Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
القسم الأوَّل: ظهور ضدّ المسيح
(رؤيا 13: 1- 10)

1- الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ
(رؤيا 13: 1- 4)
13:1ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَمْلِ الْبَحْرِ. فَرَأَيْتُ وَحْشًا طَالِعًا مِنَ البَحْرِ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ وَعَلَى قُرُونِهِ عَشَرَةُ تِيجَانٍ وَعَلَى رُؤُوسِهِ اسْمُ تَجْدِيفٍ.2وَالْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتُهُ كَانَ شِبْهَ نَمِرٍ وَقَوَائِمُهُ كَقَوَائِمِ دُبٍّ وَفَمُهُ كَفَمِ أَسَدٍ وَأَعْطَاهُ التِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَانًا عَظِيمًا.3وَرَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ وَجُرْحُهُ الْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ وَرَاءَ الْوَحْشِ4وَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ الَّذِي أَعْطَى السُّلْطَانَ لِلْوَحْشِ وَسَجَدُوا لِلْوَحْشِ قَائِلِينَ مَنْ هُوَ مِثْلُ الْوَحْشِ. مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ.

كان الشَّيْخ الجَلِيْل يوحنَّا قد رأى قبلاً كيف وقف التِّنين الأحمر النَّاري ذو الرُّؤوس السَّبعة، الذي حارب المرأة ونسلها، على شاطئ البحر الأبيض المتوسِّط محدقاً إلى مكان سطح الماء وكأنَّه يريد أن يجذب سفينةً أو دلفيناً بعينيه (رؤيا 12: 17).
وفيما هو واقفٌ على هذا النَّحو المتوتِّر خرجت فجأةً عشرة قرونٍ مِن سطح الماء، وعلى هذه القرون عشرة تيجانٍ. كانت الرُّؤوس السَّبعة التي ظهرت منجَّسةً بأسماء تجديف.
ذهل يوحنَّا حين رأى صورة الشَّيطان، التِّنين الأحمر النَّاري، وهو يخوض الماء متقدِّماً صوب والده. كان لوالد التِّنين أيضاً سبعة رؤوس وعشرة قرون. ولكن كان للوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ عشرة تيجان وليس سبعة فقط كما كان لوالده (رؤيا 12: 3)، بل إنَّه كان يتمتَّع بنصيبٍ أوفر مِن الإعجاب والتَّبجيل.
ولعلَّ يوحنَّا تذكَّر شهادة يسوع: اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ (يوحنَّا 14: 9).
نظير ذلك ولكن على نحوٍ سلبيٍّ شيطانيٍّ ظهر الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ كصورةٍ للتِّنين الذي يُضِلُّ البشريَّة كلَّها (رؤيا 12: 9).
يرى بعض المفسِّرين أنَّ المفهوم مِنَ البَحْرِ هو بحر الشُّعوب كما هو الأمر في سفر دانيال، بينما يرى فيه آخرون هاوية الظُّلمة.
صنع المخرجون السِّينمائيون اليابانيُّون مسخاً رهيباً جعلوه يطلع مِنَ البَحْرِ ويتقدَّم ببطءٍ إلى الشَّاطئ فيدخل مدينةً كبيرةً ويدوس ناطحات السَّحاب تحت قدميه. كان هذا الوحش يزمجر غاضباً وعيناه وفمه تطلق ناراً على أعدائه. ولم ينفع أيُّ سلاحٍ بشريٍّ في ردع هذا الوحش إلى أن عاد أدراجه إلى البحر وغاص في أعماقه بعدما دمَّر المدينة على بكرة أبيها. لا تزال رؤيا يوحنَّا جديدةً كلَّ الجدَّة وموافقةً في حداثتها لعصرنا التكنولوجي. ولا يزال الخوف مِن الوحش الصَّاعد مِنَ الهَاوِيَةِ كامناً في العقل الباطن للبشر.
ترمز القرون العشرة في رؤى دانيال ويوحنَّا إلى عشرة حكَّامٍ جبابرة على اتِّصالٍ وثيقٍ بالشَّيطان (دانيال 7: 7و 24). بعضهم له قرنان وتاجان على رأسه، ولكن لمعظمهم قرنٌ واحدٌ وتاجٌ واحدٌ فقط. وترمز القرون إلى القوّة المعطاة إلى الحكَّام مِن الشَّيطان، وتمثِّل التِّيجان تطاولهم الوقح. إنَّهم يريدون أن يحكموا العالم في روح الشَّيطان بالمكر والعنف وتمجيد الذَّات. وتوضح أسماء التَّجديف على رؤوسهم صفة هؤلاء الحكَّام. تفسِّر أسماء التَّجديف أقوالهم وأفعالهم وأهدافهم. كان الأباطرة الرُّومان في أيَّام يوحنَّا، على سبيل المثال، يغدقون على أنفسهم مثل هذه الشِّعارات والألقاب. فكان غايوس يوليوس قيصر أوكتافيانوس يُدعى "أغسطس" ومعناها "العليُّ"، و"القدّوس"، و"المعبود". وأمر تيطس فلافيوس دوميتيانوس أتباعه أن يُمجِّدوه بل ويسجدوا له باللقب "ربّنا وإلهنا". كانت الجماهير الألمانيَّة تهتف: Sieg Heil لهتلر، والبابا يدعو نفسه "الآب القدّوس"، هذا الاسم الذي يخصُّ الله وحده. وبذلك يدَّعي البابا العصمة في سلطانه الكنسي لتعليم الحق المسيحي ويزعم أنَّ الكهنة وحدهم يمكنهم أن يغفروا الخطايا.

