Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
القسم الثَّالث: حَمَل اللهِ وسط شهدائه وهم المئة والأربعة والأربعين ألفاًالذين مِن بني يعقوب
(رؤيا 14: 1- 5)

شعور المفديِّين بالأمان مع حَمَل اللهِ
(رؤيا 14: 1- 5)
14:1ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا حَمَلٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ, وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً, لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوباً عَلَى جِبَاهِهِمْ.2وَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ السّماء كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَكَصَوْتِ رَعْدٍ عَظِيمٍ. وَسَمِعْتُ صَوْتاً كَصَوْتِ ضَارِبِينَ بِالْقِيثَارَةِ يَضْرِبُونَ بِقِيثَارَاتِهِمْ,3وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنِيمَةٍ جَدِيدَةٍ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّرْنِيمَةَ إِلاَّ الْمِئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً الَّذِينَ اشْتُرُوا مِنَ الأَرْضِ4هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْحَمَلَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هَؤُلاَءِ اشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بَاكُورَةً لِلَّهِ وَلِلْحَمَلِ.5وَفِي أَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُوجَدْ غِشٌّ, لأَنَّهُمْ بِلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْشِ اللَّهِ.


بعد الرُّؤى الموقعة الكآبة في النَّفس عن ضدّ المسيح المهووس بالسُّلطة ونبيِّه الماكر، نال يوحنَّا تعزيةً بواسطة رؤية للنُّور، فرأى مجد حَمَل اللهِ ومحبَّته لشهود الدَّم الذين عُذِّبوا وقُتلوا لأجل اسمه. ومنذ وصف كيفيَّة كسر المصلوب المتوَّج الختم السَّابع (رؤيا 8: 1) يتحدَّث سفر الرّؤيا في 99 آية عن أحكام دينونة البوق المزعزِعة فقط، دون أن يذكر أيَّ شيءٍ آخَر عن حَمَل اللهِ. ولكن الآن يتقدَّم المخلِّص مِن عزلته، فيدهش يوحنَّا حتَّى لا يسعه إلاَّ أن يقول متلعثماً: "نظرتُ... وإذا بالحَمَل!".
إنَّ حَمَل اللهِ هو العزاء ومصدر القوّة لجميع المؤمنين بالمسيح في جميع الأزمان. خلافاً للنَّبي الكذَّاب الذي ظهر كحَمَلٍ بصوت تنِّين، وللمسخ ذي الرُّؤوس السَّبعة الطالع مِنَ البَحْرِ الذي له جرحٌ مميتٌ نظير حَمَل اللهِ الحقيقي، يظهر حَمَل اللهِ الحقيقي الآن بمحبَّته القدّوسة وتواضعه وسموِّ عظمته.
ترك يسوع عرش أبيه ليُخلِّص شهود دمه مِن الإضطهاد القائم بواسطة ابن الشِّرير في وسط أورشليم. رأى يوحنَّا المسيح على جبل صهيون واقفاً في وسطهم. وحيثما يظهر حَمَل اللهِ ثمَّة مكانٌ للرَّاحة لا يقدر عدوٌّ أن يغزوه.
وحول هؤلاء الشُّهود، في الأرض غير المقدَّسة، احتدم غضب ضدّ المسيح. جلس على العرش في الهيكل الثَّالث في وسط جبل صهيون وجدَّف على الله وحَمَله وكنيسته. بَيْدَ أَنَّ كلمات ضدّ المسيح الحاقدة واللاَّذعة لا تؤلم المختارين المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعُينَ أَلْفاً بعد إذ إنَّهم راقدون في المسيح. إنَّه في حضرة حَمَل اللهِ وقد نجوا مِن كلِّ ألمٍ. يظهر صهيون الحقيقي في وسط صهيون الشَّيطاني فلا يقدر ابن الهلاك أن يُهلكه، فقوّة المسيح المقام الواقية تفوق فكرنا وتصوُّرنا. معه السَّلام والأمان والرَّاحة والفرح المقدَّس. المسيح ملجأنا (مزمور 23: 4- 5).
المفديُّون المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً ممتلئون حمداً وشكراً، ومُدركون أنَّ تمسُّكهم بالإيمان في اضطهادهم وموتهم لم يكن نتيجة تخيُّلٍ أو وهمٍ باطلٍ، بل نتيجة حقيقةٍ أبديَّةٍ هي أنَّ يسوع حيٌّ ويملك. لم يتغيَّر حَمَل اللهِ في صفاته الحنونة والنِّيابية والإبتهاليَّة. ولم يستكبر بسبب كلِّ ما دُفع إليه مِن سلطانٍ وقوّة. يسوع واقفٌ في وسط جمع اليهود المسيحيّين مِن بني يعقوب الذين لا نقص فيهم ولا عيب. وهو مملوءٌ فرحاً برؤية عروسه الكنيسة مطهَّرةً بالآلام، وبالتَّحدث معها وتعزيتها.

