Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
القسم الثانِي: شاهدا حَمَل ألله في وقت النِّهاية
(رُؤْيَا يُوْحَنَّا 11: 3- 14)

1260 يوماً مِن كرازة التَّوبة
(رؤيا يوحنا 11: 3- 6)
3وَسَأُعْطِي لِشَاهِدَيَّ فَيَتَنَبَّآنِ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا لاَبِسَيْنِ مُسُوحًا.4هَذَانِ هُمَا الزَّيْتُونَتَانِ وَالْمَنَارَتَانِ الْقَائِمَتَانِ أَمَامَ رَبِّ الأَرْض.5وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُما وإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا فَهَكَذَا لاَ بُدَّ أَنَّهُ يُقْتَلُ.6هَذَانِ لَهُمَا السُّلْطَانُ أَنْ يُغْلِقَا السَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ مَطَرًا فِي أَيَّامِ نُبُوَّتِهِمَا وَلَهُمَا سُلْطَانٌ عَلَى الْمِيَاهِ أَنْ يُحَوِّلاَهَا إِلَى دَمٍ وَأَنْ يَضْرِبَا الأَرْض بِكُلِّ ضَرْبَةٍ كُلَّمَا أَرَادَا.


وسط خراب نهاية الزَّمان سيُرسل حَمَل اللهِ شاهدَين يمدُّهما بقوَّةٍ وسلطانٍ عظيمَين، ويدعوهما "شَاهِدَيَّ" ليوضح أنَّه أرسلهما شخصيّاً في مهمَّةٍ استثنائيَّةٍ جدّاً (أعمال 1: 8).
لا يتراجع يَسُوْع على "السَّاحة الخارجيَّة" التي قُطِعَت مِن هيكل الله والتي ستُداس مِن الأمم. فالرَّب يُحبُّ أيضاً اليهود الأرثوذكسيِّين المتحرِّرين، والمُعَلْمِنين، والمتعصِّبين الذين على غرار ذلك يرفضونه. وهو كي يفتح لهم طريقاً للتَّوبة في ما تبقَّى مِن الزَّمان، وقبل اكتمال سرِّ الله، يُرسل شاهدَين يتمتَّعان بصلاحيَّاتٍ تامَّةٍ. فمحبَّة يَسُوْع المَسِيْح تظلُّ أكبر مِن إدراكنا. وهو يحاول باستمرارٍ بواسطة نعمته أن يُقْنِع الأبناء المملوئين بغضةً الذين قتلوه.
لم يُرسل يَسُوْع قطّ تلاميذه واحداً واحداً، في أثناء خدمته على الأَرْض، بل اثنين اثنين دَائِماً كي يساند الواحد الآخَر في الصَّلاة والإيمان والمشورة. نجد في الشَّرق الأوسط أنَّ الشَّهادة المتطابقة لشاهدين تُعتبَر قويَّةً وجديرةً بالثِّقة، بينما تُعتبَر شهادة شاهدٍ واحدٍ فقط ضعيفةً وناقصةً.
