Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
4- الانتصار المُعْلَن مُقَدَّماً لِحَمَل اللهِ على ضدّ المسيح (رؤيا 17: 9- 14)
17:9اَلسَّبْعَةُ الرُّؤُوسُ هِيَ سَبْعَةُ جِبَالٍ عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةً.10وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ, خَمْسَةٌ سَقَطُوا, وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ, وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً.11وَالْوَحْشُ الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ, وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ, وَيَمْضِي إِلَى الْهَلاَكِ.12وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونُ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكاً بَعْدُ, لَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ.13هَؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ, وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ.14هَؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْحَمَلَ, وَالْحَمَلُ يَغْلِبُهُمْ, لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ, وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ.

أحال الملاكُ النَّبيَّ إلى مجال تحكُّم ضدّ المسيح ووصفه "بالجبال السَّبعة" (رؤيا 17: 9). وتمثِّل هذه القمم السَّبع سبعة ملوكٍ ملكوا سواء على التَّوالي أو في آنٍ واحدٍ معاً، وامتلكوا صفات وقوّة فوق المعدَّل الوسطي؛ فانتصبوا فوق غيرهم مِن حكام عالمنا مثلما تقزم قممُ الهملايا البالغُ ارتفاعُها 8000 متراً وأكثر الجبالَ المحيطةَ بها والبالغ ارتفاعها 5000 متراً.
في أيَّام يوحنَّا تلاشى خمسة مِن هذه الرؤوس السَّبعة عن الأنظار أو قُتلوا. كان أحدهم يملك في زمن الشَّيْخ الجَلِيْل، أمَّا السَّابع، فيقول الملاك إنَّه آتٍ (رؤيا 17: 10). وهؤلاء الحكَّام السَّبعة أضدّاد المسيحية لا يرمزون إلى الوحش ككيانٍ كلِّي، بل يمثِّلون بعض رؤوسه المجدِّفين فقط. وبما أنَّ آخر هؤلاء الملوك والأمراء لم يعيشوا في وقتٍ واحدٍ معاً بل على التَّوالي، مِن الواضح أنَّ الوحش الطَّالع مِن الإعلانات والرُّؤى هو روحٌ شرِّيرٌ لا يحدُّه زمانٌ معيَّنٌ قد أثمر مرَّةً تلو الأخرى على مرِّ العصور حكَّاماً مشهورين وسيِّئي السُّمعة. ليس الوحش شخصاً واحداً، بل هو أكثر مِن ذلك يُظهر روحه باستمرارٍ في السَّلاطين والرُّؤساء الذين يستحوذ ويسيطر عليهم.
لا يترك الوحشُ هؤلاء الحكَّام يديرون الأمور بأنفسهم، بل يجعل بابل الزَّانية فوق رؤوسهم. وبدهاء الأنثى وحيلتها تدير الزَّانية وتُسيِّر عبيد ابن الشَّيطان هؤلاء المفوَّضين تنفيذيّاً.
الأرواح الطَّالعة مِن العمق يراقب بعضها بعضاً. وهناك لا مكان للثقة في أولاد جهنَّم، وانعدام الثِّقة هذا يدفعهم إلى ألف نوعٍ مِن التَّجسُّس. مباحث سرِّيةٌ تُراقب الأخرى، بل إنَّ الحكام الأقوياء ليسوا واثقين بمستقبلهم هم. فيأتون ليستخبروا مِن وسطاء وسماسرة الدِّين متوقِّعين منهم أجوبةً مُلزِمةً مِن علم التَّنجيم والاتِّصال بالأرواح، ويطلبون تعاويذ ورقى جالبة للحظِّ لحمايتهم، وآراء مِن كتب مقدَّسة، إضافةً إلى بركاتٍ للحرب والسَّلام. تحكَّمت المرأة المتسربلة بالقرمز في رؤوس الوحش بإطلاقها وعود الغفران وهي، في الوقت نفسه، تهدِّدهم بجهنَّم في حالة عدم إطاعتها. تحكَّمت بالبعض بواسطة إجبارهم بالقوّة على الاعتراف بأفعالهم. وأغرت الخائفين بوعودٍ مبهمة لا تتحقَّق إلاَّ بعد الموت. الأشرار ذوو العنف غالباً هم أكثر تديُّناً ممَّا نتصوَّر، إنَّهم يترجَّون الأجوبة مِن عالم الأرواح. قلَّما يطلب أحدهم الله نفسه، لأنَّ اسم المسيح بالنِّسبة إلى كثيرين هو كلمةٌ عدائيَّةٌ ومحرَّمةٌ في مناقشاتهم.
تخلط بابل الزَّانية بمهارةٍ الحقَّ بالأكاذيب في أوامرها وأحكامها، كما تخلط الوحي الإلهيَّ باستراتيجيَّاتها الخاصَّة. وتشوِّش تفكير الملوك والحكَّام وتلوِّث جميع مجالات السِّياسة العالميَّة بخطَّتها لإحداث ديانة عالميَّة واحدة. تمارس الزَّانية قوَّتها بالدَّسيسة والغدر.

يرى العديد مِن المفسِّرين أنَّ مِن شأن "الملوك السَّبعة" (رؤيا 17: 9- 10) تذكير يوحنَّا بالقياصرة الرّومان الاستثنائيِّين السَّبعة في زمنه. كان خمسةٌ مِن هؤلاء القياصرة يخصُّون الماضي، وسادسٌ مالكاً في أيَّام الشَّيْخ الجَلِيْل، والأخير مزمعاً أن يظهر قريباً ليكون الذّروة الرَّهيبة في هذا الصَّف مِن المتلبِّسين الشيطان أضدّاد المسيحية. عَلِم يوحنَّا أنَّ الاضطهاد العالمي الانتشار آتٍ بلا ريبٍ عليه وعلى كنائسه، وأنَّ انحرافاً عظيماً عن الإيمان كان وشيكاً. فأراد أن يُنذر كنائسه ويُهيِّئهم روحيّاً للألم المُقبل لا محالة.
