Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
3- أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة
(رؤيا 21: 2)
21:2وَأَنَا يُوْحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدةَ، نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا.


تعني أُوْرُشَلِيْم، مدينة السَّلام، بالنِّسبة إلى أكثريَّة اليهود أكثر مِن مجرَّد مدينةٍ. فأُوْرُشَلِيْم هي قلب شعب العهد القديم (مَزْمُوْر 137: 5- 6) المكان الذي يسكن الله فيه. ومِن هنا يؤمنون أنَّ المسيَّا بعد مجيئه سيملك على الأمم بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ (مَزْمُوْر 2: 9- 12). وحضور الله في المدينة المقدَّسة يعني لأعضاء العَهْد القَدِيْم الحماية والقوَّة وإتمام دعوتهم (زكريَّا 9: 9- 16). فبدون أُوْرُشَلِيْم يفقد معظم اليهود لبَّ كيانهم.
ولكنَّ أُوْرُشَلِيْم الأرضيَّة لن تدوم إلى الأبد، بل تزول مع الأرض الخاطئة. على مدينة أُوْرُشَلِيْم عبءٌ ثقيلٌ. لقد دعاها يَسُوْع بالقاتلة (متَّى 23: 37- 39). وقع غضب الله على هذه المدينة ليس أساساً بسبب صلب يَسُوْع الذي سومح أهلها عليه (لوقا 23: 34)، بل لأنَّ معظمهم رفضوا "وعد الآب" أو سخروا به (أَعْمَال الرُّسُلِ 2: 13؛ 8: 1؛ 9: 1؛ 12: 1- 3 وآيات أخرى). في عام 70 م. دمَّر الرُّومان أُوْرُشَلِيْم، فهُدم الهيكل ومُنع اليهود مِن دخول عاصمتهم مدَّة 1878 سنةً، أو بيعوا عبيداً في جميع أنحاء العالم.
وفي أيَّامنا هذه أيضاً، وبعد إقامة دولة إسرائيل سنة 1948 لم تصبح أُوْرُشَلِيْم مدينة سلامٍ بعد. لقد خُتم السَّلام الأبدي بين الله والنَّاس على الجلجثة، خارج أسوار المدينة، بدم يَسُوْع المَسِيْح؛ ولكنَّ أنبياء العَهْد القَدِيْم علموا قبلاً أنَّ جميع أمم الأرض ستنقضُّ في الأيَّام الأخيرة على أُوْرُشَلِيْم (زكريَّا 12: 1- 3) وتستولي على المدينة المقدَّسة وتنهبها (زكريَّا 14: 1- 5). ورأى يُوْحَنَّا أعمق مِن ذلك في المستقبل. نظر إلى ما وراء المدينة المبنيَّة بحجارةٍ صوب الأبديَّة فرأى أُوْرُشَلِيْم جديدةً تماماً نازلةً مِن السَّماء.
الصّلاة: اللَّهمَّ القدير، نتألم مِن البغضة والحروب حول العاصمة "أورشليم". لقد احتمل ابنك هناك عذاب الصليب، بْيدَ أنَّهُ سكب بعدئذٍ روحك القدّوس هناك على البشر، رغم سخرية بعض سكانها به. اغفر لجميع الذين اشتركوا في تدمير هذه المدينة. أعِدَّنَا للسلام الطاهر والبرّ الإلهي، لتحب أن تسكن فينا إلى الأبد. آمين.