يُمكن إدراك غاية وجوهر شهادة شاهدَي يَسُوْع كما يصفهما يوحنَّا من خلال ملابسهما: المسوح. على هذين الشَّاهدَين دعوة الشَّعب المختار، الذي أصبح فاسداً لاهوتيّاً وروحيّاً وأخلاقيّاً وثقافيّاً، إلى توبةٍ شاملةٍ مخلصةٍ. فيبقى الرُّجوع وتغيير القلب الفرصة الوحيدة لهم (2 صموئيل 3: 31؛ 1 ملوك 20: 32؛ 2 ملوك 19: 1؛ أستير 4: 1- 3؛ أيُّوب 16: 15؛ مزامير 30: 11؛ 35: 13؛ إِشَعْيَاء 3: 24: 15: 3؛ 22: 12؛ 37: 1- 2؛ 58: 5- 9؛ إِرْمِيَا 4: 8؛ 6: 26؛ 48: 37؛ 49: 3؛ دانيال 9: 3؛ متَّى 11: 21؛ لوقا 10: 13 إلخ). إنَّ مَن يقرأ هذه الكلمات الكتابيَّة بصدد "التَّوبة في المسوح والرَّماد" سيُدرك في شعب العَهْد القَدِيْم شعوراً قويّاً وشاملاً بالحداد والنَّدامة الوطنيَّين اللَّذَين تُحْدثهما التَّوبة. ولا نجد ردَّ الفعل هذا بعد في ديمقراطيَّاتنا السَّطحيَّة أو دكتاتوريَّاتنا المفصَّلة لتوافق نمطاً معيَّناً. إنَّنا نحتاج باستمرارٍ في كلِّ مكانٍ إلى طلب النِّعمة مِن الرَّب كي نُدرك الخطيئة ولأجل الطاعة حتَّى التَّوبة: لأجل القادة، والأعضاء في مجتمعنا، ولأجل كنائسنا. يجب أن تكون صلواتنا ليست فقط لأجل الأزياء الرَّقيقة والأفلام المشحونة بالإثارة الجنسيَّة والتَّغيير في برامج التلفزيون، بل لأجل لتحويل الحياة كلِّها أو شعوبنا إلى "ثقافة يَسُوْع المَسِيْح" بواسطة إطاعة الإِنْجِيْل.
لقد طرحَت التَّفاصيل الدَّقيقة حول الألف والمائتين والسِّتين يوماً مدَّة شهادة رسولي المَسِيْح الكثير مِن الأسئلة والتَّخمين. نقرأ في الآية السَّابقة (11: 2) أنَّ المدينة المقدَّسة ستُداس مدَّة "اثنين وأربعين شهراً" التي تُعادل بحسب الحساب اليهودي للزَّمن 1260 يوماً (ثلاث سنواتٍ ونصف السَّنة).
نجد أقدم إشارةٍ خفيَّةٍ بصدد هذه المدَّة الزَّمنية عند النَّبي "إِيْلِيَّا" الذي أعلن بسلطانٍ أنَّهُ "لاَ يَكُونُ مَطَرٌ فِي هَذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي" (1 ملوك 17: 1). كان يَسُوْع هو مَن أعلن في النَّاصرة أنَّ "فِي أَيَّامِ إِيْلِيَّا أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ" (لوقا 4: 25) كان النَّبي المضطهَد في أثنائها يُعال مِن الله بطريقةٍ عجيبةٍ. وهذه المدَّة الزَّمنية يؤكِّدها يعقوب أخو الرَّب (يعقوب 5: 17- 18).
وترد الإشارة الثانِية بخصوص هذه المدَّة الزَّمنية المعطاة في سفر "دانيال" حيث تظهر مرَّتين. في رؤيا النَّبي يقوم بعد الملوك العشرة ملكٌ آخَرُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ رنَّانٍ" ضِدَّ الْعَلِيِّ وَيُبْلِي قِدِّيسِي الْعَلِيِّ, وَيُغَيِّرُ السُّنَّةَ", وتدوم مدَّة الاضطهاد الدَّمويَّة هذه "إِلَى زَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ وَنِصْفِ زَمَانٍ" (دانيال 7: 24- 25). وتؤكَّد هذه المدَّة الزَّمنية في نهاية سفر دانيال بواسطة قسَم ملاكٍ يُشير إلى أنَّ وقت الضِّيقة لا يبدأ إلاَّ عندما يبلغ تشتُّت شعب العَهْد القَدِيْم نهايته. ونهاية هذا التَّشتُّت متَّصلةٌ بدورها بقيامة الموتى (دانيال 12: 1 و7). لم يكتب دانيال في المقطعين الآنفي الذكر عن "ثلاث سنوات ونصف السَّنة"، بل عن ثلاثة "أزمنة" (فترات زمنيَّة) غير محدَّدة ونصف الزَّمان.