إنَّ مشكلة هذا التَّفسير هي أنَّ لا أحد يعلم علم اليقين أيَّ سبعةٍ مِن هذا
الصَّف الطَّويل مِن القياصرة هم المقصودون، لأنَّ مِن عهد حكومة يوليوس قيصر إلى أيَّام يوحنَّا كان ثمَّة أكثر مِن 12 مِن أمثال هؤلاء الحكَّام الذين أسماؤهم وتواريخ حكمهم وعلاقتهم الفعليَّة بالمسيح وكنيسته مبيَّنة أدناه:

تلت ذلك مائتا سنة مِن الاضطهاد الدَّموي للمسيحيين على يد القياصرة الرُّومان.
إذا كان نفي يوحنَّا إلى جَزِيْرَة بَطْمُس قد حدث في أثناء حكم دومتيان فمِن المحتمل أن تكون أسماء القياصرة المذكورة أعلاه (بحرفٍ ثخينٍ) تمثِّل ستَّةً مِن ملوك الرّؤيا السَّبعة الذين تجسَّد روح ضدّ المسيح فيهم.
لكنَّ هذا التَّفسير مرفوضٌ مِن قِبَل بعض المفسِّرين بسبب نقاط ضعفه الكثيرة.
يبدأ تفسيرٌ آخر إحصاء الممالك السَّبع بنبوءة دانيال:

ولكنَّ هذه الرؤية تتجاهل كلِّياً قيام الإِمْبرَاطُوْرِيَّة الإسلامية العالمية التي أقامت، بفضل الأمويين والعباسيين وسلالة جنكيز خان والعثمانيين والمنغول، إمبراطوريات مضادة للمسيحية أعظم مِن جميع إمبراطوريات الرومان واليونانيين الآنفة الذِّكر. كثيراً ما ينسى معظم المفسِّرين تخريب وتدمير الكنائس الشَّرقية التي كانت يوماً قويَّةً في سوريا وتركيا وإيران وآسيا الوسطى والصِّين على الرَّغم مِن الكرب الشَّديد في هذه الدُّول. لا يزال ثمَّة ألمٌ مستمرٌّ لأجل المسيح في آسيا وأيضاً في أفريقيا أكثر ممَّا نُدرك. إنَّنا نحتاج إلى التَّخلص مِن وجهة نظرنا الأوربية المحلية السَّاذجة وإدراك الإجراء العالمي الكلي للاضطهاد المسيحي. لقد ذُرفت دموعٌ كثيرةٌ لأجل اتِّباع يسوع في "العالم الثَّالث"، ولكنَّ هذا أسفر عن مزيدٍ مِن الإيمان والمحبَّة والرَّجاء.
إنَّ الرَّقم سبعة، على أيَّة حالٍ، كما هو مستعمَلٌ في الرّؤيا، لا يتحدَّث عن سبعة أشخاص معيَّنين، ولا عن إمبراطوريَّاتٍ خاصَّةٍ، بل عن عموم القادة والأباطرة والرؤساء والحكام المستبدين أضدّاد المسيحية المتسلط عليهم إبليس. في زمن ما بعد المسيح أظهر الرّوح الشرير ذاته في دول وحضارات لا حصر لها. وحتَّى الآن لا يوجد سوى 32 بالمائة فقط مِن جميع البشر يدعون أنفسهم "مسيحيين". نجد في العديد مِن دول آسيا أقليات متناقصة مِن المسيحيين تمثل في الغالب أقل مِن ثلاثة بالمائة. وكلَّ عامٍ يموت هناك وفي أفريقيا الآلاف، وأحياناً عشرات الآلاف مِن المسيحيين بسبب إيمانهم؛ ومنظور يوحنَّا يشملهم جميعاً. لقد أحدث روح ضدّ المسيح الذي لا يحدُّه زمانٌ رؤوساً مختلفةً عديدةً كهتلر وستالين وماو وبول بوت والخميني وصدَّام حسين. وما زال يقوم في زماننا هذا زعماء موهوبون في سَحر الجماهير جلُّ قصدهم واهتمامهم تدمير المسيحية، ناظرين إليها إمَّا كتطور كاذب في اليهودية، أو كرائد الرأسمالية. لقد أحدثت حرب الولايات المتحدة التي فُرضت قسراً المزيد مِن البغض لجميع أتباع المسيح.

شَغَلت الجبال السَّبعة في إعلان المسيح ليوحنَّا (رؤيا 17: 9) الكثير مِن المفسِّرين، فنسب "بنغل" J.A. Bengel الموقع إلى رومه. وأدرج تلال هذه المدينة في تفسيره: بالاتينُس Palatinus وكابيتولينُس Capitolinus وكايليُس Caelius وإسكيلينُس Esquilinus وفيميناليس Viminalis وكيريناليس Quirinalis وأفنتينُس Aventinus. كانت تنتصب على كلٍّ مِن هذه التِّلال سابقاً إمَّا قلعةٌ أو حصنٌ، ولكنَّ الصُّورة تغيَّرت فيما بعد:
منذ عهد البابا غريغوري السَّابع، كنيسة القديس لاتيران قائمةٌ على تلة كايليُس.
منذ عهد البابا بونيفاتيُس، الفاتيكان قائمةٌ على تلَّة بالاتينُس.
منذ عهد البابا بولس الثَّاني، كنيسة القديس مرقس قائمةٌ على تلَّة كيريناليس.
منذ عهد البابا بولس الرَّابع، كنيسة القديسة ماريا ماغيورMaria Maggiore قائمةٌ على تلَّة إسكيلينُس.
حتَّى عهد كتابة "بنغل" لم يكن ثمَّة أيّ صرحٍ دينيٍّ مبني على التلال الثلاثة الأخرى. ولكنَّ بنغل كان يرى أنَّه سيأتي وقتٌ تشغل فيه الأبنية البابوية الفخمة هذه التلال الثلاث.
ردّاً على الاعتراض أنَّ التِّلال المذكورة في الرّؤيا ليس المقصود بها أن تمثِّل جبالاً مادِّيةً، بل إنَّها تشير إلى حكَّامٍ مسيطرين، قدَّم "بنغل" الدَّليل
على أنَّ كثيراً مِن الباباوات، منذ عهد غريغوري السَّابع، كانوا بحسب مفهومهم حكَّاماً على أباطرة وملوك ورؤساء عالمنا.
