Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
إعلان انتصار السَّماء وغالبي الشَّيطان
(رؤيا يوحنا 12: 10- 11)
10وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا قَائِلاً فِي السَّمَاءِ الآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلَهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيْحهِ لأَِنَّهُ قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلَهِنَا نَهَارًا وَلَيْلاً.11وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ.


سمع يوحنَّا صوتاً عظيماً في السَّماء يُعلن بابتهاجٍ انتصار ميخائيل على التِّنين. تبدو صيحة الانتصار هذه للوهلة الأولى كتكرارٍ للأصوات المبتهجة في السَّماء التي أعلنت قبلاً انتصار الله المقبل بعد دويِّ صوت البوق السَّابع (رؤيا 11: 15). ولكنَّنا نرى في إعلان النَّصر الممتدِّ هذا مظاهر جديدةً في إتمام الخلاص.

شرعيّاً قد تمَّ الخلاص بواسطة موت يَسُوْع المَسِيْح على الصَّلِيْب وبواسطة قيامته. إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيْح مُصَالِِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ (2 كُورنْثوْس 5: 19- 21).
وعلى أساس هذه المصالحة تبع ذلك انسكاب الرُّوْح القدُس على أتباع يَسُوْع الأتقياء، فكان حلول الروح هذا إتمام الخلاص لأنَّه أتى للمبرَّرين بشركةٍ حميمةٍ مع الله الآب والابن والرُّوْح القدُس. إنَّ الرُّوْح القدُس هو قوَّة الله والحَيَاة الأَبَدِيَّة، وهو يمنح المؤمنين المحبَّة والفرح والسَّلام والصَّبر، ويمكِّنهم مِن الشَّهادة، ويُعزِّيهم بالرَّجاء اليقين لخلاصهم الأبدي.
تُمنح عطيَّة الرُّوْح القدُس بوعيٍ للمَسِيْحِيّين الأفراد وللكنيسة كلِّها أيضاً. فهو أوجد معجزة وسرَّ الكنيسة. وجميع محبِّي المَسِيْح يشكِّلون معاً هيكل الرُّوْح القدُس، وجسد المَسِيْح، وعائلة الله أبينا.
أتمَّ المَسِيْح، بعد صعوده وتتويجه، خلاصه فينا. وهو رئيس كهنتنا ومحامينا. كان الشَّيطان سابقاً قادراً أن يحضر في السَّماء كمدَّعٍ عامٍّ على المبرَّرين، ولكن بعد دويِّ صوت البوق السَّابع مباشرةً طُرد أبو الأكاذيب، ومنذ ذلك الحين لم يقدر بعد أن يُشكِّك في إتمام الخلاص. ولذلك لم يترنَّم الصَّوت السَّماوي العظيم بترانيم الحمد لأجل الخلاص إلاَّ بعد موت المَسِيْح. لقد أُخرِس المشتكي الكذَّاب إلى الأبد. أمَّا الخلاص الفعَّال الذي تمَّ في المَسِيْح ومِن قِبَلِه فهو غير قابلٍ للجَدَل.

في تسبيحة الشُّكر بنهاية الصَّلاة الرَّبانية نصلِّي قائلين: لأَِنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالقوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ، آمِينَ (متَّى 6: 13). إنَّ ملكوت الله هو هدف تاريخنا (رؤيا 1: 9؛ 11: 15).
منذ صعود المَسِيْح يحكم الآب والابن العالمِين بوحدةٍ تامَّةٍ. أمَّا الشَّيطان بصفته المشتكي وعدوّ الله فأخذ على عاتقه التَّشكيك في وجود هذا الملك ووحدته مرَّةً تلو الأخرى. كان ضدَّ كلِّ ما هو صالحٌ وإلهيٌّ. فأبغض انسكاب الرُّوْح القدُس في الخطاة المبرَّرين. وبعدما طُرد الشِّرير مِن قبل ميخائيل ثبت الملك بما لا يقبل الجدل، ولم يكن ثمَّة تشكيكٌ بعد في حلول قوَّة الرُّوْح القدُس ومحبَّة الله في الكائنات الأَرْضيَّة. فبقي حكم الله الملكي بعد البوق السَّابع أمراً مفروغاً منه، وأتت قدرة الله التَّامة بتعزيزٍ لا يعوقه عائقٌ إلى ملكوته، وهي القدرة نفسها التي تشجِّع ثقتنا اليوم وتُعزِّزها.

