Skip to content

Commentaries
Arabic
متى
  
الصلاة في العزلة
(6: 5- 8)
6:5وَمَتَى صَلَّيْتَ فََلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! (6) وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. (7) وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ.(8) فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ. (إشعياء1:15)


لكل دين طقوس خاصة لممارسة الصلاة. فالصلاة ركن من أركان الدين. رفع اليهود أيديهم ليتلقوا بركة الله الهابطة عليهم مباشرة. كانوا أحياناً يصلّون جهراً في الطرقات والأزقة ليتباهوا بتقواهم. أما نحن المسيحيين فليس لنا تنظيم روتيني معيَّن للصلاة، لأن المسيح حررنا من الطقوس والأشكال. فلسنا عبيداً في نظر الله. نحن أبناء نتكلم مع أبينا السماوي، سواء في جلوسنا أو مسيرتنا أو وقوفنا أو سجودنا. فجوهر الصلاة هو التكلم مع الله كما يتكلم الأبناء مع أبيهم، مقدمين له الشكر والحمد والاعتراف، الاستغفار والدعاء والابتهال لأجل الآخرين.فكما تتكلم مع أبيك الجسدي، هكذا بالأحرى تتكلم وتعبّر عما يراودك أمام أبيك السماوي.
في الصلاة نحن نتعامل مع الله مباشرة أكثر من الصدقة، لذلك ينبغي أن نكون أكثر إخلاصاً، وهذا ما يرشدنا إليه المسيح في هذه الأعداد. من المسلّم به أن تلاميذ المسيح يصلّون. فحالما تجدّد شاول قيل عنه "هوذا يصلي" إن استطعت أن تجد مخلوقاً حيا لا يتنفس استطعت أن تجد مسيحياً حياً لا يصلي.
عموماً نحن لا نصلي جهراً، فالذي لا يصلي في الخفاء لا يصلي مع الجماعة، لأننا لا نصلي للناس بل لله وحده. فأبوك السماوي يسمعك دوماً، ويعرف حاجاتك قبل أن تطلبها منه. أثناء الصلاة تزول خطاياك وأمنياتك الباطلة، وشهواتك المثيرة، وتدرك حضور الله معك. من المستحسن الركوع، لكن الذي يخلصك هو ايمانك وليس حركاتك الظاهرة، ولك الحق بالسجود كما فعل المسيح في جثسيماني. لكن الله لا يخلّصك لأجل سجودك، بل لأنه يحبك وبذل ابنه الوحيد لأجلك قبل أن تسجد له.
إن رغبت في الصلاة فانعزِل في مكان خفي هادئ وأغلق عليك بابك، واسكب بين يدي أبيك ما في قلبك من هموم وأثقال. إن لم يكن لك غرفة خاصة فانطلق إلى البرية، وتكلم هناك إلى أبيك السماوي فهو يستمع لك. لا تستطيع الحياة بدون صلاة، لأنه كما أن جسمك لا يحيا بدون تنفس، هكذا نفسك لا تحيا بدون صلاة. صلِّ عدة مرات في اليوم، مع التأمل في الكتاب المقدس، لتصبح صلاتك رداً على كلمات أبيك إليك. إن كنت لا تحب الصلاة وتمتنع عن قراءة الإنجيل فإنك تشرف على خطر كبير، لأن هذا يعني أنك لا تحب أن تنفرد مع الله. ألا تشتاق أن تتحدّث مع أبيك السماوي؟ إنه ينتظر كلماتك وشكرك وثقتك ويغفر خطاياك.
كان الفريسيون يصلون إلى الناس أكثر مما يصلون إلى الله. ومهما كان شكل صلواتهم كانت غايتها إلتماس المدح من الناس ونيل رضاهم. أما أنت فصلِّ إلى الله وفي هذا كل الكفاية لك. صلِّ إليه كأب بل كأبيك، وهو كأب مستعد أن يسمع وأن يستجيب، وهو يميل أن يشفق عليك وأن يعينك ويعضدك. صل إلى أبيك الذي في الخفاء.