لم يوجد في روما، في زمن النبي يوحنَّا، أيُّ مبانٍ كنسية فخمة. ولكن حتَّى
في ذلك الوقت كانت "مدينة التِّلال السَّبعة" مصطلحاً ثابتاً للعاصمة الرُّوْمَانِيَّة. وإذ لم يتمكَّن الشَّيْخ الجَلِيْل مِن الكتابة صراحةً عن الحكام الأشرار في روما، كان عليه أن يحيط بالرموز المعروفة ليوضح لقرائه بما لا يقبل الشك أنَّ الوحش الطالع مِن بحر الأمم هو روح الإِمْبرَاطُوْرِيَّة الرُّوْمَانِيَّة. لقد شرح الملاك ليوحنَّا بكلِّ وضوحٍ أنَّ بابل الزَّانية جالسةٌ على تلال هذه المدينة السَّبعة.
ولكن بما أنَّ اسم المدينة غير موجود في هذه الآية، اعتبر مفسِّرون آخرون أُوْرُشَلِيْم أو بابل القديمة هي "المدينة ذات التلال السبعة". فيما يخص أُوْرُشَلِيْم مِن الصَّعب إثبات سبع تلال بارزة. ويمكن المرء، في هذا الصَّدد، أن يُسمِّي بسهولةٍ جبل الهيكل، وجبل الزَّيتون، وجبل المشارف (الذي يسميه الغربيون جبل سكوبس)، وجبل المعصية، والرابية التي على جبل هيرودس، والتل الشديد الانحدار مع مدينة داود القديمة وجبل صهيون الذي كان قصر كبير الكهنة قائماً على منحدره. ولكن في وقت كتابة سفر الرّؤيا كانت أُوْرُشَلِيْم والهيكل الثَّاني قد دُمِّرا منذ زمنٍ طويلٍ. إضافةً إلى ذلك لم يوجد قَطّ سبعة ملوك متوَّجين على تلال هذه المدينة.
وفيما يخصُّ مدينة بابل لا توجد ولم توجد قَطُّ أيُّ تلالٍ أو جبالٍ في سهول الفرات الفسيحة. ثمَّة على الأكثر إمكانية إبراز بعض التِّلال الرَّملية أو "الزِّكورة" وهي أبراج هرميَّة الشَّكل مؤلَّفة مِن عدَّة طوابق.
على الرَّغم مِن أنَّ العديد مِن المفسِّرين يرون في "التِّلال السَّبعة" إشارةً واضحةً إلى الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة في روما، ينبغي لنا أن نكون دقيقين في استنتاجاتنا.
في الوحش الطالع من بحر الأمم، رأى يوحنا أوَّلاً روح الإِمْبرَاطُوْرِيَّة الرُّوْمَانِيَّة التي شطَّت وتمادت كثيراً، بتجديف القياصرة وتأليههم أنفسهم، في هوسها المجنون بالقوّة. في ذلك الوقت، لم تكن بابل الزانية هي الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة المُضطهَدة، بل قوّة مغرية مبغضة للمسيحية قادت الحكام المهيمنين على السُّلطة إلى ثورة غضب مسعور لاستغلالهم فقط لمآربها.
الصّلاة: أيّها الآب السماوي، نشكرك ونسجد لك، لأنك أنت أبو جميع أتباع المسيح بالحق والرّوح. ونطلب إليك لتبث إلى قلوب الملوك ورؤساء وحكام ممالك العالم روح التواضع، وخوف الله، لكي لا ينفتحوا لتجارب الدّجّال ونبيه الكذاب. وساعدنا أن لا نأله أفراد من البشر، بل نسجد لك ولإبنك ونطيع وصاياك بفرح. آمين.

أكَّد الملاك على أنَّ الملك السَّابع لم يكن الأخير. والأكثر مِن ذلك أنَّه بعد موته سيقوم ملكاً ثامناً، ويُجسِّد بوجوده المتجدِّد الوحشَ الطالع مِنَ البَحْرِ (رؤيا 17: 11). سوف ينمو هذا الرَّأس الثَّامن إلى ملء تجسُّد ضدّ المسيح، فيتمركز فيه خبث الشِّرير وقوَّته ويقوم ليبدأ محاولة عالمية لإبادة أتباع المسيح.
ولكنَّ يوحنَّا سمع ثانيةً في هذه الرّؤيا أنَّ حدوداً قد أُقيمت لضدّ المسيح الآتي مع سلوكه الوحشي؛ فهو يستطيع أن يثور غضباً إلى حينٍ، ولكن لابدَّ له بعد وقتٍ قصيرٍ مِن الرُّجوع إلى عقابه الأبدي؛ فالدَّينونة الإلهية منتصبةٌ فوقه بثباتٍ مقدَّماً. لا بدَّ لابن الشِّرير مِن الظُّهور، ولكنَّ أمانة الله قد جعلت نهايةً للبؤس الذي سينشأ. لا بدَّ مِن التَّصادم بين حَمَل اللهِ وعدوِّه لأجل الفداء. ولكنَّ انتصار المسيح على الصَّليب وأمانة شهوده حتَّى الموت سيُحقِّقان انتصار حَمَل اللهِ.

أكَّد الملاك ليوحنَّا بشكلٍ غير مباشر في رؤياه أنَّ رؤيا دانيال للتّمثال العظيم البالغ ارتفاعه قدمان وعشر أصابع ستتحقَّق في زمن ضدّ المسيح (رؤيا 17: 12؛ دانيال 2: 31- 45). وعند انتهاء عمل ضدّ المسيح الفعلي سيدخل عشرة ملوك في حلف معه، ويلتحمون وإيَّاه اقتصاديّاً وعسكريّاً وثقافيّاً وماليّاً، ويتَّفقون على سياسة تجاريَّة عالميَّة مفتوحة بدون حواجز جمركيَّة ويبتدعون بالطُّرق القانونيَّة نظاماً عالميّاً جديداً بالتَّفصيل.