كما كان يسوع في حياته على الأرض يمشي في وسط تلاميذه، هكذا رأى يوحنَّا ربَّه الآن واقفاً وسط أتباعه على جبل صهيون الأسطوري. وجبل صهيون مذكورٌ 154 مرَّة في العهد القديم وسبع مرَّاتٍ في العهد الجديد. وهو أوَّلاً يعني مدينة داود القديمة التي على المنحدَر في جنوب شرق أورشليم اليوم. ولكن سرعان ما دعيت أورشليم فيما بعد وكذلك الأراضي المقدسة كلُّها "صهيون" (مزمور 149: 2؛ إشعياء 46: 13؛ صفنيا 3: 14- 15 وآيات أخرى). وتصف هذه العبارة، في معظم الحالات، جبل الهيكل متضمِّناً الهيكل والمرافق والخدمات التي فيه (مزمور 84: 8؛ إشعياء 8: 18؛ 24: 23؛ 31: 4؛ إرميا 31: 6؛ ميخا 4: 7 وآيات أخرى). وكان ثمَّة مكان الكفَّارة والعبادة. يرمز "جبل صهيون" بالمعنى المجازي إلى المكان الذي يلتقي المؤمنون فيه ربَّهم، وأيضاً إلى المكان الذي يكونون فيه آمنين بربِّهم (عِبْرَانِيِّيْنَ 12: 22). ويرمز أخيراً إلى أورشليم السَّماوية (غلاطية 4: 25- 26؛ أفسس 2: 6؛ فيلبي 3: 20؛ رؤيا 21: 2). لا يحدِّد يوحنَّا المقصود بالضَّبط بالعبارة "صهيون" في رؤياه، ولذلك يمكن أن تشمل هذه العبارة هذه المعاني المذكورة كلَّها.
في صهيون التي على الأرض، بحسب سفر الرّؤيا، سيملك ضدّ المسيح في نهاية الزَّمان ، ويُهدِّد حَمَل اللهِ، ويُنازعه على حقِّه. إذا كان يوحنَّا يشير بالعبارة "صهيون" إلى أورشليم التي دمَّرها الرّومان وبُنيت اليوم، فيكون يسوع قد اقتحم عالم ابن الشَّيطان وفدى شهوده الأمناء الذين ربَّما ماتوا وما زالوا أحياء، وأخذهم إلى حضرته. أمَّا إذا كان يوحنَّا يفكِّر في أورشليم السَّماوية فهو عِنْدَئِذٍ يصف كيف قام يسوع مِن عرشه ليُرحِّب بشهود دمه شخصيّاً بما أنَّهم قد مجَّدوه في حياتهم ومماتهم وهم خاصَّته (إشعياء 43: 1).
نجح المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً مِن أسباط بني يعقوب (رؤيا 7: 1- 8) في امتحانهم، فاحتملوا آلام وعذابات وتجارب ملء الزَّمان، رغم ملك ضدّ المسيح ونبيِّه الكذَّاب على البلد كلِّها مِن أورشليم بقوّة، ورغم خداعهما وبطشهما. سيكون جبل صهيون في الأَيَّام الأَخِيْرَة محور الإهتمام ولذلك سيُضطهَد اليهود المسيحيُّون ويُقتَلون قبل غيرهم مِن أتباع المسيح. أمَّا العدد التّام للمختارين فيُثبت أنَّ يسوع لا يفقد أيَّ واحدٍ مِن أتباعه المختومين. لن يكون أيُّ واحدٍ مِن الأسباط الأحد عشر (بدون دان) نجساً ومقصِّراً عقيماً لأنَّهم جميعاً يحيون مِن نعمة الحَمَل وقوَّته ومحبَّته. إنَّ الحقيقة أنَّ يسوع سيُكمل أتباعه المِئَة وَالأَرْبَعَة والأربعين أَلْفاً الذين مِن بني يعقوب تُثبت سلطان اسمه: اسْمَهُ يَسُوعُ, لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ (متَّى 1: 21). سيتمُّ تبشير اليهود في الأَيَّام الأَخِيْرَة على الرَّغم مِن الإرهاب المضادِّ للمسيحيَّة. وحتَّى الإنشقاق بين الكنائس المسيحيّة في مسألة الإيمان لن يوقف تقدُّم البشارة المظفَّر في الأراضي المقدسة لأنَّ الكنائس المسيحيَّة الحقيقية متَّفقة على اعتراف الرَّسول بولس: لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ, لأَنَّهُ قوّة اللَّهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ, لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ (رومية 1: 16).

