Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
3- ملاك الدَّينونة يشهد لنهاية ضدّ المسيح
(رؤيا 17: 7- 9)
17:7ثُمَّ قَالَ لِي الْمَلاَكُ, لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ. أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا, الَّذِي لَهُ السَّبْعَةُ الرُّؤُوسُ وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونُ,8الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ, كَانَ وَلَيْسَ الآنَ, وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى الْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ, حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ, مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ.9هُنَا الذِّهْنُ الَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ.

هزَّ الملاك رأسه على مضضٍ حين تعجَّب يوحنَّا مِن مشهد الزَّانية الفتَّان.
لم يكن ملاك الدَّينونة مدهوشاً مِن مشهد المرأة ولا مِن مشهد الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ. لقد رأى فيما وراء العصور وأدرك النِّهاية المريعة لكليهما (مزامير 73: 17). كانت ثمَّة أسرارٌ كثيرةٌ مكشوفةً أمام الملاك. لقد أراد أن يُعْلم النَّبي ويوضح له الأحداث الأساسيَّة للماضي والحاضر والمستقبل. قال له: أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْش الْحَامِل لَهَا (رؤيا 17: 7).
مِن الغريب أنَّ بعد هذه المقدّمة الوجيزة لم ترد أيُّ نصوصٍ فوريَّةٍ عن المرأة، بل عن الوحش فقط. وهذه مرَّةً أخرى إشارةٌ إلى وجوب فهم المرأة والوحش كوحدة واحدة، وحدة ألهم فيها الوحشُ المرأة أوَّلاً وليس العكس. أراد الوحش أن يُحسِّن سمعته، فوضع المرأة التي تحمل اسم "بابل" (باب الله) على ظهره. وظلَّ الوحش هو المحرِّك والموجِّه والمُلْهِم في هذه الوحدة الشَّيطانية. ولذلك طبع ملاك الدَّينونة في ذهن يوحنَّا وجوب كشف سر المرأة والوحش. كان ينبغي أن يُفضَح الابن الشَّيطاني وامرأته ويُغلَبا باسم يسوع، وبذلك فقط يتمُّ السِّر الحقيقي "ملكوت الله" (رؤيا 10: 7؛ 11: 15).
كي لا يقوم أيُّ شكٍّ في أنَّ الوحش المتَّشح بالقرمز هو الوحش نفسه الذي كان قد طلع مِنَ البَحْرِ (رؤيا 13: 1) أورد الملاك في كلامه السَّبعة الرُّؤوس والعشرة القرون كسماتٍ رئيسيَّة مميِّزة له. كان التِّنين الخَطِر يريد بواسطة راكبته اللَّطيفة النَّاعمة أن يبدو ودوداً وفتَّاناً. وعلى شاكلته يظهر السِّياسيون على التلفزيون مع ممثلي الأديان العالمية أو مع وجهاء الكنائس ليُلمِّعوا صورتهم أمام النَّاس.

تكلَّم ملاك الدَّينونة عن الوحش وعن نهايته الرّوحية في أربع فترات زمنيَّة: كَانَ وَلَيْسَ الآنَ, وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى الْهَلاَكِ (رؤيا 17: 8). هذه خلاصةٌ وجيزةٌ لحياة الوحش الشَّخصية. ويوصَف الله بإيجازٍ وبطريقةٍ مشابهةٍ في الرّؤيا: الرّبّ الإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي (رؤيا 1: 4، 8؛ 4: 8). وهو يبقى اللاَّمتغيِّر الأمين مثلما يشهد الاسم "يهوه": أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ (خروج 3: 14- 15). ويسوع أيضاً عرَّف يوحنَّا بنفسه بصيغةٍ قصيرةٍ موجزة: أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ (رؤيا 1: 18؛ 22: 13).
إنَّ الكلمات الأخيرة الفعليَّة الثَّلاث لهذه السِّيَر القصيرة مهمَّةٌ جدّاً لأنَّها تُعلن الهدف والغاية في وجود وحياة الشَّخص المعني.
