Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
3- توضيح لرموز الكواكب السبعة والمناير السَّبع
(رؤيا يوحنا 1: 19- 20)
1:19: فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ, وَمَا هُوَ كَائِنٌ, وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هَذَا.20سِرُّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي, وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ, السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ, وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ.

سمع يوحنا للمرّة الثانية الأمر بالكتابة. لم يسقط فيما بعد على الأرض كميت، لأنّ الرّب أيقظه لشهادة جديدة. ما كان ليوحنا أن يتفلسف أو أن يتصوّف أو أن يخاف من الدَّيْنُوْنَة القادمة، بل كان عليه أن يتمّم واجبه وأن يشهد بدقّة على ما رآه وسمعه. فقد تأثّر تأثّراً روحياً عميقاً بكل ما رآه وسمعه، حتّى انّه لم ينس رؤاه بل كتبها بَعْدَئِذٍ بمجمل التّفاصيل.
أدرك يوحنا في شبابه مجد الرب يسوع المستتر إدراكاً أعمق من غيره من التلاميذ الآخرين، وشهد له بوضوح في إنجيله. لقد غمره المجد المشعّ المنبعث من ابن الإنسان في ظهوره له على جزيرة بطمس، فأدرك وشهد بطريقة جديدة أنّ المصلوب المقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ هو ديّان العالم الآتي وملك الملوك الحاكم. ظهر الرؤساء والمسؤولون على الأرض أمام بصيرة قلبه كلا شيء، لأنهم جميعهم سيفنون. أمّا الرّب فيبقى وحده إلى الأبد، لأنه الحياة في ذاته.

لم يعرف يوحنا في بداية كتابه ماذا كان عليه أن يدوّن. أعلن له خطوة خطوة كيف يتقدم تاريخ العالم وتتطور فيه خطة الخلاص نحو هدفه. لا بدّ للشّر من أن يتبلور حتى يمسي شرّاً كاملاً ويحاول أن يتسرّب عمليّاً في الجماهير. أمّا الصّالحون فيصفّون كالذهب في النّار حتى تحترق الشوائب والنجاسة ويظهر صلاح الرب فيهم.
إنّ وصف الشّر الفيّاض، وصبّ غضب الله على غير التائبين المجدّفين، مع آلام الكنيسة المخلصة وحفظها حتى دخول العالم الجديد بحضرة الله، كان كله مخفيّاً عن بصيرة الناظر في بداية رؤاه. وما كان عليه إلاّ أن يسجّل صورة بعد صورة وكلمة بعد كلمة ما أعلن له.
الله وحده يرى ويعرف مستقبل الكون. تاريخ العالم مكشوف أمامه كبحر شفاف. وهو يعرض خلاصه دون انقطاع على العالم الثائر ومقسّي القلوب. ولكنْ قليلون هم الذين يهتدون. إنما لأجل هؤلاء القليلين لا يبيد الرب الكون. كنيسة المسيح هي سرّ ومعنى تاريخ العالم، وهي العنصر المؤخّر لغضب الله. سوف ينقذ يسوع آخر مختاريه، حتى ولو فارت الهاوية وتسربت أكثر فأكثر في السياسة والدين والكنيسة العالمية. سوف تتم خطة خلاص الله حتماً. لا يقدر أحد أن يؤخّر موقف انتصاره. بقدر ما يدعو الرب يسوع أتباعه من اليهود والشعوب، تتقسّى أكثرية العالم ضدّ الإنجيل، وتعارض وجود الكنيسة الروحية. نختبر أنّ الخلاص والدَّيْنُوْنَة يتقدّمان بالقوّة نحو هدفهما.

