Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
خروجُ الرّب مِن خفائه
1:12فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ,13وَفِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ, مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ, وَمُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.14وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ, وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ.15وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ, كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ.16وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ, وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ, وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا.

عندما التفت يوحنا فجأة ليرى مصدر الصوت القوي، وقع بصره أوَّلاً على سبع مناير عالية. وكان ضوء اللهب المتموجة فوق المناير ينعكس على المناير الذهبية الأخرى. يشير العدد 7 إلى المنارة المسبّعة في خيمة الاجتماع (الخروج 25: 31- 40) التي أصبحت بعد خراب أورشليم رمزاً وشعاراً لليهود المشتتين في أرجاء العالم. لكن كان كل من المناير السبع في رؤيا يوحنا واقفاً مستقلاً الواحد عن الآخر وليس مرتبطاً بغيره.

في وسط المناير السبع وقف شخصٌ شريفٌ عظيم. يشير لنا اسمه "ابن الإنسان" إلى نبوّة دانيال 7: 13- 14. استخدم يسوع هذا اللقب الفريد "ابن الإنسان" 124 مرّة للتعريف بنفسه في الأناجيل الأربعة. يشير نصف هذه العبارة "ابن الإنسان" إلى تواضعه واتضاعه في طريقه إلى إتمام الفداء (متى 20: 28)، ويشير النصف الآخر من هذه الآيات عن ابن الإنسان إلى عظمة يسوع عند مجيئه الثاني (متى 16: 27؛ مرقس 8: 38؛ لوقا 9: 26؛ يوحنا 17: 24).
كان يوحنا قد رأى تجلّي ربّه ومخلصه على جبل حرمون عند قيصريَّة فِيْلِبِّيْ (متى 17: 1- 13؛ مرقس 9: 2- 9؛ لوقا 9: 28- 36). أدرك يوحنا محبة يسوع اللانهائية على الصَّلِيْب، واستهلّ إنجيله بقوله: "وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ, مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ, مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً" (يوحنا 1: 14). أمّا مجد يسوع المسيح الذي رآه في جزيرة بطمس ففاق رؤاه ومعلوماته السَّابقة.
غطّى جسدَ ابن الإنسان ثوبٌ طويل إلى القدمين. وكان متمنطقاً عند ثدييه بمنطقة من ذهب. كان رئيس الكهنة في العهد القديم يحمل فوق ثوبه الأبيض لوحة على صدره باثني عشر حجر كريم حفر على كل حجرة منها اسم من أسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر، للدَّلالة على أنه كان ينوب عنهم ويتشفَّع فيهم أمام ربّ العهد. لم يمنطق ابن الإنسان رباط ثوبه حول خاصرته كأنه ذاهب إلى العمل أو إلى الحرب، بل وقف رزيناً براحة أبدية كربّ الأرباب وملك الملوك. أظهر يسوع نفسه رئيساً للكهنة، وملكاً حاكماً، وديّاناً أزليّاً في شخص واحد. إنَّه الرّب الحيّ (لوقا 2: 11). يشرق مجده القدوس ويبهو من ملء محبته ورحمته.

كان رأس ابن الإنسان وشعره يضيئان كالنور، أبيضين كالثلج، ونقيَّين كالصوف النظيف. لم يكن شعره أبيض لكبر سنه، بل ظهر بقداسة نقية. وكما يجمع اللون الأبيض جميع الألوان في ذاته ويلمع أكثر من بقية الألوان، شعّ رأسه بملء مجده.
ازداد بهاؤه وجلاله بعينيه المقدّستين اللتين يبرز نورهما كلهيب نار من وجهه الأبيض،وأشعة عينيه تظهر بجلاء عِلمَه الخارق الشامل. لن يبقى شيء مخفيّاً أمام هاتين العينين. ظهر يسوع ليوحنا كديّان كاشف ومميّز لكل شيء. ببصره يُكتشَف كلّ ظلم. لا تنفع المجادلات ولا التبريرات ولا الحجج الوهمية بعد. يتضح كل شيء بدون كلمات. طوبى لمن اعترف بخطاياه وحيله وطلب غفران ذنوبه مسبقاً قبل أن يقف برعبٍ أمام الدَّيان الأزلي.
صلاة: أيها الرب يسوع، أنت ترى كل ما فعلته أو أهملته. اغفر لي ذنبي لأجل ذبيحتك الكفارية. آمين.

أظهر الثوب الطّويل الذي يغطّي جسد رئيس الكهنة والدّيان الأزلي رجليه فقط اللتين كانتا كالنحاس الأصفر السائل الملتهب الخارج من الأتون. كان الرب يقول له: "اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ" (مزمور 110: 1). حيثما تطأ رجلاه الملتهبتان لا يبقى إلاّ الرماد (1 كُورنْثوْس 15: 27؛ عبرانيين 2: 8). فلا يقدر عدوّ ما أن يهرب من هذا الجمر المهلك، لأنّ قداسة الرب تدين وتبيد النجس والكذاب والثائر والقاتل إنْ لم يتب توبةً نصوحاً.
صلاة: أيُّها الرب، لا تدخل في المحاكمة معي، لأنّ خطاياي كالرمل على شاطئ البحر.