في هذه الرّؤيا المشرقة والمشجِّعة للحَمَل وخاصَّته على جبل صهيون، كان يوحنَّا قادراً على اكتشاف مضمون الختم الذي حفره الملاك على جباه المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً (رؤيا 2: 7- 8): إنَّه اسم الحَمَل واسم الله الآب. وماذا عن هذا الاسم؟ إنَّ المعموديَّة "باسم الآب والابن والرّوح القُدُس" ليست مسألةً روتينيَّةً فارغةً، بل هي السَّبيل إلى منح الحقوق الأبديَّة والسُّلطان التي تتحقَّق بإيمان أتباع المسيح المكرَّسين. وإذ يحمل المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً الذين مِن بني يعقوب هذا الإسم، يعترفون أنَّهم خطاةٌ فاسدون وضالُّون بالطَّبيعة ولكنَّهم تطهَّروا بدم حَمَل اللهِ وحده مِن جميع خطاياهم. لقد اشترى يسوع هؤلاء الخطاة مِن شعب العهد القديم بدمه خاصَّة أبديَّةٌ له. فهم لا يخصُّون أنفسهم بعد، بل حَمَل اللهِ. والأختام التي على جباههم تشهد شرعاً، وبما لا يقبل التَّغيير، بحقِّه الشَّرعي.
لقد أدرك الرَّائي بوضوحٍ أنَّ اسم يسوع المسيح، حَمَل اللهِ، لم يكن وحده على جباه المختومين، بل اسم الله أبيه أيضاً. إنَّ هذه الآية هي مِن أهمِّ الآيات في سفر الرّؤيا حيث إنَّها تُقِرُّ وتعترف أنَّ الله هو أبو يسوع المسيح (رؤيا 1: 6؛ 2: 28؛ 3: 5، 21؛ 14: 1). وعلى هذا النَّحو يطبع يوحنَّا في أذهاننا أنَّ الخالق القدير ربَّ العالم وديَّانه ليس أوَّلاً وقبل كلِّ شيءٍ "أبانا"، بل أبا يسوع المسيح. ليس أيٌّ منَّا مستحقّاً أن يدعو الله أباه (لوقا 15: 21). بموت يسوع المسيح الكَفَّارِيّ وتضرُّعه فقط يكون لنا الحقُّ أن نُصبح أبناء. سمح يسوع المسيح لنا بل وأمرنا أن ندعو أباه أيضاً "أبانا" (متَّى 6: 9).لم يُتبَنَّ يسوع أو يولد مِن الله، بل انبثق منه قبل بدء الزَّمان كما تنبثق الكلمة مِن الفم. يسوع إلهٌ مِن إلهٍ، نورٌ مِن نورٍ، إلهٌ حقٌّ مِن إلهٍ حقٍّ، مولود غير مخلوق، ذو كيانٍ واحدٍ مع الآب. أمَّا نحن فلسنا مستحقِّين أن نرفع أعيننا إلى الله (لوقا 18: 13- 14).
بنعمة ذبيحة يسوع المسيح وحدها نُتبنَّى ونولد ثانيةً بقوّة روحه القدّوس. مِن الآن فصاعداً يشهد الرّوح القُدُس لنا أنَّنا أولاد الله ويصرخ فينا: يَا أَبَا الآبُ (رومية 8: 15- 16). ويصف يوحنَّا هذا السِّر في رسالته إلى الكنائس: اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللَّهِ. مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ, لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ. 2 أيّها الأَحِبَّاءُ, الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللَّهِ, وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ, لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ (1 يوحنَّا 3: 1- 2؛ رومية 8: 17؛ فيلبي 3: 20- 21؛ كولوسي 3: 4؛ وآيات أخرى).
