Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
القسم الثَّالث: الدَّيْنُوْنَة الأخيرة
(رؤيا 20: 11- 15)

دينونة العالم بحسب الرُّؤْيَا
(رؤيا 20: 11)
20:11ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ.


لا نعلم هل بواسطة عاصفة ناريَّة على الشَّيْطَان وأتباعه الذين لا يحصون ستحترق الأرض كلُّها وتزول السَّماء بِضَجِيجٍ عظيمٍ وتذوب الأرض بحرارةٍ شديدةٍ كما ورد في نصٍّ آخر (2 بطرس 3: 7، 10؛ انظر أيضاً إِشَعْيَاء 24: 19- 20؛ متَّى 24: 29). يلتزم يُوْحَنَّا الصَّمت في المرَّة الأولى حول هذا الأمر. ولكنَّه يشير إلى تغيُّراتٍ كونيَّةٍ على نطاقٍ واسعٍ، أي كارثة في المجموعة الشَّمسيَّة. يختفي الضّوء والهواء والماء، ويجمع الموت كلَّ مَن لم يولَد ثانيةً. المولودون مِن الله وحدهم يغلبون العالم ويحيون في الأبديَّة. ينبغي أن نألف الحقيقة أنَّ العالم المعروف لدينا سيفنى تماماً. وكلُّ ما يبدو لنا نفيساً وضروريّاً سيزول. سيهلك جميع البشر والحيوانات والنَّباتات وتبيد الجبال. لذلك يقول يُوْحَنَّا: لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ... وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ (1 يُوْحَنَّا 2: 15، 17).
تتألَّف دينونة حَمَل اللهِ الأخيرة، بحسب سفر الرُّؤْيَا، مِن مراحل مختلفةٍ:
أوَّلاً سيُدان ضدّ المَسِيْح وأتباعه ويُطرحون في بحيرة النَّار.
ثمَّ يهلك الشَّيْطَان والجيش الذي حشده.
بعدئذٍٍ يُدان كلُّ مَن لم يرقد في يَسُوْع.
وأخيراً يهلك الموت وعالمه.
رأى يُوْحَنَّا الإنجيلي، في رؤيا قصيرةٍ، الدَّيْنُوْنَة الأخيرة التي يرتعد منها النَّاس والشَّياطين. تُدعى هذه الحادثة في القرآن، إلى جانب غيرها مِن العبارات، "يوم القيامة"، و"يوم الحساب"، و"يوم الدَّيْنُوْنَة"، و"يوم الدِّين" لأنَّ هذا اليوم يختصر الشَّريعة والنِّعمَة، الثَّمر الرُّوْحي والقلوب المتقسِّية. في هذه المحاكمة يُنفَّذ الفصل بين الأشرار والمقدَّسين. وهذه المحكمة هي محكمة الملاذ النِّهائي لجميع الكائنات ما بين السَّماء والأرض (عِبْرَانِيِّيْنَ 10: 25- 31).
رأى يُوْحَنَّا أوَّلاً عرشاً أبيض عظيماً أفخم مِن جميع العروش التي شاهدها. يُشير لونها الأبيض إلى برِّ وقداسة الدَّيان وملائكته اللَّذين لا تشوبهما شائبةٌ. ما مِن مناشدةٍ تقدر أن توقف سير الدَّيْنُوْنَة. أحكامها وقراراتها كاملةٌ وصالحةٌ ومقدَّسةٌ.
وعلى العرش جلس "واحدٌ" بتفوُّقٍ وجلالٍ، بسلطانٍ قضائيٍّ ومجدٍ ساطعٍ (رؤيا 1: 13- 16؛ 4: 2- 5 وآيات أخرى) وهذا ما أبكم الشَّيخ الوقور فلم يقوَ على لفظ اسم الدَّيان رغم أنَّه كان قد شهد بوضوحٍ له مِن قبل (يُوْحَنَّا 5: 22، 27؛ قارن دانيال 7: 13- 14؛ متَّى 25: 31- 46؛ أَعْمَال الرُّسُلِ 10: 42 وغيرها) وكان في أثناء خدمته عَلَى الأَرْضِ قريباً بخاصَّةٍ منه: كان يُوْحَنَّا التِّلميذ الذي أحبَّه يَسُوْع والذي كان كتابعٍ شابٍّ له ينام وهو متَّكئٌ على صدر ربِّه (يُوْحَنَّا 13: 23؛ 19: 26؛ 20: 2؛ 21: 7، 20). أمَّا مجد يَسُوْع ابن الإنسان فقد تجاوز نطاق الفهم البشري.
