Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
جام الغضب الخامس: الظَّلام يحلُّ بعرش الوحش
(رؤيا 16: 10- 11)
16:10ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ الْخَامِسُ جَامَهُ عَلَى عَرْشِ الْوَحْشِ, فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً. وَكَانُوا يَعَضُّونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْوَجَعِ.11وَجَدَّفُوا عَلَى إِلَهِ السّماء مِنْ أَوْجَاعِهِمْ وَمِنْ قُرُوحِهِمْ, وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ.


تضرب جامات أحكام الغضب أوَّلاً بيئة الإنسان، ثمَّ تستهدف مركز القوّة المضادَّة للمسيحيَّة. ضُربَت الأرض بادئ ذي بدءٍ فأُصيب السَّاجدون لضدّ المسيح بدمامل سرطانيَّة وتوتُّرات جسديَّة ونفسيَّة وروحيَّة. وتبع ذلك تلوُّث الماء في البحر وفي الأنهار وفي الينابيع وتحوُّله إلى جلطات دمويَّة. وضرب جام الغضب الرَّابع الشَّمس فازدادت حدَّة تصويب أشعَّتها ذات المفعول الإشعاعي أكثر فأكثر، أو تبدَّدت طبقة الأوزون في الغلاف الجوِّي فأصبحَت الحرارة على الأرض لا تُطاق.
ضرب جام الغضب الخامس المركز الدَّاخلي القوّة المضادَّة للمسيحيَّة، أي عرش الوحش على الأرض، فلم يُصَب ضدّ المسيح بعد، بل عرشه الذي لم يكن خاصَّته، بل خاصَّة الشَّيطان (رؤيا 13: 2) الذي كان قد وهب مقرَّ قيادته لابنه الشِّرير كي يبسط سلطانه على جميع الشَّياطين وقوَّته على النَّاس.
يتمتَّع ربُّنا بحسن الفهم والتَّقدير، فهو حجب النُّور دون إحداث مزيد مِن الضَّجة. أوَّلاً تحلُّ على الشَّيطان حرارةٌ لا تُطاق ومِن ثمَّ يجد نفسه فجأةً في ظلامٍ دامسٍ. ربَّما تُصيب هذه الضَّربة في الوقت نفسه مخزون قوَّته، فلا يقدر أحدٌ أن يرى قريبه بعد، وتتعطَّل الثَّلاجات كلُّها وجميع الأنواع الأخرى مِن الأجهزة الكهربائيَّة كأجهزة الكمبيوتر والتلفزيون والهاتف.
أو قد يحلُّ ظلامٌ على عرش ضدّ المسيح شبيهٌ بالظَّلام الذي قاساه يسوع حين حلَّ غضب الله عليه وهاجمته جميع الأرواح الشِّريرة (متَّى 27: 45- 46 وآيات أخرى). لقد قاسى يسوع هول الظَّلام بدلاً منَّا. وبما أنَّ العدوَّ يرفض الصَّليب والمصلوب فلا بدَّ له الآن مِن معاناة غضب الله.

نقرأ في الرّؤيا 2: 13 أنَّ في زمن الشَّيْخ الجَلِيْل يوحنَّا كان "كُرْسِيُّ الشَّيْطَانِ" في بَرْغَامُسَ حيث كانت طوائف عديدة مِن أضدّاد المسيحيّة متعايشةً حيث إنَّها قَدِمَت مِن الأصل نفسه واحتمل بعضُها بعضاً. لكلٍّ مِن الشَّيطان وضدّ المسيح سبعة رؤوسٍ وهو قادرٌ أن يقدِّم سبع وجهات نظر مختلفة في وقتٍ واحدٍ. لم تُطلَق جهنَّم مِن إسارها إلاَّ حين شهد المسيحيّون في بَرْغَامُسَ أنَّ يسوع هو وحده الطَّريق والحقّ الأزلي والحياة الأبدية، حتَّى إنَّ أحد أشدِّ شهود يسوع حماساً قُتِل في بَرْغَامُسَ (رؤيا 2: 13- 16).