ولن يبقى نطاق نظامهم محدوداً بالولايات المتحدة الأمريكية أو بأوروبا موحَّدة، بل يجعلون جميع أرجاء الأرض تابعةً لفضل الابن الشَّيطاني وبُعد نظره وإبداعه. هذا هو الذي يظهر أوَّلاً كملاكٍ مِن نورٍ، ومحاربٍ في سبيل الحرِّية، وإنسانيٍّ محبّ للبشر. بَيْدَ أَنَّه سيكون على استعدادٍ للسَّير فوق الجثث لوضع أفكاره "المتسامحة" موضع التَّنفيذ. بواسطة السِّحر الأنثوي لزانيته بابل سيُضِلُّ الأمم ويُثبت عدم إمكانية التَّغلب عليه مِن خلال المعجزات المدهشة التي يجريها نبيُّه الكذَّاب. وسيُساعده النِّظام العصري للاتِّصالات السِّلكية واللاسلكيَّة على الوصول بسرعة إلى سكان العالم. وستبثُّ الأقمار الاصطناعيَّة في الفضاء الخارجي ليل نهار وعوده وقوانينه، إغراءاته وتهديداته للناس على الأرض. وسيجذب، تحت لواء تفادي الإرهاب والأصولية وعدم الولاء الحزبي، جميع الحكام المفكرين استراتيجياً والمجالس النِّيابية إلى صفِّه. وكلُّ مَن لا ينضمُّ إلى مسيرته يكون عدوّاً له يجب التَّخلُّص منه.
إنَّ تحالف الأمم العشر في نهاية الزَّمان سيربط معاً قوى عالمية عديدة. وسينضوي الملوك العشرة دون استثناء تحت قاعدة الوحش ويقفون في صفِّه. وتتمُّ هذه الرّؤيا قُبَيل نهاية الاثنين والأربعين شهراً (رؤيا 13: 1- 5). ويُوحِّدهم بغضهم لِحَمَل اللهِ (رؤيا 16: 13- 14؛ 17: 17)، فيتخلَّون عن سيادتهم الوطنيَّة في سبيل إيجاد حل نهائي للمسألة المسيحية.
إنَّ الحقيقة أنَّ العديد مِن المسيحيين وبعض اليهود في تلك الأيَّام سيجرؤون على عدم السُّجود لابن جهنَّم ستُغضب الوحش الطالع مِنَ البَحْرِ غضباً شديداً، فهو ينتظر مِن جميع النَّاس ثقة مطلقة وإخلاصاً واستسلاماً وطاعةً عمياء تماماً مثلما أمر محمد مسلميه وعبيده. إنَّ محبة أتباع المسيح لربهم، حَمَل اللهِ، وإطاعتهم لوصاياه تفصلهم عن الملوك وعن إله هذا العالم (يوحنَّا 12: 31؛ 14: 30؛ 16: 11؛ 2 كُوْرِنْثُوْس 4: 4). سيسبحون ضدّ تيَّار النِّظام العالمي الجديد. ولذلك سيتَّفق الملوك والرُّؤساء والحكَّام مع ابن الهلاك على اضطهاد مثيري الشَّغَب هؤلاء فوراً وإدانتهم وقتلهم. وفوق ذلك ستُشوَّه سمعتهم أخلاقياً بالشُّبهات والافتراءات وإجبارهم على الإدلاء باعترافاتٍ كاذبةٍ (متَّى 5: 11- 12؛ 10: 17- 22؛ 1 بطرس 4: 12- 16).
مِن المحتمل أن يظهر ملوك نهاية الزمان العشرة كمجموعتين، كلُّ منهما مؤلَّفة مِن خمسة ملوك، مثل الأمر بالأصابع العشر على قدمي التِّمثال الذي رآه نَبُوْخَذْنَصَّر في حلمه (دانيال 2: 41- 42).
لن يعمل خدَّام ضدّ المسيح الأذلاَّء بطريقةٍ مستقلَّةٍ، بل يأخذون تفويضهم مِن ابن جهنَّم الذي اتَّحدوا واندمجوا به؛ فهُم ممسوسون بروحه ويُنفِّذون مشيئته. مادَّتهم وقيمتهم ضئيلة كالأقدام في تمثال حلم نَبُوْخَذْنَصَّر، مكوَّنون مِن خزفٍ وحديد، وقد سُحقوا بضربة واحدة مِن نيزك سماوي (دانيال 2: 41- 45).
الصّلاة: أيّها الآب في السّماء، إنّ وصاياك وروحك القدّوس أفضل وأقدس من النظام العالمي الجديد، الذي سيعلن ضدّ المسيح وملوكه العشرة عن القريب. ساعدنا أن نثبت في النظام السماوي وحقوقه المستقيمة ونفضل الموت من أن نطيع الدّجّال وعبيده المساكين. آمين.

سيُقيم الملوك العشرة، بغية تحرِّي مجيء المسيح في الوقت الصَّحيح، جواسيس في الكنائس، كما سيستخدمون طائرات الاستطلاع الحديثة ودبَّابات المراقبة. وسيتحصَّنون هم أنفسهم في غرف تحت الأرض محصَّنة بحديد وإسمنت بسماكة متر وفي كهوفٍ مخبأة منيعة ضدّ القنابل للنَّجاة بأنفسهم مِن المعركة الأخيرة. ولكنَّهم في بحثهم يغفلون الحقيقة أنَّ المسيح المقام اجتاز بصمتٍ جدار قبره الحجري وظهر عدَّة مرَّاتٍ لتلاميذه الذين كانوا مختبئين بخوفٍ وراء الجدران السَّميكة ليُعزِّيهم ويُشجِّعهم على الخدمة. يكمن غلط ضدّ المسيح في محاولته محاربة الوجود الرّوحي للمسيح المقام باستخدام الوسائل الأرضيَّة.
