Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
القسم الأوَّل: دينونة الله لبابل الزَّانية
(رؤيا 17: 1- 18: 24)

1- ملاك الدَّينونة يأمر يوحنَّا بالمجيء
(رؤيا 17: 1- 2)
1ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتُ, وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً لِي، هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ الزَّانِيَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَالِسَةِ عَلَى الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ,2الَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ الأَرْضِ, وَسَكِرَ سُكَّانُ الأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا.

كان يوحنَّا الشَّيْخ الجَلِيْل المنفيّ إلى جَزِيْرَة بَطْمُس قد رأى، في رؤيا سماويَّةٍ بعد البوق السَّابع الذي طال انتظاره (رؤيا 11: 15- 19)، امْرَأَةً مُتَسَرْبِلَةً بِالشَّمْسِ السَّاطعة وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً مضيئاً (رؤيا 12: 1).
يمكن فهم الظُّهور البهي لامرأة ممجَّدة في السّماء كإشارة إلى الجمع المؤمن لقديسي العهد القديم إضافةً إلى أتباع يسوع المسيح مِن العهد الجديد. يظهرون معاً بالمعنى الرّوحي كهذه المرأة الجليلة متسربلين بمجد الله.
ارتبط القادر عَلَى كُلِّ شَيءٍ بكنيسته بواسطة عهديه الملزمين إلى الأبد، وبقيت كنيسته أمينةً له في السَّراء وفي الضَّراء أيضاً. ولذلك تعيش الكنيسة ثابتةً في الثَّالُوْث الأَقْدَس؛ فهي هيكل الله الذي يحيا مِن النِّعمة وحدها (1 كُوْرِنْثُوْس 3: 16؛ 6: 19؛ 2 كُوْرِنْثُوْس 6: 16- 18؛ أفسس 2: 16؛ 4: 4، 16؛ 5: 30؛ 1 يوحنَّا 4: 16).

بعد دينونة جامات الغضب المدمِّرة (رؤيا 16: 1- 21) كان أحد الملائكة السَّبعة قد جاء إلى يوحنَّا وأراه في رؤيا نقيض المرأة المؤمنة. فأعلن له دينونة القادر عَلَى كُلِّ شَيءٍ لامرأةٍ خائنةٍ وصفها "بالزَّانية العظيمة" (رؤيا 17: 1). يتحدَّث سفر الرّؤيا في أكثر مِن 50 آية (رؤيا 17: 1- 19، 10) عن هذه الزَّانية، عن هذه الظَّاهرة الدِّينية – الاقتصاديَّة في مجال قوّة ضدّ المسيح. ينبغي لكنائس الأناضول وجميع أمم الأرض أن تفهم أن وصف الزاَّنية العظيمة في سفر الرّؤيا يتضمَّن أحد أهمِّ الإنذارات لهم.
كلَّم ملاكُ الدَّينونة الجبَّار الشَّيْخ الجَلِيْل المنفي شخصيّاً ودعاه إلى المجيء معه كي يرى ويشهد الدَّينونة الأخيرة لهذه الزَّانية الماكرة. في رؤيا 14: 8 قوبل السُّقوط المدمِّر لمدينة بابل العظيمة، التي كانت مصدر كلِّ خيانةٍ لله، بالابتهاج والفرح. كان إثم هذه الزَّانية الرّوحية قد ملأ سكَّان السّماء لأمدٍ طويلٍ بالغضب الشَّديد لأنَّ بخيانتها ضُّللت أمم الأرض جميعاً. ولهذا السَّبب أُعلن الانتصار المتضمن سقوط بابل قبل انسكاب جامات الغضب السَّبعة. كان ليوحنَّا الآن أن يرى كيف سمح الله بإبادة أعظم المُضلِّين على الإطلاق بنفخةٍ واحدةٍ.
لم يؤمَر الشَّيْخ الجَلِيْل أن يحلِّل المرأة الشِّريرة نفسيّاً، بل أن يصف فقط دينونتها وأسبابها. على كلِّ مَن يملك موهبة التَّمييز الرّوحي ألاَّ يكتفي بالتَّأكيد على التَّهديد الحالي للكنيسة والأمم، بل أن يكون قادراً أيضاً على تقييم أضدّاد المسيح الأشرار والقوى الشِّريرة في ضوء نهاياتهم المحتومة. لقد ثبتت بدينونة بابل، أعظم المُضِلِّين، نهاية كلِّ حالمٍ يؤمن بوجود أكثر مِن حقيقة مطلقَة واحدة ويُعلن مساواة جميع الأديان. إنَّ الفلسفة الإنسانية غير الواقعية أو التساهل في الحق في جميع الأديان على قدم المساواة أمرٌ منافٍ لموت يسوع المسيح الكفَّاري. لا سبيل إلى الله بعيداً عن المخلِّص المصلوب. إنَّ كلَّ دعوةٍ إلى التَّسامح في الثَّقافات المتعدِّدة أو إلى توفيقٍ مضلٍّ بين الأديان المتعارضة هو ليس من وحي الرّوح القُدُس بل مِن عدوِّ صليب المسيح الذي قد أصدر الله حكمه عليه.