نجد العبارة "زماناً وزمانين ونصف زمانٍ" أيضاً في رُؤْيَا يُوْحَنَّا 12: 14 حيث تُذكَر حماية كنيسة يَسُوْع المَسِيْح المضطهَدة من الشَّيطان.
إذا فهمنا هذه "الأزمنة" الثلاثة ونصف الزَّمان أنَّها "سنواتٌ"، فهي تطابق 42 شهراً. طوال هذه المدَّة كلِّها ستُداس المدينة المقدَّسة والسَّاحة الخارجيَّة للهيكل (وليس الهيكل كلّه) تحت أقدام الأمم الوثنيَّة (رُؤْيَا يُوْحَنَّا 11: 2). يُرينا هذا الوصف للزَّمن قبل كلِّ شيءٍ كيف ستُداس أُوْرشَلِيْم وتُسحَق قروناً مِن القوى المعادية (الآشوريين، البابليِّين، اليونانيِّين، الرُّوْمَان، البيزنطيِّين، المسلمين، البريطانيِّين، الفلسطينيِّين، السّياح مِن جميع أنحاء العالم). ويؤكِّد لنا ثانياً الحقيقة أنَّ عبادة الثالُوْث الأَقْدَس في الهيكل في أُوْرشَلِيْم (حيث أنَّ الهيكل الذي بناه هيرودس لا وجود له بعد منذ القرن الأوَّل) تستمرُّ دون توقُّفٍ على الرَّغم مِن الضَّيقة العظمى التي تحدث في أثناء هذه "الاثنين وأربعين شهراً". صحيحٌ أنَّ قسماً كبيراً مِن إِسْرَائِيْل سيحاول على نحوٍ مماثلٍ أن يعبد الله والمال، ويرفض المَسِيْح الحقيقيَّ، ويصير علمانيّاً أكثر فأكثر، ويتقسَّى ضدَّ روح الحقِّ؛ بَيْدَ أَنَّ السَّاجدين الحقيقيِّين معروفون عند الله في كلِّ زمانٍ، وينالون منه قوَّةً كي يحمدوه في القول والسُّلوك.
يصبح سفر رُؤْيَا يُوْحَنَّا، في ثلاث آياتٍ، أكثر تحديداً، ويتحدَّث ثلاث مرَّاتٍ عن 1260 يوماً:

ينتج ما يلي مِن إعطاء هذه الفترات الزَّمنية الرُّؤيويَّة:
ثمَّة حدودٌ لعمل الشَّيطان. فهو لا يستطيع أن يضطهد كنيسة الله وحمَلَه إلى ما لا نهايةٍ. فكما جاء في إِيْلِيَّا ودانيال، هكذا في رُؤْيَا يُوْحَنَّا، ثمَّة وقتٌ محدودٌ قد أُعطي لهذا الإله الزَّائف الشِّرير لتنفيذ تجديفه وغضبه.
تتجلَّى عناية الله الواقية بخاصَّةٍ وسط الاضطهادات المريرة. فقدرة حَمَل اللهِ الوديع الكلِّية تفوق قوَّة الشَّر. وبركة المَسِيْح أيضاً هي أقوى مِن لعنات رافضيه ومنكري لاهوته وصليبه (متَّى 5: 44- 45؛ 1 كُورنْثوْس 1: 8- 9؛ فِيْلِبِّيْ 1: 6).