سيدفع روح الفاسد حلف الحكَّام العشرة إلى محاربة الرّبّ وكنيسته (رؤيا 16: 14؛ 19: 19). كيف يمكن المخلوقات أن تُضلَّل هذا التَّضليل كلَّه حتَّى إنَّها لا تثور على خالقها فحسب، بل تريد تدميره أيضاً؟
لإلهنا حسُّ الدّعابة، فهو لا يختار أن يرسل جيشاً مِن الملائكة على القوّة العالمية المتَّحدة، بل حَمَلاً. أكَّد يوحنَّا على أنَّ "الحمل الصَّغير المذبوح"، كما هي صيغة الآية في اليونانية، سيقهر "بنفسه فقط" المتمرِّدين كلهم. ثمَّة صورة مروِّعةٌ أمامنا: في سهلٍ عظيمٍ ينتشر جيشٌ بكامل عتاده مسلَّحٌ بأسلحة الدَّمار الحديثة التي تفوق الخيال وهو في أقصى درجات الاستعداد للمعركة النِّهائية بين السّماء وجهنَّم. عِنْدَئِذٍ ينطلق مِن الأبديَّة مقترباً حَمَلٌ صغيرٌ مذبوحٌ ينزف دماً حتَّى الموت. ببساطةٍ منقطعة النَّظير يشهد الملاك قائلاً: وَالْحَمَلُ يَغْلِبُهُمْ (رؤيا 17: 14). لقد تقرَّرت المعركة حتَّى قبل أن تبدأ، ووعد يسوع: طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ, لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ (متَّى 5: 5) قد تمَّ فيه هو نفسه.
الصّلاة: أيّها الآب القدّوس، نسجد لك، لأنك لا ولن تضطرب من جيوش البشر الشاملة لتهاربك وإبنك الحبيب، بل ترسل حملك اللطيف وحده إلى الأقوياء المختالين، ليغلب العصاة بكلمة فمه. ساعدنا لنلتجئ إلى حماية حملك القدّوس ، ونرتبط به إلى ألأبد. آمين.

إنَّ غلبة الحَمَل هي غَلَبَةٌ روحيَّةٌ تُحقَّق بدون استخدام دبَّابات وصواريخ وقنابل وخداع. كان النَّبي زكريَّا قد شهد للمبدأ الأساسي لغلبة الله بقوله: لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالقوّة بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ (زكريَّا 4: 6).
ليست غلبة الحَمَل مِن قبيل الصُّدفة ولا هي قرار ابن الله الخاص. كان على الحيَّة أن تسمع في الجنَّة أنَّ واحداً مِن نسل حوَّاء سيسحق رأسها، بينما هي لا تسحق سوى عَقِب سليل المرأة (تكوين 3: 15). تنبّأ العهد القديم مراراً بغلبة المسيح لأنَّها معيَّنةٌ مسبقاً في خطَّة الله منذ الأزل (تكوين 49: 10؛ عدد 24: 17؛ مزامير 2: 1- 12؛ إِشَعْيَاء 9: 5- 6؛ دانيال 2: 31- 44؛ لوقا 2: 10- 11؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 2: 14؛ رؤيا 5: 5).
كانت غلبة المسيح الفريدة مبنيَّةً على موته الكفَّاري إِنَّ اللَّهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ (2 كُوْرِنْثُوْس 5: 19- 21).لم يستطع الشَّيطان بكلِّ مكره وقوَّته أن يعيق ذبيحة كفارة المسيح (إِشَعْيَاء 53: 4- 12؛ متَّى 4: 1- 11؛ 16: 23؛ 27: 39- 44؛ 46؛ لوقا 22: 42- 44؛ يوحنَّا 19: 30؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 2: 14). لم يعرف يسوع خطيَّةً، وهو فوق ذلك حمل خطيَّة العالم (يوحنَّا 1: 29). وتلك كانت هزيمة إبليس. إنَّ غلبة الحمل مبنيَّةٌ على الحقِّ (متَّى 12: 20). ومنذ اعتلاء يسوع العرش في السّماء والشَّيطان مطروحٌ نهائيّاً خارج السّماء بعدما برَّر يسوع أتباعه وقدَّسهم بواسطة دمه المسفوك.
تجلَّت النتيجة المباشرة والمنظورة لموت المسيح الكفاري في إظهار غلبته على صليب الجلجثة وقيامته مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ (متَّى 28: 5- 6؛ 1 كُوْرِنْثُوْس 15: 3- 8؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 2: 14؛ رؤيا 1: 17- 18). لقد غلب المسيحُ الشَّيطانَ وأزال قوّة الموت (2 تيموثاوس 1: 10). حياته أبديَّةٌ، وهو نفسه الحياة (يوحنَّا 5: 26؛ 11: 25).
لقد أدَّى صعود المسيح إلى جلوس حَمَل اللهِ الانتصاري على العرش (رؤيا 5: 5- 15). ودُفع إليه كلُّ سلطانٍ في السّماء وعلى الأرض (متَّى 28: 18). الحَمَل هو الذي يُعيِّن مجرى الدَّينونة. وهو يُرغم ابن الهلاك على الظُّهور وفي النِّهاية يُبيده بنفخة فمه (2 تسالونيكي 2: 3- 4، 8؛ رؤيا 6: 1- 2). صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلاَصٍ فِي خِيَامِ الصِّدِّيقِينَ. يَمِينُ الرّبّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ. 16 يَمِينُ الرّبّ مُرْتَفِعَةٌ. يَمِينُ الرّبّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ (مزامير 118: 15- 16).
كانت ثمرة ذبيحة المسيح الكفارية انسكاب الرّوح القُدُس. لولا صليب المسيح لما كان ثمَّة قبولٌ للرُّوح. فمنذ ذلك الحين ينال أتباع الحَمَل حياةً أبديَّةً فيهم. وحياته المملوءة محبَّةً وتواضعاً تتحقَّق فيهم في ولادتهم الثَّانية (عزرا 36: 25- 27؛ متَّى 3: 11؛ يوحنَّا 3: 5- 7؛ رومية 8: 5- 9؛ تيطس 3: 5؛ 1 بطرس 1: 3، 23). وثمرة روحه تنمو فيهم مِن النِّعمة (غلاطية 5: 22- 23). وهو يُعطيهم الرَّجاء اليقين للحياة الأبديَّة (رومية 8: 16؛ 1 بطرس 1: 3). تتحقَّق غلبة المسيح وسط مملكة سلطان الشَّيطان. إنَّه يستولي على أسراه فيُطلق سراحهم ويُفعمهم حياةً وفرحاً.