يتَّضح مِن الشَّرح الموجز عن الوحش أنَّ ما مِن شيءٍ يحدث في الكون خارج مشيئة الله وخطَّته. لا بدَّ مِن أن يُطلَق الوحش مِن جهنَّم لاقتناص كلِّ مَن رفض أو أهمل حَمَل اللهِ وخلاصه. عظيمٌ جدّاً هو غضب الله على رفض وإهمال ذبيحة ابنه الحبيب الكفَّارية حتَّى إنَّه يرسل بدل حَمَله وحشاً إلى محتقريه. ستكون فترة نهاية الزَّمان المقبلة فترة فصلٍ تضع سكَّان كوكبنا تحت الامتحان النِّهائي وتنتهي بدينونتهم الأخيرة.
كان الوحش في الرّؤيا قد طلع قبلاً مِن بحر الأمم (رؤيا 13: 1)، وفي إخضاعه العالم عانى جرحاً مميتاً ومات. وابتهج اليهود والمسيحيون المضطهَدون ظنّاً منهم أنَّهم تخلَّصوا أخيراً مِن ظالمهم، غير أنَّ ابن الهلاك شفي وصعد ثانيةً على نحوٍ منظورٍ مِن العالم السُّفلي. أراد أن يُقلِّد قيامة يسوع ويُشيع خلوده هو كعلامة انتصاره المجيد على الموت؛ فأعلن نفسه للبشر أنَّه الذي غلب الموت (رؤيا 13: 3، 12، 14). ولكنَّ الانتصار الظَّاهري للوحش يظهر قصير العمر. كان ثمَّة وقتٌ قليلٌ قبل أن يُطرَح في اللَّعنة إلى الأبد (رؤيا 19: 20؛ 20: 10). إنَّ سقوط الوحش في جهنَّم وعذابه مِن أهمِّ الأحداث المتعلِّقة بفترة دويِّ البوق السَّابع.
بعد طول صبرٍ وانتظارٍ وضع الله حدّاً لسيل الأكاذيب الكريهة والتَّجاديف الخسيسة التي انطلقت مِن أفواه أعداء الصَّليب. خُتمَت نهايتهم حين ارتبطوا بابن الشِّرير. أمَّا شهود المسيح فآثروا الموت على السُّجود لضدّ المسيح، واستيقظوا في حياة ربِّهم الأبديَّة.
الصّلاة: أبانا الذي في السّماوات، نشكرك، لأن إبنك المسيح سلك بيننا متواضعا
كحملك الوديع، وفدى العالم من غضب دينونتك. ساعدتا حتى نسلم أنفسنا نهائيا له، ولا ننفتح لإلهام الأرواح المضلة، ولا نطيع الدّجّال الخبيث. إحفظنا من جذابة مملكة جهنم، وإثبتنا في ملكوت سلامك وفي غفرانك اليقين. آمين.

وصف ملاك الدَّينونة ليوحنَّا الانفصال العظيم الذي سيحدث قبل الدَّينونة الأخيرة بكلماتٍ قليلةٍ: سَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ (رؤيا 17: 8). وهكذا تبدأ تجربة البشر الشَّيطانية التي حذَّر بولس منها في تسالونيكي: الأَثِيْمُ مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ بِكُلِّ قوّة, وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ, وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ فِي الْهَالِكِينَ (2 تسالونيكي 2: 9- 10). ولذلك اهتمَّ الرَّسول أن يطبع في أذهان أهل كنائسه: لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا, لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الاِرْتِدَادُ أَوَّلاً, وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ, ابْنُ الْهَلاَكِ (2 تسالونيكي 2: 3).
حذَّر يسوع أيضاً رسله بوضوحٍ قائلاً: لأَنَّهُ يَكُونُ حِيْنَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ (دانيال 12: 1) وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلَكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ... لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ, حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً (متَّى 24: 21- 22، 24؛ رؤيا 13: 13- 17).
ينبغي ألاَّ نقرأ هذه النُّبوءات بسرعة أو أن نقبلها بخفَّةٍ أو بسطحيَّةٍ؛ بل علينا أن نُصلِّي بضميرٍ حيٍّ قائلين: أبانا الذي في السَّماوات... لا تُدخلنا في تجربة، بل نجِّنا مِن الشِّرير (متَّى 6: 13).