تُظهِر أجوبة مفسِّري الكتاب المتباينة للسُّؤال المتعلِّق بالخطَّة الزَّمنية لأيَّام العالم الأخيرة اختلافاتٍ بارزةً. فدانيال (7: 25 و12: 7) ويوحنَّا (رُؤْيَا يُوْحَنَّا 12: 14) يتحدَّثان عن أزمنةٍ غير محدَّدةٍ، وليس عن سنواتٍ شمسيَّةٍ عاديَّةٍ. والتَّغاضي عن هذا الاختلاف قد أدَّى إلى نشوء نظريَّاتٍ خاطئةٍ عند الكثيرين مِن اليهود والمَسِيْحِيّين الحقيقيِّين إلى حدٍّ كبيرٍ. إنَّ ألف سنةٍ هي عند الله كيومٍ كما ورد في المزمور 90: 4
سيُبلي الشَّيطان المَسِيْحِيّين الحقيقيِّين مِن الأمم ومِن اليهود (دانيال 7: 25؛ رُؤْيَا يُوْحَنَّا 13: 5)، ولكنَّ يَسُوْع سيستجيب لآلامهم وصراخهم ويظهر ليُخلِّصهم (عِبْرَانِيِّيْنَ 9: 28)، فيُهلك ضدَّ المَسِيْح بواسطة كلمته القديرة (إِشَعْيَاء 11: 4؛ 2 تَسَالُوْنِيْكِي 2: 8؛ رُؤْيَا يُوْحَنَّا 19: 15، 20).
في هذه المعركة النِّهائية للأيَّام الأخيرة سيُطرح المَسِيْحِيّون أتباع المسيَّا خارج شعبهم كالكلاب الجُرْب، ويُعامَلون كالبُرْص. ويكون هؤلاء هم السَّاجدون الحقيقيُّون للثَّالوث الأَقْدَس في إِسْرَائِيْل. يجب على شعب العَهْد القَدِيْم أن يقرِّر دون أيِّ قيدٍ أو شرطٍ أن يفصل على نحوٍ حاسمٍ ما بين يَسُوْع المَسِيْح وضدّ المَسِيْح.
الصَّلاة: أيُّها الرَّبّ يسوع، قرأنا في رؤيا يوحنَّا، أنّك سترسل شاهدين إلى بقايا مِن بني يعقوب، ليدعيا إياهم إلى التوبة، أثناء مدة ثلاث سنوات ونصف. ليتنا نستيقظ ونلاحظ هذه الفرصة البارزة، لنتوب نحن أيضاً مِن اكتفائنا، ونندم على قلة ثقتنا فيك.

بغية الشَّهادة لحقيقة الله، وفساد الإنْسَان، وقدوم أحكام دينونة الغضب، يعطي الرَّب المقام شاهدي المَسِيْح الحكمة والسُّلطان. وهما في عصر التَّوفيق الآثم بين جميع الأديان وخلط الثقافات خلطاً يتعذَّر معه تمييز بعضها عن الآخَر سيشهدان أنهَّ بصرف النَّظر عن الرَّب يهوه لا يوجد إلهٌ، وأنَّ آلهة الأديان الأخرى جميعاً هي إمَّا نكرة أو أبالسة. الشَّاهدان هما سفيرا حَمَل اللهِ، ولذلك هما يشهدان له. يشهدان للاهوته وناسوته، لموته الكفَّاري على الصَّلِيْب، وقيامته المواكبة مِن الموت، لسيادته الرَّوحية ربّاً ومجيئه المجيد ثانيةً. يعيش الشَّاهدان ويعملان في قوَّة الرُّوْح القدُس، فيشهدان بالتَّالي للثِّمار والمواهب التي يهبها للتَّمييز الرُّوحي والحَيَاة الأَبَدِيَّة. في وسط مستنقع تعدُّد الثقافات للدِّيمقراطيَّات السَّكرانة بالحرِّية سيُقيمان الوصايا العشر والموعظة على الجبل كنهج مُلْزِمٍ، وكخلاصةٍ لنبوءتهما يشهدان للإله القدُّوس القدير بوصفه أباهُما.
يعرف الشَّاهدان مَن هو الله، ويعرفان مَن هما. وكإِشَعْيَاء الذي صرخ بفزعٍ حين أدرك عِظَم قداسة الله الذي أدرك نجاسة شفتيه وشفاه شعبه، سيُبرز هذان الشَّاهدان أيضاً خطيئتهما وخطيئة شعبهما كلَّها. سيكشفان عن كلِّ خبثهم وأكاذيبهم ونجاستهم وينتقدانها أمام الله المثلَّث القداسة، وسيدعوان الجميع إلى التَّوبة وينزعان قناع الخداع عن المرائين المتظاهرين بالتَّقوى، وسيدعوان الناس إلى أن يقبلوا كفَّارة الخطيئة التي لا تزال فعَّالةً مِن حَمَل اللهِ، ويتقدَّسوا بروح محبَّته.