إنّ معنى كلمة "ملاك" في اليونانية والعبرانية هو "رسول". وقد تعني عبارة "الملائكة المرسلة من الرّب" الشيوخ والقسوس المسؤولين في الكنائس السبع في أسيا الصغرى. فالملائكة والأساقفة والقادة في الكنائس وحتى الأعضاء العاملون والمصلّون كلهم رسل يسوع المسيح الذي قال لأتباعه: "كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا" (يوحنا 20: 21). كلّ فرد من رسل المسيح محفوظ في يده. يحقّق يسوع بواسطتهم مشيئته. هم شهوده الموكّلون. يريد الرّب اليوم بواسطتهم أن يعمل. يبني يسوع كنيسته في الدّرجة الأولى ليس بملائكة السّماء بل بواسطة أتباعه المولودين ثانية والمطيعين لكلمته. وتعني هذه الدّعوة مسؤولية كبرى للرّعاة في الكنائس، المختارين وغير المختارين. تساهم معرفتهم وأمانتهم وشهادتهم وقدوتهم الحسنة وصلواتهم كثيراً في الإنشاء والنّمو والوضع في الكنيسة الرّوحية. أمّا كبرياؤهم ومعرفتهم الناقصة وكسلهم وحياتهم النّجسة فتهدم الكنيسة وتؤخّر نموّها الرّوحي. ليت أحداً لا يشتهي أن يقحم نفسه أو يلحّ في طلب وظيفة كنسيّة إنْ لم ينل دعوة واضحة من يسوع. وليت أحداً لا يرغب في دراسة اللاهوت إنْ لم يكن مولوداً ثانية ومختبراً الخدمة الرّوحية. سوف تكون المسؤولية ثقيلة على رعاة الكنائس أمام الدّيان الأبدي.
لا يتحمّل الأساقفة والأحبار والكهنة والقسوس والوعّاظ والشّيوخ وحدهم المسؤولية في الكنيسة، بل يشترك أيضاً كلّ عضو فيها بحسب درجة نضجه الروحي. تختار الكنائس الميتة روحياً عادةً وعاظاً غير حيويّين لكي لا يوقظوها من نومها. و لكن حيثما يصلي أعضاء الكنيسة بأمانة لأجل راعيهم المجتهد، ويطلبون إلى يسوع باستمرار أن يرشده ويقوّيه لخدمة المدعوين، هناك يستجيب الرب صلواتهم الأمينة ويرسل إليهم خادماً أميناً في حينه.
يجب على رعاة الكنيسة وشيوخها ألا يخشوا الظلمة المتصاعدة والظلم النامي في محيطهم. فسيضيئون بلمعان أشدّ كلما أظلمت أحوالهم، ما داموا ثابتين في ربّهم، يستمدّون قوّة من قوّته وبركة من نعمته.

عندما التفت يوحنا مذعوراً لدويّ البوق، رأى سبع مناير ذهبية عالية تمثّل الكنائس السّبع. إنّ مهمة المناير هي إضاءة المحيط. تضاء المناير عادةً داخل الغرف، و كانت توضع أحياناً شمعدانات ومصابيح على الشّبابيك كي تضيء للذين هم خارجاً في الظلمة. أمر يسوع رسله وأتباعه قائلاً: "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ, لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ, وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 5: 16).
وضع يسوع، بهذه الدّعوة، صفته الخاصّة على رسله و أتباعه لأنه شهد عن نفسه: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ" (يوحنا 8: 12).
ليت الكنائس لا تخفض قوّة أشعتها وسط الاضطهادات النامية ولا تضع نورها تحت المكيال بل تضيء جليّاً كما شهد يسوع ورسله بالرغم من الصعوبات المتكاثرة والاستشهاد. ينبغي للكنائس ألا تنظر بخوف إلى المستقبل، فالملك المجيد يمشي شخصياً بين المناير المنيرة، ويؤكّد لهم: "هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (متى 28: 20). إنّ الثقة بيسوع المقام من الأموات تمنح الكنائس قوّة للصّمود وبركة لخدمة المحبّة.
كانت رؤيا يوحنا الأولى مع ظهور ديّان العالم الآتي استجابة لصلوات البطريرك الذي كان مشغول البال بحالة كنائسه، فأكّد الرّب له عنايته وأمانته وحضوره بالنّسبة إلى جميع أعضاء الكنائس وبخاصة رعاة الكنائس أنفسهم. لا يهمل الرّب أحداً منهم، وهو لم يترك حتى يوحنا وحيداً بالرغم من نفيه إلى جزيرة بطمس القاحلة.

الصَّلَاة
نشكرك أيُّها الرَّبّ يسوع، الرّاعي الصالح، الَّذي مات لتبرير رعيّته، وأقام ليرعاها أميناً. نسبّحك لأنّك تحضر، وتمشي بين كنائسك، وتبنيها وتعتني بها ليلاً نهاراً. ولأنّ رعاتها تطمئن في يدك، وتربّيهم وتوبّخهم وتعزّيهم. قدّس رعاة كنائسنا اليوم وأنفسنا أيضاً، لنمجّدك قولاً وعملاً وصلاة، كمنائر مضيئة في ظلمات أيامنا.
السُّؤَال
ماذا تعني المنائر والنجوم في رؤيا يوحنَّا؟