لا يتكلَّم الوحش ذو الرُّؤوس السَّبعة الطَّالع مِن العمق بتفاهم وانسجامٍ
واحدٍ، بل قد تقدِّم رؤوسه السَّبعة في وقتٍ واحدٍ سبع فلسفاتٍ مختلفةٍ متناقضةٍ تخرج في النِّهاية مِن قلب الوحش الواحد. الاشتراكيَّة والرَّأسماليَّة، الهندوسيَّة والبوذيَّة، الإسلام واليهوديَّة، الفلسفة الإنسانيَّة وكذلك المسيحيَّة الليبراليَّة هي فلسفاتٌ أخَّاذةٌ للحياة يُرجَّح أنَّها تخرج مِن الرُّؤوس السَّبعة المختلفة لابن جهنَّم. لا يقصد الوحشُ الحقَّ، حيث إنَّ أباه هو خير الماكرين فيهم (سورة آل عمران 3: 54)، وهدفه هو إقامة حكم عالمي ضدّ الله وحَمَله. تضمُّ في أيَّامنا هذه منظَّماتٌ ومحافل عديدة فلسفاتٍ متناقضةً تحت عنوان "التَّسامح" في مجتمعنا المتعدِّد الثَّقافات، أمَّا هدفها في الواقع فهو فرض السَّيطرة والهيمنة على العالم.
تقبل الجماهير وحتَّى المثقَّفين مرَّةً تلو الأخرى أكاذيب الرُّؤوس السَّبعة الخبيثة والمعقولة كما قبلت هتلر وماو... الخ. لا تريد أكثريَّة النَّاس أن تُدرك أنَّ يسوع هو وحده الطَّريق والحقُّ والحياةُ (يوحنَّا 14: 6)، فثقتهم العمياء بأكاذيب مضلِّيهم تخلق فيهم تقسِّياً جماعيّاً على الحقِّ (2 تسالونيكي 2: 9- 12). وبسبب رفضهم الحقَّ يسمح الله لقوى الكذب بتضليلهم (2 تسالونيكي 2: 10- 12). أدرك يوحنَّا أنَّ الوحش الأخير الطَّالع مِنَ البَحْرِ ضمَّ في ذاته الصِّفات المريعة لجميع أسلافه. كان أشبه بالنِّمر السَّريع، والدّب المتمكِّن، والأسد الزَّائر (دانيال 7: 4- 6). ولكنَّ الوحش الشَّبيه بالتِّنين كان أرهب مِن جميع أسلافه، وأشدَّ هولاً وقوّة (دانيال 7: 7). كانت له أسنانٌ مِن حديدٍ فابتلع كلَّ ما كان مرئياً وداس كلَّ ما بقي بقدميه. كانت أعماله وحشيَّةً بل بهيميَّةً.
إنَّ سرَّ الوحش الأخير هو أنَّ الشَّيطان، التِّنين الأحمر النَّاري، سيُسلِّم إليه كلَّ قوَّته كي يُنفِّذ خططه. سيترك له حتَّى عرشه، عرش الظُّلم والظُّلمة. سيُسلِّم إليه السُّلطان الشَّيطاني ليجمع جميع الدُّول معاً في إمبراطوريَّةٍ يحكمها هو. لن يجرؤ أحدٌ على معارضة الوحش. لن يُشابه ابن الهلاك أباه، رئيس الشَّر، بحسب المظهر الخارجي والشَّكل فحسب، بل سيستلم كلَّ قوَّته منه.
عندما طُرد الشَّيطان مِن السّماء كان مملوءاً غضباً عظيماً (رؤيا 12: 7- 12) حتَّى إنَّه فوَّض إلى ملوك الوحش العشرة أن يظهروا في روحه بانسجامٍ واحدٍ كي يفرضوا إرادته بالقوّة.