ليس هذا الإمتياز للمسيحيِّين مِن الأمم النَّجسة فقط، أي أنَّهم قد تصالحوا بدم يسوع المسيح مع الله وأصبحوا أولاده. إنَّ هذا الحقَّ هو أوَّلاً وقبل كلِّ شيءٍ لليهود المسيحيّين الذين يعرفون ويؤمنون في تجاربهم وآلامهم أنَّ يهوه ليس أبا أمَّتهم فحسب (بالمعنى الشَّرعي) (تثنية 32: 6؛ 2 صموئيل 7: 14؛ 1 أخبار الأيَّام 17: 13؛ 22: 10؛ 28: 6؛ مزمور 68: 5؛ 89: 26؛ إشعياء 9: 5؛ 63: 16؛ 64: 8؛ إرميا 3: 4، 19؛ 31: 9؛ ملاخي 1: 6؛ 2: 10 وآيات أخرى) بل هو أبو يسوع المسيح الذي بواسطته هو أبوهم أيضاً. فهم بذلك يعترفون أنَّ يهوه، إله العهد، قد أصبح أباهم هم. وهذا الإيمان هو الصَّخرة التي يبني يسوع المسيح كنيسته عليها. إنَّ معرفة هذا السِّر تأتي بالوحي المباشر مِن الآب فقط (متَّى 16: 16- 19). وإذ أكَّد يسوع هذه الحقيقة أمام مجلس اليهود (السَّنهدريم) صُلب (متَّى 26: 63- 64). مِن المثير، مِن وجهة النَّظر الرّعاويَّة والتَّبشيريَّة، أن يحمل اليهود المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً على جباههم ليس اسم الحَمَل فحسب، بل اسم أبيهم أيضاً. لذلك نريد أن نسجد معهم ونحمد باستمرارٍ وبفرحٍ عظيمٍ الآب والابن بإرشاد الرّوح القُدُس.

سمع يوحنَّا فجأةً صوتاً مِن السّماء كهدير شلاَّلٍ عظيمٍ منبثقٍ مِن بعيدٍ ولكنَّه كان أشدَّ دويّاً وأصبح كهزيم عاصفة رعديَّة. وعندما أصاخ الرَّائي بسمعه سمع أصوات مرنِّمين يعزفون على قيثاراتهم بلهفةٍ وحماسةٍ. تردَّد صوت القيثارات النَّاعم بقوّة حتَّى ملأ أخيراً السّماء كلَّها.
مع هذه الموسيقى الواسعة الإنتشار تغيَّر المشهد الحالي. فلم يرَ يوحنَّا جبل صهيون فيما بعد، بل كان واقفاً في وسط غرفة العرش في السّماء حيث كان المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً بحضور حرَّاس العرش الأربعة والشُّيوخ الأربعة والعشرين يترنَّمون ترانيم الشُّكر والحمد للآب والحَمَل. إنَّ نصَّ هذه التَّرنيمة محجوبٌ عنَّا، ولا يستطيع أحدٌ أن يتعلَّم ويفهم هذه الكلمات غير المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً الذين قاسوا الآلام والتَّجارب والعذابات التي لا يُنطَق بها والموت في سبيل يسوع.
إنَّ تفحُّص مضمون هذا الحمد هو مع ذلك متَّصلٌ بعبادة استفانوس والقِدِّيْس بُوْلُس ويوحنَّا لله أبيهم، حيث كان بمقدور كلٍّ منهم أن يؤلِّف بعض أبيات هذه التَّرنيمة بإرشاد الرّوح القُدُس. إنَّنا نفتكر بخطبة استفانوس أمام مجمع اليهود (أعمال الرسل 7: 1- 60)، وبخطبة القِدِّيْس بُوْلُس أمام الملك أغريبا (أعمال الرسل 26: 1- 29)، وبنشيده في الرِّسالة إلى كنيسة رومه (رومية 8: 31- 39)، وبإعلانه لبني يعقوب (رومية 9: 1- 8)، وبابتهاله الحارِّ لأجل الكنيسة (أفسس 3: 14- 21)، وبتعليله اللاهوتي لشخص المسيح وعمله (فيلبي 2: 5- 11)، وبتحيَّاته المباركة (فيلبي 4: 7). على نحوٍ مماثلٍ اعترف يوحنَّا بدهشةٍ عظيمةٍ أنَّ يسوع هو الله في الجسد (1 يوحنَّا 1- 3)، وأنَّ الله هو نفسه محبَّةٌ (يوحنَّا 3: 16؛ 1 يوحنَّا 4: 9- 10، 15- 16). كان جميع رسل يسوع المسيح يهوداً ومنتمين إلى الكنيسة الأصليّة. اليهود وحدهم هم الذين قدَّموا لنا بشارة الحياة. ومَن يحفظ نصوصهم عن ظهر قلبٍ يقدر أن يدندن ترنيمة المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً الجديدة.
