Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
سجود الأَرْبَعَة وَالعِشْرِيْنَ شَيْخاً لله
(رؤيا يوحنا 11: 16- 18)
16وَالأَرْبَعَة وَالعِشْرُونَ شَيْخاً الْجَالِسُونَ أَمَامَ اللهِ عَلَى عُرُوشِهِمْ خَرُّوا عَلَى وَجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلَّهِ17قَائِلِينَ نَشْكُرُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي لأَِنَّكَ أَخَذْتَ قُدْرَتَكَ الْعَظِيمَةَ وَمَلَكْتَ. 18وَغَضِبَتِ الأُمَمُ فَأَتَى غَضَبُكَ وَزَمَانُ الأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا وَلِتُعْطَى الأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ وَالْقِدِّيسِينَ وَالْخَائِفِينَ اسْمَكَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَلِيُهْلَكَ الَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ الأَرْض


عند سماع ممثلي العَهْد القَدِيْم الاِثْنَيْ عَشَر وممثلي العَهْد الجَدِيْد، الجالسين حول عرش الله، البوق السابع والأخير وهتاف الانتصار من الأصوات السماوية القوية، اقتُلعوا مِن عروشهم. وأدرك المولودون مِن الرُّوح أهمِّية هذه اللَّحظة الحاسمة، فلطالما انتظروا صوت بوق الانتصار هذا. جثا الأَرْبَعَة وَالعِشْرُونَ شَيْخاً بين يدَي الله وأكبُّوا على وجوههم للقدير خالق السَّماء والأَرْض سُجَّداً. والملائكة إذ رأوا قطيعاً عظيماً لا حصر له مِن القدِّيسين المفجوعين كانوا قد خرّوا عَلَى وَجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا في ذهولٍ أمام الله الحكيم العليم القدُّوس (رؤيا 7: 11). والشُّيوخ الأربعة والعشرون كعلامة لاستسلامهم الكلي لرب العالمين وقبولهم الطوعي لجميع أحكامه لامسوا بجباههم الأَرْض. فهم سيملكون كملوكٍ كهنةٍ مع ربِّهم على العوالم التي حُرِّرَت من الشَّيطان (دانيال 7: 27؛ رؤيا 5: 10؛ 17: 14؛ 19: 14).
في بستان جثسيماني خرَّ الرَّب يَسُوْع المَسِيْح على وجهه أمام أبيه طالباً إِنْ أَمْكَنَ أن تعبر كأس الغضب عنه. وبطاعةٍ أمينةٍ وسجودٍ مع صلواتٍ وابتهالاتٍ حارَّةٍ واصل مسيرته بثباتٍ وشرب جرعة تلك الكأس المميتة حتَّى الثمالة المرَّة (متَّى 26: 39؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 5: 7- 8).
تمارس بعض الكنائس الأرثوذكسيَّة حتَّى اليوم السُّجود للآب والابن والرُّوْح القدُس خلال وقت الصَّوم قبل الفصح. أمَّا الكنائس الغربيَّة فتجلس أو تقف في أثناء السُّجود لله. قلَّةٌ من المَسِيْحِيّين تجثو أمام الله. لقد نسي معظمهم، في الواقع، مخافة الله وهيبة جلاله.
يجثو المسلمون في أثناء عبادتهم اليوميَّة التي تفرض عليهم الصَّلاة خمس مرَّاتٍ، فيركعون 34 ركعةً أمام الله يوميّاً، وهم في كلِّ ركعةٍ يلامسون الأَرْض بجباههم، حتَّى إنَّ الاحتكاك المتواصل لجباههم بسجَّادة الصَّلاة أحدث لبعضهم علامةً على جباههم مِن أثر السُّجود (سورة الفتح 48: 29). ويزعم القرآن أنَّ هذا النَّوع مِن السُّجود قد أمر به التَّوراة والإِنْجِيْل. بَيْدَ أَنَّ سجود المسلم يختلف مبدئيّاً عن سجود اليهودي والمَسِيْحِيّ. فالله عند المسلم ليس آباً ولا ابناً ولا روحاً قدساً (سورة الإخلاص 112: 1- 4)، بل هو نقيض ذلك كلِّه روحٌ مستكبرٌ يدعو نفسه "الله"، وعبادة المسلمين قائمةٌ على الخوف والرَّهبة وليست على الشُّكر والفرح. فإلههم ليس إلهاً محبّاً، بل هو مشترعٌ صارمٌ يدين النَّاس بحسب أعمالهم.
وكذلك البوذيُّون والهندوس يُظهِرون ورعاً لآلهتهم في عبادتهم، ولكنَّهم أيضاً لا يعرفون الإله الحقيقي فيسجدون باطلاً (يوحنَّا 1: 18).
سجد الأَرْبَعَة وَالعِشْرُونَ شَيْخاً للإله الحقيقي الأزلي الآب والابن والرُّوْح القدُس. فلم يتلوا طقساً مخصَّصاً أو يمارسوا شعائر مقرَّرةً مسبقاً، بل حمدوا ربَّهم ومجَّدوه مِن أعماق قلوبهم. لقد استحوذ عليهم سلطانه العظيم وقوَّته المجيدة اللَّذَين سيستخدمهما الآن بشدَّةٍ كنتيجةٍ طبيعيَّةٍ ومنطقيَّةٍ.

