Skip to content

Commentaries
Arabic
متى
  
2:16حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدّاً، فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَبِ الّزَمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. (17) حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ: (18) صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلادِهَا وَلا تُرِيدُ أَنْ تَتَعَّزَى، لأنَهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ. ( تكوين35:19؛ إرميا31:15)


فكّر هيرودس أن المجوس يخافون منه ويكرمونه وسيعودون إليه مباشرة بعد معرفتهم للمولود، لكنه لما رأى أنـهم تجاهلوه اغتاظ كثيراً، لأنه لم يخبروه من هو المسيح وأين يسكن. فحدثت عنده ردة فعل عنيفة، كما حصل ذلك مراراً في ماضيه.
كان هيرودس ادوميا تجري في عروقه العداوة لإسرائيل. كان الأطفال على الدوام – ولا يزالون – موضع عطف ورعاية وحماية القوانين البشرية بل الطبيعة البشرية، ومع ذلك فقد ذهبوا ضحية غضب ذلك الظالم العاتي الذي لم يكن يُقدِّر للبراءة وزناً كنيرون. كان هيرودس محبا لسفك الدماء في كل أيام حكمه، فقبل هذه الحادثة بقليل قتل جميع أعضاء السنهدريم. على أن سفك الدماء في نظر الرجل الوحشي ليس إلا بمثابة شرب المرضى بالإستسقاء للماء. فإنه كلما ازداد شرباً ازداد عطشا. كان هيرودس إذ ذاك في السبعين من عمره ولم يكن معقولا أن يزعجه طفل كهذا دون السنتين. ثم إنه لم يكن متلهفا على أطفاله أو شغوفا برفاهيتهم، فقد سبق أن قتل اثنين من أبنائه، الإسكندر وأرسطوبولوس، وبعد ذلك قتل ابنه أنتيباتر قبل موته هو شخصياً بخمسة أيام. لهذا فإنه لم يلتجئ إلى تلك الحادثة الوحشية إلا لإشباع شهوة الكبرياء والقسوة الوحشية.
يخبرنا "مكروبيوس" وهو مؤرخ وثني، أنه عندما سمع أوغسطس قيصر أن هيرودس قتل ابنه ضمن الأطفال الذين قتلهم دون السنتين قال هذه النكتة "كان خيرا لهيرودس أن يذبح خنزيراً من أن يذبح ابنه". كانت عادات البلاد تمنعه من ذبح الخنزير، ولكن لم يكن هنالك ما يمنعه من ذبح ابنه.
يرى البعض أن حُزن أهل بيت لحم سُمح به قصاصا لهم على احتقارهم للمسيح واستخفافهم به. إن الذين لا يفرحون بولادة ابن الله يحق لهم بعدل أن يحزنوا لموت أبنائهم. فكل ما نقرؤه عن أهل بيت لحم أنهم "تعجبوا" من الأخبار التي أتاهم بها الرعاة لكنهم لم "يرحبوا" بها.
إن الإشارة إلى هذه النبوة تكفي للرد على اعتراض قد يعترض به البعض على المسيح بسبب هذه المناسبة المفجعة. قد يقول هؤلاء المعترضون:" هل يمكن أن يدخل المسيا إلى العالم بهذه الفواجع وهذه الاحزان مع أنه مفروض أن يكون هو عزاء لإسرائيل؟"
نعم، لأنه هكذا تنبأ الكتاب وينبغي أن تتم النبوات. وفضلا عن هذا فإننا إذا تأملنا في باقي هذه النبوة وجدنا أن "البكاء المر" في الرامة كان مقدمة لفرح جزيل لأنه يقول بعد ذلك "لأنه يوجد جزاء لعملك، ويوجد رجاء لآخرتك" ( أر31: 16و17) عندما تسوء الأمور تسرع حالا وتنصلح. فإنه قد ولد لهم ولد يكفي أن يعوضهم عن خسائرهم.
