Skip to content

Commentaries
Arabic
متى
  
4:8ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، (9) وَقَالَ لَهُ: أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي (10) حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأنَّـهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ (11) ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ. (تثنية6:13، يو1:51، عب1:6و14)


لم يظهر إبليس في التجربتين السابقتين كخصم مضاد لله بطريقة علنية أو مكشوفة. بل ظهر أولاً كأنه يطلب من المسيح برهاناً على كونه ابن الله. وثانياً، كأنه يحمله إلى إثبات صدق الله. أما في هذه التجربة الثالثة، فقد انكشف أنه عدو، محاولاً إذا أمكنه، أن يفسد الإنسان الثاني. إذ أنه بكيفية عجيبة لا ندركها، أراه في لحظة، ممالك العالم ومجدها ( لوقا4: 5) وعرض عليه أن يملكه عليها، إذا سجد له. عند ذاك طرده المسيح حالاً قائلاً "إذهب يا شيطان". ثم اقتبس شهادة على وجوب تقديم السجود لله وحده. فإن بين الله والعالم معاكسة كاملة، ومن أراد أن يكون محبّاً للعالم فقد صار عدواً لله (يعقوب4:4) إن أكبر تجربة يمكن لإبليس أن يجرب الإنسان بها، هي العالم. ومعلوم أننا معرضون للسقوط في هذا الفخ. فلما لم يستطع إبليس أن يغوي المسيح في التجربتين السابقتين باستعماله له كلمة الله، استعمالا سيئاً، مستتراً بهذا الستر الجميل لإغواء القلب المطيع، إذ خلع ستره وقدم له العالم. لكن المسيح لم يشأ أن يقبله منه أبداً. لا شك أنه وُعد به من الآب (مزمور2: 7-9)، وسيمتلكه في الوقت المعين (رؤيا11: 15)، لأنه كابن الإنسان، وآدم الأخير، سيرث كل شيء(عبرانيين2: 5-9). لكنه سيمتلكه بالحق جزاءً له من الله على طاعته الكاملة، حتى الموت موت الصليب. لم يخطر بباله، ولو للحظة، أن يلبس إكليل المجد دون أن يلبس أولاً إكليل الشوك.
نصلي في نهاية الصلاة الربانية: «لك الملك والقوة والمجد». وبهذا التعظيم نسلّم أنفسنا لله.
أما الشيطان فيختلف كل الاختلاف عن هذا. إنه الروح الفخور، الذي طلب السجود لنفسه من جميع المخلوقات. وقد كذب لمَّا رسم أمام المسيح ممالك العالم كله وقدَّمها له هبة، لأن ليس له حق بما عرضه مدَّعياً تملُّكه. إن العالم بما فيه من قوى ومجد هو ملكٌ لله ومسيحه.
لم يصدق المسيح كذب إبليس، فثبت متعلّقاً بأبيه. ولم تستهويه سلطة أومجداً، لأنه أخلى نفسه وصورته الإلهية، وصار إنساناً حقيراً ليفدي البشر كلهم. إنه اختار طريق الفقر والاحتقار، ليبرهن أن ليس الغِنَى هو الذي يُسعد الإنسان، ولا الشهرة المالية تساعده، بل الشركة مع الله أبيه.
قال مليونير مرة: «لكل إنسان ثمن، كي يعمل ما يضاد ضميره، إذا نال مبلغاً ضخماً من المال». أما المسيح فلم يبع برَّه بالمال الخدَّاع، بل أنكر ذاته، وحمل صليبه، وثبت في قناعة وطاعة أبيه.
بهذا الموقف الإلهي غُلِبَ إبليس، وكَشَف المسيح هدفه السرِّي وجرَّده، مُظهراً أن الشيطان هو كذاب وسارق وقاتل. يريد أن يسجد له الناس أجمعين، ويجعل من ذاته إلهاً، ويجرّب البشر أن يحبوا مالهم وكتبهم وسياراتهم وممتلكاتهم الأخرى أكثر من ربهم، فيتكلون على المخلوقات كأصنام، ولا يتكلون على الخالق وحده. هكذا يريد الشيطان انحراف البشر عن الله والارتباط به ليصبح الشرير محور الكل ويملك على الكون ويدخل عبيده إلى المعارضة والتجديف ضد الله. فإبليس هو الثائر الأصيل الذي يأتي بأبناء المعصية إلى جهنم أفواجاً.
