Skip to content

Commentaries
Arabic
متى
  
11:16وَبِمَنْ أُشَبِّهُ هذَا الْجِيلَ؟ يُشْبِهُ أَوْلاداً جَالِسِينَ فِي الأَسْوَاقِ يُنَادُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ (17) وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا! نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَلْطِمُوا! (18) لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا لا يَأْكُلُ وَلا يَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: فِيهِ شَيْطَانٌ. (19) جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. وَالْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا. (يو2:2؛5:35،1كور4:24-30)


تراكضت الجماهير نحو يسوع، ليس بدافع الإيمان، بل بدافع الفضول لرؤية العجائب. كانوا قد انطلقوا إلى البرية من قبل لِلتطلع في يوحنا الغريب، والداعي إلى المعمودية والتوبة، لكنهم لم يرجعوا حقاً عن طرقهم العوجاء، بل استمروا في شرِّهم، انتقدوا يوحنا باستهزاء، لأنه كان زاهداً متقشفاً منادياً بالانكسار القلبي. بعدئذ سَخِرَت الجماهير من المسيح، لأنه كان يأكل ويشرب كغيره، يعاشر الخطاة والغوغائين ليتوبوا ويخلصوا. لقد طلبوا من المعمدان فرحاً ومن المسيح حزناً ولم يدركوا البتة سرَّ دعوتهما، لأنهم تصرفوا كأولاد بفضولية وسطحية وتفاهة.
لقد سمَّى المسيح المرائين «أولاداً »، لأنهم لم يدركوا حقيقة الحياة، كانوا يلعبون وينوحون، لم يعرفوا سبب الموت وقيود الخطيئة وعبودية الشيطان، التي انغمسوا في بشاعتها، لم يشتاقوا إلى المسيح وخلاصه، إذ اعتبروا انفسهم أبراراً مستقيمين. أما المؤمنون بالمسيح فعرفوا سر الكون، بأن الله هو مصدر الحياة، وأنه أبوهم قابل التوبة وغافر الذنب ومعطي الحياة الأزلية بابنه يسوع، فيستمدون قوة الروح الإلهي من قراءة الإنجيل، ويعيشون أبديين وسط زوال العالم.
إنهم جهلاء كالأولاد، عنيدين كالأولاد، غير مكترثين ويميلون إلى اللهو والعبث كالأولاد، ولو أنهم أظهروا أنهم رجال في الفهم لكان هنالك بعض الرجاء فيهم. أما "الأسواق" التي يجلسون فيها فإنها للبعض مكان للبطالة والكسل، وللآخرين مكان للمشاغل العالمية، وللجميع مكان للصخب أو اللهو واللعب. لهذا فإذا سألت عن سبب عدم انتفاع الناس من وسائط النعمة وجدت أنه لتكاسلهم وغهمالهم وعدم اكتراثهم وعدم الرغبة في تحمل أي عناء، أو لأن عقولهم وأيديهم وقلوبهم يشغلها العالم باهتماماته الكثيرة التي "تخنق الكلمة" ثم تخنق نفوسهم أخيراً. هذه هي حالتهم في الأسواق، وهنالك يجلسون في هذه تتركز عقولهم، وفيها يعتزمون البقاء.
وأنت هل تشتاق إلى يسوع منجي الأنام، وتفرح عند سماع إسمه؟ أم لا تزال تابعاً للشيطان الذي يرتجف خوفاً من سماع اسم يسوع؟ هل شعورك متقلب حسب أخبار الجرائد؟ وهل نفسك مُلتصِقة بشاشة التلفزيون؟ أم تحب الله وترغب في الإلتصاق به وتنتظر بشغف وشوق مجيء المسيح ثانية؟؟ أتلعب في هذه الدنيا وتلهو مهتما بجمع حطامها من أموال وذنوب ومبذراً وقتك الثمين؟؟ أم تخضع لمشيئة ملك الملوك، عالماً أن هناك حساب ينتظرك عن كل قرش وثانية صرفتهما طوال حياتك؟ إن المسيح يدعوك إلى ملكوته لتمتلئ بروحه وتتمم مشيئته، وتأتي بثمر كثير.
تفسيراً لهذا المثل يُبسط أمامنا نوعا الخدمة المختلفين: خدمة يوحنا وخدمة المسيح اللذين كانا نورين عظيمين لذلك الجيل:
جاء يوحنا نائحاً لا يأكل ولا يشرب، لا يختلط بالشعب ولا يأكل معهم، بل متوحداً في صومعته في البرية، حيث "كان طعامه جراداً وعسلاً برياً". كان من المنتظر أن شخصاً كهذا يكون كافياً لكي يؤثر فيهم، لأن حياة متقشفة صارمة كهذه كانت تناسب جداً تلك التعاليم التي نادى بها، والخادم الذي تتفق أعماله مع أقواله يكون مُنتجاً. مع ذلك فإن تعاليم مثل هذا الخادم ليست منتجة في كل الظروف.
جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، وهكذا زمّر لهم. فالمسيح اختلط بكل أصناف البشر دون أن يراعي أي خطر. كان أنيساً ودوداً للجميع، سهل الوصول للكل، لا يتجنب أية جماعة، يحضر الولائم والأعياد، يختلط بالفريسيين والعشارين لعل هذا يؤثر فيمَن لم يؤثر فيهم تحفظ يوحنا. فالذين لم ترُوعهم عبوسة يوحنا تجتذبهم ابتسامة المسيح، الذي منه تعلم بولس أن يصير "للكل كل شيء" (1كو9: 22). على أن المسيح بحريته لم يدن يوحنا قط، كما أن يوحنا لم يدنه ولو اختلفت وجهة نظر كل منهما تمام الإختلاف.

الصَّلَاة
أيها الآب السماوي، نشكرك لأنك ولدتنا ثانية لمعرفة محبتك، وحّدتنا في ابنك لنخدم الضالين بقوة روحك. إغفر لنا إذا كنا أهملنا دعوتك السماوية، وسيطرت علينا هموم اليوم وخوف العالم. وجّه أبصارنا إلى مجيء ابنك لكي لا نتصرف كأولاد بل نستعد لاستقبال الآتي المجيد.
السُّؤَال
لماذا شبَّه يسوع الناس في عصره بالأولاد؟