كان "كُرْسِيُّ الشَّيْطَانِ" المذكور في رؤيا 2: 13 معبداً لزيوس كبير الآلهة عند اليونان، وكان هذا المعبد مثل تاجٍ بارزٍ على قمَّة هضبة بَرْغَامُسَ مشرفاً على المدينة. ومعبد زيوس هذا هو اليوم متحفٌ في برلين. ونأمل أن تكون حجارته الآن كصدفة بحريَّة فارغة فقط، وألاَّ تنطلق أيُّ قوى شيطانيَّة مِن مركز العبادة هذا بعد. يُقال إنَّ في برلين، في زمن هتلر، سُجِّل في دائرة الماليَّة مِن العرَّافين والوسطاء الرّوحانيّين والمعالجين الرّوحانيّين أكثر ممَّا انضمَّ مِن كهنة وآباء الكنائس الكَاثُوْلِيْكِيَّة والإنجيليّة.
ربَّما كانت لعرش الشيطان "دواليب" كما لعرش الله (حزقيال 1: 15- 21) بحيث يمكنه أن ينتقل مِن مركزٍ إلى آخَر. كان لشارلمان الكثير مِن الأملاك والأراضي المَلَكيَّة في إمبراطوريَّته وكان يركب فرسه مِن أرضٍ إلى أخرى ليقضي ويحكم على الأرض. أمَّا الشَّيطان وابنه فهما أسرع تحرُّكاً عندما يتسلَّطان على النَّاس مِن مراكزهما.
يُشير العهد الجديد مراراً إلى أنَّ ضدّ المسيح في آخر الأيَّام سيَحكم مِن أورشليم. سيجلس هناك في الهيكل (2 تسالونيكي 2: 4) ويقتل الشَّاهدَين في المدينة المقدَّسة (رؤيا 11: 1- 13) ويُحارب أوَّلاً اليهود والمسيحيّين في صهيون الذين يرفضون السُّجود لصورته وحَمْلَ علامته (رؤيا 7: 4- 8؛ 13: 15- 17؛ 14: 1- 5؛ 15: 3- 4 وآيات أخرى).
ولكنَّ ضدّ المسيح لا يريد فقط أن يجلس على عرش الله في الهيكل ويتسلَّط على القديسين، بل يريد فوق كلِّ شيءٍ أن يسكن في النَّاس. وهو بفعله هذا يفضِّل قلباً مطهَّراً مِن قبل المسيح ولكن غير ممتلئ مِن الرّوح (متَّى 12: 43- 45؛ لوقا 11: 24- 26؛ يوحنَّا 8: 43- 45 وآيات أخرى). قد يُقيم الشَّيطان أيضاً في الكنائس ومعابد اليهود، إذا لم تبقَ مؤسَّسةً فقط على يسوع المسيح ودمه وروحه (رؤيا 2: 9، 24؛ 3: 9؛ 1 كورنثوس 3: 10- 11؛ 1 بطرس 2: 4- 6 وآيات أخرى).
لا يبدو أنَّ الظُّلمة حول عرش الله في أورشليم هنا معناها خسوف للشَّمس، لأنَّ الظُّلمة موجَّهة إلى عرش ضدّ المسيح ومملكته كلِّها. الظُّلمة في اللُّغة العربيَّة هي الشَّكوى مِن الظُّلم، فالظُّلمة تصف في الوقت نفسه الظُّلم المحدق بأعداء مملكة ضدّ المسيح.