استهلَّ قادة الصَّلاة الأربعة والعشرون مِن العَهْدين القَدِيْم والجَدِيْد سجودهم بشكر الله لأجل مآثره الأوَّلية العظيمة التي أدَّت إلى الخلاص. فكان أوَّل فعل سجودٍ مركَّزاً على الخالق وعلى خليقته المدهشة (رؤيا 4: 9- 11). وكان القسم الثانِي مِن سجودهم موجَّهاً إلى حَمَل اللهِ والفداء الذي حقَّقه. فحمدوا الله لأجل الخطاة الذين غفر لهم واشتراهم بالدَّم وجعلهم في خدمته ملوكاً وكهنةً (رؤيا 5: 8- 14). أمَّا فعل السُّجود الثالِث للأربعة والعشرين شيخاً فكان موجَّهاً إلى الدَّيان الكلِّي القدرة ودينونته الصَّالحة (رؤيا 11: 16- 18). حمد الشُّيوخ ربَّهم على العصرين المتعاقبَين: عصر الشَّرِيْعَة وعصر النِّعمة الذين سيُدان البشر الآن بواسطتهما. حمدوا ربَّهم على نصره المَبِين على جميع القوى المضادَّة لله.
كلَّم الشُّيوخ الله شخصيّاً وبانسجامٍ مع الأصوات السَّابقة في السَّماء، فدعوه "الرَّب" (يهوه). بهذا اللَّقب حمدوا أمانة عهد الكائن الأزلي (خروج 3:
14؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 13: 8) الذي تدخَّل في تاريخ شعبه على نحوٍ واضحٍ بمواعيد ووعيد، كما بخلاصٍ وعقابٍ. إنَّ اسمه هو أهمُّ كلمةٍ في العَهْد القَدِيْم، وفي الوقت نفسه وصفٌ ليَسُوْع المَسِيْح في العَهْد الجَدِيْد. يقول أحد أقدم اعترافات الإيمان المَسِيْحِيّة إنَّ "يَسُوْع الْمَسِيْح هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ" (فِيْلِبِّيْ 2: 11؛ لوقا 2: 11).
الرَّب هو الله. تظهر الكلمة العبريَّة لله "إلوهيم" Elohim 2600 مرَّة في العَهْد القَدِيْم. وبهذه العبارة Elohim تُستخدَم صيغة الجمع، ممَّا يعني أنَّ الإله المثلَّث الأقانيم هو جمعٌ مِن الآلهة. فمعنى “El” القوَّة أو القدرة (متَّى 26: 64). وبهذا الاسم يعترف الكتاب المقدَّس أنَّ الله كلِّي القدرة. ويَسُوْع استلم منه كلَّ سلطانٍ في السَّماء وعلى الأَرْض (متَّى 28: 28). والرُّوْح القدُس هو أيضاً قوَّة الله (أعمال 1: 8). الأقانيم الثلاثة هي واحدٌ. فالثالُوْث الأَقْدَس يعني إذاً قوَّة الله المحزَّمة في وحدة المحبَّة والتَّواضع والسَّلام.
على الرَّغم مِن أنَّ الكلمة “Elohim” تعني القوَّة والسُّلطان، لكن مع ذلك كان مهمّاً للأربعة والعشرين شيخاً أن يكونوا أكثر وضوحاً ودقَّةً، فاستخدموا في ترنيمة حمدهم العبارة "القادر على كلِّ شيءٍ" (بالعبريَّة El Shaddei ) وقد ورد هذا اللَّقب لأوَّل مرَّةٍ حين وقف إِبْرَاهِيْم البدوي أمام القدير ليسمع الكلام الذي سيكون الأساس لأخلاقيَّاته. "أَنَا اللَّهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً" (تكوين 17: 1). فالرَّب الإله وحده تحقٌّ له هذه الصِّفة. ما مِن ملاكٍ أو شيطانٍ أو إنسانٍ قادرٍ على كلِّ شيءٍ. فقوَّة القدير هي قوَّةٌ رافعةٌ ومخلصةٌ ومباركةٌ ومقدِّسةٌ؛ لا تفسد أو تضمحلُّ أبداً، بل تشفي وتُثمر. يريد القدير أن يضع حياته وروحه وقوَّته في أتباع المَسِيْح المتبرِّرين. أمَّا مَن يقاومه باستمرارٍ فقد دين وهلك لأنَّه أشبه بنملةٍ تحاول أن تقف في وجه فيلٍ. الرَّب هو الله القادر على كلِّ شيءٍ. وهو يوصَف في سفر رُؤْيَا يُوْحَنَّا بهذا اللَّقب ثمان مرَّاتٍ (رؤيا 1: 8؛ 4: 8؛ 15: 3؛ 16: 7، 14؛ 19: 6، 15؛ 21: 22).