كان شهود الدَّم الذين مِن أمة العهد القديم يعيشون بعبارات التَّوراة في أذهانهم، ويتمسَّكون بوعود الأنبياء. كانوا يرنِّمون المزامير غيباً، ويؤمنون بمجد الله ويتمسَّكون بعهده مع شعبه قُسَاةِ الرِّقَابِ، ويرجون البنوَّة الموعودة (خروج 4: 22؛ تثنية 7: 6؛ رومية 9: 3- 5). كانوا أوَّل مَن قَبل الرّوح القُدُس والحياة الأبديَّة. ولذلك لم تكن عبادتهم العميقة ناشئة عن مشاعرهم فقط، بل كانت مؤسَّسةً على غنى رحمة الرّبّ التي أُوْدِعَت أجيالاً عديدةً. لقد عمَّقَت آلام الزَّمن الأخير محبَّتهم للآب وحَمَله بواسطة قوّة الرّوح القُدُس. وتفجَّر العهد القديم بأكمله منهم في معرفة واختبار العهد الجديد. ينبغي أن تقترب ترانيمنا العصريَّة أكثر فأكثر مِن ملء كلمة الله وإلاَّ فإنَّها سرعان ما تبلى و"تتعفَّن".

إنَّ النَّص الوارد في رؤيا 14: 4 بحسب بعض التَّرجمات أنَّ الرِّجال الذين لم يُقيموا أيَّ علاقةٍ جنسيَّةٍ مع امرأةٍ، والعذارى اللَّواتي بلا عيبٍ، هم وحدهم الذين ينتمون إلى مختاري حَمَل اللهِ، هو نصٌّ مضلِّلٌ. فالعبارة "عذراء" في اليونانيَّة واللاَّتينية تقبل التَّذكير والتَّأنيث وتدلُّ على الرِّجال الأطهار إضافةً إلى العذارى الطَّاهرات.
تنشأ أوامر الزّواج في الكِتَاب المُقَدَّس أصلاً مِن الجنَّة قبل السُّقوط وهي عطيَّة صالحة مِن الله (تكوين 1: 27؛ 2: 18- 25؛ متَّى 19: 4- 6؛ مرقس 10: 6- 8 وآيات أخرى). ولكن منذ السُّقوط صار جميع النَّاس، حتَّى غير المتزوِّجين، خطاةً ولن يصيروا أبراراً بأنفسهم بل بنعمة حَمَل اللهِ فقط. ويصحُّ هذا على جميع الشَّماسات والرَّاهبات وغير المتزوِّجات. لن يصير أحدٌ بارّاً بواسطة استحقاقه هو، بل بواسطة ذبيحة يسوع المسيح الكَفَّارِيّة وحدها (تكوين 6: 12؛ مزمور 14: 3؛ رومية 3: 10- 24 وآيات أخرى). ليس النُّساك أقدس مِن الخطاة المتبرِّرين (رومية 3: 28؛ غلاطية 2: 16 وآيات أخرى). كان الرَّاهب لوثر قد قاسى مِن واقعه الرّوحي على جسده وضميره فتزوَّج راهبةً ليُكرِّم حَمَل اللهِ.
لا يستبعد هذا المبدأ الرّوحي أنَّ بعض الأشخاص كالقِدِّيْس بُوْلُس مدعوُّون مِن يسوع للإمتناع عن الزَّواج لتكريس كلِّ وقتهم وقوَّتهم ودخلهم ليسوع (متَّى 19: 12؛ 1 كورنثوس 7: 7 وآيات أخرى). أمَّا نحن فنصبح أبراراً فقط بدم المسيح وبرِّه، وهذا ما أكَّده القِدِّيْس بُوْلُس بكلِّ وضوحٍ.
إنَّ هذه الفقرة الغامضة عن طهارة وعفَّة اليهود المسيحيّين المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً لا تُخفي وراءها الطهارة والعفة، بل هذا استخدامٌ للغة الكتابيّة بأنَّ مختاري يسوع المسيح امتنعوا عن عبادة الأوثان اليومية ولم يسجدوا لصورة ابن التِّنين تحت الضَّغط والتَّهديد بالقتل (إرميا 3: 6- 13؛ 13: 27؛ هوشع 2: 4؛ 3: 1؛ متَّى 12: 39؛ 2 بطرس 3: 14؛ يعقوب 1: 27 وآيات أخرى). وثقوا فقط بحَمَل اللهِ ولم ينفتحوا لأيَّة خدمة كنسيَّة متعدِّدة الثَّقافات أو مازجة للأديان والمعتقدات المختلفة والمتعارضة. يرى بعض الشَّارحين أنَّ السَّاجدين على جبل صهيون لم يخالطوا "بابل الزَّانية". لم ينفتحوا لأيِّ روحٍ آخَر غير روح الحَمَل الذي هو روح الآب والإبن (يوحنَّا 16: 13- 15؛ 17: 10 وآيات أخرى). أحبُّوا يسوع وحده، مسيحهم، وأباه مِن كلِّ قلوبهم ومِن كلِّ نفوسهم وبكلِّ قوَّتهم (متَّى 22: 37؛ مرقس 12: 30، 33؛ لوقا 10: 27 وآيات أخرى). وللحَمَل الذي في عرش الله ضحَّوا، محبَّةً له، بكرامتهم وعائلاتهم وأملاكهم ووقتهم وحياتهم. تلك كانت ديانتهم النَّقية الطَّاهرة.