عند ظهور هذه التجربة، لم يستمر يسوع في بحثه مع عدو الله، بل أمره أن يذهب من أمامه في الحال بدون أي مناقشة. وقد كملت تجربة يسوع بطلب الشيطان منه السجود له. فانتهت الرحمة وابتدأ الحق ودينونة الله.
رغم ذلك، فقد أعطى يسوع لهذا الشرير فرصة أخيرة " لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ " فلم يميته في الحال بل أمره بالتوبة والسقوط أرضاً أمام الله والسجود له ليرجع عن ذهنه الفاسد ويستسلم للقدير ويخدمه باستمرار بتواضع وطاعة. لم يطلب ابن الإنسان السجود لذاته من قبل الشيطان، بل فتح للثائر الباب إلى الله ليرجع إلى رشده نادما طائعا. لقد توقفت أنفاس السموات وجهنم لأن المصارعة بين الله وعدوه الأول بلغت ذروتها، فماذا سيعمل الشرير؟
إنه ترك يسوع صامتاً ومضى ولم يسجد للعلي، بل أبغض إبليس يسوع الذي لم يخسر نفسه من أجل الخبز والظهور والسُلطة، بل فضَّل القناعة والإحتقار والذهاب إلى الصليب ليفدي البشر، فروح المسيح غلب روح الشيطان.
لا يخفى أننا لا نحصل على بساطة العين ونقاوة القلب إلا بالنعمة فقط. بخلاف ربنا يسوع المسيح الذي كان بذاته طاهراً وقدوساً، ليس فيه أدنى ميل إلى ما يخالف إرادة الذي ارسله، عبثاً حاول المجرب أن يجعله يستعمل حقه وقوته كابن الله ليصيِّر الحجارة خبزاً ويتخلص من جوعه كابن الإنسان. عبثاً حاول أن يحمله على أن يجرب الله ليتحقق إذا كان معه أم لا؟ لأن اتكاله عليه كان كاملاً، وثقته فيه تامة، بدون حاجة إلى تجربة. عبثاً عرض عليه ممالك العالم ومجدها لأنه، تبارك إسمه، عرف أنها ستكون له في الوقت المعين، حين يملك كابن الإنسان ملكاً مجيداً على الكل، مع أنه التزم أن يُكمِّل كل ما تعين له إلى أن يأتي ذلك الوقت.
كذلك نلاحظ أهمية وكفاية كلمة الله وقوتها. لأن ربنا يسوع المسيح، رغم أنه هو الظاهر في الجسد، كان في استطاعته أن يجيب بأجوبة جديدة وسديدة من عنده في مصارعته مع إبليس كمجرب، لكنه لم يمتنع عن استعمال كلمة الله المكتوبة للإنسان. كانت شهادة واحدة منها كافية لإخراس العدو وردعه. هكذا هو الأمر معنا في هذا الجهاد الروحي. على أنه ينبغي لنا أن نستعمل الكلمة في محلها، وبالإتكال التام عليها ككلمة الله، وبعين بسيطة وقلب نقي، ليس لغايات ذاتية، أو لأجل الإفتخار والتظاهر بالغلبة وقت مماحكة الكلام.
بعد ذلك الإنتصار اقتربت الملائكة من يسوع وخدمته، وسجدت له طوعاً. فلو سقط يسوع في التجربة، لزالت آخر فرصة لمصالحتنا مع الله، وحلَّت الدينونة. أما هو فثبت أميناً، فتقدم وانتصر.

الصَّلَاة
يا ابن الله القدوس. نسجد لك ولأبيك بفرح وابتهاج. لأنك المنتصر على الشيطان. اغلبنا أيضاً، لكي نعبد القدوس دائماً في قلوبنا، ونخدمه في أيامنا، ونستسلم له طوعاً، ونتَّبعك في خدمتك. ساعدنا أن نفضِّل البقاء صغاراً محتقرين، من أن نشتهي المال والسُلطة الفانية، لنبني مستقبلنا على أساس صليبك واسم أبيك القدوس وحده.
السُّؤَال
لماذا أمر يسوع الشيطان بأن يسجد لله فقط؟