يرى بعض المفسِّرين أنَّ الجالس على العرش الأبيض هو الله، الخالق والحاكم المطلَق، أبو يَسُوْع المَسِيْح. ولكنَّ هذا يتعارض وأقوال يَسُوْع في الإنجيل. لقد دفع الآب لابنه كلَّ سلطانٍ فِيْ السَّمَاءِ وعَلَى الأَرْضِ (دانيال 7: 14؛ متَّى 28: 18؛ رؤيا 5: 1- 12 وغيرها) بما في ذلك الدَّيْنُوْنَة الأخيرة (متَّى 19: 28؛ 25: 31؛ يُوْحَنَّا 5: 22، 27؛ 6: 39؛ أَعْمَال الرُّسُلِ 10: 42 وغيرها). ولذلك لا يسعنا إلاَّ أن نعترف أنَّ "الدَّيَّان هو مُخلِّصُنا". القدُّوس هو فادينا. الجالس على العرش هو المصلوب المقام. وهو يقضي بانسجامٍ تامٍّ مع أبيه بحسب شهادته السَّابقة: أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَِنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي (يُوْحَنَّا 5: 30؛ 6: 38- 40). فيَسُوْع وأبوه واحدٌ، والذي رأى الابن فقد رأى الآبَ (يُوْحَنَّا 10: 30؛ 14: 9- 10؛ 17: 21- 23 وغيرها). يَسُوْع جالسٌ مع أبيه على العرش (رؤيا 3: 21) وكلاهما يملك ويقضي بوحدةٍ (أحاديَّة) تامَّةٍ في اليوم الأخير.
يقول يُوْحَنَّا في تقريره القوي: "مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ" (رؤيا 20: 11). مِن الدَّيان الذي على العرش الأبيض انطلقت قوَّةٌ عظيمةٌ. إنَّ جوهر الاسم إيلوهيم Elohim (اللهمَّ) هو "إيل El" الذي معناه "قوَّة". فإلهنا هو القوَّة الأصليَّة للوجود. قال المَسِيْح لتلاميذه: لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوْح القُدُس عَلَيْكُمْ (أَعْمَال الرُّسُلِ 1: 8). ولهذا السَّبب الآب والابن والرُّوْح القُدُس هم القوَّة المركَّزة للأبديَّة. وبناءً على ذلك تنبثق طاقةٌ روحيَّةٌ خارقةٌ مِن عيني الدَّيان الذي على العرش الأبيض. فأوَّلاً تبدأ الأرض الفاسدة بترك مدارها حول الشَّمس سريعاً، ثمَّ تتبعها النُّجوم والمجرَّات كلُّها. الخليقة تهرب مِن وجه خالقها كما سقطت الكائنات كلُّها وفسدت تحت سلطان رئيس هذا العالم. وفي هذا السِّياق تتمُّ نبوَّات إِشَعْيَاء وبطرس ويَسُوْع الدّراميَّة المثيرة (إِشَعْيَاء 24: 19- 20؛ متَّى 24: 29؛ 2 بطرس 3: 10 وغيرها). "السَّماء والأرض تزولان"، وهذا ما تنبَّأ به الرّبّ دون انفعالٍ (متَّى 24: 35؛ انظر أيضاً إِشَعْيَاء 51: 6). ستُدمَّر الأرض تماماً فلا يوجد بعد ذرَّة غبارٍ منها في الكون اللاَّمتناهي.
وبعد هذه الكارثة الكونيَّة لا يبقى بعد سوى الإنسان وخالقه الذي هو في الوقت نفسه فاديه وديَّانه. لا يقدر أحد أن يختبئ منه. ولا يقدر أحدٌ أن يُبقي على أملاكه و"حقوقه". لن يبقى في الوجود سوى الله ونحن. إنَّ نهاية العالم أقرب ممَّا نعلم.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الآبُ السَّمَاوِيّ، أنتَ الحياةُ التي لن تزول. حرِّرنا من رغبة البقاء في كياننا الدنيوي، لنعيش طوعاً في الحياة الأبدية الموهوبة لأتباع المسيح مجَّاناً. طهِّرنا كلِّياً بدمه الكريم، لكي لا يفصلنا ظلامٌ عن القاضي الأزلي، بل نثبت في مخلصنا الأمين، ونُحفظ في نعمته مع الذين يتكلون عليه. آمين.
السُّؤَال
كيف يوضح سفر الرؤيا نهاية الكون؟ كيف ينبغي أن نستعدَّ لزوال أرضنا؟