سرعان ما أسَّس إنسان الخطيَّة، ضدّ المسيح، في وقت حكمه القصير إمبراطوريَّةً عالميَّةً. كلُّ إنسانٍ وكلُّ شيءٍ هو خاصَّته في هذه الإِمْبرَاطُوْرِيَّة. وله ملء السُّلطان على أتباعه ومرؤوسيه. وإمبراطوريَّته هي مجموعة نظامه العالمي الجديد مِن مجموعات ومراكز تحكُّم، واقتصاده العالمي النِّطاق وهياكل العبادة التي لا حصر لها مع صورته المتكلِّمة. لقد أبدل الشَّريعة وأدخل عدالةً جديدةً. مملكته هي نقيض مملكة أبينا وابنه يسوع المسيح. إنَّ ضدّ المسيح بسلطانه المزعوم هو نقيض سلطان وقوّة يسوع المسيح. فمملكة حَمَل اللهِ مؤسَّسةٌ على البرّ ومملوءةٌ محبَّةً وفرحاً وسلاماً. أمَّا إمبراطوريَّة ابن الشَّيطان فهي مِن جهةٍ أخرى إمبراطوريَّة ظلام حُرِمَتْ مِن نور الله. كلُّ ظلمٍ وكلُّ نجاسةٍ وكلُّ عنفٍ وكلُّ كذبٍ هو شرعيٌّ في حكومة ابن الشَّيطان.
لا يجرؤ النَّاس على الصِّدق في الحديث، بل يفضِّلون أن يعضُّوا ألسنتهم على التَّفوه بأيِّ كلمة انتقادٍ. في هذا النِّظام يسود الرُّعب، ولا سيَّما الخوف مِن الشَّياطين أو الهول الذي يفوق الوصف والذي يصيب الذين يرون رئيس هذا العالم شخصيّاً. ليس المسخُ برؤوسه السبعة وأسنانه وفكوكه الحديديّة محبوساً في حديقة حيوان، بل يزأر في الظَّلام بحثاً عن أحدٍ ليطأه ويبتلعه. في إمبراطوريَّة رئيس العالم هذا لا تسود المحبَّة ولا الحق. قال يسوع: هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ (متَّى 8: 12؛ 13: 42، 50؛ 22: 13؛ 24: 30، 51؛ 25: 30؛ لوقا 6: 25؛ 13: 28؛ يوحنَّا 16: 20؛ يعقوب 5: 1 وآيات أخرى).

لا ينحو النَّاس باللائمة مِن جرَّاء الحرارة التي لا تُطاق والظُّلمة الشَّيطانية على سيِّئاتهم، ولا يُدركون خطيئتهم، أو لا يريدون أن يعترفوا بها؛ بل يُجدِّفون ويُلقون التُّهم على الله لأنَّه خلق الشَّمس والهواء والأرض والماء وهو الآن يتعدَّى قطعاً على وظائفها الحيويَّة. في آخر الزَّمان لن يكون ثمَّة إلحادٌ بعد، بل إيمانٌ سلبيٌّ بالله مشحونٌ بالبغض. لا يُنكر النَّاس وجود الله بعد، بل يلعنونه. لقد ملأهم روح جهنَّم باستحواذٍ جماعيٍّ.
لئن كانت الصُّحف والمجلاَّت وبرامج الإذاعة والتلفزيون، في أيَّامنا هذه، لا تزال تلتزم الصَّمت عن الله وتزعم غالباً عدم وجوده، فسيأتي وقتٌ تكون فيه أفظع وأقذع التَّهجمات الكلاميَّة على الخالق حدثاً يوميّاً. أُلغيت الفقرات الواردة ضدّ التَّجديف في مجموعة القوانين الجنائيَّة لجمهورية ألمانيا الإتِّحادية منذ عهدٍ طويلٍ. وهي مجرَّد مسألة وقت قبل أن تأتي نتائج ذلك إلى المقدّمة وتصبح مسموعةً. حين يضرب الإيدز والسَّرطان والسّل والنوبات القلبية والموجات السَّامة الحديثة الأخرى البشر على نحوٍ متزايدٍ، سيُطبقون قبضاتهم متوعِّدين ومجدِّفين على الخالق والرّبّ بسبب نموِّ قروحهم وآلامهم. وهذه التَّهجمات الكلامية على المسيح لا يمنعها ضدّ المسيح بل بالحري يصوغها مسبقاً. الظّلام متزايدٌ وسيزداد أكثر فأكثر.