ينبغي أن يأتي الوحش ليُجرِّب الجميع، ليرى هل هم يحبُّون يسوع فوق كلِّ شيءٍ آخَر، وهل يثقون به كلِّياً، وهل هم مستعدُّون لبذل حياتهم الأرضيَّة لأجل ربِّهم الأزلي (يوحنَّا 21: 15- 19).
ستكون عجائب آخِر الزَّمَانِ الشَّيطانية مثيرةً، وسيعتادها النَّاس بسرعةٍ ويُسلِّمون بصِحَّتهِا. مَن كان يفتكر منذ مئة عام أنَّ النَّاس سيُحلِّقون على ارتفاع 12000 متر مِن قارَّةٍ إلى أخرى وهم آكلون شاربون، بل ونائمون؟ مَن كان يظن أنَّ بدون إدخال مني الكبش تستطيع النَّعجة وحدها أن تلد نعجةً أخرى بواسطة الاستنساخ؟ مَن كان يحلم أن يمشي الإنسان اليوم على القمر، فالقاً الذَّرات على الأرض، أو فارزاً الجينات الطَّبيعية لنقلها وزرعها؟ مَن كان يظنُّ أنَّ مِن الممكن أن يعدم الإنسان سنويّاً ملايين الأجنَّة أو يجهضها في عمليَّات قتل جماعي، فنصبح أمَّة قَتَلةٍ بالجملة؟ لقد حوَّل الهاتف والتليفاكس والتلفزيون والإنترنت أرضنا إلى قريةٍ عالميَّةٍ فاسقةٍ منكمشة بعضها على بعض تحمل جماهيرها خوفاً باطنيّاً مِن أنَّ أحداً ما يتعمَّد نشر بكتيريا الجمرة الخبيثة. تتوالى هذه العجائب الإيجابيَّة والسَّلبية تباعاً وسريعاً واحدةً تلو الأخرى. ولكن كيف سيستجيب البشر لمكايد ضدّ المسيح الشَّيطانية ونبيِّه الكذاب المُقبِل؟ إنَّ لدينا جميعاً بطبيعتنا، بالرَّغم مِن التَّشكك المتزايد، توقاً شديداً إلى المعجزات، وإلى الإيمان بالعلم. وقليلون هم الذي يدركون أنَّ محبَّة الله وحدها التي فينا وحولنا هي القادرة على جلب السَّلام والهناء. لا تدخل الحياة الأبديَّة فينا إلاَّ بواسطة مَن صُلب وقام. فموته الكفاري عن جميع الخطاة هو وحده الباب الضَّيق والمفتوح إلى الله (باب إيل) وإلى روحه وإلى ملكوته. بدون صليب المسيح يغرق العالم في اليأس، فتأسره التَّجارب الشَّيطانية، ويُدان تحت غضب الله.
الصّلاة: نسجد لك أيّها الآب السّماوي، لأنك سمحت أن تأتي التجربة للإرتداد العظيم، ليظهر مَن قد سلم نفسه كاملا وحقا لحمل ألله، ومن يتأرجح بين المسيح والدّجّال. أثبتنا في مخلصنا يسوع، لكي لا يجد العدو الشرّير سلطة وحقّ فينا و في أحبائنا. آمين.

علم أبونا الذي في السّماء مسبقاً مَن سيَقبل ومَن سوف لا يَقبل المصالحة التَّامة معه بواسطة يسوع، فكتب، وهو العليم بكلِّ أمرٍ قبل حدوثه، أسماء جميع الذين تصالحوا بواسطة إيمانهم بحَمَله في سفر الحياة (رومية 8: 29- 30؛ أفسس 1: 4- 8؛ رؤيا 17: 8). ونفخ يسوع روحه فيهم وأعطاهم حياته الأبديَّة (يوحنَّا 3: 16؛ 14: 17، 23، 26- 27؛ 20: 21- 23). إنَّ كلَّ مَن يحبُّ المصلوب يودعه نفسه ويتعبّد له وللآب معاً، ويُكتَب اسمه في سفر الحياة.
