Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
القسم الثَّاني: ظهور النَّبي الكذَّاب
(رؤيا 13: 11- 18)

1- الوحش الطَّالع مِن الأرض
(رؤيا 13: 11- 12)
13:11ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشاً آخَرَ طَالِعاً مِنَ الأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ حمل, وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ,12وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ الْوَحْشِ الأَوَّلِ أَمَامَهُ, وَيَجْعَلُ الأَرْضَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ الأَوَّلِ الَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ الْمُمِيتُ


بينما كان يوحنَّا الرَّائي في جزيرة بطمس يهتزُّ في صميمه ولا يزال يفكِّر في الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ ذاكراً في صلاته كنائسه على البرِّ في الشَّرق، رأى فجأةً في رؤيا جديدةٍ وحشاً طالعاً مِن كهوف جبال الأناضول. لم يكن الوحش سليل حيواناتٍ أرضيَّةٍ، بل ظهر كمخلوق آخر للشَّيطان طالعٍ مِن العالم السُّفلي مباشرةً.
لم يبدُ الوحش الطَّالع مِن الأرض مرعباً كصورة التِّنين برؤوسه السَّبعة وقرونه الإثني عشرة، بل ظهر هذا الرّوح الشَّيطاني كحَمَلٍ وديعٍ. ولكنَّ قرنيه أظهرا أنَّ هذا الحيوان لم يكن أنثى بل حَمَلاً ذكراً. لم يستطع الوحش أن يُخفي هويَّته تماماً. بدا كحَمَلٍ، ولكنَّه كان خروفاً ذكراً صغير السِّن.
كشف صوت الوحش أخيراً شخصيَّته الحقيقيَّة لأنَّه لم يثغُ كحَمَلٍ صغيرٍ بل شخر وجأر كتنِّينٍ: تنِّين صغير في ثوب حَمَلٍ. بدا الوحش لطيفاً متواضعاً مِن الخارج، ولكنَّه مِن الدَّاخل كان مملوءاً جشعاً وطمَعاً وتدميراً.

مثلما كان في "قيامة" الوحش ذي الجرح المميت، هكذا أيضاً في الوحش الطَّالع مِن الأرض بدت محاولة الشَّيطان تقليد حَمَل اللهِ. بقي الحمل المذبوح خصمه وغالبه. لم ينصرف الشَّيطان عن المنتصر في الجلجثة. نجد العبارة "حَمَل" 28 مرَّةً في سفر إعلان المسيح كإشارةٍ إلى يسوع. وتصف هذه العبارة السِّمات المميِّزة لابن الله وصفاً دقيقاً. إنَّ حَمَل الفصح في مصر الذي أنقذ بني يعقوب مِن غضب الله (خروج 12: 22- 23، 27)، أو عبد الله المتألِّم الذي سيق كنعجةٍ إلى جازِّيها ولم يفتح فاه بل كفَّر بموته لأجلنا عن جميع أسقامنا وخطايانا (إشعياء 53: 4- 12) يفسِّر شهادة يوحنَّا المعمدان: هُوَذَا حَمَل اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ (يوحنَّا 1: 29، 36).
كما حاول الشِّرير قبلاً مع ابن التِّنين الأوَّل وجرحه المميت الذي شفي منه أراد أيضاً أن يُقلِّد الحمل. ولكن في محاولة أخرى للخلق ولد روح تنِّين مرَّةً ثانيةً وهذه المرَّة في ثوب حَمَلٍ، وإنَّما دون أيِّ اختلافٍ. في الشَّيطان والمتحدِّرين منه لا توجد محبَّةٌ عاملةٌ لها حنوٌّ مع الآخرين وتتألَّم عنهم. مِن جلد الحمل يهدر صوت التِّنين.