أعطى الأَرْبَعَة وَالعِشْرُونَ شَيْخاً تعريفاً إضافيّاً للكلمة "ربّ" مستخدمين اسماً مشتقّاً مِن “Jahwe” : أنت الكائن الذي كان. ويستطيع كلُّ مَن
يقرأ بعضاً مِن آيات الكتاب المقدَّس البالغ عددها 6828 آية المتضمنة الاسم “Jahwe” مِن أوَّل صفحةٍ مِن سفر التَّكوين حتَّى آخر صفحةٍ مِن سفر رُؤْيَا يُوْحَنَّا، أن يرى جليّاً إله العَهْد الوشيك نفسه المحبَّ والأمين والقدُّوس والكامل والمعزِّي والمُعِيْن. فعلينا أن نقتفي أثر هذا الإله في مجرى التَّاريخ (خروج 33: 23) بأن نرى، على سبيل المثال، كيف أعلن نفسه لموسى الذي لم يقدر إلاَّ أن يجيب قائلاً:
"الرَّبُّ إِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ, بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيْئَةِ. وَلَكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ, فِي الْجِيلِ الثالِث وَالرَّابِع" (خروج 34: 6- 7).
ويظلُّ الله عادلاً دون تحيُّزٍ تجاه الذين يستخفُّون به ويرفضونه ويبغضونه هو أو كلمته أو خلاصه أو ابنه. وهو سيدينهم بحسب أعمالهم، وليس بحسب رحمته التي رفضوها. وكلُّ شكلٍ مِن أشكال المقاومة للقدير، بالنَّظر إلى هذه الدَّيْنُوْنَة المحتومة الآتية، عقيمٌ وغير مُجْدٍ. فقوَّته المشعَّة ستمحق وتُنْهي كلَّ تمرُّدٍ في ومضة عينٍ.
لم يُصلِّ الشُّيوخ في رُؤْيَا يُوْحَنَّا قائلين: "أنت الآتي" لأنَّ الرَّب قد أتى، والمستقبل مبتدئٌ. والآن ليس ثمَّة مزيدٌ مِن الوقت، ولا مزيدٌ مِن الصَّبر، ولا مزيد مِن الفرصة الأخيرة. كانت التَّسوية العظمى للحسابات في زخمها، ودينونة العالم قد ابتدأت بدويِّ صوت البوق السَّابع. كان الرَّب حاضراً ليُنقِذ كنيسته وفي الوقت نفسه ليمحق كلَّ قوَّةٍ ضدَّ الله.
حمد الشُّيوخ الله حين سمعوا دويَّ البوق الأخير بسبب ما علموه: إنَّ الله قد وضع قوَّته الكلِّية الانتشار بتروٍّ وبقرارٍ نهائيٍّ في الخدمة على أهبة الاستعداد. فقد ولَّى زمن الصَّبر، وستُنهى حياة التَّجديف الشِّرير، وتضليل بلايين الناس بقمعهم واستغلالهم. وستبدأ الآن ثيوقراطيَّة الله أي حكمه الملكيُّ، وهو ليس قائماً على المال أو السِّلاح أو الحرّية الزَّائفة، بل على الرُّوْح القدُس، ومحبَّته، وسلامه، وفرحه. ستهبُّ ريحٌ جديدةٌ في الكون. وسيبدو للعيان كيف تكون مشيئة الآب على الأَرْض كما في السَّماء. كان يَسُوْع قد طرد الشَّياطين في الجليل بمجرَّد حركةٍ مِن إصبعه، فكان ملكوت الله حاضراً فيه قبلاً. أمَّا الآن فالرَّب يتولَّى زمام السُّلطة كملك العالَم ومالكه.
الرَّب يملك. وهو ليس بعد "الآتي" فقط، بل "الحاضر والكائن". فقد أعدَّ جيشُ الملائكة الذي لا يُقاوَم وصلوات القدِّيسين الطَّريقَ له.
الصَّلاة: أيُّها الله الصبور، لم تبد العصاة والمضلّين، بل تتوقّع منهم الندامة على شرورهم، والتوبة النصوحة. إنَّما العالم أصبح عنيداً وفاسداً ومتعدّياً عليك عمداً، فأظهرت قدرتك غير المحدودة، وتفسد الفاسدين، وتدمّر المتعدّين.

يشهد الأربعة والعشرون قدِّيساً في غرفة العرش أنَّ الأمم في الأَيَّام الأخيرة ستغضب متعمِّدةً على الله ووصاياه، على فدائه وروحه القدوس (مزامير 2: 1- 5)، فلا تكتم بغضها بعد للرب، بل تصرخ جهاراً: "لاَ نُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا" (لوقا 19: 14، 27) وتغيِّر وصايا وشرائع الله وتجعل الإنْسَان مركز ثقافتها ومقياسها. ويبزغ فجر عالمٍ جديدٍ بدون الله وبدون فادٍ وسط حقوقٍ عالميَّةٍ للإنسان. ويكون غضب العصاة على الله ورسالته وأوامره وقوَّته موجَّهاً ضدَّ شهود القدير وخدَّامه وكهنته. غضب شاول على كنيسة يَسُوْع ولاحق أفرادها بالتَّهديد والقتل (أعمال 9: 1؛ رؤيا 12: 12، 17؛ 14: 8؛ 19: 2).