بما أنَّ تجارب ومعجزات الوحش ونبيِّه ستكون قد سحرت جماهير الناس وفتنتهم، فلا يُتوقَّع عدم السقوط في التجربة إلاَّ للَّذين ثبتوا في الأبدية. يؤكِّد ملاك الدَّينونة لنا أنَّ قضاء الله الرَّحيم سيكون ضماننا الوحيد للزَّمن والأبد ألاَّ نصبح جزءاً مِن الارتداد العظيم الذي يُحْدثه ابن الشِّرير. لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ (متَّى 20: 16؛ 22: 14). ليس إنسانٌ بطبيعته مستحقّاً أن يُدعى مِن الله. إنَّ دم يسوع وحده يُطهِّرنا مِن كلِّ خطيَّةٍ (1 يوحنَّا 1: 7؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 9: 14؛ 10: 14؛ رؤيا 1: 5). يسوع هو أصلاً المختار الوحيد مِن الله (متَّى 12: 18- 21). وقد اعترف أبوه علانيةً: هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ (متَّى 3: 17؛ إِشَعْيَاء 42: 1). فكلُّ مَن يؤمن بالابن يرتبط بدعوته وينال نصيب حياته الأبديَّة (أفسس 1: 4- 6). إنَّنا لا نَقبل حقيقة دعوتنا المعزِّية إلاَّ في المسيح.
في أوج تجربة نهاية الزَّمان يظهر ضدّ المسيح شخصيّاً. كلّ مَن يُحوِّل ناظريه إليه سيُفتَن إن لم يكن يعرف يسوع حَمَل اللهِ، لأنَّه بمجرَّد معرفته يسوع يكون قد وجد المعيار الوحيد الصالح أبداً للعظمة والسُّلطان الحقيقيَّين. مَن يُقارن ضدّ المسيح بالإنسان سيجده فريداً في قوَّته وذكائه وجماله وخلوده. ولكن مَن يقارن ابن الشَّيطان بابن الله سيُدرك سريعاً أنَّ الوحش خالٍ مِن كلِّ محبَّةٍ إلهيَّةٍ ووداعةٍ وتواضعٍ وطهارةٍ وحقٍّ. الشِّرير شرِّيرٌ مِن رأسه إلى أخمص قدميه، أمَّا الصَّالح فهو صالحٌ مِن الله أبيه.
انتصب ابن الشِّرير بخشونةٍ واعترض تطهيره وتقديسه مِن يسوع، فهو لم يشأ أن يكون مقدَّساً ورحيماً ووديعاً كابن مريم (متَّى 4: 10؛ 8: 20؛ 21: 3). ناضل ابن الهلاك في سبيل القوّة العالميَّة وأراد أن يخضع الجميع لحكمه السَّريع الزَّوال. أمَّا يسوع فرفع خطيَّة العالم ومات عوضاً عن الخطاة (يوحنَّا 1: 29) ومَن يحبُّه يُسجَّل اسمه في سفر الحياة ويحيا معه إلى الأبد.
الصّلاة: أبانا الذي في السماوات، نسجد لك بإسم مسيحك يسوع، لأنك القدير والعليم وقد سجلت أسماء أولادك في سفر الحياة الأبدية من قبل تأسيس العالم، لأتك عرفت مسبقا من سيثبت في المسيح أثناء التجربة ألأخيرة ومن ينكره. ساعدنا حتى نحبّ إبنك دائما من صميم قلوبنا ولا نسمح لتجذبنا معجزات الشرير إليه. آمين.

يكمن السَّبب الواضح لتعجُّب جماهير الأشرار مِن ضدّ المسيح في خلوده الظَّاهري. مرَّتين في الآية نفسها وصف ملاك الدَّينونة هذا السِّر الشَّيطاني كسمةٍ مميّزةٍ لابن الشِّرير: أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ, مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ (رؤيا 17: 8).
أثار هذا النَّص المُشَفَّر فضول العديد مِن المفسِّرين، فتساءلوا: مَن سيكون ضدّ المسيح الأخير؟ متى كان "لَيْسَ الآنَ"، وكيف سيأتي ثانيةً؟ سنتوسَّع في شرح الأفكار والتَّأملات المتعدِّدة.
يرى "بنغل" J. A. Bengel أنَّ ضدّ المسيح في بدء ظهوره وعمله كان بطيئاً وخاضعاً لنفوذ الزَّانية العظيمة، فلم يستطع أن يمارس حكمه البربري. ولكنَّه بعدما ينتفض بعنفٍ ويقتل المرأة التي سيطرت عليه سيتحرَّر ثانيةً ليستأنف وحشيَّته وشرَّه اللَّذين لا رادع لهما.