مِن الثَّابت والمؤكَّد أنَّ المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً يتبعون حَمَل اللهِ حيثما يذهب. لقد قدَّم يسوع الدَّعوة الجدِّية: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي (متَّى 16: 24- 26؛ 10: 38- 39؛ مرقس 8: 34- 38؛ لوقا 9: 23- 26؛ 1 بطرس 2: 20- 21 وآيات أخرى). يناشد يسوع إرادة الإنسان كي يُسلم الإنسان نفسه كلياً له ويمضي معه في السَّراء والضَّراء. ولكنَّ هذا يقتضي عكس تحقيق الذَّات: فلا نهتم بأنفسنا بعد، ونشفق عليها ونصبّ اهتمامنا عليها، بل نُسلِّم بأنَّ يسوع هو مركز وغاية حياتنا. وإضافةً إلى ذلك علينا "أن نحمل صليبنا". كان العبيد الفارُّون والثَّائرون في روما القديمة يُصلَبون. وهكذا يعني أمر المسيح أنَّ علينا أن نعترف بواسطة روح الله بأنَّنا ثائرون ورافضون للخدمة وينبغي أن نُدان. إنَّنا جميعاً لا نفعل ما يجب أن نفعله، بل نفعل ما لا نريد فعله (رومية 7: 15- 20). ولذلك نستحقُّ أن نُصلَب. لا بدَّ لأنانيتنا المستكبرة مِن أن تنكسر وتموت عندما نتبع المسيح حتَّى يمكنه أن يحيا فينا (غلاطية 2: 19- 20).
قال يسوع أيضاً: خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي, وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً, وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ, وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي (يوحنَّا 10: 27- 28). إنَّ سماع صوت المسيح والتَّمييز بين صوته وبين أصوات الكثيرين غيره في تنافر نغمات وقتنا الحاضر هما سرُّ كونك تلميذ المسيح. فأنت تسمع صوت المسيح عندما تقرأ الإنجيل وتصلِّي بحسب كلمته. ولكنَّ سماع كلمة الله يجب أن يتَّحد بطاعة الإيمان، وإلاَّ أصبح السَّامع مذنباً.
يقول يسوع: اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي, لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ, فَتَجِدُوا (بهذه الطَّريقة فقط) رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ (متَّى 11: 29). يريد يسوع أن يُغيِّرنا إلى طبيعته، طبيعة الحَمَل. يُعلن حَمَل اللهِ نفسه الرّاعي الصّالح ليُصبح الرُّعاة في الكنائس حملاناً. التَّوبة تعني تغيير الذِّهن. يحتاج القدِّيسون والمسيحيُّون النَّاشطون بخاصَّةٍ إلى الرُّجوع إلى حَمَل اللهِ يوميّاً. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ, لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ (متَّى 5: 5). إنَّ مِن أفضل الطُّرق لتحقيق السَّلام في العائلة، أو في مجموعة شقق في طابق واحد، وجود حَمَل في كلِّ بيتٍ.
يكتب القِدِّيْس بُوْلُس: إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ. وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا (مزمور 44: 23؛ رومية 8: 36- 37). تدلُّ شهادة القِدِّيْس بُوْلُس على التَّغيير العظيم في حياته: المتهوِّر والشُّجاع، المتعصِّب للشَّريعة ومضطهد الكنيسة صار حَمَلاً في اتِّباعه المسيح. لقد أوضح Fritz Binde بكتابه "السَّير في الدَّرب وراء الحَمَل" ما هي محطَّات تغيُّر أنانيَّتنا الشِّريرة في اتِّباعنا الرَّاعي الصَّالح.