ينبغي لكنيسة يسوع المسيح، مثلها مثل الكنيس الأمين بحسب الكِتَاب المُقَدَّس، أن تُدرك سريعاً القوّة الجاذبة والمُضِلَّة التي ترغب في إخضاع النَّاس والأديان إلى نفوذها. يجب ألاَّ ينساق أيٌّ مِن أتباع المسيح إلى هذه الزَّانية الفتَّانة، بل عليه أن يُدركها ويفهمها من البداية هي وأساليبها. لقد سقطت دينونة لعنة الله على هذه الزَّانية العظيمة. وكلُّ مَن يزني معها سيُدان معها (رومية 2: 1- 3؛ 3: 8؛ 1 كُوْرِنْثُوْس 11: 29، 34؛ غلاطية 1: 8- 9؛ 5: 10؛ 1 تيموثاوس 5: 11- 12؛ رؤيا 14: 8؛ 17: 1).

لماذا يُقال عن هذه المرأة إنَّها أعظم الزَّواني (رؤيا 17: 1)؟ ربَّما تَظهر للعالم كشخصيَّةٍ بارزةٍ، كحكيمةٍ وغنيَّةٍ وماكرةٍ وذات تأثيرٍ ونفوذٍ وتوَّاقةٍ في طموحها إلى إخضاع المقدَّسين والطَّاهرين لفتنتها وسحرها. ولعلَّ هذه الزَّانية كانت في الأصل امرأةً روحانيَّةً ارتبطت يوماً بالله القدّوس وتعهَّدت أن تكون وفيَّةً له (أَعْمَال الرُّسُلِ 20: 30؛ 1 يوحنَّا 2: 18- 19). ولكنَّها لم تحبّه وحده، بل زنت مع جميع ملوك العالم، ونامت معهم جميعاً، واتَّصلت بالأرواح التي خارج الأرض وتحالفت والرُّؤوس الاقتصاديَّة المدبِّرة في زمنها. ترقص الزَّانية في أعراسٍ كثيرةٍ وتبذل كلَّ شيءٍ لتحقيق مآربها.
إنَّ هذه المرأة فاسقةٌ في نيَّتها إبعاد المؤمنين الأمناء عن ربِّهم. فهي تغويهم حتَّى تحكم عليهم، وتربطهم بنفسها، وتتحكَّم بهم، وتستغلّهم، وتُهلكهم، وأخيراً تدعهم يسقطون. لا تحبُّ أحداً بإخلاصٍ ولا تخدم أحداً بدون سببٍ، لأنَّها مع جميع الوسائط التي تحت تصرُّفها تحكم على النَّاس وتوحِّدهم تحت إمرتها.

كان ملاك الدَّينونة قد أكَّد ليوحنَّا أنَّ الزَّانية العظيمة "جالسة على المياه الكثيرة" (رؤيا 17: 1). في الشَّرق يَجعلُ مثل هذا النَّص المرءَ يفتكر أنَّ جميع الحدائق والحقول الخصيبة، وجميع الواحات والأنهار، إضافةً إلى جميع المرافئ والسَّواحل ستُخترَق وتكون تحت سيطرة الزَّانية. إنَّها تملك شبكةً تامَّةً مِن العملاء تعمل لأجلها في جميع أنحاء العالم. وهي تمثِّل قوّة اقتصاديَّةً نافذةً جدّاً، وتحكم الطرق التجارية، وتعرف جميع الحيَل، ولا يُؤنِّبها ضميرها بخصوص التَّهريب. فهي تعرف كيف تحقِّق الرّبّح السَّريع، وكيف تغشُّ، وكيف تستعبد في النِّهاية النَّاس السُّذَّج. لقد استحمَّت في جميع المياه. وهي تتأكَّد مِن الحصول على حصَّتها مِن كلِّ ربحٍ، أحياناً العشر أو الخمس، وفي أحيانٍ أخرى النُّصف، بل وكلّ شيءٍ. الزَّانية غنيَّةٌ غنىً فاحشاً، أمَّا قلبها فَقَاسٍ كالفولاذ.