توسَّع الأسقف "هارتنشتاين" Hartenstein في هذه الفكرة ورأى أنَّ سيرة ضدّ المسيح الثُّلاثيَّة استندت إلى نقاط تحوُّل خطيرة في تاريخ العالم. فظهور ضدّ المسيح الأوَّل كان يشير إلى اضطهادات اليهود والمسيحيين الدَّموية في عهد الأمم (بقيادة نَبُوْخَذْنَصَّر ونيرون ودومتيان). ولكنَّ هذه المرحلة الزَّمنية مِن الوحشيَّة الهمجيَّة خمدت بقبول الإِمْبرَاطُوْرِيَّة الرُّوْمَانِيَّة للمسيحيَّة ظاهريّاً في عهد قسطنطين الكبير. وكانت الفرائض والمبادئ المسيحيَّة قد رُكِّبَت على مبادئ وثنيَّة قديمة. ولكنَّ الوثنيَّة الحديثة في زمننا هذا ستثور وتخلع عنها القشرة المسيحية الرَّقيقة لثقافتنا وتُقيم وحشيَّةً أفظع سبع مرَّاتٍ مِن وحشيَّة هتلر وستالين وماو والخميني.
إنَّ مَن يتأمَّل السيرة الثُّلاثية لضدّ المسيح مِن وجهة نظر شرق أوسطيَّة يجد جوانب أخرى مطروحةً عليه. فاليهود المسيحيون في إسرائيل يظنُّون أحياناً أنَّ الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ لا يُمثِّل سوى الفلسطينيين. سُحِقَت مملكة فلسطين القديمة ووُحِّدَت في أزمنة عديدة على يد الأشوريين والمصريين والبابليين والفرس واليونانيين، ولم توجَد بعد لمدَّةٍ طويلةٍ مِن الزَّمن. وكان الرُّومان هم الذين أعادوا تنصير اليهودية المدمَّرة عام 132 م إلى "فلسطين" بحيث تختفي اليهودية وإسرائيل تماماً مِن الخريطة، ويُعاد إحياء مملكة فلسطين مِن جديدٍ. وبعد ذلك اختار العثمانيُّون والحكَّام الخاضعون للانتداب الإنكليزي الإبقاء على الاسم "فلسطين" للأرض المحتلَّة. واليوم يحاول السُّكان العرب المختلطون المقيمون هناك أن يُقيموا دولة فلسطين مِن جديد. إنَّ دولة فلسطين "كانت، وليست الآن، وهي تصير ثانيةً." ولكنْ لا يظهر أنَّ أتباع عرفات والفلسطينيين الإسلاميين يملكون وزناً سياسيّاً كافياً، أو ملء قوّة ضدّ المسيح. إنَّ لديهم على الأكثر نيَّة النبي الغريب.
مِن جهةٍ أخرى، إذا سأل شخصٌ ما العرب المسيحيين مَن هو ابن الهلاك والمضلُّ العظيم (الأعور الدّجّال)، فالجواب واحدٌ: إنَّه ليس سوى دولة إسرائيل. إنَّ العبارة "كَانَ وَلَيْسَ الآنَ, مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ" تنطبق هنا في الواقع. فدولة إسرائيل أُنشئت عام 1012 ق.م. على يد الملك شاول. وتبع ذلك ترحيل الطبقة العليا مِن الأسباط الشِّمالية عام 722 ق.م. وعانى اليهود السَّبيين الأوَّل والثَّاني إلى بابل عامي 597 و587 ق.م. ونتيجة سماح الفاتح الفارسي عاد بعض المُبْعَدين متردِّدين إلى وطنهم. وبعد حكم اليونانيين قامت دولة الكهنة المكابية التي دامت حوالي 100 سنة (166- 63 ق.م.) والتي دُمِّرَت على يد بومبي. ولكن بسبب قيام بني يعقوب بالثَّورة مرَّة تلو الأخرى على الاحتلال الروماني دمَّر الرُّومان أُوْرُشَلِيْم عام 70 م. ودمَّروا اليهوديَّة كلَّها عام 132 م. وطردوا جميع اليهود مِن وطنهم، أو باعوهم في أسواق النّخاسة التي كانت موجودةً في العالم آنذاك. ومنذ ذلك الحين لم توجد دولة إسرائيل بعد حتَّى أُعيد إنشاؤها عام 1948 بعد 1816 سنة. فيصحُّ أن يُقال دون شكٍّ: إنَّ إسرائيل كانت، ولم تكن، وقد قامت ثانيةً.
