Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
قياس هيكل الله
(رُؤْيَا يُوْحَنَّا 11: 1- 2)
1ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً شِبْهَ عَصًا وَوَقَفَ الْمَلاَكُ قَائِلاً لِي قُمْ وَقِسْ هَيْكَلَ اللهِ وَالْمَذْبَحَ وَالسَّاجِدِينَ فِيهِ.2وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي هِيَ خَارِجَ الْهَيْكَلِ فَاطْرَحْهَا خَارِجًا وَلاَ تَقِسْهَا لأَِنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ وَسَيَدُوسُونَ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا.


يبدو بعض كلام هذه الرُّؤْيَا غامضاً. لا يُسمِّي يوحنَّا مَن طلب منه أن يقيس الهيكل. هل كان ثمَّة ملاكٌ يُكلِّمه، أم صوتٌ مِن السَّماء، أم رعدٌ، أم حتَّى حَمَل اللهِ؟ يظلُّ المتكلِّم خفيّاً عنَّا. تلقَّى يوحنَّا أمراً صريحاً بأن يقيس الهيكل، ومذبحه، والسَّاجدين فيه. يبدو هذا الأمر صدى عهدٍ جديدٍ لقياس الهيكل المزمع أن يأتي في المستقبل والذي أُظهِر لحزقيال. لقد بلغ المشهد الذي أُظهِر لحزقيال أوْجَه في إعلان يهوه: "وَقَالَ لِي, يَا ابْنَ آدَمَ, هَذَا مَكَانُ كُرْسِيِّي وَمَكَانُ بَاطِنِ قَدَمَيَّ حَيْثُ أَسْكُنُ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيْل إِلَى الأَبَدِ" (حزقيال 43: 7). إنَّ قياس الهيكل من قِبَل ملاكٍ بحضور النَّبي حزقيال لا علاقة له بهيكلٍ حقيقيٍّ أو موجودٍ، بل يتعلَّق بالأحرى بنموذج بيت الله في المستقبل لأجل تعزية مؤمني العَهْد القَدِيْم المنفيِّين في بابل.
ثمَّة نيَّةٌ مشابهةٌ تتَّضح في حالة يوحنَّا. فقد دُمِّر الهيكل الذي في أُوْرشَلِيْم سابقاً تدميراً تامّاً حتَّى سُوِّي بالأَرْض في عام 70 م. ومنع الرُّوْمَان اليهودَ مِن دخول المدينة المقدَّسة، ولم يكن مسموحاً لأيٍّ منهم بالعبادة في الأماكن المسيطَر عليها. لذلك كان الأمر بقياس الهيكل المدمَّر كلياً يعني ليوحنَّا الوعد بهيكل مقبل وتأسيسه ومذبح محرقاته (قارن حزقيال 40: 48؛ زَكَرِيَّا 2: 5).
كان يهودٌ ويهودٌ مَسِيْحِيّون كثيرون في ذلك الوقت لاجئين في آسيا الصُّغرى. وكانت أفكارهم متَّجهةً نحو الهيكل المدمَّر في أُوْرشَلِيْم. فنقل يوحنَّا إليهم هنا طلب الله جواباً لأسئلتهم. لم يصف لهم على الإطلاق مخطَّطاً مفصَّلاً لمبنى من الحجارة لمنطقة هيكل للمستقبل في أُوْرشَلِيْم، بل شهد لهم ببساطةٍ أنَّ قصبةً مثل القضيب للقياس قد دُفِعَت إلى يده، وأنَّه شخصيّاً قد زار في رؤيا مركز المدينة المقدَّسة، الهيكل وقاسه. ولم يكتب يوحنَّا كلمةً واحدةً بخصوص حادثة قياسه هذه ونتيجتها.
نجد في العَهْد الجَدِيْد ثماني آياتٍ تؤكِّد الحقيقة أنَّ هيكل الله الحيِّ هو كنيسة يَسُوْع المَسِيْح، وأنَّ روحه يسكن فيها (1كُورنْثوْس 3: 16؛ 6: 19؛ 2 كُورنْثوْس 6: 16؛ أَفَسُس 2: 21؛ 1 تيموثاوس 3: 15؛ 1 بطرس 2: 5؛ 4: 17؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 3: 6؛ 10: 21).
