Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
6- ملاكٌ يُعلن مسبقاً: إنَّ بابل قد دُمِّرَت (رؤيا 18: 1- 3)
18:1ثُمَّ بَعْدَ هَذَا رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ نَازِلاً مِنَ السّماء, لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ. وَاسْتَنَارَتِ الأَرْضُ مِنْ بَهَائِهِ.2وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً, سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ, وَصَارَتْ مَسْكَناً لِشَيَاطِينَ, وَمَحْرَساً لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ, وَمَحْرَساً لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ,3لأَنَّهُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا قَدْ شَرِبَ جَمِيعُ الأُمَمِ, وَمُلُوكُ الأَرْضِ زَنَوْا مَعَهَا, وَتُجَّارُ الأَرْضِ اسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا.

يلقى خبر خراب بابل رضىً وارتياحاً في السّماء يعبَّر عنهما بتهاليل الظَّفَر حتَّى قبل أن تُباد هذه المدينة العالميَّة.
نزل ملاكٌ متألِّقٌ رفيع المقام مِن السّماء ودَنا مِن عالمنا المظلم بنور مجد قوَّته وسلطانه، فأنار بهاؤه وأشرق على أرضنا الصَّغيرة (رؤيا 18: 1).
صرخ الملاك البهيُّ معلناً الانتصار على بابل، هذا الإعلان النّبوي لحادثةٍ كانت قد وقعت (رؤيا 18: 2). وأمكن سماع صوته القوي في كلِّ وادٍ، وفي كلِّ كهفٍ، وحتَّى في أبعد مخابئ الأرض. لا يقدر أيُّ مخلوقٍ كان أن يحجب قوّة غضب الله المدمِّرة. كان الرّبّ قد أنبأ مسبقاً في إعلاناته لإِشَعْيَاء (إِشَعْيَاء 21: 9) وإرميا (إرميا 51: 8) بسقوط بابل مستخدماً صيغة الفعل التَّام الذي لا يقبل الجدل.
كان غضب الله قد حمي في ذلك الوقت على بابل المُشْرِكَة المستكبرة (إرميا 50: 2، 39) نتيجة ترفها الذي روَّج المجون الجنسي والخطيَّة، وفوق كلِّ شيءٍ بسبب إهلاكها الشَّعب اليهودي (العاصي) واستعباده. لقد طفح كيل خطيَّة هذه المدينة الشَّهيرة، فوقع عليها غضب الله غير المحدود.
كانت بابل عاصمة الكِلْدَانِيِّيْنَ قد دُمِّرت على يد الملك الفارسي قورش قبل أيَّام الرَّسول يوحنَّا بستمائة سنة (538 ق.م.). ولعلَّ يوحنَّا افتكر في رؤياه أنَّ "بابل" كانت تمثِّل روما وقياصرتها الذين دمَّروا أُوْرُشَلِيْم والهيكل الثَّاني عام 70 م. ففي فتوحات الرومان قُتل مئات الآلاف مِن اليهود، وكان الأحياء منهم يباعون ويُشترون بأسعارٍ زهيدةٍ في أسواق النّخاسة على امتداد الإِمْبرَاطُوْرِيَّة الرُّوْمَانِيَّة. ولقد رأى الرَّسول العجوز دينونة الله المحتومة تنصبُّ على روما وقياصرتها. فأعلن في رؤياه سقوط الإِمْبرَاطُوْرِيَّة الرُّوْمَانِيَّة الغربية الذي وُجدت مِن 395- 476 م. ونهاية القياصرة في "المدينة العظيمة". ولا تزال السَّنوات العديدة التي سبقت نهاية روما تتميَّز بالاضطهاد الدَّموي للمسيحيِّين إلى جانب البؤس الذي لا يوصَف الذي حلَّ بالكنائس المسيحية في الإِمْبرَاطُوْرِيَّة. لا بدَّ أنَّ شرَّ روما وحقدها قد طفحا.
