ البشر ونقائصهم ونجاساتهم، فمحبَّته وحقُّه يترافقان معاً. وترك يَسُوع في أرضنا آثاراً تفيض رحمةً وقداسةً.
أمَّا الَّذين شاهدوا المساجلة بين يَسُوع والفَرِّيْسِيِّيْنَ، فارتجفوا هم أيضاً، ونُخسوا في ضمائرهم وقلوبهم. وطردتهم عاصفة الرُّوْح القُدُس مِن أمام ربِّ المَجد. وأدرك الشُّيوخ قبل غيرهم ذلَّهم وهوانهم وحقارتهم، فانصرفوا كلُّ في سبيله، ولحق بهم سائر الشُّبان المتحمِّسين، وحتَّى التَّلاَمِيْذ انسحبوا خجلاً وخزياً، ولم يبقَ في ذلك المكان أحدٌ غير يَسُوع.