كان المَسِيْح قد اعترف قائلاً: دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلطان فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْض (متَّى 28: 18). وكان الشَّيطان قد ثار على ادِّعاء ابن الله هذا وشكَّك فيه بواسطة الإشارة إلى الحالة التي يُرثى لها التي في الكنيسة وفي العالم. وبطرد الشَّيطان فقط أظهر المَسِيْح أنَّه يملك حقَّاً كلَّ سلطانٍ في السَّماء وعلى الأَرْض. ومن المؤكَّد أنَّه قد امتلك هذا السُّلطان إلى الأبد كما أثبتت معجزاته ذلك. أمَّا أبو الكذب وبسبب صبر الابن ومحبَّته فشكَّك في ملكوته الرُّوحي وسلطانه، وأراد أن يجرِّبه بأعمالٍ بشريَّةٍ ودنيويَّةٍ. ومنذ بوَّق الملاك السَّابع بقي سلطان المَسِيْح في السَّماء غير متنازعٍ عليه، وهو سيبقى محقَّقاً بواسطة إيمان أتباعه على الأَرْض اليوم.

لقد كشف إعلان النَّصر مِن الصَّوت المرتفع في السَّماء أسرار الشَّيطان الذي كان يشتكي على أتباع المَسِيْح المؤمنين ليل نهار بسبب أغلاطهم وأخطائهم وخطاياهم الواضحة، وكان كلُّ تعدٍّ على الشَّرِيْعَة يُلاحَظ، ويُدوَّن بكثيرٍ مِن التَّدقيق، ويُؤتى به بحماسٍ إلى حضرة الدَّيان الأبدي.
أمَّا الآن فالصَّوت السَّماوي يُنادي قائلاً: "قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا". ومِن الصَّائب أن نفكِّر أنَّ الأَرْبَعَة وَالعِشْرِيْنَ شَيْخاً مِن غرفة العرش هم الذين شرعوا يترنَّمون بنشيد الظَّفَر هذا. لم يتحدَّث الصَّوت السَّماوي عن تشكِّي الشَّيطان على غير المؤمنين، بل على المَسِيْحِيّين المولودين ثانيةً. لقد أراد الشَّيطان ولا يزال يريد أن يُهلك عائلة الله، وجسد المَسِيْح الرُّوحي، وهيكل الرُّوْح القدُس بواسطة اتِّهامه المبرَّر. ولكنَّه فشل. فقد غلب الصَّلِيْب والنِّعمةُ الشِّريرَ بواسطة طهارة المَسِيْح وذبيحته الكفَّارية الفعَّالة إلى الأبد، وأخرسا المشتكي نهائيّاً وعلى نحوٍ حاسمٍ؛ فأُرسِل طائراً مِن السَّماء.