لكنَّ الشَّاهدَين لن يتحدَّثا فحسب عن محبَّة المَسِيْح اللَّطيفة والحليمة، بل سيحثَّان بقوَّةٍ وبكلِّ حمية أنبياء العَهْد القَدِيْم على التَّوبة وحسم الموقف وتغيير وجهة السَّير ونبذ كلِّ خطأٍ. سيرسمان أمام أعين شعبهما دينونة الله المقبلة حتماً إن هم لم يرجعوا بسرورٍ رجوعاً كلياً وفوريّاً إلى حَمَل اللهِ. يعرف شاهدا يَسُوْع المستقبل، وهما خائفان من الدَّيْنُوْنَة المقبلة التي أعلنها الرَّب لهما. ولذلك يناشدان مواطنيهما التَّوبة والرُّجوع فوراً ما دام ثمَّة وقتٌ لذلك. سيُعاقِبان بداعي المحبَّة الذين يقاومونهما. وكلُّ مَن يُريد أذِيَّتهما سواء في السِّر أو العلَن يجب أن يموت. يجب أن تستمرَّ شهادة الشَّاهدين لحقيقة الأحداث المقبلة المحتومة ودعوتهما إلى الرَّجوع إلى الله الثالُوْث دون أيِّ عائقٍ مدَّة 1260 يوماً. يجب أن يسمع جميع النَّاس، في الصّحافة، وعلى التلفزيون، وفي الإِنْتِرْنِت، محلِّياً وكذلك في العالم أجمع، أعظم نبأ مثيرٍ ليومنا هذا، سواء لخلاصهم، أو لإدانتهم.

يعلم يوحنَّا في رؤياه عن الشَّاهدَين أنَّهما "الزَّيتونتان – عن يمين المنارة وعن يسارها" (زَكَرِيَّا 4: 11). تُذكِّرنا هذه العبارة برؤيا النَّبي زَكَرِيَّا الخامسة (زَكَرِيَّا 4: 1- 14). رأى منارةً من الذهب الخالص وكوزها على رأسها وعلى المنارة سبعة سرجٍ وسبع أنابيب للسُّرج السَّبعة وهي تضيء معاً بنورٍ كثيرٍ. ورأى زَكَرِيَّا إلى يمين وإلى يسار السُّرج زيتونتين. وكانت الأنابيب الذهبيَّة تفضي من الزَّيتونتين إلى المنارة التي في وسطهما محضرةً مؤونةً لا تنضب مِن الزَّيت الثمين، ممكِّنةً إيَّاها مِن الاشتعال ليل نهار. أوضح الملاك الذي تحدَّث إليه النَّبي أنَّ المنارة كانت الملك زربابل الذي كان عليه أن يتموَّن مِن الممسوحَين (الزَّيتونتَين) بالحكمة والقوَّة والرُّوح. كما أعلن له الكلمة التي ينبغي أن تكون شعاراً لتبشير كنيسة الله، وتجديدها، وبنائها: "لاَ بِالقدْرَةِ وَلاَ بِالقوَّةِ بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (زَكَرِيَّا 4: 6).
سيصوغ هذا المبدأ أيضاً نبوءة الشَّاهدَين وحركة التَّوبة المواكبة في إِسْرَائِيْل: لن يأتي ملكوت الله إلى البشر بواسطة المال، أو النُّفوذ السِّياسي، أو العلاقات، أو القوَّة؛ بل بواسطة الرُّوْح القدُس وحده الذي يُحْدِث الإرادة والتَّنفيذ في كلِّ فردٍ. فلا توبة بدون روح الحَمَل، وبالتِّالي لا محبَّة ولا إيمان ولا رجاء.