لا يحذرنا المسيح من كل تكرار، بل من التكرار الباطل، إذ أنه يكون عن كبرياء أو عن عقيدة خرافية، أو عن عقيدة بأن الله يحتاج إلى إطالة الكلام لكي نعلمه بحاجياتنا، أو لكي نقنعه بعدالة طلباتنا، أو عن غباوة ووقاحة، لأن البشر يميلون أن يسمعوا أنفسهم يتحدّثون. ليس المقصود هنا تحذيرنا من الإطالة في الصلاة فالمسيح صلَّى طوال الليل (لوقا6: 12). وصلاة سليمان كانت صلاة طويلة. في بعض الأحيان يقتضي الحال أن تكون صلواتنا طويلة عندما تكون مهمتنا غير عادية وعواطفنا ملتهبة. لكن التطويل في الصلاة لا يجعلها أكثر قبولاً لدى الله أو أكثر فاعلية. ليس المقصود أن يحذرنا المسيح من كثرة الصلاة، فإنّه أمرنا أن يُصلّى في كل حين، بل المقصود هو تحذيرنا من كثرة الكلام. ليس الخطر أن نصلي بروح الصلاة بل أن نردد الصلاة من الفم واللسان. هذا ماحذّرنا منه سليمان الحكيم "لتكن كلماتك قليلة" (جامعة5: 2) رزينة وبتعقّل "خذوا معكم كلاماً" (هوشع 14: 2)، "واختاروا كلاماً" (أي 9: 14) ولا تقولوا كل ما يخطر ببالكم لأول وهلة. إن السبب في ذلك أن الأمم كانت تعبد الله بوحي من نور الطبيعة، إذ ظنوا أن الله يشبههم تماماً واعتقدوا أنه يحتاج إلى كثرة الكلام ليفهم ما يقال له، أو يقبل طلباتهم كأنه ضعيف أو صعب التأثر. هكذا فعل كهنة البعل إذ ألحوا عليه من الصباح إلى قبيل الغروب بتكرارهم الباطل قائلين "يا بعل أجبنا، يا بعل أجبنا" ويالها من طلبات باطلة. أما إيليا فإنه بصلاة هادئة رزينة وقوية، ومختصرة جداً، اقتدر أن يحدر ناراً من السماء أولا ثم مطراً (1ملوك 18: 26و 37). إن صلاة الشفاه صلاة فاشلة إذا كانت مجرد كلمات منمقة وبالغة.
إن الله الذي نصلي إليه هو أبونا بالخلقة وبالعهد، لذا ينبغي أن تكون احاديثنا إليه سهلة، طبيعية بلا تكلف. إذا احتاج الأبناء شيئاً من آبائهم لا يستخدمون أحاديث طويلة، بل يكفي أن يقول الإبن "رأسي، رأسي" (2مل 4: 19). فلنأت إليه بدالة البنين، بمحبة، باحترام، بثقة، وحينئذ لا تبقى ثمة حاجة أن نستخدم كلمات كثيرة، بل يكفي أن نردد ما يعلمنا إياه روح التبنّي.
اعترف للرب بذنبك، وقل شكراً يا أبي السماوي على كل عطاياك. اطلب المعرفة والقوة والحكمة، لتحقيق المحبة في حياتك. ليكن معلوماً عندك أن أباك يعرفك، أكثر مما تعرف نفسك.
هل تصلي؟ هذا هو السؤال القاطع لامتحان إيمانك، لأنه حيث لا تصلي فهناك تصبح نفسك وضميرك في مرض شديد. اعترف لربك بزلاّتك. واطلب تطهيرك وشفاءك كاملاً لتمتلئ بروحه القدوس، الذي يعلمك الصلاة المستجابة. آمن بمن تصلي، إن ربك يسمع ويستجيب.
عندئذ يملأ فرح الرب قلبك، فتصلي ليس لنفسك فقط، بل لكل الذين وضعهم الرب على ضميرك.

الصَّلَاة
أيها الرب السماوي، نشكرك لأنك سمحت لنا أن نسميك "أبانا". علّمنا الصلاة المستجابة، وقدنا بروحك القدوس لكي نعظّمك ويسوع المسيح على الدّوام.
السُّؤَال
كيف نصلي لله صلاة مستجابة عنده؟