يتحدَّث بعض المفسِّرين عن ثالوثٍ شيطانيٍّ: التِّنين الأكبر، وابن التِّنين، وروح التِّنين. وهذا الثَّالوث يسعى للهدف نفسه في وحدةٍ ظاهريَّةٍ، أي أنَّه يسعى إلى السَّيطرة على العالم بالمكر والعنف. ويُشير بعض المفسِّرين إلى مثلَّث جهنَّم بضدّ الله، وضدّ المسيح، وضدّ الرّوح. في هؤلاء الثَّلاثة يبلغ الشَّر مأربه. فهم لا يفتدون أيَّ بشرٍ بل يريدون أن يربطوا كلَّ واحدٍ بروحهم. لا يُوجِدون سلاماً في القلوب بل يُحْدِثون تمرُّداً وتدميراً ذاتيّاً، وتوحِّدهم بغضة الله الآب ويسوع ابنه والرّوح القُدُس.
يعرف ثالوث الشَّيطان أنَّه مُدانٌ وأنَّ لَهُ زَمَاناً قَلِيلاً (رؤيا 12: 12 وآيات أخرى). ولذلك يجذب النَّبي الكذَّاب كثيراً مِن العباد إلى ابن التِّنين ويملؤهم بروح التِّنين الذي يُقلِّد الرّوح القُدُس. لقد أخذ النَّبي الكذَّاب سلطان الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ كي يُلهم سكَّان الأرض بعبادة ابن الشَّيطان. وهو لا يضطلع بهذه المهمَّة مِن تلقاء نفسه على نحوٍ مستقلٍّ، بل في حضور ضدّ المسيح الذي يُشرف عليه على الدَّوام. في الثَّالُوْث الشَّيْطَانِيّ لا توجد حرِّية وثقة بل تحكُّم ومراقبة فقط. فالخوف وانعدام الثِّقة هما السَّائدان في الواقع.
الثَّالوث الإلهيُّ مختلفٌ كلِّياً. فالله الآب قد دفع إلى ابنه كلَّ سلطانٍ في السّماء وعلى الأرض دونٍ خوفٍ مِن انقلابٍ داخليٍّ. لأنَّه كما يمجِّد الرّوح القُدُس دائماً يسوع وليس نفسه (يوحنَّا 16: 14)، هكذا يمجِّد الابن الآب. في الثَّالوث الإلهيِّ لا يوجد نفاقٌ ذاتيٌّ ولا استكبارٌ ولا عجرفةٌ، فإلهنا متواضعٌ. قال يسوع: تَعَلَّمُوا مِنِّي, لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ, فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ (متَّى 11: 29). ضحَّى ابن الله بنفسه بدافع محبَّته لأجل الخطاة غير المستحقِّين، فلم يعش لنفسه. وبهذا المعنى وهب يسوع القوّة للرّوح القدس (يوحنَّا 16: 14- 15) كي يبني كنيسته المشتراة بدمه ويملأ أعضاءها بروح الحَمَل. التَّواضع هو أحد أسرار الثَّالُوْث الأَقْدَس. فمَن يرفض أن يصير متواضعاً لا يقدر أن يفهم الآب والابن والرّوح القُدُس.

أمَّا الشَّيطان وابنه وروحه فجميعهم مستكبرون. يُدعى الله في القرآن "الْمُتَكَبِّر" (سورة الحشر 59: 23). ويُدعى أيضاً "خَيْر الْمَاكِرِينَ" (سورة آل عمران 3: 54، سورة الأنفال 8: 30). محمَّد هو نبيُّه وهو مملوءٌ بروحٍ غريب. قال: "ما الحرب سوى خدعة". "قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ" (سورة التَّحريم 66: 2). وهدفه الطَّويل الأجَل هو إخضاع العالم كلِّه للإسلام. وبهذا الصَّدد نقرأ في القرآن: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ" (سورة البقرة 2: 193؛ سورة الأنفال 8: 39). كان محمَّد نبيّاً غريباً يكافح ضدّ ابن الله نيابةً عن الدّجّال. قصد محمَّد أن يقود البشر جميعاً إلى عبادة إلهه سواء طوعاً أو بالقوّة. نقرأ أكثر مِن 300 مرَّة في أوامره بالجهاد وقتال غير المسلمين في سبيل تحقيق هدفه، سيطرة الإسلام على جميع القارَّات. لا خيار للكفَّار جميعاً (إلاّ اليهود والمسيحيّين) نظريّاً سوى الخضوع أو الموت. ويتحوَّل القتل أحياناً إلى ترهيب واستعبادٍ.
نقرا في رؤيا 13: 12 أنَّ ابن التِّنين يسبِّب فعاليات النَّبي الكذَّاب ويتحكَّم بها. يُخضَع الوحش الطالع مِن الأرض للوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ ويُلهَم ويُقاد بطريقةٍ شيطانيَّةٍ. ومِن مهمَّات النبي الكذاب التَّأكُّد مِن أنَّ "الأرض تسجد للوحش". لا يستهدف هذا التَّعبير الغريب جميع سكَّان الأرض كلِّها فقط، بل أيضاً العناصر والحيوانات، الإلكترونات والنيوترونات، البكتيريا والمعادن. ينبغي أن يُصيب روح التِّنين الشَّيطاني كلَّ شيءٍ ويتخلَّله. يكتب القِدِّيس بُولُس عن الأرواح الشِّريرة في الأماكن السَّماوية (أفسس 6: 11- 13) وهو قد علم أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً إِلَى الآنَ (رومية 8: 22). ليس سلطان الشَّيطان العالمي ضحلاً، بل يُحكم خناقه عَلَى كُلِّ شَيءٍ. الْعَالَمُ كَلُّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ (1 يوحنَّا 5: 19).
أوَّلاً يُرغم النبي الكذاب سكَّان الأرض على السُّجود لابن الشَّيطان. و يبقى الهدف هو نفسه: الولاء والتَّسليم والخضوع. يعزم النبي الكذاب على إحلال سلطان ابن التِّنين التَّام في جميع القارَّات. وقد دُفع إليه، لهذه الغاية، كلُّ سلطان الوحش الطالع مِنَ البَحْرِ أي سلطان الشَّيطان. هنا يعمل الثالوث العنيف دون أيِّ محبَّةٍ مخلِّصةٍ أو مفتديةٍ. والخاضعون ليسوا أحراراً ليرفضوا السُّجود لابن الشَّيطان. كان عليهم أن يخضعوا له وعليهم أن يسجدوا له. إنَّهم عبيده وعبَّاده. والعبارتان "عبادة" و"عابد" في اللُّغة العربيَّة قريبتان جدّاً مِن العبارتين "عبوديَّة" و"عبيد". ونحن الذين نعيش في دولٍ ذات غالبيَّةٍ مسيحيَّةٍ لا نعرف بعد مدى عظمة الحرِّية الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا ابنُ اللهِ بِهَا (غلاطية 5: 1).