رغم ذلك لم يُهلك حَمَل اللهِ البشريَّة، بل ما زال منتظراً حتَّى في وقت جامات أحكام الغضب أن يُغيِّروا أذهانهم ويرجعوا إلى إلههم. فيما يخصُّ جام الغضب الخامس نقرأ للمرَّة الأخيرة في سفر الرّؤيا عن التَّوبة والرُّجوع إلى الله. إنَّ هذا الرُّجوع الجوهري إلى الله مذكورٌ ككلٍّ تسع مرَّاتٍ في سفر الرّؤيا كفرصةٍ أخيرةٍ للنَّجاة مِن القصاص والهلاك (رؤيا 2: 5، 16، 21؛ 3: 3، 19؛ 9: 20، 21؛ 16: 9، 11). ولا بدَّ مِن الإشارة إلى أنَّ الدَّعوة للتَّوبة موجَّهةٌ أوَّلاً إلى قادة الكنيسة في أَسِيَّا الصُّغْرَى وإلى الأشخاص المسؤولين عن جميع الكنائس في جميع القارَّات. تبدأ حركة التَّوبة الشَّاملة بالقسوس والمبشِّرين والأساقفة والكهنة (إشعياء 6: 5 وآيات أخرى). إن لم يقُد هؤلاء القادة رعيَّتهم بالقدوة الصَّالحة بواسطة توبة عميقة، فلن تقدر الكنائس أن تتبعهم.
تبدأ التَّوبة والرُّجوع إلى الله بمعرفة الإنسان خطيَّته الخاصَّة في ضوء معرفة الله القدّوس المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ. إنَّها لنعمةٌ أن نرغب في التَّوبة ومِن ثمَّ نتوب. لا يتوب كثيرون مِن النَّاس لأنَّهم لا يريدون أن يعرفوا فسادهم في ضوء محبَّة الله. كانوا مستعدِّين لسماع أبي الكذب، ولذلك لا يمكنهم السَّماع فيما بعد (متَّى 13: 11- 17؛ يوحنَّا 8: 43- 45؛ 2 تسالونيكي 2: 9- 11 وآيات أخرى). الخطايا الخفيَّة والإرتباطات بالأرواح المضادّة للمسيحية في غالباً السَّبب في عدم قدرة النَّاس على السَّماع فيما بعد.
ينبغي أن نطلب نعمة التَّوبة لكنائسنا وإرساليَّاتنا والنَّاس البعيدين عن الله، فهم جميعاً يحتاجون إلى فتح آذانهم والرَّغبة في سماع البشارة. نقرأ أكثر مِن أربعين مرَّة في العهد الجديد عن التَّوبة (متَّى 3: 2، 8، 11؛ لوقا 5: 32؛ أعمال الرسل 2: 38، 3: 17- 19؛ 5: 31؛ 8: 22؛ 17: 30؛ رومية 2: 4 وآيات أخرى). ينبغي لنا أن نقرأ هذه الآيات باهتمامٍ وأن نستودعها قلوبنا لأنَّها هي مفتاح الخلاص لكثيرين مِن النَّاس.

الصَّلَاة
أيّها القدّوس العادل، ستبرهن للدّجّال أنه الظالم، ويزيد الظلام في العالم فتُغطيه ومملكته بظلمة دامسة، لكي يدرك الجميع أنه إبن الشرّير الممتلئ بالظلمة. سامحنا إن لم نبشر أتباعه بنور لطفك ونعمة محبتك، لكي يتوبوا ويتغيّروأ ويرجعوا إلى خالقهم. آمين.
السُّؤَال
ما هي أسباب الأوجاع المؤلمة عند أكثرية الناس في الأيّام الأخيرة؟