إنَّما ينبغي لكلِّ واحدٍ، في الواقع، أن يعترف بالحقيقة بصدد نفسه: "لم أجنِ سوى الغضب". إنَّه لأمرٌ شيطانيٌّ وشرِّيرٌ أن نوجِّه التهمة إلى الله الخالق والدَّيان، وبدل ذلك يجب أن ندين أنفسنا. هذا هو السَّبيل الوحيد للنَّجاة مِن غضب الله. لا تمرُّد، بل انكسار. ليس تحقيق الذات، بل نكرانها هو الذي يؤدِّي إلى تحقيق الخلاص التَّام فينا (متَّى 16: 24- 28؛ مرقس 8: 34- 9: 1؛ لوقا 9: 23- 27؛ 1 يوحنَّا 1: 8- 10).
أدرك الأَرْبَعَة وَالعِشْرُونَ شَيْخاً عاقبة ثورة الأمم المستمرَّة وتجديفها على الإله المثلَّث الأقانيم: لاَ بُدَّ لغضب الله الشَّديد مِن أن ينفجر. إلهنا ليس
بدون غضبٍ (مزامير 90: 7؛ إِشَعْيَاء 5: 25؛ حزقيال 5: 13) فعواطفه مقدَّسةٌ، ومحبَّته لا تعرف حدوداً، بَيْدَ أَنَّه يتميَّز غضباً على رفض ذبيحة ابنه الكفَّارية. يتحدَّث العَهْد القَدِيْم أكثر مِن 200 مرَّة عن غضب الله. ويوصَف يوم الغضب بالهلع الأعظم للمخلوقات (مزامير 110: 5؛ حزقيال 7: 8- 12؛ رومية 2: 5) مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ (عِبْرَانِيِّيْنَ 10: 28- 31). إنَّ غضب الله هو أعظم قوَّةٍ ماحقةٍ في العالم. وفي آخر الأَيَّام سيضرب هذا الغضب جميع درجات الحضارة ومستوياتها (رؤيا 6: 15- 17) وكلَّ مَن أسلم نفسه لضدِّ المَسِيْح (رؤيا 14: 9- 11) وسيُهشَّم جميع أهل الأَرْض بعصا مِن حديدٍ إن لم يُطيعوا الرَّب (رؤيا 14: 19- 20؛ 19: 15) وستُعاقَب بخاصَّةٍ بابل المُضِلَّة الكبرى (رؤيا 16: 19).
فلنُصلِّ بضميرٍ صالحٍ قائلين مع داود: يَا رَبُّ لاَ تُوَبِّخْنِي بِسَخَطِكَ, وَلاَ تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ (مزامير 38: 1؛ 6: 1؛ إِرْمِيَا 10: 24). يجب أن نخاف حتَّى الموت لأنَّنا لم نجنِ سوى الغضب. ولكنَّ يَسُوْع لم يغفر خطايانا ويحملها فحسْب، بل أخذ عقابنا أيضاً وأخمد غضب الله (إِشَعْيَاء 53: 5- 6، 10- 12)، وشرب عنَّا كأس الغضب حتَّى الثمالة المرَّة (متَّى 26: 39، 42؛ مرقس 14: 36؛ لوقا 22: 42)، وصالحنا مع القدِّيسين. فالمَسِيْح وحده هو سلامنا (رومية 5: 1؛ 2 كُورنْثوْس 5: 18- 21، أَفَسُس 2: 14)، ومَن يرفض نيابته عنَّا يسقط في غضب الله العظيم الذي لا نجاة أو خلاص منه.
ولكنَّ القرآن مبدئيّاً يعلن مشدِّداً أنَّ مصير كلِّ مخلوقٍ مقدَّرٌ مسبقاً؛ وأنْ ليس جميع النَّاس فقط، بل جميع المسلمين سيذهبون حتماً إلى جهنَّم، والبعض هناك سيكون لديهم الإمكانيَّة في وقتٍ لاحقٍ لدخول الرِّياض الأَبَدِيَّة، وذلك شريطة أن يكونوا قد صلّوا بما فيه الكفاية وصاموا وقدَّموا الذبائح وجاهدوا فِيْ سَبِيْلِ الإسلام (سورة مريم 19: 71- 72).
يُعلن الكتاب المقدَّس لنا صورةً أخرى للدَّينونة الأخيرة، وبهذه الدَّيْنُوْنَة ينتهي عصر النِّعمة والغفران. سيُدان جميع الذين رفضوا تبريرهم المقدَّم لهم مجَّاناً بواسطة حَمَل اللهِ بحسب أعمالهم؛ وبذلك ثمَّة أمرٌ واحدٌ مؤكَّدٌ: "لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً, لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (مزامير 14: 3) "لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ" (مرقس 10: 18) "كُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبٌ" (مزامير 116: 11) "تَصَوُّرُ قَلْبِ الإنْسَان شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ" (تكوين 6: 5؛ 8: 21) "جَمِيْعُنَا يُعْوِزُنَا مَجْدُ اللهِ" (رومية 3: 23) وقد جنينا بطبيعتنا غضب الله.
