Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
6- ابن الإنسان على سحابةٍ بيضاء
(رؤيا 14: 14- 16)
14:14ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ, وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ, لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ, وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ.15وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ الْهَيْكَلِ, يَصْرُخُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الْجَالِسِ عَلَى السَّحَابَةِ, أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ وَاحْصُدْ, لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتِ السَّاعَةُ لِلْحَصَادِ, إِذْ قَدْ يَبِسَ حَصِيدُ الأَرْضِ.16فَأَلْقَى الْجَالِسُ عَلَى السَّحَابَةِ مِنْجَلَهُ عَلَى الأَرْضِ, فَحُصِدَتِ الأَرْضُ.

يتقاذفه الحزن والأمل في وسط الإضطهاد وكذلك في وعد وفي قوّة الحياة الأبديَّة اهتمَّ يوحنَّا بكنائسه الميتَّمة على اليابسة. رأى حملة الدَّمار التي قادها الأباطرة الرُّومان تأتي بطريقةٍ يتعذَّر اجتنابها على أتباع يسوع. لم يكن له سبيلٌ آخر سوى أن يرفع نظره إلى السّماء، وها هو يرى رؤيا جديدةً ذات مغزى. رأى سحابةً بيضاء مشرقةً بدون ظلٍّ، بيضاء كلّها ونقيَّة وشاهقة. انتزعت هذه السَّحابة اهتمامه. كانت فيها حياةٌ وقوّة وحركةٌ وكأنَّ آلاف الملائكة ينطلقون معاً في حشدٍ عظيمٍ فوق البحر الأبيض المتوسِّط.
وإذ رأى يوحنَّا هذه السَّحابة، ميَّز إنساناً شاباً في ثوبٍ أبيض بهي معتلياً العرش على السَّحابة المجيدة. وكالوميض تذكَّر يوحنَّا الوعد القائل لدانيال أنَّ مِثْلَ ابْنِ إِنْسَانٍ سيأتي مَعَ سُحُبِ السّماء ويُقرَّب قدَّام الإله الأزلي الذي سيعطيه سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ مِن كلِّ قبيلةٍ. ويكون سلطانه سلطاناً أبديّاً مَا لَنْ يَزُولَ, وَمَلَكُوتُهُ ما لا نهاية له (دانيال 7: 13- 14).
كان يوحنَّا عارفاً عن ظهر قلبٍ نصَّ هذا الوعد فارتعش حين افتكر أنَّه سيرى علامة ابن الإنسان مثلما كان يسوع قد طبعها في أذهان رسله مرَّات عديدة (متَّى 16: 27- 28؛ 19: 28؛ 24: 27، 30، 37، 39، 44؛ 25: 13، 31؛ 26: 64). كان النَّبي ينتظر علامة ابن الإنسان ويترقَّب بشوقٍ ما إذا كان قد اقترب منها. وها هو الآن يرى حقّاً السَّحابة تتحرَّك فوق البحر وجلس عليها واحدٌ. اهتزَّ الرَّسول طرباً، وتحرَّك بعفويَّةٍ وحملق في سحابة عرش العلي فرأى إكليله الذَّهبي على رأسه رمزاً لسلطانه ومجده. وعِنْدَئِذٍ لاحظ أنَّ في يده منجلاً حادّاً. لم يأتِ ربُّه كحاكمٍ في يده صولجانٌ ولا كرئيس كهنةٍ على صدره أسماء أسباط بني يعقوب الإثني عشرة، بل جاء كديّانٍ سديدٍ، كربِّ الحصاد ليجمع جميع الثِّمار النَّاضجة في كلِّ زمن الكنيسة.
أدرك الرَّائي المغزى العميق لهذه الرّؤيا. لا ضدّ المسيح المقيم في الهيكل الثَّالث هو رب العالم، ولا النبي الكذاب ولا الزّانية العظيمة، بل ابن الإنسان وحده هو الحاكم الذي ظهر له بمجدٍ عظيمٍ في بداية إعلاناته على جزيرة بطمس (رؤيا 1: 12- 20)، وعِنْدَئِذٍ كان ديَّان العالم العلي قد طبع ما يلي في ذهن الرَّائي:

كانت تلك هي التَّعزية التي احتاج الشَّيْخ الجَلِيْل إليها لأجل كنائسه المنذَرة بالهلاك. المنتصر على الهاوية والموت حيٌّ. وهو الخالق والديّان. هو نفسه مات في الكرب مقاسياً آلاماً رهيبةً. ولكن ها هو حيٌّ ولن يموت بعد أبداً. ليس ضدّ المسيح هو الذي قهر الموت، وما خلوده المزعوم إلاَّ خدعة شيطانيَّة. يسوع وحده هو الذي يملك مفاتيح الهاوية والموت وله السُّلطان في كلِّ زمانٍ أن يدعو كلَّ مَن يتبعه ويُقتل مِن أجله. ليست الحياة الأبديَّة التي في محبي المسيح خالدة فحسْب، بل إنَّ الرّبّ نفسه يضمنها: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً (في الرّوح) وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ (يوحنَّا 11: 25- 26).
كان لجميع أقوال ابن الإنسان هذه تأثيرٌ عميقٌ في قلب الرَّسول الذي تألَّم مِن اضطهاد كنيسته ولكنَّه لم يستطع أن يساعدها لأنَّه كان هو الآخَر منفيّاً إلى جزيرة بطمس.