رأى النَّبي يوحنَّا كزَكَرِيَّا في رؤياه ليس منارةً واحدةً بل منارتين تمثِّلان في الوقت نفسه زيتونتين. ويتَّضح هنا أنَّ كلاًّ مِن الشَّاهدين سيُشابه في نهاية الزَّمان الملك زربابل ورئيس الكهنة يهوشع على حدٍّ سواء. لن يكون شاهدا يَسُوْع تجسُّداً جديداً لهذين الرَّجلين مِن العَهْد القَدِيْم اللَّذين قادا عمليَّة الإحياء السِّياسي والرُّوحي لشعبهما العائد مِن الأسر البابليِّ؛ ولكنَّهما نظيرهما سيُحدثان إصلاحاً وتقديساً لشعبهما المُعَلْمَن والعائد مِن خليط الأمم.
لن يتكلَّم خادما المَسِيْح ويتصرَّفا باستقلاليَّةٍ، بل سيقفان أم ربِّهما ويُطيعان أوامره، وهو يُوجِّههما بعينه. إنَّ الإله الحقيقيَّ للأرض ليس "إله هذا الدَّهر" الذي يصفه بولس بأنَّه قد أعمى أذهان الجماهير الهالكة (2 كُورنْثوْس 4: 4) كلاَّ، فهو ليس فقط أبا يَسُوْع المَسِيْح، بل هو ربُّ السَّماء (تكوين 24: 3) وكذلك ربُّ عالَمنا المعذَّب بالشَّياطين (إِشَعْيَاء 54: 5؛ زَكَرِيَّا 4: 14) وهو يطالب ليس إِسْرَائِيْل فحسب، بل الأمم والألسنة والحكومات كلَّها. ويشاء أن يُقبل النَّاس جميعاً، بواسطة شاهدَيه، إلى نور معرفة مجد الله في وجه يَسُوْع المَسِيْح (2 كُورنْثوْس 4: 6؛ 1 تيموثاوس 2: 4- 6). وفي هذا الصَّدد يشبه الشَّاهدان زيتونتي نهاية الزَّمان اللَّتين تفيضان زيتاً مقدَّساً باستمرارٍ. لكن لا شيء يشبه أوعية الزَّيت التي رغم امتلائها بمزيجٍ ملائمٍ نابعٍ مِن التَّربية اللاَّهُوْتِيّة، سرعان ما نضبت واستُهلِكَت (يوهان ألبرخت بنغل).

لا يُكلِّم إعلان يَسُوْع المَسِيْح المَسِيْحِيّين الأمم فقط، بل وبطريقةٍ خاصَّةٍ اليهود المَسِيْحِيّين أيضاً. فهُم على معرفةٍ وثيقةٍ بأحداث الكتاب المقدَّس منذ الطُّفولة. والكلمة التي تتحدَّث عن نارٍ آكلةٍ تخرج مِن فم النَّبيَّين مفهومةٌ أنَّها إشارةٌ ضمنيَّةٌ إلى النَّبي إِيْلِيَّا. لقد تحدَّث مرَّتين إلى جنودٍ كانوا مرسَلين لاعتقاله، وفي كلٍّ منهما كانت تنزل نارٌ مِن السَّماء وتأكل السَّامريِّين لأنَّهم رفضوا يَسُوْع مخلصهم. ولكنَّ ربَّهما انتهرهما وقال: "لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا" (لوقا 9: 54- 55). ولكن يظهر أنَّ الرَّب في نهاية الزَّمان سيُرسل شاهدَيه على غرار أنبياء العَهْد القَدِيْم كي يفهم قساة القلوب ضمن شعبه المختار أنَّ الله بنفسه يقف وراء هذين الشَّاهدَين. إنَّنا بتقوانا الكاذبة نُحارب القدير الذي هو نفسه نارٌ آكلةٌ (تثنية 4: 24؛ 9: 3؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 12: 29) وهو يُكلِّمنا مباشرةً مِن النَّار (تثنية 4: 12، 15، 33، 36؛ 5: 4، 22، 26؛ 9: 10؛ 10: 4). إنَّ الحربين العالميَّتين الماضيتين بنيرانهما وقصف قنابلهما وويلاتهما ووابل لعناتهما، بالمدن المحروقة والسُّحُب المتكاثرة كالفطر قد أثبتتا هول هذا الكلام مِن جديدٍ. ولكنَّ قليلين هم الذين تابوا بعد هذه العلامات المخيفة.