نقرأ في سفر رُؤْيَا يُوْحَنَّا عشر مرَّاتٍ عن هيكل الله الذي في السَّماء كمكانٍ يجلس فيه الإله الحيُّ وحَمَله على عرشٍ، ومِن هناك يملكان على الكون (رُؤْيَا يُوْحَنَّا 3: 12؛ 7: 15؛ 11: 19؛ 14: 15، 17؛ 15: 5 و6و8؛ 16: 1و17).
كما أنَّ ثمَّة آية في العَهْد الجَدِيْد تتحدَّث عن هيكل بعد هيكل هيرودس مصنوع مِن حجارةٍ يجلس فيه ضدُّ المَسِيْح مُظْهراً نفسه أنَّه إلهٌ (2 تَسَالُوْنِيْكِي 2: 4).
ينبغي ألاَّ يُفترَض أنَّ أيّاً من هذه الهياكل هو المقصود في رُؤْيَا يُوْحَنَّا السَّابقة، فقد أُسنِدَت إليه على وجه التَّحديد مهمَّة قياس بيت الله، والمذبح، والسَّاجدين في المدينة المقدَّسة.
ربَّما كانت جماعة التَّوبة في العَهْد القَدِيْم في مخيلة النِّبي ، ولعلَّ اليهود المَسِيْحِيّين الأحدث عهداً في إِسْرَائِيْل كانوا أيضاً قد تمَّ تصوُّرهم متعبِّدين يهوداً في الرُّوْح القدُس مؤسَّسين في هيكل الله، مبنيِّين على ذبيحة المَسِيْح على الصَّلِيْب، المذبح الحقيقي لمحرقة العَهْد الجَدِيْد.
إنَّ الذي يحبُّ حَمَل اللهِ ويعيش تحت حماية دمه هو وحده الذي ينتمي إلى هيكل القدير الحقيقي. أمَّا جميع الآخرين المفتونين بالمال أو الذهب أو القوَّة أو حبِّ الذات أو الجنس أو الشَّهوة أو الخداع أو السِّحر أو الأكاذيب فهُم يفصلون أنفسهم عن الرُّوْح القدُس. وقد أُمر يوحنَّا ألاَّ يقيسهم، بل أن يطرحهم خارجاً (حرفيّاً). فهم لا يمتُّون لهيكل الله بصلةٍ، ولم يولَدوا ثانيةً روحيّاً.
اَللَّهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا. (يوحنَّا 4: 24)
اَللهُ مَحَبَّةٌ وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. (1 يوحنَّا 4: 16)
مَحَبَّةُ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوْح القدُس الْمُعْطَى لَنَا. (رومية 5: 5)
يصف مثل هذا الكلام الهيكل الرُّوحي للعهد الجَدِيْد.
إنَّ كلَّ مَن يدَّعي أنَّه متحرِّرٌ أو عضوٌ في أرثوذكسيَّة العَهْد القَدِيْم الميتة يثور على ابن الله. ومَن يرفض موت المَسِيْح الكفَّاري، وقيامته وإعطاءه الرُّوْح القدُس لا يخصُّ هيكل الله الثالُوْث. فالتَّديُّن بدون ابن الله المصلوب وروحه القدُّوس يبقى عاطفيّاً، وغير مولودٍ مِن الحقِّ، عاملاً ضدَّ الإنتاجيَّة وفي النِّهاية محارباَ المَسِيْح الحقيقي (يوحنَّا 16: 1- 4).
إنَّ ذرِّية إِبْرَاهِيْم الذين يعيشون بدون إيمانٍ بالمَسِيْح هم كملح الأَرْض الذي فقد مذاقه والذي يصلح لأن يُطرح خارجاً ويُداس مِن الأمم (متَّى 5: 13). بعد لعنتهم الذاتيَّة "دمه علينا وعلى أولادنا" ( متَّى 27: 25) تشتَّتت غالبيَّة اليهود بين الأمم. طلب يَسُوْع وهو على الصَّلِيْب إلى أبيه أن يغفر لهم لأنَّهم لم يكونوا يعلمون ماذا يفعلون (لوقا 234: 34). ولكن بعدَما انفتحت أقليَّة فقط مِن اليهود للرُّوح القدس ورسالة النِّعمة التي أتى بها الرُّسُل، تقسَّت قلوبهم ولم يتوبوا، بل قاوموا مِن جديدٍ المَسِيْح المصلوب والمُقام. أُمِر يوحنَّا بألاَّ يقيسهم، بل يفصلهم عن لبِّ السَّاجدين الحقيقيِّين في إِسْرَائِيْل.