لقد دين مسبقاً جميع الذين يدخلون الدَّيْنُوْنَة بدون مخلصهم (يوحنَّا 3: 18) ويَمْكُثُ عَلَيْهِم غَضَبُ اللَّهِ (يوحنَّا 3: 36). وفي نهاية المطاف نصل إلى نقطةٍ واحدةٍ: هل يسمح الإنْسَان بأن تُطهَّر خطيَّته مجَّاناً مَن قِبَل يَسُوْع أم لا؟ (يوحنَّا 16: 8- 9). في وقت دينونة الله سيرتعب غير المفديِّين مِن التَّعرُّف بخطيَّتهم في نور الله وقداسته، فيُدركون بيأسٍ أنَّهم رفضوا عمداً الخلاص المُعَدَّ لهم.

أمَّا دينونة الأموات بالنِّسبة إلى أتباع المَسِيْح فهي وقتٌ لتقرير المكافآت. فأولاد الله ليسوا بالطَّبيعة أفضل مِن سواهم مِن النّاس، ولكنَّهم سمحوا لقلوبهم وأذهانهم وألسنتهم وأيديهم أن تتطهَّر بدم يَسُوْع المَسِيْح. وقد تبرَّروا مجَّاناً بواسطة إيمانهم بالمَسِيْح. وفوق ذلك دفعهم الرُّوْح القدُس إلى القيام بالأعمال في محبة الله، وإلى الصلاة المستمرَّة، وإلى التَّضحية الطَّوعية. وستُظهر الدَّيْنُوْنَة كم استطاع المَسِيْح أن يعمل بروحه فيهم وبواسطتهم؛ فهو سيقرِّر "مكافأتهم" أو جزاءهم غير المستحَقِّ الذي هو في النِّهاية ببساطةٍ إتمام نعمة يَسُوْع المَسِيْح. وسيظهر جليّاً لأتباع المَسِيْح إلى أيِّ مدىً أعاقوا الرُّوْح القدُس أو فتحوا قلوبهم له حتَّى يعملوا الأعمال الصَّالحة التي أعدَّها الله الآب قبلاً لهم ليسلكوا فيها (أَفَسُس 2: 8- 10).
أوَّل ذكرٍ للأجر في الكتاب المقدَّس متعلِّقٌ بإِبْرَاهِيْم، فعندما كلَّمه الله ترك بيته ووطنه وخرج كبدويٍّ رحَّالة منتقلاً مِن مكانٍ إلى آخَر دون حماية عشيرته؛ ومن ثَمَّ أكَّد الرَّب لهذا المطيع قائلاً: "لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ (مِن اللُّصوص حولك). أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدّاً" (تكوين 15: 1). فأيُّ وكلُّ تفكيرٍ في استحقاقٍ أو أجرٍ هو مستثنىً بهذا الوعد (عِبْرَانِيِّيْنَ 10: 35). جليَّةٌ وواضحةٌ هي عظمة وفحوى الأجر الموعود: فالرَّب لم يُعطِ إِبْرَاهِيْم مالاً ولا أرضاً ولا منازل ولا أنسالاً، ولكنَّه أعطى ذاته لخادمه. يعمل المستخدَمون لقاء أجرٍ، أمَّا نحن فلسنا مستخدَمي الله، بل أولاده وبالتَّالي ورثته. والورثة ينالون كلَّ ما لأبيهم. ونحن لنا الامتياز أن نذهب إلى بيتنا، إلى إلهنا أبينا. يقول المَسِيْح: "أَجْرُكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّماءِ" (لوقا 6: 22- 23؛ متَّى 5: 12) ويضيف بولس: "عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ" (كولوسي 3: 24).
يتحدَّث العَهْد الجَدِيْد في مرَّاتٍ كثيرةٍ عن "أجرة الخطيئة والضَّلال" (رومية 1: 27؛ 6: 23) أي الموت. ولكنَّ المَسِيْحِيّين ينالون مكافأةً قيِّمةً أبديَّةً، فينالون أكثر بكثيرٍ ممَّا يستحقُّون. إنَّهم ينالون ليس عطايا فقط، بل المعطي نفسه الذي يهب ذاته لهم. إنَّهم ينالون نعمةَ الرَّب يَسُوْع الْمَسِيْح وَمَحَبَّةَ اللهِ وَشَرِكَةَ الرُّوْح القدُس (2 كُورنْثوْس 13: 13) والحَيَاة الأَبَدِيَّة تُقيم فيهم. لقد انسكبت محبَّة الله في قلوبهم، وهم متحرِّرون مِن كلِّ إثمٍ وخوفٍ مِن الموت. لهم سلامٌ مع الله، وسرور الله أبيهم مستقرٌّ عليهم. لا ينتظر أولادُ الله أيَّ أجرٍ دنيويٍّ لأنَّهم يعيشون في محبَّة ربِّهم ويأخذون مِن ملئه على الدَّوام نعمةً فَوْقَ نِعْمَةٍ (يوحنَّا 1: 16). إنَّ أجرنا هو أن نكون قادرين على خدمة إلهنا الكريم المجيد (1 كُورنْثوْس 9: 16- 23).