من الغريب أن أهل بيت لحم لم يصدقوا أخبار الرعاة والمجوس، ولم يهتموا بالطفل يسوع. فهم لم يأتوا ويسجدوا له. وإذ لم يؤمنوا رغم الشهادات البارزة، سقطت يد الله القوية عليهم بقتل أطفالهم، كما سقطت على اسرائيل دينونة إلهية من قبل، إذ بكى النبي إرميا على شعبه المسبّي، كما بكت راحيل بسبب تعسُّر الولادة، فماتت ودُفنت في بيت لحم. لقد منع الله عبده إرميا من البكاء آنذاك، لأنه أراد أن يُربّي المسبيين بقصد إرجاعهم إلى حمايته.( إرميا31: 15 وتكوين 35: 18). نلاحظ أن الوحي لا يقول هنا " لكي يتم " بل يقول "حينئذ تم "، ولاختلاف هاتين العبارتين أهمية كبرى، لأنه إذا قيل "لكي يتم ما قيل" عن حادثة أنها حصلت، يكون المعنى أن هذه الحادثة هي المقصد الأصلي للنبوة المذكورة، وأما إذا قيل " حينئذ تم " كما هو مذكور هنا يكون المعنى أن الحادثة ليست هي القصد الأصلي، بل هي جملة حوادث تصدق عليها النبوة. فالنبوة المقتبسة هنا صدقت أولاً على حالة إسرائيل وقت سبي بابل لما كانت الأرض قد أثكلت، وتكلم النبي عن ذلك الخراب العظيم مصوراً راحيل، امرأة يعقوب المحبوبة، التي كانت مدفونة بالقرب من بيت لحم ( تكوين35: 19) كأنها قد قامت من الأموات وسألت عن أولادها ولما لم تجدهم أبت التعزية لأنهم ليسوا موجودين في ارضهم بل مشتتين بسبب ظلم أعدائهم. كذلك كانت حالتهم في زمان ولادة المسيح لأن الوارث الحقيقي نفسه كان هارباً من وجه الظلم، والملك الكذاب يسطو كذئب خاطف على الذين بقوا في الأرض.
كانت دينونة الله على بيت لحم ضربة المحبة من ربهم ليرجعوا ويتوبوا، وليؤمنوا بالطفل يسوع.
هكذا يتضح أن متى يتناول موضوع تشبيه الرب يسوع في طفولته لليهود في بداية تكوينها كأمة. فنراه يخرج من مصر كما خرجت هي، علما بأن المسيح جاء لينجح حيث فشلت الأمة اليهودية في السابق بسب عدم الإيمان. وينهي الرسول متى سرده لأحداث طفولة المسيح بالتشديد مرة أخرى على توجه المسيح العالمي، فيشير إلى الناصرة مكان سكناه الأول. أما هذه المدينة فكانت تقع في الجليل على خط دولي، تحفل بالنشاط التجاري الأممي الذي كثيراً ما كان يترافق مع مظاهر اللهو والإنحراف الخلقي والعبادات الوثنية. لذلك كان أهل اليهودية ينظرون باحتقار إلى أهل الجليل بشكل عام وإلى الناصرة بشكل خاص لكي يتم الكتاب بأنه سيكون محتقراً.

الصَّلَاة
أيها الله القدوس، أنت عادل ولا تقاصص بدون سبب. نستحق إبادتنا لأجل إهمالنا لعظمتك ولأجل احتقارنا للمساكين، ولأجل لامبالاتنا لنبواتك. إرحمنا وارحم امتنا لأن أخطاءنا متصاعدة إلى السماء، وأخلق فينا الندامة على آثامنا وارشدنا إلى معرفة شرورنا وقدنا إلى التوبة وتغيير الفكر، وافتح أعيننا لكفارة المسيح، واملأنا بمحبتك حتى ننجو من دينونتك المعلنة والمقبلة علينا.
السُّؤَال
ما الهدف الأخير لعقوبات الله؟