جاء يسوع ليؤسِّس ملكوت أبيه الذي هو ملكوته هو (متَّى 16: 28). هو الملك الإله الحق المملوء برّاً ومحبَّةً (متَّى 19: 28). وملكوته ينمو مِن ذاته مثلما تأتي حبَّة القمح بحبَّاتٍ جديدةٍ كثيرةٍ مِن القمح في ساقها (يوحنَّا 12: 24). ملكوت الحَمَل مملكةٌ روحيَّةٌ ليست مِن هذا العالم (يوحنَّا 18: 36- 37). شهد يسوع قائلاً: إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللَّهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ, فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللَّهِ (متَّى 12: 28؛ لوقا 11: 20؛ 1 يوحنَّا 3: 8).
كيف تتحقَّق غلبة المسيح في حياتنا؟ إنَّ روح الحَمَل يُثمر إيماناً ومحبَّةً ورجاءً لتحقيق غلبته وتمجيدها. لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللَّهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ, إِيمَانُنَا. مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ, إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ (1 يوحنَّا 5: 4- 5). أعلن يسوع بنفسه غلبته قبل صلبه ووعدنا قائلا ً: فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ, وَلَكِنْ ثِقُوا, أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ (يوحنَّا 16: 33).
ولكن لماذا يظل ملكوت المسيح خفيّاً بالنِّسبة إلى كثير مِن النَّاس؟ إنَّ كلَّ مَن كان هدفه هو أن يُصبح ثريّاً أو مشهوراً أو متمتِّعاً بثناء النَّاس يُقصي نفسه أكثر فأكثر عن المسيح. أمَّا الفقراء أو الصِّغار أو البكم أو الذين لا يتمتَّعون بثناء النَّاس فيهرعون يوميّاً إلى مخلِّصهم ويطلبون عونه (1 كُوْرِنْثُوْس 1: 18- 29؛ متَّى 11: 25- 29؛ يوحنَّا 3: 3؛ 15: 19؛ 17: 14- 15). قال يسوع: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي, فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا, وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا (متَّى 16: 24- 25؛ رؤيا 12: 11). قال المقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ لبولس: تَكْفِيكَ نِعْمَتِي, لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ (2 كُوْرِنْثُوْس 12: 9)، ففهم بولس الدَّرس واعترف حالاً قائلاً: لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِيْنَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ (1 كُوْرِنْثُوْس 12: 10). وكتب إلى المؤمنين في روما: وَإِلَهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعاً (رومية 16: 20). وبعد سنواتٍ قليلةٍ مِن كتابة بولس هذه الكلمات قُطع رأسه في روما. تلك كانت شهادته المُطْلَقَة لغلبة المسيح في حياته.
إنَّ انتصار المسيح على ضدّ المسيح هو أحد الأحداث الحاسمة في مسيرة حَمَل اللهِ الظَّافرة. وتتضمَّن هذه الغلبة الكنيسة على الأرض وفي السّماء. لقد شهد صوتٌ عظيمٌ للقديسين في السّماء: وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْحَمَلِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ, وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ (رؤيا 12: 11). أمَّا القوّة الدَّافعة وراء تحقيق خطَّة الخلاص الإلهيَّة فهي الصّلاة يسوع كرئيس الكهنة لأجل كنيسته الميتَّمة والمتألِّمة والمُعَدَّة للمعركة (يوحنَّا 17: 6- 26).
الصّلاة: أيّها الآب الحنون، نسجد لك، ونحب حملك القدّوس لأن إنتصاره الشامل ظهرت درجة بعد درجة. لقد إنتصرالمصلوب على الشيطان الشرير وعلى الموت المرير ومحى خطيئة العالم، وحررنا من غضبك العادل، مانحا لنا روح الحياة الأبدية. ساعدنا حتى نشترك في إنتصار حملك الوديع بإيماننا به طيلة حياتنا. آمين.

قال ملاكُ الرّؤيا ليوحنَّا إنَّ الحمل هو رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ (رؤيا 17: 14). ونظير ذلك كان الملاك في بيت لحم قد أعلن للرُّعاة في الحقل أنَّ الطِّفل المولود في المذود هو أيضاً "المخلِّص" و"المسيح" و"الرّبّ" (لوقا 2: 10- 11). وهذه الألقاب الثَّلاثة محمَّلةٌ بالسُّلطان والمجد والدَّيمومة الأبديَّة.
تشير الكلمة "المخلِّص" (في اليونانيَّة Soter) إلى حاكم العالم الذي غلب جميع أعدائه وأنعم على بلاده بالسَّلام الدَّائم والازدهار والبركة. كان أغسطس في أيَّام يسوع يُكرَّم بهذا اللَّقب. وكان في ذلك الزَّمان حاكماً على جميع الأسياد والأمراء المعروفين في مملكته العالمية الرُّوْمَانِيَّة.
"المسيح" هو لقب الملك الممسوح مِن سلالة داود الذي يولَد، بحسب النُّبوءة، في بيت لحم ويملك كلَّ قوّة وحكمة وتقوى أبيه داود. ووعد الله أيضاً أن يتبنَّاه ويُعلن أنَّه ابنه (2 صموئيل 7: 12- 14). ينتظر اليهود حتَّى اليوم مجيء المسيَّا غير مدركين أنَّه قد جاء وعاش وعمل على أرضنا. ينتظر معظمهم حاكماً دنيويّاً يتولَّى الحكم مِن أُوْرُشَلِيْم على جميع أمم الأرض، غير عالمين أنَّ هذا التَّوقُّع سيتحقَّق في ضدّ المسيح. المعركة بين يسوع وابن الشَّيطان، بالنِّسبة إلى كل رجل وامرأة وطفل يهودي، هي في أشدِّها.
الاسم "الرّبّ" (في العبريَّة يهوه) هو أهمُّ اسمٍ لله في العهد القديم، أهم فترة للأسماء. وهو واردٌ 6828 مرَّة في أسفار العهد القديم التِّسعة والثَّلاثين. وبما أنَّ الملائكة أيضاً دعوا يسوع "الرّبّ" فقد شهدوا أنَّ القادر عَلَى كُلِّ شَيءٍ صار إنساناً في ابن مريم، وأنَّ كلَّ صفاته وسلطانه تحلُّ في يسوع. لذلك نعترف مع جميع الكنائس أنَّ يسوع المسيح هو المسيح المنتظَر. وهو الرّبّ شخصيّاً.