الصَّلاة: أيُّها الآب السماوي، نعظّمك ونسجد لك، لأنّك لم تبد أخيرا الأشرار وحسب، بل تخلّص أيضاً أولادك، وتبارك عبيدك. لا تمنح لهم مالاً ومُلكاً كأجرة فانية، بل شركة معك شخصياً، كما وعدت لإبراهيم، أنك ستكون له ترساً أميناً وأجرته العظيمة.(تكوين 15: 1).

لا يتحدَّث الأَرْبَعَة وَالعِشْرُونَ شَيْخاً عن نوع الأجر الذي يعد الله به الإنْسَان، بل عمَّن يمكنه أن يتوقَّع هذا الأجر. المذكورون هنا أوَّلاً هم الأنبياء خدَّام الرَّب الذين ينقلون إلى الآخَرين مشيئة الله حتَّى وهم كارهون أحياناً (إِشَعْيَاء 6: 9- 13؛ إِرْمِيَا 1: 6؛ 9: 1- 5؛ 15: 10؛ 20: 7- 10، 14- 18؛ حزقيال 2: 1- 10؛ 3: 17- 21؛ عاموس 3: 8). مَن هو النَّبي بحسب الكتاب المقدَّس؟ يتلقَّى النَّبي بواسطة الكلمة أو في رؤيا إعلاناً مباشراً مِن الله. وتصبح رسالة قداسة الله ومجده المعيار لحياته وكلامه. لذلك يستطيع النَّبي أن يُدرك قلب الإنْسَان (إِرْمِيَا 17: 9) فلا يتكلَّم بعد بسطحيَّةٍ بشريَّةٍ، بل يُسمِّي الخطيئة "خطيئة" ويشهد لغضب الله على كلِّ إثمٍ، ولأنَّه لا يخضع إلى الأوهام الدُّنيوية يكشف الله له الأحداث المقبلة. قضى كثيرٌ مِن الأنبياء نحبهم قتلاً وتعذيباً لأجل أمانتهم (متَّى 14: 1- 11؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 11: 36- 40).
كان محمَّد باحثاً عن الحقيقة. فهو لم ير الله أو يسمعه، بل افترض أنَّ الملاك جبريل هو الذي كان يوحي له. لقد روى ما كان قد سمعه مِن المَسِيْحِيّين وغيرهم عن نهاية العالم، وبواسطته أصبح خمس البشر يعتقدون أنَّ ما رواه بطريقته هو النُّبوَّة الصَّادقة والصَّحيحة. يُحذِّرنا يَسُوْع إلى أقصى حدٍّ مِن تصديق النُّبوءات غير الصَّحيحة مشيراً إلى أنبياءٍ كذبة يُضلُّون كثيرين (متَّى 24: 11؛ يوحنَّا 5: 43؛ 2 بطرس 2: 1؛ 1 يوحنَّا 2: 18- 23؛ 4: 1- 5).
بمعزلٍ عن الأنبياء، يذكر الأَرْبَعَة وَالعِشْرُونَ شَيْخاً السَّاجدون القدِّيسين أيضاً بوصفهم متسلمي أجر الله. فللقدِّيسين ينتمي أنبياء العَهْد القَدِيْم (دانيال 9: 27) والمقدَّسون مِن العَهْد الجَدِيْد الذين وضعوا أنفسهم كلياً تحت تصرُّف الله. فهم خاصَّته ويقفون على الدَّوام في خدمته. لقد ماتوا عن أنفسهم وعن شرفهم، ويقاومون الأصوات الشِّريرة فيهم وحولهم. هم "قدِّيسون عند الرَّب" وليسوا قدِّيسين في "أنفسهم"؛ وينالون الامتياز أن يُحسبوا بلا خطيئة بسبب النِّعمة وحدها، لأنَّهم يعيشون ليل نهار بقوَّة دم المَسِيْح المطهِّرة (1 يوحنَّا 2: 1- 2؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 9: 14؛ 10: 14). إنَّه مقدَّسون بواسطة الرُّوْح القدُس الذي يدفعهم إلى عمل أعماله المقدَّسة (رومية 8: 14). ويعلم القدِّيسين ويدركون، لأنَّهم يعيشون أمام الله في نوره الثاقب (1 يوحنَّا 1: 5- 10)، أنَّهم بحسب طبيعتهم خطاةٌ كبارٌ. ولكنَّ محبَّة يَسُوْع تطوِّقهم وتحفظهم في الإيمان والمحبَّة والرَّجاء (رومية 8: 1- 39).