هذا السِّر عظيمٌ: المشتَكَى عليهم لهم دورٌ فعليٌّ في قهر الشَّيطان. فهم كمجموعةٍ في شركةٍ مع الله القدُّوس لم يتمكَّنوا مِن إثبات براءتهم وجدارتهم، وكانوا مذنبين ومدانين. لم يكن لهم فخرٌ مِن أنفسهم، ولا أعمال صالحة، ولا حقٌّ للعيش مع الله. ولكنَّهم تجرَّأوا على الإيمان بأنَّ دم يَسُوْع المَسِيْح يُطهِّرهم مِن كلِّ خطيئةٍ. إنَّ دم فداء الحَمَل يُسكت كلَّ شكوى مِن الشَّيطان. والمَسِيْحِيّون ليسوا أطهاراً في أنفسهم، ولكنَّهم لأجل إيمانهم سيتبرَّرون بامتيازٍ ومجَّاناً. وتنتهي شكوى الشَّرِيْعَة لأنَّهم يثقون بدم حَمَل اللهِ الكفَّاري. إنَّ المادَّة الثانِية مِن اعتراف إيماننا كلَّها متضمَّنةٌ في الجملة القصيرة التَّالية: غَلَبُوهُ (أي غلبوا المشتكي) بِدَمِ الْخَرُوفِ (رؤيا 12: 11). فإيماننا هو الانتصار الذي غلب الشَّيطان وعالمه (1 يوحنَّا 5: 4- 5).
مِن المهمِّ للتَّغلب على الشَّيطان أيضاً شهادة الآب والابن بواسطة الرُّوْح القدُس. فأتباع المَسِيْح عرضةٌ مرَّةً تلو الأخرى لكلِّ خطيئةٍ وتجربةٍ محتمَلتَين مِن الشَّيطان. وشهادة نعمة الرَّب يَسُوْع المَسِيْح، ومحبَّة الله، وشركة الرُّوْح القدُس تقوِّينا. إنَّنا نعلم بأنَّنا محفوظون في نعمة الله المثلث الأقانيم المجَّانية. مَن يشهد يحيَ، ومَن يحيَ في الرُّوْح القدُس يُحْدِث حياةً روحيَّةً. تتضمَّن رسالة الصَّلِيْب قوَّةً عظيمةً (1 كُورنْثوْس 1: 18؛ 2: 1- 5). وعلى الرَّغم مِن الفشل والخطيئة والذنب يتمسَّك المَسِيْحِيّون واعين بالمصلوب. وبسبب شهادتهم لهم دخولٌ مفتوحٌ إلى الآب (متَّى 10: 32؛ لوقا 12: 8). في الصَّلِيْب تختفي قوَّتنا كلُّها، ولذلك نشهد للمَسِيْح المصلوب وننال سلاماً عظيماً في وسط المعركة مع العالم السُفلي.
إنَّ الشَّهادة لحَمَل اللهِ الذي حَمَل خطيئة العالم تؤدِّي إلى المقاومة والاضطهاد والموت. لن يشمَّ الشَّيطان حتَّى رائحة الصَّلِيْب، ويمكنه عند الضَّرورة، كما في الإسلام، أن يُدرك يَسُوْع كصانع معجزات، أو مشترعٍ حكيمٍ، أو شخصٍ نموذجيٍّ، أو نبيٍّ، أو روحٍ جوَّالٍ مِن الله، أو كمَن صعد إلى السَّماء. ولكن لن يستطيع الشَّيطان أبداً أن يعترف بأنَّ يَسُوْع هو مَن مات عن الخطاة على الصَّلِيْب. يحاول الموفِّقون بين الأديان المتعدِّدو الثقافات أن يخلقوا ديناً عالميّاً موحَّداً وروحاً عالميّاً جديداً لا مكان فيه لابن الله المصلوب الجالس على عرش أبيه. فينبغي لكلِّ مَن يواصل الاعتراف بحَمَل اللهِ وأبي يَسُوْع المَسِيْح أن يأخذ في الحسبان الهزء والسُّخرية به والتَّعذيب والقتل.
إنَّ كلَّ شخصٍ يقدِّم حياته ليَسُوْع مخلصه ويشهد له حتَّى موت الشَّهادة قد ساعد على قهر الشَّيطان. والحقيقة أنَّ إيمان المبرَّر بالمَسِيْح هو أعظم مِن خوفه مِن الموت تجعل الشَّيطان ضعيفاً لا حول له ولا قوَّة. ومع أنَّ دم الشَّهيد ليست له قوَّة فدائيَّةٌ، إلاَّ أنَّه يمجِّد انتصار الحَمَل أمام العالم أجمع.
يؤمن الكثير مِن المَسِيْحِيّين بقوَّة دم المَسِيْح الفدائيَّة، ويجرؤ البعض على الشَّهادة جهاراً لابن الله المصلوب. ولكنّ قلَّةً منهم قد بذلت حياتها موتاً لأجل يَسُوْع. إنَّ المعركة بين السَّماء وجهنَّم مستمرَّةٌ، فأين مشاركتنا في انتصار الحَمَل؟ ليس ميخائيل "قدِّيسنا الحارس"، بل إنَّنا منتصرون بدم الحَمَل وحده. ينبغي أن نوضح في خدمات عبادتنا إيماننا بحَمَل اللهِ بتعابير لا لبس فيها، فالشَّهادة للمصلوب تأتي بالحَيَاة الأَبَدِيَّة.

الصَّلَاة
نشكرك أيُّها الرَّبّ يسوع الحيّ، لأنك منحت لنا بصيرة عميقة إلى تطوراتك في السماء، إذ أمرت رئيس الملائكة ليطرد إبليس من موقف شكاويه، وأشركت حتّى المؤمنين بك في هذا الانتصار، بتطهير أنفسهم بدمك الثمين، وشهاداتهم عن أعمالك الخلاصيّة. ولم يخافوا من موت الشهداء، لأنّهم تيقنوا من حياتك الأبدية الموهوبة لهم.
السُّؤَال
ما هي الخدمات الثلاث التي أشرك فيها حمل الله المؤمنين في الغلبة على الشيطان؟ آمين.