قال يسوع: هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسَطِ ذِئَابٍ (متَّى 10: 16- 26). كم يعيش الحمل إذا أُلقي به في وسط قطيعٍ مِن الذِّئاب؟ ولا دقيقة واحدة! ستمزِّقه الذِّئاب إرباً. كيف يمكن يسوعَ إذاً أن يُرسل أتباعه فِي وَسَطِ ذِئَابٍ؟ إنَّه يُغلق أفواهها فلا تقدر أن تعضَّ أو تمزِّق غنمه. لا يقدر إنسانٌ أو شيطانٌ أن يؤذي شاهداً أميناً للمسيح إلى أن يُتمَّ شهادته (رؤيا 11: 3- 7)؛ متَّى 28: 20). ليس على جميع أتباع المسيح أن يموتوا في خدمتهم ليسوع. أمَّا يعقوب أخو يوحنَّا، ويعقوب أخو يسوع المسيح، وبطرس وبولس وكذلك رسلٌ آخرون فقد ختموا شهادتهم لحَمَل اللهِ بحياتهم. فتبعوا بذلك الحَمَل الذي لا يطلب شيئاً منَّا ممَّا لم يختبره ويعانيه هو نفسه. سوف يرتفع، في فترة ضدّ المسيح، عدد أتباع الحَمَل الذين يشهدون لإيمانهم بموتهم.
أبرز وصفٍ لكيفيَّة اتِّباع المسيح هو "بالموت عن الحياة وبالتألُّم عن المجد".يأخذ يسوع المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً مِن جبل صهيون ليقودهم أمام عرش الله حيث يسبِّحون الله وحَمَله. الحياة التي نالوها مِن الرَّاعي الصَّالح أبديَّةٌ. حتَّى وإن ماتوا سيحيون في الأبديَّة. ناجين مِن الظُّروف التي قد تُحْدِثُ خوفاً وتهديداً (مزمور 23: 4- 5) سيتغيَّرون إلى صورة الحَمَل وأبيه (تكوين 1: 27؛ رومية 8: 29- 30 وآيات أخرى).
السِّر الآخَر الذي يُميِّز المسيح وأتباعه هو حنوُّهم على الضَّالين. كان يسوع يتحنَّن على الشَّعب المشتَّت الذي لا راعي له (متَّى 9: 36- 38). وهو يُدخل رحمته وحنانه ومحبَّة الله في قلوب أتباعه (لوقا 6: 36؛ رومية 5: 5) فيجعلهم ملوكاً وكهنةً (خروج 19: 6؛ 1 بطرس 2: 9؛ رؤيا 1: 6؛ 5: 9- 10 وآيات أخرى). إنَّ حنان المسيح ومحبَّة الله هما القوَّتان اللَّتان تُعزِّزان خطَّة الخلاص. يتبع المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً حَمَل اللهِ في الأبديَّة أيضاً بهذا الشّأن.
ونحن أيضاً مدعوُّون للإنضمام إلى الحنونين الذين لا يدينون على نحوٍ سطحيٍّ تعدِّيات جيرانهم وجماعاتهم وأقربائهم، بل يتوسَّطون بطريقةٍ كهنوتيَّةٍ للخطاة أمام عرش الله ولا يتوقَّفون عن الصّلاة لأجلهم كي يتوبوا وينضمُّوا إلى قطيع المسيح ويتغيَّروا مِن طبيعتهم الذِّئبية إلى صورة حَمَل اللهِ. ينبغي لكلِّ واحدٍ مِن أتباع يسوع أن يُكرِّر شهادة يسوع في لوقا 4: 18 ويمارسها: رُوحُ الرّبّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ, أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ, لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ وَلِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ, وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ (قارن إشعياء 61: 1- 2).
أورد محمَّد في قرآنه أنَّ ثمَّة أنواعاً مختلفة للمسيحيِّين: حواريُّون، وأنصار (مقاتلون)، ومصلُّون أمناء، ومسلمون مكرَّسون، وأتباع للمسيح، وشهود دم. وأكَّد مرَّاتٍ عديدة أنَّ "أتباع المسيح" هم نوعٌ متميِّزٌ من المسيحيّين الذين يُحبُّون أعداءهم ويتحنَّنون عليهم (سورة آل عمران 3: 52، 55؛ سورة المائدة 5: 82؛ سورة الحديد 57: 27). راقب محمَّد المسيحيين فأدرك "أتباع الحَمَل" الحقيقيِّين ومدحهم. ولكنَّه لم يكن مستعدّاً ليقبل الإنجيل الكامل ويتبع المسيح الوديع، بل رفضه ومنعه وصار من مضادّيه الأصليين.