وفوق ذلك يُسمِّي الشُّيوخ السَّاجدون اليونانيِّين الأتقياء بمتسلمي الأجرة الذين كباحثين عن الحقيقة قد انضمُّوا إلى المجامع اليهوديَّة في الدُّول
المجاورة للبحر الأبيض المتوسِّط. ثمَّة ساجدون كثيرون في دياناتٍ مختلفةٍ، يخافون الله رغم عدم معرفتهم إيَّاه ويكرمونه ويلتمسون مشيئته. فالإِنْجِيْل غريبٌ عنهم لأنَّنا لم نأخذه إليهم. خاف قائد المئة الرُّوْمَاني كورنيليوس الله وكذلك ليديا بائعة الأرجوان، وطلبا خلاصهما مِن كلِّ القلب (أعمال 10: 1- 48؛ 16: 11- 15). وفي الأَبَدِيَّة سنُفاجأ كم مِن اليهود والمسلمين والهندوس والبوذيِّين والشُّعوب التي مِن دولٍ لا تؤمن بالله سيكونون مِن المقرَّبين مِن المَسِيْح، هؤلاء الذين تحمَّلوا الهزء والاضطهاد والموت مِن أجله. ينبغي أن يحثَّنا شوق المعتزل إلى معرفة الله على المزيد مِن الخدمة، وأن يجبرنا على أن نطلب يوميّاً قيادة الروح لنجد جميع الذين يطلبون الله وسلامه. لا يزال للرب المَسِيْح عددٌ غفيرٌ مِن النَّاس في عالمنا الفاسد الذي يندفع بسرعةٍ قصوى وتهوُّرٍ نحو نهايته.
وأخيراً يتكلَّم الشُّيوخ، في سجودهم لله، عن الصِّغار والكبار الذين سيستلمون معاً أجرة الله. عندما يتحدَّثون في الشَّرق عن "الصِّغار" يُفكِّر المرء ليس بالأولاد فقط، بل بالخدَّام والعبيد والنِّساء والأجانب. أمَّا "الكبار" فيعنون بهم الشُّيوخ المكرَّمين وأرباب العمل والرِّجال والمسؤولين في المجتمع. "فالصِّغار" و"الكبار"، المتعلمون وغير المتعلمين، الفقراء والأغنياء، العبيد والأحرار، المؤمنون مجدَّداً بالمَسِيْح والنَّاضجون سيؤخذون جميعاً بالطَّريقة نفسها بالنِّعمة إلى حلقة الذين سيُكافأون. إنَّ صرخة أرملة فقيرةٍ منكوبةٍ هي في المَسِيْح أقوى مفعولاً مِن صلوات أصحاب المقام الرَّفيع. لقد وعد الله أن يكافئ أوَّلاً الصِّغار قبل الكبار لأنَّ الكبار قد نالوا شرفهم في العالم.

إنَّ دينونة الله لا تأتي بالمكافأت والتَّكريمات فقط، بل بالدَّمار الرَّهيب والخراب والعذاب الشَّديد أيضاً. لقد سجد الشُّيوخ لله وعرفوا أنَّه سيأتي بالخراب على الذين يُخرِّبون الأَرْض. وفي ذلك كلِّه قيل القليل عن الجانب السَّلبي لهذه الدَّيْنُوْنَة، بَيْدَ أَنَّ هذا الكلام يحمل مغزىً عظيماً.
مَن هم الذين يخرِّبون العالم؟ إنَّ هذه العبارة تستهدف فوق كلِّ شيءٍ الذين يعبدون الأصنام والآلهة الكاذبة إلى جانب النَّتائج التي يُسفر عنها ذلك،
كما تعني أيضاً الذين يؤلِّهون الجنس البشريَّ والذين يثقون بالعلم والمال. إنَّ كلَّ مَن يدفع الله المثلَّث الأقانيم مِن مركز حياته وعائلته وشعبه وثقافته يشبه شخصاً يقطع التَّيار الكهربائي عن مصباحه ليلاً. كلُّ واحدٍ متروكٌ ليتلمَّس طريقه في الظَّلام المفاجئ. إنَّ جميع المضِلِّين الذين يضعون مكان الإله الحيِّ آلهةً أو أرواحاً أو استثماراتٍ ماليَّةً أخرى في قلوب النَّاس هم أعداء يجرُّون الناس إلى الظَّلام. إنَّ كلَّ خدعة تعدُّد ثقافات هي أسَمُّ مِن "السِّيانيد" لأنَّها تنزع ابن الله المصلوب مِن وسط الفكر وفي النِّهاية تقود الجماهير إلى الموت الرُّوحي. لقد أراد المضِلُّ أن يوقِف يَسُوْع عن السَّير في طريق الصَّلِيْب. وفي البرِّية حاول أن يُجرِّبه بجعله يُعِيْن نفسه، أو بإغرائه على جعل نفسه عظيماً، فكان جواب يَسُوْع له واضحاً لا لبس فيه: "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ، لأَِنَّهُ مَكْتُوبٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ" (تثنية 6: 13؛ متَّى 4: 10). وعندما استخدم الشَّيطان في وقتٍ لاحقٍ بطرس ليحاول أن يثنيه عن الصَّلِيْب كان جوابه هو نفسه: "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ، أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَِنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ" (متَّى 16: 23). إنَّ كلَّ مَن يناضل فِيْ سَبِيْلِ وضع أيِّ مزيجٍ لا يكون الصَّلِيْب فيه بعد الأساس والمركز هو مفسدٌ ومخرِّبٌ. والتَّعاليم القائمة على التَّوفيق بين الأديان والفلسفة الإنْسَانيَّة تخرب روح التَّوبة ومحبَّة المَسِيْح، والنَّتيجة هي إلحادٌ مطلَقٌ. وكلُّ مَن يرفض ألوهيَّة المَسِيْح هو ضدُّ المَسِيْح (1 يوحنَّا 2: 22- 23؛ 4: 1، 5).