إنَّ الأسلوب الخاصَّ الذي يصطاد النبي الكذاب به النَّاس السُّذج هو الوصف الدِّعائي لمعجزة شفاء الجرح المميت لابن الشِّرير العنيف. وإذ يشفيه ويُحييه أبوه يُذاع عنه أنَّه خالدٌ لا يُقهَر وقادرٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ (رؤيا 13: 12). وهذا البيان الكاذب عن حياة ضدّ المسيح الأبديَّة يفتن البشر ويقودهم إلى السُّجود له. يأمل النَّاس أن يمتلئوا مِن قوّة قيامته.
أمَّا المسيح فقال حين كان لا يزال على الأرض: جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً, وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ
الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ, هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ (متَّى 12: 29- 40؛ 16: 4 وآيات أخرى). وبذلك تنبَّأ يسوع بقيامته مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ ودعاها أهمَّ آيةٍ للجنس البشري. لماذا قلَّما نشهد نحن كمسيحيين لانتصار المسيح على الموت؟ لماذا نُسلِّم للنَّبي الكذَّاب مزاعم شفاء ضدّ المسيح الشَّيطاني الذي هو في الواقع ليس أبديّاً بل محدوداً؟ تؤكِّد قيامة المسيح لنا أنَّ يسوع كان وما زال بلا خطيَّةٍ وقدّوساً حتِّى إنَّ الموت لم يكن له حقٌّ أو سلطانٌ عليه، وإنَّ ذبيحته الكَفَّارِيّة عن البشر كانت مقبولةً مِن الله، وإنَّ يسوع حيٌّ في الأبديَّة. فيه أيضاً تكمن قيامتنا وحياتنا الأبديَّة، وخارجه يكمن الموت وجهنَّم والدَّينونة واليأس. ينبغي أن ندع أنفسنا تُقاد بالرّوح القُدُس كي نُعلن انتصار يسوع المسيح بكلِّ وضوحٍ وصراحةٍ. هو الذي قام حقّاً وليس ضدّ المسيح الذي سيعود إلى الهاوية.

الصَّلَاة
أيّها الآب السّماوي، نسجد لك، لأنك ضابط الكلّ، وقد منحت لنا موهبة التمييز لنكتشف الأرواح النجسة، لئلا نقع فريسة لحيّل الدّجّال وآيات نبيه الكذاب. ساعدنا لنميّز صوتك في الإنجيل من الأصوات المحتالة في الجرائد والآلات السّمعية البصريّة، لكي لا نسجد مع الجماهير للوحش وأبيه التنين. آمين.
السُّؤَال
هل توجد وحدة الثالوث الشيطانيّة وكيف تظهر؟ ما هو الهدف من دعايات وحيّل النبي الكذاب؟ لماذا أصبح شفاء جرح الدّجّال السّبب الرّئيسي لسجود الجماهير له ولأبيه الشيطان؟