إنَّ السُّلطان الذي لهذين الشَّاهدَين أن يحبسا الغيث فلا تمطر السَّماء مدَّة ثلاث سنواتٍ ونصف السَّنة سيُشعِل غضب الحاخامات المرائين والجماهير الملحدة وحكوماتهم، وفي هذه الحالة أيضاً سيتكرَّر مثال إِيْلِيَّا (1 ملوك 17: 1؛ 18: 1- 46)، بحيث تستحوذ على جميع أعضاء شعب الله توبةٌ راسخةٌ، وتنطلق الصَّرخة مِن شفاههم معلنةً: يَسُوْع هو الله. يَسُوْع هو الله (1 ملوك 18: 39).
إنَّ مَن يُسافر إلى الشَّرق الأوسط يعرف ماذا يمكن أن يعنيه نقص المياه.
فالماء يعني الحياة، وحيث يجري الماء تجد الخضرة. ما أحزن الصُّور المأساويَّة التي تُظهر كوارث الجوع في إثيوبيا والصُّومال والصَّحارى وسهوب آسيا بعد سنوات القحط والجفاف. سوف يسحب الرَّب الأَرْض مِن تحت النَّاس في الشَّرق الأوسط وفي العالم كلِّه بواسطة كلام الشَّاهدَين. إنَّ عليهم أن يفهموا أنَّهم لا يستطيعون أن يعيشوا مقاوِمين للخالق القدير ومتعدِّين على شرائعه بحسب أهوائهم. فهو الذي خلقهم، وهو وحده القادر أن يمدَّهم بأسباب الحياة. يستخدم الرَّب النار والجوع ليحني رؤوس غير المستعدِّين للتَّوبة. إنَّه لا يُريد أن يُهلكهم. فالحكيم هو الذي يعيش بحسب مشيئته ويتبع سُبُل محبَّته. وكلُّ عداءٍ في الحياة موجَّهٍ ضدَّ الله والمَسِيْح هو إهلاكٌ للذَّات.
إضافةً إلى النَّار والجفاف، أحضر شعب العَهْد في الرُّؤْيَا أمام أعينهم كإنذارٍ الضَّربات التي نزلت على مصر بواسطة موسى وهارون (خروج 7: 15- 25). وكتوالي الضَّربات على النِّيل التي اقتضاها تحرير الأسرى مِن أولاد يعقوب (خروج 8: 21- 28؛ 9: 13, 27- 28، 35؛ 10: 7- 11، 24- 27؛ 12: 30- 33) هكذا ضربات يَسُوْع المَسِيْح التي تنزل على الشَّعب المتقسِّي مِن يد السَّفيرَين؛ فهي لازمةٌ لحماية كنيسة المَسِيْح المضطهَدة وتحريرها، وإحضارهم لخدمة الله التي لا يعوقها عائقٌ. يَسُوْع وأتباعه مكروهون اليوم أكثر فأكثر في إِسْرَائِيْل. والمَسِيْح المُقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ يُرسل اثنين مِن خُدَّامه منسجمين تماماً ومشيئته، وهما سيكونان قادرَين على استنزال أقسى الضَّربات بإِسْرَائِيْل كلَّما أرادا، وكلَّما رأيا ذلك ضروريّاً. ولا موسى نفسه كان له هذا الحقُّ. من ذلك نجد السُّلطان العظيم الذي سيتمتَّع به هذان الشَّاهدان والأهمِّية الملحَّة لمهمَّتهما.