من يقف على الشرفة السفلية لشلال شفهاوزن Schaffhausen في سويسرا يرتعب من هدير المياه المتساقطة أمامه وتحته. ومَن شاهد شلالات نياجرا Niagara Falls على حدود الولايات المتحدة وكندا يعرف أنّ جميع الأصوات تُمتَصُّ وتختفي أمام زمجرة مياه الشلالات. وهكذا يكون لابن الإنسان المجيد الكلمة النهائية. سوف لا يعلو صوت دنيوي على صوته السماوي. جميعنا سنصمت أمامه ونسمع برهبة ما يقوله لنا.
صلاة: يا ربّ، طَهِّر فمي فتخبر شفتاي بتسبيحك.

كان القياصرة الرُّوْمَان في أيام يوحنا يأمرون بسكّ عملة تحمل صورهم وفي أيديهم سبعة كواكب كرمز لسلطانهم المطلق.
كانت "السبعة الكواكب" برجاً من الأبراج في علم الفلك، فصارت عندئذ حديثاً يومياً للجميع. وهكذا ظهر يسوع كضابط الكل الذي بيده مصير الكون وجميع أتباعه. "لا أحد يخطفهم مِن يده" (يوحنا 10: 28).
صلاة: أيها الرب، نشكرك لأنك لا تدع أحداً منا يسقط. آمين.

تشبه كلمة الله، بحسب الرسالة إلى العبرانيين، سيف جنود الرُّوْمَان القصير ذا الحدّين الذي كانوا يستعملونه في القتال القريب (عبرانيين 4: 12). لذلك فإنَّ لهذه الكلمة السّلطة والقدرة في الحديث وفي العظة على اختراق أفكار قلوبنا وكشفها والتغلب عليها.
لكنّ يسوع ظهر في رؤيا يوحنا كديّان إلهي يخرج من فمه سيف طويل ذو حدّين يشبه سيف الجلاد الذي به يعدم المحكوم عليهم بالإعدام.
تحكم كلمة يسوع على المتمرّد غير التائب الذي يرفض باستمرار موته على الصَّلِيْب. تستطيع الكلمات التي تخرج من فم الرّب أن تخلق حياة (متى 4: 4) أو أن تبيد للهلاك. من يسمع نداء يسوع مدّة طويلة ويرفض عرض نعمته عمداً باستمرار يصيبه أخيراً سيف غضب الله اللامع.
يحسم الديان القدوس بحكمه النهائي مصير كلّ إنسان وكلّ شعب. تبقى سلطته بلا منازع. لا يقدر أحد أن يخالف رأيه.
صلاة: أيها الرب، لا تبدْني في غضبك. امنحني نعمة التوبة. آمين.

وصف يوحنا في نهاية رؤياه انطباع ابن الإنسان المجيد. حاول أن يصف
ثوبه و شعره وعينيه ورجليه وصوته وفمه بمصطلحات بشريّة. ولكي يصف وجه الرب لم يجد شبهاً أقوى من شمس البحر الأبيض المتوسط وهي تضيء بقوّتها وبهائها. من يجرؤ على النظر إلى ضوء شمس الظهر الساطعة لحظةً سيضطرّ إلى أن يغمض عينيه فوراً بسبب شدّة نورها وإلاّ عمي. إنّ مجد يسوع الخارق يتنصّل نهائياً من كلّ شبه بشريّ.
ظهر الحاكم الجليل ورئيس الكهنة القدّوس ليوحنا كالدّيان العادل الذي بدأ بتولّي منصبه. بَيْدَ أَنَّ صورته المضيئة لم تضغط على يوحنا وعلى كنائسه ثقيلاً رغم جلالها وبهائها، لأنّ الناظر يؤكّد لها في مقدّمة كتابه: أنَّ يسوع "أَحَبَّنَا, وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ" (رؤيا 1: 5).

الصَّلَاة
نعظّمك أيُّها الرَّبّ يسوع، لأنّك برهنت ليوحنَّا السجين مجدك المشرق كشمس مضيئة، ليتيقّن أنّك حيّ في عظمتك، وأنّك الديّان الأزلي والمخلص الآمين. ساعدنا لنحفظ مشورتك في قلوبنا، ونتغيّر مِن التشاؤم إلى الجرأة، ومِن اليأس إلى الرجاء.
السُّؤَال
ماذا أثّر فيك مِن وصف يوحنَّا لحقيقة يسوع كلإبن الإنسان المجيد؟