أدرك يوحنَّا وهو يحدق إلى المسخ الطَّالع مِنَ البَحْرِ أنَّ قرناً صغيراً كان يطلع مِن أحد رؤوسه السَّبعة وقد اقتلع وخرَّب ثلاثة قرونٍ أخرى (دانيال 7: 8). جمع الملك الجديد ثلاثة تيجانٍ على رأسه وصار أقوى مِن باقي الحكَّام. ولعلَّ الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ قد تلقَّى خلال صراعات القوّة الدَّاخلية هذه جرحاً مميتاً على رأسه نما منه القرن الجديد. بدا أنَّ الوحش المذبوح ينزف حتَّى الموت ببطءٍ ولكن على نحوٍ مؤكَّدٍ. وقد ذُكر هذا "الجرح المميت" لابن التِّنين بوضوحٍ ثلاث مرَّاتٍ في الأصحاح الثَّالث عشر مِن سفر الرّؤيا (رؤيا 13: 3، 12، 14). وهو السِّمة الجوهريَّة للوحش الرَّابع. ولكنَّ جرحه شُفي بعمل الشَّيطان الذي نجح فيه حتَّى إنَّ ابنه "الخالد" ظهر كمنتصر على الموت.

في آخر هذه الرّؤيا يتَّضح جليّاً أنَّ الشَّيطان يحاول مع الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ أن يُقلِّد، وحتَّى أن يبزَّ حَمَل اللهِ.
كما أنَّ يسوع المسيح هو صورة الله ويعكس مجد الله (عِبْرَانِيِّيْنَ 1: 3؛ كولوسي 1: 15 وآيات أخرى)، هكذا ينبغي للوحش الطَّالع مِن العمق أن يمثِّل صورة وقوّة ولا شرعيَّة أبيه الذي مِن جهنَّم. كما مات حَمَل اللهِ متألِّماً عنَّا على الصَّليب وقام في اليوم الثَّالث مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، هكذا كان على الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ أن ينزف حتَّى الموت كي يُحييه التِّنين ويشفيه.
كما نال يسوع المسيح عند تتويجه كلَّ سلطانٍ في السّماء وعلى الأرض، هكذا كان على ابن الشِّرير أن ينال كلَّ قوّة وعرش أبيه المُهلِك. ولكنَّ يسوع المسيح عانى الموت في ضعف جسده ولم يُدفع إليه كلُّ سلطانٍ في السّماء وعلى الأرض إلاَّ بعد إحرازه النَّصر على الموت وجهنَّم، أمَّا الوحش فأُعطي القوّة مِن البداية ورغم ذلك مات ليظهر فيما بعد حيّاً.
إنَّ هدف تقليد المسيح كحَمَل اللهِ هو أخيراً عبادة الشَّيطان وابنه، مثلما تعبد الخليقة كلُّها وتسجد لأبينا الذي في السّماء (رؤيا 4: 1- 11) ولحَمَله (رؤيا 5: 1- 14) بغيرةٍ وحماسةٍ.