وإذا ابتعد النَّاس عن مركز الفداء فهم في الغالب ينفتحون على توقٍ شديدٍ إلى القوَّة الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة إلى جانب نضالٍ لأجل الحماية. البشريَّة وموارد الأَرْض الطَّبيعية تفسد معاً بإهمالٍ، وتلوُّث البيئة يتَّخذ نسباً هائلةً. عالَمٌ ملحِدٌ يُدمِّر نفسه (رومية 1: 18- 32)، والتَّزايد السُّكاني المتضخِّم باستمرارٍ يزيد شقاء أهل الأَرْض التي تضيق بسكَّانها، ونهاية زمان الأَرْض تقترب على نحوٍ يتعذَّر اجتنابه.
كلُّ شكلٍ مِن أشكال الإلحاد مخرِّبٌ للأخلاق. وحيثما يفقد ملك الفضائل كلِّها، وهو مخافة الله، ستصبح جميع مظاهر الحياة فاسدةً على نحوٍ مثيرٍ للاشمئزاز. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً, لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ (مزامير 14: 1- 3). لقد خرجوا جميعاً عن الطَّريق، فأصبحوا معاً بطَّالين (رومية 3: 12).
الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا (رومية 3: 12).
لقد أراد عدوُّ الله أن يفسد ابن الله ويجعله مفسِداً ( متَّى 4: 1- 11). ولكنَّ يَسُوْع قاوم التَّجربة، وعكس الأدوار، وبواسطة الرُّوْح القدُس طرد الشَّياطين التي صرخت بخوفٍ: "أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا، أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللهِ" (مرقس 1: 23- 25؛ لوقا 4: 34).
كتب بولس: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ لأَِنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ (1 كُورنْثوْس 3: 17). ولذلك كان الشَّخص في عهد الله القَدِيْم الذي يمارس العرافة أو الاتِّصال بالأرواح أو إدخال البدع يُرجَم (خروج 22: 17- 18؛ لاويِّين 19: 26؛ 20؛ تثنية 27: 21). يجب ألاَّ ننبذ على نحوٍ سطحيٍّ أيَّ شكلٍ مِن خطيئة الغواية والتَّضليل، فهي عند الله رجسٌ يوردنا موارد الهلاك.
أضلَّ المُضِلُّ حوَّاءَ أُمَّ البشر، فخدعها ودمَّر ثقتها بمحبَّة الله (2 كُورنْثوْس 11: 3)، وهو يُضِلُّ أيضاً جميع ذرِّيتها (رؤيا 12: 9). ينبغي أن يهلك لأنَّه مصدر كلِّ كذبٍ وقتلٍ وبغضةٍ وتجديفٍ (يوحنَّا 8: 41- 45). أطلق يَسُوْع على المُضِلِّ اسم الشِّرِّيْر (متَّى 6: 13) الذي يريد أن يربط جميع النَّاس به ويجعلهم أشراراً كلياً. وقد جعل الذي هو الحقٌّ يُفتَرى عليه كمحرِّض على الفتن كي يهلكه (متَّى 27: 63؛ يوحنَّا 7: 12، 47؛ 11: 49- 51؛ 18: 14).
سيقول يَسُوْع، كملكٍ وديَّانٍ، لجميع الذين تقسَّوا في وجه محبَّته وفتحوا قلوبهم لروح الشَّيطان الكذَّاب القاسي: "اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّة الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ" (متَّى 25: 41؛ رؤيا 20: 10، 15) "فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ" (متَّى 25: 46).

الصَّلَاة
أيُّها المسيح الديان الأخير، نسجد لك يا حمل الله، لأنّك رفعت خطيئة العالم، ولكنّ أكثرية البشر أصغت إلى صوت إبليس. فستدين الشرير نفسه، والَّذين ارتبطوا به، وتحكم عليهم بالنار الأبدية. يا ربّ، ربّينا بحكمتك، لكي لا نسقط إلى جهنم.
السُّؤَال
لماذا تأخّر الله بإبراز قدرته الغير المحدودة؟ كيف يبارك الله أحباءه في نهاية الكون؟ ما معنى الآية: ليهلك الَّذين كانوا يهلكون الأرض؟