داس الأمم أُوْرشَلِيْم منذ عام 70 م. وعلى ساحة الهيكل الحديث ينتصب
ما يُسمَّى قبَّة الصَّخرة والمسجد الأقصى بطقوسهما المضادَّة للكتاب المقدَّس والمَسِيْحِيّة. يحتشد الحجَّاج مِن جميع أنحاء العالم في المدينة المقدَّسة، ويشكُّون في أنَّ أُوْرشَلِيْم هي الموقع الذي سيحدث فيه إتمام خطَّة الخلاص، وأنَّ يَسُوْع سيرجع إلى هذه المدينة. ولكنَّ معظم السّياح، بمعزلٍ عن الشُّعور الدِّيني تجاه المواقع المبجَّلة لديهم اهتمامٌ قليلٌ بالتَّوبة النَّصوح أو بالسُّجود بالرُّوْح القدُس. ثلاثة أديانٍ تتناحر بمرارةٍ على حقوقها في المدينة المقدَّسة. وقد أُمر يوحنَّا بألاَّ يكترث لأيٍّ منها. السَّاجدون الحقيقيُّون هم قنية يَسُوْع المَسِيْح المشتراة بالدَّم الذين يهب لهم الرُّوْح القدُس والحَيَاة الأَبَدِيَّة.
تضجُّ محبَّة الشَّيخ الجليل لأُوْرشَلِيْم عبر العبارة "المدينة المقدَّسة" في كلِّ اعتبارٍ. ويسمح كلام يَسُوْع وأفعاله "للحجارة الحيَّة" لهذه المدينة بالشَّهادة لجروحه ومحبَّته وسلطانه وقداسته (لوقا 19: 40).
المؤسف اليوم في هذه المدينة أنَّ تجَّار المخدّرات والأرواحيِّين والقَبَلانيِّين والماسونيِّين ودعاة التَّوفيق بين المعتقدات المتعارضة وكثيرين غيرهم مِن "المستعبَدين" مقيمون في مراكز استراتيجيَّة الشَّيطان المتعدِّدة حتَّى إنَّ المدينة المقدَّسة قد باتت غير مقدَّسةٍ على الإطلاق. إنَّ المعركة لأجل أُوْرشَلِيْم لن تتحقَّق سياسيّاً بقوَّة السِّلاح فقط، بل أيضاً بمحاربة جميع أجناد الشَّر التي تحت السَّماء (زَكَرِيَّا 14: 1- 3، 12- 15؛ أَفَسُس 6: 10- 20، إلخ). إنَّ يَسُوْع نفسه قد سمَّى المدينة المقدَّسة قاتلةً، حينما شاء كثيرون مِن سكَّانها الممتلئين كرهاً ألاَّ يَقبلوه بل يقتلوه (متَّى 23: 37- 39؛ لوقا 13: 34- 35). بكى يَسُوْع على هذه المدينة (لوقا 19: 41).
ينبغي ألاَّ يغترَّ السّياح بالثرثرة المؤثِّرة في الأسواق، أو بالعبادة في الكثير من الكنائس والكنس والجوامع، فكلُّ مكانٍ لا يُعبَد فيه ابن الله المصلوب، وبواسطته أبوه الذي في السَّماء ليس سوى جزء مِن "السَّاحة" المقطوعة مِن الهيكل.
لكنَّ الحقيقة أنَّ مِن زمن يوحنَّا حتَّى يومنا هذا كان ولا يزال يوجد وسيوجد ساجدون حقيقيُّون لله في هذه المدينة المقدَّسة – غير المقدَّسة ينبغي أن تقودنا إلى عبادة الإله المحبّ والأمين. وأبواب الجحيم لن تقوى على كنيسته ( متَّى 16: 18).

الصَّلَاة
أيُّها القدّوس، كان في هيكلك القديم قدس الأقداس نقطة الالتقاء مع المدعوين، ومكان مصالحتهم بك. أمَّا الآن فصليب المسيح أصبح المركز الَّذي تمّت فيه المصالحة معك. الَّتي سبّبت انسكاب الروح القدس على أتباع يسوع، فأصبحوا هم هيكلك القدّوس إلى الأبد.
السُّؤَال
مَن هو هيكل الله في العهد الجديد؟