إنَّ مَن يفهم ويُصدِّق إعلانات العهد الجديد هذه يُدرك عمق كلمات الملاك القوي ليوحنا وكلّ ما يُحيط بها مِن مغزى وهو يدعوه مَلِكَ الْمُلُوكِ ورَبَّ الأَرْبَابِ. ماذا تقول ألقاب الشَّرف هذه لنا؟
جميع الملوك ورؤساء مولودين من آب دنيوي إلا المسيح. فهو مولود من الرّوح القدس الذي يكون روح الله الآب.
إنَّ جميع ذوي السُّلطان في العالم خطاة أمَّا يسوع فبقي بدون خطيئة وقدّوساً.
لم يستطع أيُّ ملك أن يشفي المرضى ويُقيم الموتى مِن ذاته إلاَّ يسوع وحده.
إنَّ جميع الملوك والرُّؤساء ضعافٌ وصغارٌ بالنِّسبة إلى قدرة الله الكُلِّيَّة. ولكنَّ الله دفع إلى يسوع كلَّ سلطانٍ في السّماء وعلى الأرض.
يحتاج جميع الملوك إلى مخلِّصٍ يُحرِّرهم مِن خطاياهم. أمَّا يسوع فهو المخلِّص الفريد الذي لا يحتاج إلى مَن يفديه ويُساعده.
لا يقدر جميع جبابرة هذا العالم أن يدينوا أو يمدحوا أتباعهم نهائيا. أمَّا يسوع فيعطي كلَّ مَن يؤمن به روحه القدّوس، حياته الأبديَّة.
إنَّ جميع حكَّام العالم فانون. أمَّا يسوع فحيٌّ إلى الأبد.
إنَّ جميع الرُّؤساء والشَّياطين سيُدانون. أمَّا يسوع فهو ديَّانهم.
إنَّ يسوع أرحم وأقوى، على نحوٍ لا يقبل المقارنة، مِن جميع حكَّام هذا العالم. لا يقدر أحدٌ أن يُقارن نفسه بيسوع، بل على الأقل أن يخضع له ويحبّه ويسجد له. ولكن هذا هو ما يريد ضدّ المسيح أن يتجنَّبه في جميع الظُّروف. إنَّ أتباعه المتقسين يبغضون حَمَل اللهِ. وربُّنا ومُخلِّصنا ليس حاكماً متقلِّباً مزَّاجاً، بل حَمَلاً تألَّم لأجل الجميع وبذل ذاته لأجل الخطاة غير المستحقِّين. لم يعش الحَمَل الملوكي لأجل نفسه، بل أحبَّ النَّاس جميعاً وصالحهم مع الله القدّوس (2 كُوْرِنْثُوْس 5: 19- 21). ولكنَّ الملايين يصرفون النَّظر عن نعمته، فيرفضونه هو ونعمته معاً.
الصّلاة: أيّها الرّبّ يسوع المسيح، نسجد لك ونتهلل، لأنك تحبّنا، وخلصتنا من حيلة إبليس، وحررتنا من سلطة الموت، وغفرت ذنوبنا، وجعلتنا أولادا لله ألآب. نشكرك ونتمنى أن نخدمك حمدا لخلاصنا، ونترقب عودتك بإشتياق، لتكمل إنتصارك البهي، وتحرر العالم من حقد الشرير، وتعلن ملكوت محبتك وسلامك. آمين.

لم يكن ضدّ المسيح هو وحده قد جمع الملوك والرؤساء والمساعدين إلى جانبه، بل حَمَل اللهِ أيضاً المزمع أن يعود إلى عالمنا السَّاقط مع "المدعوِّين والمختارين والمؤمنين" (رؤيا 17: 14). وبما أنَّ الرّبّ القادر عَلَى كُلِّ شَيءٍ يأتي كحَمَلٍ وليس كأسدٍ، لن يحمل مرافقوه أيَّ سيوفٍ أو رشَّاشاتٍ أو أسلحة ليزر. ستكون أسلحتهم مزايا روحيَّة. سيكونون مختومين كلِّياً مِن حَمَل اللهِ. سيكونون قد سمحوا لأنفسهم أن يتحوَّلوا مِن ذئابٍ ضارية وثعالب ماكرة إلى حملانٍ وديعةٍ وأن يمارسوا التَّواضع واللُّطف. وألقابهم الفخريَّة الثَّلاثة ترمز إلى صفاتهم المميَّزة:
المدعوُّون كانوا أوَّلاً الذين دعاهم يسوع المسيح مِن عبادة الأوثان والآلهة في الهلِّينيَّة؛ ودعوتهم الرّوحية تتطابق و "الإكليسيا" ekklesia الدُّنيوية في الحضارة الهلِّينية التي كان عليها أن تُناقش وتُحدِّد في كلِّ مدينةٍ بصفة مجمع المواطنين والمختارين شؤون وشجون الشَّعب. وكان على "المدعوِّين" أنفسهم أن يتحمَّلوا عن القسم الأعظم التَّكاليف الماليَّة النَّاشئة عن قراراتهم. فكانوا يتحمَّلون المسؤولية عن باقي سكَّان المدينة ولأجل مصلحة جماعتهم المشتركة.
طبقاً لمثال "الإكليسيا" هذا لا تقدر كنيسة يسوع المسيح أن تكون عمل شخصٍ واحدٍ فقط حيث ينظِّم قسُّ أو راعٍ كلَّ شيءٍ بنفسه على هواه، بل توجد كنيسة حيَّة ومنتعشة مؤلَّفة مِن جميع الأعضاء الرَّاسخين في جسد المسيح العاملين معاً حيث كلُّ واحدٍ مسؤولٌ عن الآخر في المحبَّة والحقِّ.