لكنَّ الشَّاهدين لن يُهلكوا معظم الشَّعب المختار أو يفنوه، بل إنَّهم سيحصرون مجالهم الحيويَّ ويُخرِّبونه كي يجبروا الشَّعب اليائس على التَّخلي عن ولعهم الشَّديد بالتِّكنولوجيا والأسلحة الحديثة وكذلك عن جميع محاولات الإنقاذ الذاتي. إنَّ عليهم الرُّجوع إلى الله منقذهم.
يتصارع الله وأفراد شعبه الضالين من العلمانيِّين صراعه مع الفريسيِّين المتعصِّبين منهم. لذلك يسمح مرَّةً أخرى بتكرار أفعاله العظمى وكذلك دينونته المعروفة لديهم مِن التَّاريخ. ولكن هذه المرَّة ليس لحمايتهم، بل هي موجَّهةٌ ضدَّهم كي يتوبوا ما دام ثمَّة وقتٌ للتَّوبة ويَقبلوا يَسُوْع مَسِيْحاً لهم. سيُخلِّص الرَّب المُقام شعبه مِن خطيَّتهم مهما كان الثمن (متَّى 1: 21؛ لوقا 2: 21؛ أعمال 4: 12؛ مزامير 13: 8؛ إلخ.)

يخمِّن كثيرون مِن المفسِّرين مَن يمكن أن يكون هذا الشَّاهدان. فيقول البعض إنَّهما موسى (بصفته معطي الشَّريعة) وإِيْلِيَّا (بصفته ممثِّل النُّبوَّة). ويعتقد البعض الآخر أنَّهما يشبهان يوحنَّا المعمدان الذي بروح إِيْلِيَّا صرخ في البرِّية، وبطرس الذي بصفته قائد الكنيسة استلَّ سيفه أيضاً (يوحنَّا 18: 10). ويُفضِّل البعض رَوْحَنَة الشَّاهدين فيتحدَّثون عن "الشَّريعة" و"الإِنْجِيْل"؛ فيما يقول آخرون غيرهم إنَّهما ممثِّلا تاريخ الكنيسة بين الأمم ومِن شركة إِسْرَائِيْل. حتَّى إنَّنا لنجد الفكرة المصطنَعَة بأنِّ جميع المَسِيْحِيّين الشَّاهدين مِن بين الأمم يُشكِّلون الشَّاهد الأوَّل وجميع محبِّي يَسُوْع مِن إِسْرَائِيْل منذ عهد الرُّسُل حتَّى المَسِيْحِيّين مِن اليهود في يومنا هذا يُشكِّلون الشَّاهد الثانِي. ولكن لا يعرف أحدٌ الجواب الصَّحيح.
لا يجوز لأيِّ مَسِيْحِيّ أن يسمح لنفسه بالانجرار وراء أضاليل الشَّيطان ظانّاً أنَّ لديه جميع الأجوبة. فالرَّب نفسه سيختار هذين الخادمين ويُعدُّهما شخصيّاً، وهما سيتعلمان أن يُنكرا النَّفس ويحملا صليبهما ويتبعا يَسُوْع حتَّى النِّهاية المرَّة.

الصَّلَاة
أيُّها الرَّبّ العادل، سوف تهزّ شعبك المتمرّد بعجائب دينوناتك في العهد القديم، الساقطة على رؤوسهم الخاصة. وشاهداك سوف يغلقان السماء، لكي لا ينزل مطراً ثلاث سنوات ونصف على الأرض. فالعِطاش يلعنونهما، وييأسون مِن ضيق، ولكن لا يتوبوا. ولا يرجعوا، ولا يقبلونك رغم أنّك خلصتهم أيضا على صليبً يسوع. ساعدنا لكي لا نتقسّى مثلهم، بل نطلب منك أن تليّن قلوب الجميع.
السُّؤَال
لماذا يحتاج كلّ إنسان التوبة النصوحة؟ كيف سيضرب الرَّبّ شعب العهد القديم قبيل البوق الأخير؟