تحاول الزَّانية أن تعبد الله والمال في الوقت نفسه. تريد أن توحِّد الرّوح القُدُس و القوّة الأرضيَّة في ذاتها. وعلى جميع النَّاس والألسنة والأمم (ما عدا أسباط العهد القديم أن يُعوِّلوا عليها (رؤيا 17: 15). الجميع يصغون طوعاً إلى المغوية العظيمة، ويشربون بنهمٍ خمر تديُّنها المصطنَع المُغامِر (رؤيا 17: 2)، فيسمحون لأنفسهم أن تنتشي بأفكارها وتتحمَّس لرؤاها. يستحوذ الحماس عليهم في سُكرهم، وتقودهم الأرواح الشِّريرة إلى تجاوزاتٍ دمويَّةٍ.
أمَّا يسوع فظلَّ فقيراً وهو على الأرض، ولم يملك حتَّى حماراً. لم يفرض ملك اليهود أيَّ ضرائب، ولم يحشد أيَّ جيشٍ مدمِّرٍ. لم يسعَ إلى إقامة أيِّ صلةٍ بالزَّعماء والقادة السِّياسيين والدِّينيين في زمنه، بل خدم مجَّاناً جميع الذين أتوا إليه، وطرد الشَّياطين مِن الممسوسين، وفي نهاية حياته بذل حياته ليُخلِّص أعداءه المتقسِّين.
إنَّ روح يسوع هو نقيض الزَّانية العظيمة المتعطِّشة للقوّة. فيسوع بقي وديعاً ولطيفاً على الرَّغم مِن قدرته المقدَّسة عَلَى كُلِّ شَيءٍ. طلب ودعا جميع الذين كانوا مستعدِّين لحمل نيره لكي يحرث العالم ويزرعه ويحصده معهم.
تسمح الزَّانية العظيمة للملوك بالعمل لأجلها، وبالشَّهوة والمكر تقودهم مِن أيديهم. وأحياناً، حتَّى ضدّ المسيح ونبيّه الكذَّاب يمتثلان لتوصياتها. فهي تحكمهم بسحرها المضلِّل.
إنَّ كلَّ مَن يستخفّ أو يستهين بأعظم القوى المضلِّلة هذه هو أحمق وأعمى وساذج. ومَن يظنّ أنَّه قادرٌ على إدانة هذه الزَّانية وليدة ووحي الشَّياطين مخطئٌ. مِن المستحيل إدراكها إلاَّ بواسطة موهبة الرّوح القُدُس الكريمة، فهو الذي يُعلن أوَّلاً دينونة أمَة الشَّيطان هذه وإبادتها.

الصَّلَاة
أيّها الأب السماوي القدّوس، نعظمك ونشكرك، لأتك لا تزال تعتبر جماعة المؤمنين بك في العهد القديم مع أتباع مسيحك في العهد الجديد كإمرأتك الرّوحية المربوطة بك في عهد الزواج الرّوحي الغير قابل فكّه أبدأ. وكنت صبورا بجماعة المؤمنين في عهدَِي القديم والجديد الذين لم يثبتوا أمناء بك، بل نزلوا ليتعاونوا مع كل قوّة سياسية ومؤسسة دنيوية، وأصبحوا أغنياء وفكهاء وتكبروا، فإغتظت عليهم، ودعوتهم للتوبة والرجوع إليك فورا، ولكنهم فضلون أن يلعبوا معك ومع سلاطين الدنياء ويزنوا روحيا وبعض المرات جسديا فسقطت دينوناتك الصارمة عليهم حقا. آمين.
السُّؤَال
ماذا يعني الزنى الرّوحي؟