في العالم الإسلامي أو في الشعب العهد القديم تعني "الدَّعوة بواسطة المسيح" لبعض المختارين فصلاً عن العشيرة والعائلة والمجتمع. لقد نقلهم روحٌ جديدٌ وزرعهم في كنيسة يسوع، في عائلتهم الجديدة. قد يكون أمراً موحشاً جداً لهؤلاء المختارين عدم وجود كنيسة تقوم بواجباتها بعد في مكان إقامتهم. ولا بدَّ لهم مِن معاناة الاضطهاد أحياناً.
المختارون هم المولودون ثانيةً الذين بواسطة إيمانهم الثَّابت تأكَّدوا مِن دعوتهم (رومية 1: 17). وتُلزمهم محبَّة المسيح أن يكونوا مبشِّرين وكذلك أن يكونوا فعَّالين اجتماعياً في الاهتمام والصّلاة والخدمة. الكنيسة الحيَّة هي جماعة مختارين يسعون إلى تحديد مشيئة ربِّهم والعمل بها متَّحدين ومنسجمين بالمحبَّة. كثيرون قد نقَّاهم ربُّهم بواسطة الألم وهؤلاء ينتظرون مجيئه.
ليس المختارون، بناءً على جهادهم ومنجزاتهم، قدِّيسين بلا خطيَّةٍ؛ بل إنَّهم بالتَّوبة والإيمان خدَّامٌ متمرِّسون سمحوا لأنفسهم أن يُدعَوا مِن قِبَل يسوع للألم والخدمة في الكنيسة والتَّبشير وفي إرساليات الخدمة. وهم في تحقيقهم عمل ربِّهم القيادي يُثبتون أمانتهم. وينطبق هذا على المصلِّين في الكنيسة وعلى الرَّاعي أيضاً وعلى النساء المختارات وعلى الرِّجال المساعدين. يمكن أن تتجسَّد محبَّة الرّبّ عمليّاً في كلِّ مَن يتوب توبةً صادقةً ويعترف بخطاياه ليسوع بانكسار وتواضع. في ذلك تبدو الحقيقة أنَّ الأوَّلين هم غالباً الآخِرون وأنَّ الآخِرون هم غالباً أوَّلون. بدون قداسةٍ بواسطة دم المسيح في قوّة روحه القدّوس لن يرى أحدٌ الرّبّ. إنَّ التَّركيز الدَّائم على يسوع معناه أنَّ روحه يسبر أغوارنا ويجذبنا باستمرارٍ حتَّى نتمكَّن مِن المشاركة في فرحة اختيارنا في المسيح. ومعيار نعمة الآب والابن والرّوح القُدُس الذي يتحقَّق في شخصٍ ما هو مقدار ما يختبره هذا الشَّخص مِن نكرانٍ يوميٍّ لِذَاتِه. يصبح المختارون أكثر شبهاً لربِّهم.
المؤمنون، كما هو مفهومٌ لغويّاً، هم الأمناء في اعتقادهم لأنَّ العبارة اليونانية pistis هي نفسها المستخدمة للإيمان. وقد يكون المقصود بهذا اللَّقب خصوصاً تكريم الشُّهداء الذين بقوا أمناء للمسيح حتَّى الموت. كان ربُّهم بالنِّسبة إليهم أهمَّ مِن حياتهم. واعتبروا صلة إيمانهم بيسوع أسمى مِن مصلحتهم وأمنهم. ربَّما خسروا كلَّ شيءٍ لأجل المسيح، ولكنَّهم بذلك ربحوه. قال يسوع لراعي الكنيسة الفقير نسبيّاً في سميرنا: كُنْ أَمِيناً إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ (رؤيا 2: 10).
هؤلاء هم الذين سيرافقون يسوع عندما يعود: مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ. لن يطلب الحمل محاربين واختصاصيين لمرافقته، بل شهوداً لغلبته. وهؤلاء محفوظون في الإيمان والرَّجاء والمحبَّة، وليس في العداء والسَّلب كالذين رافقوا بعض الأنبياء الكذبة. لأنَّ أتباع يسوع قد تخلَّوا عن قَدْرٍ كبيرٍ مِن شرفهم وأغراضهم الأرضيَّة أدخلهم الرّبّ في الشَّركة معه. فهم يختبرون الامتياز العظيم أن يكونوا مع حَمَل اللهِ وأن يتحوَّلوا إلى شبهه.
أيّ مجلس إدارة استشاري لكنيسة أو هيئة شيوخ مِن كنائس معيَّنة سيرافق
يسوع في وقتٍ ما في المستقبل عند مجيئه الثَّاني؟ هل سنكون نحن، كمقصِّرين وقد نلنا الغفران، معه؟ طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرّوح, لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ (متَّى 5: 3).
يحاول ضدّ المسيح أيضاً أن يحوِّل السَّاجدين له إلى شبهه. عند مجيء المسيح الثَّاني ستصطدم ثقافتان متضاربتان تماماً إحداهما بالأخرى. ولكنَّ النُّور يطرد الظَّلام. الفرح والطَّرب المتألِّقان في الذين تحرروا مِن مكر الشَّيطان وقوَّته سيغلبان بغضة الممسوسين بالخوف والارتياب.

الصَّلَاة
أيّها الآب السماوي، نشكرك ونحمدك، لأن إبنك الحبيب يسوع سيرجع إلى دنيانا كربّ الأرباب وملك الملوك، ليدين الأحياء والأمات، وليحرر العالم من المسيح الكذاب وأتباعه. ونشكرك أيضا لأن سيرفقونه المدعوون المخترون والأمناء في عودته، ليتضح إنتصاره الرّوحي بإبراز تغريرهم وتقديسهم بالنعمة. آمين.
السُّؤَال
ماذا تعني الرؤوس السبعة للوحش من البحر؟ لماذا لا نقدر ولا نريد أن نسجد لحكام الدول الدنيوية؟ من هم الملوك العشرة في الأيام الأخيرة وماذا يوحدهم؟ لماذا صار حمل الله المذبوح أقوى من جميع أبطال الدنيا؟ أي درجة من درجات إنتصار حمل ألله أدركت وإختبرت حسب الكتاب المقدس؟ ما هي الألقاب البارزة التي تؤكد لك أن المسيح هو رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ؟ أي صًفات سوف تظهر في مرافقي يسوع عند عودته؟