كان إعلان ملاك الدَّينونة أنَّ النَّصر أكيدٌ موجَّهاً أيضاً إلى كلِّ قوّة أخرى معادية للسَّامية أو معادية للمسيحيَّة، سواء كانت الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة بحكمها البابوي المتواصل، أو عمليَّات القتل الجماعي والقائمين بها مثل هتلر وستالين وماو والخميني الذين اضطهدوا وقمعوا بوحشيَّةٍ كلَّ مَن خالفهم الرَّأي. كما تنطبق صرخة الدَّينونة والإنذار هذه على المفكرين وأصحاب البلايين مِن اليهود الذين يُلهمون القوى المعادية للمسيحية ويوجِّهونها بطريقةٍ غير مباشرةٍ. وتعني صرخة الملاك بصورةٍ مساويةٍ اللاهوتيين والسياسيين والكنائس والمحافل والأوساط المازجة بين الأديان والتي تُضلُّ الجماهير وتوحي بأنَّ إلى جانب يسوع ثمَّة طرقاً أخرى إلى الله، وحقائق أخرى، وتواصلاً للحياة بعد الموت حتَّى بدون روح المسيح.
كثيراً ما لا يتَّضح أيّ هذه القوى هو ضدّ المسيح، أو أيّها نبي كذَّاب، أو أيّها بابل الزَّانية، فالثَّلاثة جميعاً يعملون معاً وهم متَّصلون اتِّصالاً وثيقاً بعضهم ببعضٍ. وفي النِّهاية ستُدان جميع القوى المعادية للكتاب المقدَّس والتي تحارب الله وابنه ويُحكَم عليها. كلُّ تساهلٍ غير مؤسَّس على كلام الله مصيره الهلاك حتماً. لكن لا يحقُّ لنا أن نحتقر أو نرفض أو نضطهد الذين يخالفوننا الرَّأي وإلاَّ سقطنا نحن أنفسنا في الدَّينونة.
يُقال إنَّ الدُّكتور مارتن لوثر قد كتب في بحثه ضدّ الأتراك أنَّ الله في الإسلام وإيمان المسلمين المعادي للمسيحية لا تمكن محاربته بالأسلحة. إنَّ هذا الرّوح الغريب لا يخرج إلاَّ بالصّلاة والصَّوم (مرقس 9: 29). ينبغي أن نُغدق على أعداء الإنجيل المحبَّة والبركة. لقد مات المسيح عن جميع الخطاة، وعن الأتراك أيضاً، فخطاياهم وإيمانهم قد دينت بواسطة موته.

بغية فهم خراب بابل في سفر الرّؤيا بطريقةٍ أفضل، ينبغي أن نقرأ أوَّلاً
النُّصوص الواردة في إِشَعْيَاء 13: 19- 22 وإرميا 50: 1- 51، 46 في العهد القديم. فمِن نصوص العهد الجديد هذه أُخذ أكثر مِن 40 آية إلى رؤيا يوحنَّا حرفيّاً تقريباً. إنَّ دينونة الله لبابل بحسب العهد القديم هي نموذجٌ لجميع أحكام دينونة الرّبّ على الذين يمزجون الأديان بتسرُّعٍ، والذين يعملون على تدمير كنيسته. الكنيسة هي حدقة عينه، ذاته المولودة مِن الرّوح القُدُس. إنَّ دفاع الله عن كنيسته أشدُّ ضراوةً مِن دفاع اللَّبوءة عن صغارها.
قال ملاك الرّبّ إنَّ بابل المدينة الممتدَّة على ضفاف نهر الفرات الفسيحة قد صارت خربةً ومسكناً لشياطين وأرواح شرِّيرة وطيور آكلة الجثث (رؤيا 18: 2). لا يشعر أحدٌ بعد بالأمان في مكان غضب الله هذا. كانت هذه المدينة سابقاً تعجُّ بأفواج النَّاس في الأسواق وميادين الاحتفالات الدِّينية. أمَّا الآن فقد صارت مدينة الموت المدمَّرة هذه مهجورةً.
جرت في القرن العشرين محاولاتٌ للكشف عن هذه المقبرة الجماعيَّة التَّاريخية، حيث رُمِّم بعض الشَّوارع والمباني.