مؤكَّدٌ أنَّ المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً هم باكورةٌ لله وحَمَله. كان يوم الخمسين شكراً للحزم الأولى. وكان الذين قبلوا الرّوح القُدُس في يوم الخمسين هم عربون النَّاس الآخرين الذين قبلوا الرّوح القُدُس؛ فاشتركوا في الإنجيل وقوَّته. وكان مِن حلقات تعاقب الصَّاحين بواسطتهم جمع المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً الذين هم باكورة شعب العهد القديم الذي عاد في القرن العشرين إلى وطنه بعد تشتُّتٍ دام 1878 سنة (70 م – 1948 م). أمَّا روح ابن التِّنين فلا يقدر أن يسكت عن المولودين مِن الرّوح القُدُس بينهم، ولا بدَّ له مِن قتلهم. ولكنَّهم يواصلون العيش والصّلاة والإيمان. يتصارعون مع الله لأجل خلاص شعبهم الضَّال (رومية 9: 1- 3؛ رؤيا 3: 7- 13). وهم في الحقيقة موعودون بنهضةٍ قبل عودة المسيح في شعبهم المتقسي والمسكون بروح الشَّر ستُذْكي النَّار التي لا يستطيع أيٌّ مِن أضدّاد المسيح والأنبياء الكذبة أن يُطفئها (أعمال الرسل 15: 13- 18؛ عاموس 9: 11- 12؛ إرميا 31: 31- 34؛ حزقيال 36: 24- 32؛ 37: 1- 14؛ يوئيل 3: 1- 5؛ زكريا 12: 10؛ يوحنَّا 19: 37؛ رؤيا 1: 7 وآيات أخرى).
سمع يوحنَّا في رؤياه (رؤيا 14: 5) أنَّ الشُّهداء المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً شهدوا للحقِّ عن حَمَل اللهِ وأبيه علانيةً في الاستجوابات والاضطهادات وحتّى الموت. لم يواربوا رغم أنَّ التّجربة ألحّت على قلوبهم بأن يتظاهروا أنَّهم يهود وليسوا مسيحيّين؛ فغلب روحُ الحَمَل شكوكهم وجبنهم والتَّجربة في اتِّخاذ السَّبيل الأقل مقاومةً، حتَّى إنَّهم كانوا قادرين على الشَّهادة للإنجيل بأكمله بحكمةٍ لشعبهم الذي كان متأثِّراً بروح ضدّ المسيح.
لا يجوز لنا أن نظنَّ أنَّ المِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً الذين مِن بني يعقوب
هم مثال الكمال، على الرَّغم مِن سموِّ مثلهم لأنَّهم يعيشون مثلنا على الغفران والنِّعمة بواسطة دم الحمل. الرّوح القُدُس هو وحده الذي يقودهم إلى الإيمان بمواعيد يسوع على الرَّغم مِن تزايد المقاومة والبغض، بحيث تتحقَّق هذه المواعيد بواسطة حياتهم (متَّى 10: 19- 42؛ يوحنَّا 16: 1- 4 وآيات أخرى). بسبب أمانة يسوع يمكنهم أن يكونوا أمناء، ونحن أيضاً.
يشهد الرّوح القُدُس للمِئَة وَالأَرْبَعَة وَالأَرْبَعِينَ أَلْفاً أنَّهم بلا عيبٍ. وبهذه الخراف التي ستُذبَح في آخر الزَّمان تكون نعمة يسوع المسيح ومحبَّة الله وشركة الرّوح القُدُس قد حقَّقت غايتها (2 كورنثوس 13: 13؛ رؤيا 7: 14- 17؛ 12: 11).

الصَّلَاة
أيّها الآب القدّوس، نعظمك، لأنّ إبنك الوحيد سوف يأتي لإستقبال الشّهداء من أجل إسمك وإسمه، وسيجمعهم على جبل صهيون، في محور المسيح الدّجّال، وسيقودهم نحو السّماء إليك، مرتّلين وميسبّحين، لأنّهم قد وصلوا إلى هدف نفوسهم، المكتوب على جُباههم، إسم الآب وإسم الإبن، ألإله الواحد. آمين.
السُّؤَال
ما هو مكتوب على جباه الشهداء الذين سوف يقودهم المسيح شخصيّا إلى أبيه الساويّ وهم حامدين ومسبّحين؟ لماذا لا يمسكهم المسيح الدّجّال ويفنيهم؟ ماذا يعني العدد 144000 بخصوص هؤلاء الشّهداء المسبّحين؟