حدَّق يوحنَّا إلى السَّحابة البيضاء وإلى ابن الإنسان المتبوِّئ عرشه عليها وأحبَّ أن يجذبه نزولاً إلى جزيرة بطمس، ولكنَّه رأى فجأةً في رؤياه المنظر الجانبي للهيكل السَّماوي كالشّكل المألوف لهيكل أورشليم. وخرج مِن الهيكل ملاكٌ صرخ بصوتٍ مرتفعٍ إلى ابن الإنسان والملك الجالس على السَّحابة: قَدْ جَاءَتِ السَّاعَةُ لِلْحَصَادِ، فيا ربّ الحصاد، أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ وَاحْصُدْ إِذْ قَدْ يَبِسَ حَصِيدُ الأَرْضِ في حرارة الإضطهاد الذي يقوده ضدّ المسيح. إنَّ أيَّ انتظارٍ بعد سيجعل حبَّات القمح التي تجاوزت حدَّ النُّضج تسقط مِن سنابلها.
لقد بلغت كنيسة يسوع في معاناتها النضج التام في الإيمان والمحبَّة والرَّجاء. والآن في وسط ضيقة الكنيسة وفي اضطهادها وكآبتها، في هذه النُّقطة عينها لا بدَّ للمسيح مِن أن يتصرَّف بطريقةٍ حاسمةٍ.
لا يحتاج ربُّ الحصاد إلى أيِّ ملاكٍ ينصحه أو حتَّى يأمره أن يجمع حصاد كنيسته في هذا الوقت. ولكنَّ القدير القائم مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، كي يُثبت للرَّائي يوحنا أنَّه لم يكن قد عيَّن باستكبارٍ موعد نقل الكنيسة والدَّينونة بينه وبين نفسه، بل انتظر أمر أبيه في المجد، فجعل ملاكاً يخرج مِن الهيكل في الرّؤيا ليتَّصل به كرسولٍ مِن الآب. لقد حان الآن وقت الحصاد العظيم حين يؤتى بالثِّمار الأبديَّة. الآن حالاً دون تأخير (يوحنَّا 5: 27- 30).
يقول النَّص اليوناني ببساطةٍ إلهيَّةٍ: أَلْقَى الْجَالِسُ عَلَى العَرْشِ مِنْجَلَهُ عَلَى الأَرْضِ, فَحُصِدَتِ الأَرْضُ (رؤيا 14: 16).
أوحى استعمال العبارة "منجل" للعديد مِن العلماء والفلكيّين بالتَّفكير في اندفاع نيزك باتِّجاه الأرض. وهو لن يضرب الأرض عموديّاً بل يقع في شرك مجال قوّة جاذبية الأرض فيضرب الأرض لولبيّاً كمنجلٍ ويُدمِّرها كحاجزٍ مِن نيران المدفعيَّة المنطلقة مِن الكون بتأثير أقوى بمائة ألف مرَّة مِن تأثير جميع القنابل الهدروجينية المعروفة. للنيزك الواحد الذي قطر دائرته 1 كم فقط تأثير 250000 قنبلة هدروجينية ( انظر الجزء 2 مِن هذه السلسلة، شرح الرّؤيا 6: 12- 17 وفي الإنترنت http:\\www.jpl.nasa.gov/s19
ويؤكِّد مفسِّرون آخرون أنَّ صورة الحصاد هذه لا تتحدَّث عن غضب الله بأيِّ كلمةٍ ولا عن قصاص الخطيَّة أو العصيان أو السُّجود لابن التِّنين. وفي هذه الحالة يجري الحديث فقط عن حصادٍ بعدما زرع الزَّارع الإلهي زرعه (متَّى 13: 3- 17). وهو الآن يأمر ملائكته أن يجمعوا قدِّيسيه مِن الرِّياح الأربع (متَّى 13: 36- 43؛ 24: 31 وآيات أخرى) وهذا ليأتي بحصيده. يُشير خبر الحصاد الأوَّل هذا في سفر الرّؤيا إلى نقل كنيسة يسوع في نهاية الضّيقة العظمى لأنَّ ابن الإنسان لا يأتي إلى الأرض في هذه الرّؤيا، بل يبقى في هذا الوقت في السحب البعيدة. ولكنَّه سيُخلِّص كنيسته في نهاية الدُّهور ويؤمِّن لها ملجأً.

الصَّلَاة
نعظمك أيّها اللآب السّماوي، لأنك سوف ترسل إبنك الوحيد يسوع المسيح على سحابة بيضاء إلى أرضنا المملوءة بالخير والشرّ، ليحصد الحصاد الإلهي دفعة واحدة. ونشكرك لأنّ إبنك قد زرع إنجيله في قلوب الناس، فمن آمن به، واعتمد خلص، وبسلوكه في إرشاد روحك القدّوس ياتي بالثمار الطيبة المطلوبة منه. آمين.
السُّؤَال
ما هي العلامة البارزة التي تؤكد لنا مجيء المسيح الثاني؟ متى يكون وقت الحصاد الأخير؟