توصَف الخطية المهيمنة على هذه المدينة التي تصدم المرء، والتي استوجبت غضب الله المقدَّس، في سفر الرّؤيا 18: 3 "بشرب خمر غضب زناها". الافتتان المفرط والفجور الفاضح يعملان معاً على إفساد القيم الأخلاقيَّة. الدِّين الخالي مِن الرّوح القُدُس يحطُّ مِن مقام النَّاس ويهبط بهم إلى مستوى لا يليق حتَّى بالبهائم. ينبغي أن ندرس ونقرأ رومية 1: 18- 32 حتَّى نفهم حموَّ غضب الله العادل على انحلالنا الأخلاقي ومجتمعنا الوافر. يتبختر، في أيَّامنا هذه، عشرات الآلاف مِن اللُّوطيين والسِّحاقيات في شوارع مدننا الكبيرة لتُصوَّر لهم الأفلام، ويُصفِّق لهم رجال الدَّولة ويُرحِّبوا بهم. تنبّأ الشَّاعر الألماني فردريك هيلر في إحدى أغانيه الشَّعبية قائلاً:

حيثما يفيض الاعتداد بالنَّفس والإلحاد اللامبالي تنبثق جميع أنواع الخطية. في بعض البلدان يوزَّع الواقي الذَّكري مجَّاناً، وفي التَّعليم المدرسي للبنات يُستحسَن استعمال حبوب منع الحمل. لاَ تَضِلُّوا. اَللَّهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً (غلاطية 6: 7).
لقد كرَّست معظم الأمم نفسها للتَّقدم والازدهار، وهي مستعدَّةٌ لقبول مزج الأديان المتعدِّد الحضارات في سبيل تحقيق ذلك. إنَّ الشِّعار "السَّلام بأيِّ بثمنٍ" هو الرَّائج حتَّى وإن اقتضى هذا السَّلام المزعوم طمس ابن الله المصلوب. منذ انعقاد مجمع الفاتيكان الثَّاني تجتهد الكنائس والنَّاس في درس واحتمال وقبول الحقائق المزعومة في الأديان الأخرى، وهم لا يتمسَّكون بعد بصليب المسيح كالطَّريق الوحيد إلى الله. ويخشى بعض الزُّعماء السَّياسيين في مجتمعنا أن يشعر رجال السِّياسة والأعمال اليهود والمسلمون برادعٍ يردعهم عن العمل جنباً إلى جنب مع المسيحيين، فيشعروا أنَّهم ضحايا "محاباة وتمييز". في سبيل "السَّلام العالمي" تُفسد الأمم المتَّحدة والاتِّحاد الأوربي والمنظَّمات الأخرى الإيمان بيسوع ابن الله. وقد بدأت منظَّمة حقوق الإنسان العالميَّة بحجب قانون الإيمان الرَّسولي والتَّقليل مِن شأنه.
أدان الملاك بسلطانٍ مجيدٍ كلَّ ظهورٍ "لسبي بابل" في الكنيسة والمجتمع، وأكَّد لكلِّ قائد الصّلاة في مجتمعٍ متعدِّد الثَّقافات أنَّ دينونة الله وحَمَله المحتومة آتية. لا انسجام للمنطق البشري والاعتبارات السِّياسية مع خطَّة يسوع المسيح الخلاصيَّة. يُدرك كلُّ مَن يفهم دينونة بابل ماذا ستكون نهاية كلِّ مَن ينحرف عن الشَّريعة والإنجيل.
فوق ذلك أشار الملاك إلى أنَّ الخطيَّة لا تحدث في غرفةٍ محكمة السَّد فقط، بل ترتبط غالباً بالرّبّح المالي والمضاربة التِّجارية. ويلٌ للمتشبِّعين بالعقليَّة التِّجارية الذين يجنون ربحاً مِن سقوط بابل في الخطيَّة والذين يستخدمون وسائل الإعلام المعاصرة والإعلانات المثيرة للغرائز الجنسيَّة لتضليل الجماهير، لأنَّ دينونتهم ستكون رهيبةً حتَّى إنَّه خيرٌ لكلِّ واحدٍ منهم أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ (متَّى 18: 6؛ مرقس 9: 42؛ لوقا 17: 1- 2).

الصَّلَاة
أيّها الآب السماوي الحبيب،إنّ صبرك عظيم، وتسمح للشرّ أن ينضج وتتمنى أن الخير يتقدس. وتحكم على البحبوحة الزائدة وعلى اللذة المتعة وعلى الإتصالات بالأرواح، ولكن تبارك الإقتناع والتبرير بالمسيح والحياة بالرّوح القدس. نجّينا من مكر الشيطان ومن حيل أولاده. آمين.
السُّؤَال
لمذا يمنع اليهود والمسلمين والملحدين الخبر عن صليب المسيح والخلاص بروحه من الجرائد والتربية والمجتمع؟