منذ عهدٍ قريبٍ جدّاً دوَّى قرار حاخامات إسرائيل، يوم عيد الميلاد عام 1989، كصفَّارة إنذارٍ في آذان المسيحيين المتعاطفين مع اليهود. وقد قضى هذا القرار بأنَّ تعاطف اليهودي مع يسوع النَّاصري والإيمان بأنَّ ابن يوسف هو المسيَّا سيؤدِّي إلى تجريد مثل هذا اليهودي مِن جنسيَّته وحقوقه كمواطنٍ. لم يُقرّ البرلمان الإسرائيلي مسودة هذا القرار بعد بصورة قاطعة، ولكنَّ القرار نوقش علناً في مناسباتٍ عديدةٍ. يُذكِّرنا هذا بالقرار الذي اتَّخذه علماء الشَّريعة عام 97 م. في "يبنة" المقرّ المؤقَّت لمجلس السَّنهدريم المشَّكل حديثاً والذي قضى بعدم السَّماح لليهودي أن يكون مسيحياً في وقتٍ واحدٍ لأنَّ ذلك يُعتبر مخالفةً للوصيَّة الأولى. مَن له أذنان للسَّمع فليسمع: إنَّ في شعب العهد القديم قوّة عظيمة مضادَّة للمسيحية تزداد نموّاً ونفوذاً.

إنَّ السّؤال هل ضدّ المسيح، الوحش الطالع من بحر الأمم، هو شخص واحدٌ، أم مؤسَّسةٌ، أم دولةٌ، أم جماعةٌ دينيَّةٌ، قد طُرح مراراً وتكراراً. مِن المرجَّح أن يكون الرّوح الطَّالع مِن العمق ليس واحداً فقط أو آخَر، بل تجسُّداً جماعيّاً شاملاً جميع مجالات الحياة والمؤسسات إضافةً إلى النَّاس. كتب الشَّيْخ الجَلِيْل يوحنَّا في حينه: أيّها الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضدّ الْمَسِيحِ يَأْتِي, قَدْ صَارَ الآنَ أَضدّادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ (1 يوحنَّا 2: 18).
ينبغي للعلامة الطارئة في كلام الملاك: هُنَا الذِّهْنُ الَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ (رؤيا 17: 9) أن تساعدنا على الاحتراز مِن الأحكام السَّريعة. مِن الضَّروري أن نُدرك أنَّنا نفتقر جميعاً إلى الحكمة والفهم، وعلينا أن نسأل يسوع التَّوجيه والمعرفة. وبذلك لا نُضلُّ أحداً بل أيضاً لا نغفل عن إنذار الكنائس. يُشجِّعنا يعقوب أخو يسوع قائلاً: إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ, فَسَيُعْطَى لَهُ
(يعقوب 1: 5).

الصَّلَاة
أيّها اللآب السماوي، نسجد لك ونتهلل، لأن أقامت يسوع المسيح من قبره، بعد موته الكفاري عنا على خشبة العار. إنه غلب الموت غلبة نهائية. ساعد أولادك بروح القدس، لكي لا يُبهر أبصارهم بقيامة الدّجّال بعد موته، بل يمييزوا أن تمّت قيامته من أفعل الشيطان ولا من فضل الله. آمين.
السُّؤَال
إي حكم كان- ولم يكن – بل سيكون حتما؟ ما هو الهدف وغاية أكاذيب إبليس والتجارب الشرير؟ كيف سينجح إبليس بتجربته في الجماهير؟ ما هي العجوبة المقنعة عند أتباع الدّجّال حتى يؤمنوا به و بأبيه الشيطان؟ ما هو السبب الأخير حتى بعض الخطاة المفديين سُجلوا في سفر الحياة حقا؟ مَن مِن زعماء التاريخ تصرف مثا سيتصرف ضدّ المسيخ؟