أجاب يَسُوْع، بهذه الرُّؤْيَا للشَّيخ الجليل، عن العديد مِن الأسئلة الملحَّة لأعضاء كنيسته مِن اليهود المَسِيْحيين. فأُوْرُشَلِيْم القَدِيْمة المدمَّرة لن يُعاد بناؤها على هذه الأرض مِن قبل الله. ينبغي لهذه المدينة غير المقدَّسة أن تزول. كان هذا الإعلان صدمةً لجميع اليهود وأصدقائهم المتأصِّلين في أسفار العَهْد القَدِيْم.
رأى يُوْحَنَّا، بدلاً مِن ذلك، في رؤياه، مدينةً مقدَّسةً جديدةً نازلةً مِن السَّماء. لم يكن البشر هم الذين رفعوا هذه المدينة المجيدة صوب السَّماء كناطحات السَّحاب وأبراج التلفزيون، بل على العكس نزلت هذه المدينة المولودة مِن الرُّوْح مِن الأعالي، مِن عند الله، مِن السَّماء الجَدِيْدة. وكان يَسُوْع قد أشار مرَّاتٍ عديدة إلى هذا النُّزول مِن عند الله (يُوْحَنَّا 3: 31؛ 6: 33- 35، 41، 50- 51؛ وغيرها). إنَّ ما يأتي مِن عند الله ومنه هو وحده له صفة أبديَّةٌ.
كان بولس قد اعترف قبلاً أنَّ أُوْرُشَلِيْم الحقيقيَّة هي فوق عند الله (غَلاَطِيَّة 4: 26). بواسطة الرُّوْح القُدُس يتمتَّع المَسِيْحيّون المولودون ثانيةً، في أيَّامنا هذه، بحقِّ دخول هذه المدينة الفريدة (عِبْرَانِيِّيْنَ 12: 22- 24) الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ نفسه (عِبْرَانِيِّيْنَ 11: 10).
نزلت مدينة الله الجَدِيْدة مِن السَّماء مكمَّلةً. وبذلك لم يرَ يُوْحَنَّا هل لامست هذه المدينة الرَّائعة الأرض وأُدخِلَت فيها. فهذا لم يكن مهمّاً له. لقد أكَّد فقط على أنَّها نزلت مِن عند الله ليُبرز أهمية كون هذه المدينة المجيدة غير مشيدة بعناصر أرضيَّة، بل مولودة مِن الله (يُوْحَنَّا 1: 13؛ 3: 3؛ 1 يُوْحَنَّا 2: 29؛ 3: 9؛ 4: 7؛ 5: 18).

أدرك الرَّائي، إضافةً إلى ذلك، أنَّ المدينة المقدَّسة التي مِن السَّماء كانت كعروسٍ مزيَّنةٍ بانتظار عريسها. وكان يُوْحَنَّا قد تحدَّث قبلاً عن تزيُّن العروس للزَّواج مِن الحمل (رؤيا 19: 7- 9). تظهر هذه العروس كالمدينة المقدَّسة.
دعيت بابل الزَّانية أيضاً "المدينة العظيمة". ولسكَّانها اسم المدينة الشَّائنة مكتوبٌ على جباههم (رؤيا 17: 5). كذلك اسم أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة، المدينة المقدَّسة، محفورٌ على جباه سكَّانها (رؤيا 3: 12). ويحدِّد كلٌّ مِن هاتين المدينتين صفة سكَّانها. وبذلك تنتصب مدينة الله وحَمَله ومدينة الشَّيْطَان وضدّ المَسِيْح كلٌّ منهما مقابل الأخرى. ولكنَّ مدينة الله الطَّاهرة تثبت إلى الأبد، بينما تُدمَّر المدينة المملوءة رجساً في لحظةٍ وتندثر.
لم تكن مدينة الله التي نزلت مِن السَّماء تامَّةً في ذاتها، إذ إنَّها ما زالت فارغةً. فعريسها وربُّها ابن الله يريد أن يسكن فيها، والمائة والأربعة والأربعون ألفاً مِن اليهود المَسِيْحيين سيسكنون في هذه المدينة أيضاً مع المَسِيْحيين الذين لا يحصون مِن الأمم (غَلاَطِيَّة 4: 26؛ رؤيا 3: 12) ليؤلِّفوا معاً عَرُوس الحَمَلِ وجسده الرُّوْحي. إنَّهم يستجيبون لمحبَّته الرُّوْحية بشكرٍ عظيمٍ ويمنحون محبَّةً مخلصةً بالرُّوْح القُدُس (رومية 5: 5)؛ فتتمُّ شهادة يُوْحَنَّا السَّابقة: اَللهُ مَحَبَّةٌ وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ (1 يُوْحَنَّا 4: 16). طلب يَسُوْع في صلاته الكهنوتيَّة، كرئيس الكهنة، إلى أبيه أن يكون الذين يؤمنون به جميعهم وَاحِداً كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا... وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ (يُوْحَنَّا 17: 21، 26).

الصَّلَاة
نُعَظِّمكَ أَيُّهَا الآبُ السَّمَاوِيّ القدّوس ،لأنك أعلنتَ الكون الروحي الجديد بواسطة مَثَل أورشليم النَّازلة من السماء. إنَّك تريد أن تسكن بذاتك بين قديسيك المختارين، وليس أحدٌ منهم قديساً من تلقاء نفسه، بل قد صار مقبولاً عندك لأجل دم المسيح وقوَّة الروح القدس. وأنت في مجدك ستسكن بينهم وفيهم في أورشليم الجديدة. آمين.
السُّؤَال
لماذا قال يسوع إنَّ أورشليم لن تجد الراحة والسلام إلا بعدما يأتي هو؟ لماذا يقول الوحي إنَّ أورشليم الجديدة هي عروس الرّبّ العليِّ؟