رأى يوحنَّا في رؤياه أنَّ جميع النَّاس الذين على الأرض أبصروا موت وقيامة الوحش كحاكمٍ (بواسطة التلفزيون). وكذلك رأى أنَّ جميع النَّاس قد شاهدوا بعيونٍ مشدوهةٍ جثَّتي شاهدي يسوع المسيح اللَّذين قتلهما الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ ومِن ثمَّ صعودهما مِن أورشليم (رؤيا 11: 7- 13). ولكنَّ الجماهير لم تستجب لتعافي رئيس هذا العالم بالتَّوبة والرُّجوع إلى الله، بل بذهولٍ عظيمٍ جعلهم يستسلمون وينقادون إلى عبادة متعمَّدة أو إجباريَّة للشَّيطان وابنه.
تعني العبادة التَّسليم والاستسلام والخضوع. وهذا هو المعنى الدَّقيق للكلمة العربيَّة "إسلام". لا تُمارس العبادة في حدود ثقافة الكِتَاب المُقَدَّس فقط بل في جميع الأديان بل وأحياناً في مجال الطُّغاة أو الملوك المتألِّهين. يرتبط العابد بمعبوده ويستسلم كلِّياً له، فلا يكون العابد إنساناً حرّاً بعد، فهو قد نذر نفسه لربِّه إلى الأبد ودون قيدٍ أو شرطٍ. على المسلمين أن يستسلموا لإلههم حتَّى 34 مرَّةً بعبادتهم في الصّلاة خمس مرَّاتٍ يوميّاً. أمَّا عند المسيحيِّين فتكفي الصّلاة واحدةٌ للتَّعهُّد كلِّه ليسوع إذ إنَّ الرّبّ قد ضحَّى بنفسه لأجلنا قبلاً ووضع ختمه على عهده الفعَّال إلى الأبد بدمه ومن ثمَّ بإعطائه روحه القدّوس.
ولكنَّ الجماهير في آخر الزَّمان ستعبد الشَّيطان، التِّنين الأحمر النَّاري، عن سابق تصوُّرٍ وتصميمٍ وبصراحةٍ ومجاهرةٍ. وسيعترف الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ أنَّه نال كلَّ قوَّته وانتعاشه وسلطانه مِن إبليس. ولذلك سيقول كثيرون مِن البعيدين عن المسيح مَن ذا الذي سيُحارب ابن التِّنين هذا المسكون بجميع الشَّياطين؟ حتَّى لو نجحنا في قتله سيبقى على قيد الحياة. لذلك مِن الحكمة أن نخدم ممثِّل جهنَّم المفوَّض بدلاً مِن أن نعاديه.
يعمل روح العالم السُّفلي حيثما يُكرَّم النَّاس ويُعبَدون كآلهةٍ. إنَّ عبادة الصُّور في الشُّيوعية والدِّكتاتوريات الأخرى، أو الإيمان المتعصِّب بمحمّد، أو العبادة المستمرَّة لبوذا، أو الثِّقة العمياء بهتلر، أو أمواج الحماسة في أثناء زيارات البابا، أو الهرج والمرج حول نجوم السِّينما ولاعبي التِّنس وأبطال كرة القدم هي بمثابة تأليهٍ للنَّاس. وحيثما لا يكون الله وحَمَله هما مركز الحضارة سيقتحم وكلاء آلهة وشياطين الباب الخلفي. وكلُّ مَن لا يُحبُّ الله ويسوع المسيح مِن كلِّ قلبه ومِن كلِّ نفسه ومِن كلِّ قوَّته (تثنية 6: 5؛ متَّى 22، 37 وآيات أخرى) سيفتح باب قلبه قليلاً لروح الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ والتِّنين الأحمر النَّاري.

الصَّلَاة
أبانا الذي في السّماوات، إن نظرنا نحو صورة الوحش الطالع من البحر خفنا خوفا مرعبا. ولكن إن نظرنا إليك نطمئنّ، ونتهلل في الأيام الأخيرة. أنت القدير، ولا وِحش ولا دجّال يستطيعان أن يخطفاننا من يدك الأبويّة، ولا من يد مسيحك، الذي دفعت إليه كل سلطان في السّماء وعلى الأرض آمين.
السُّؤَال
ما هي صفات الوحش الطالع من بحر المسكونة؟ قارنها مع الصّفات المذكورة للحيوان الرّابع في سفر دنيال الأصحاح 13. من أعطى السّلطة المدمّرة والعجرفة العظيمة لهذا الشرّير؟ لماذا كان على الوحش أن يموت مقتولا ويقوم مرة أخرى حيّا بقوّة الشيطان أبيه الرّوحي؟ لماذا ستسجد أكثرية الناس لإبليس ودجّاله؟