Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
8- َعَبِيدُ الله سيَخْدِمُونَهُ ويَنْظُرُونَ وَجْهَهُ
(رؤيا 22: 3- 5)
22:3وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ اللهِ وَالْحمل يَكُونُ فِيهَا وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ.4وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ.5وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ لأَِنَّ الرّبّ الإِلَهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ

يكرِّر يُوْحَنَّا النَّبأ اللاَّهوتي المثير في الرُّؤْيَا ويخصُّه بالذِّكر: إنَّ عرش الله وحَمَله قائمٌ في وسط المدينة (رؤيا 22: 3). كلَّما ذكر سفر الرُّؤْيَا "حَمَل الله" يريد الرَّسُوْل أن يقول لنا: "ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاَّ بواسطة الحَمَل المذبوح". فالحَمَل هو السَّبيل الوحيد إلى الله، والحقُّ الصَّحيح، والمورد الذي لا ينضب للحياة الأبديَّة (يُوْحَنَّا 14: 6). الَّذِي أَحَبَّنَا وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ... لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ (رؤيا 1: 5- 6). فسفر الرُّؤْيَا إذاً يعود إلى بدايته. وشهادة دم الحَمَل تمضي في كلِّ مكانٍ مِن الرُّؤى حتَّى النِّهاية المجيدة. كُتب تسعاً وعشرين مرَّة عن الحَمَل في الأصحاحات الاثنين والعشرين لسفر الرُّؤْيَا، وخمس مرَّات عن دمه (1: 5؛ 5: 9؛ 7: 14؛ 12: 11؛ 19: 13). لا يُسمح لأحد، لا ليهودي ولا لمسلم ولا لهندوسي ولا لبوذي ولا لأيٍّ كان أن يدخل عرش الله إلاَّ بواسطة دم الحَمَل القدُّوس الذي سُفك عن جميع الخطاة (متَّى 26: 28؛ لوقا 22: 20؛ يُوْحَنَّا 6: 53-55؛ 19: 34؛ أعمال الرسل 20: 28؛ رومية 3: 25؛ 5: 9؛ 1 كُوْرِِنْثُوْس 10: 16؛ أفسس 1: 7؛ 2: 13؛ كولوسي 1: 20؛ 1 بطرس 1: 2،19؛ 1 يُوْحَنَّا 1: 7؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 9: 7،12،14،20،25؛ 10: 19،29؛ 12: 24؛ 13: 12،20؛ رؤيا انظر أعلاه).
فلنسجد للآب والابن بواسطة الرُّوْح القُدُس لأنَّ كلَّ نعمةٍ وبرٍّ إنَّما يأتيان إلينا بواسطة دم يَسُوْع المَسِيْح. لأَِنَّ بِهِ لَنَا (مَسِيْحيين مِن اليهود والوثنيين) كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ (أفسس 2: 18؛ انظر أيضاً 3: 12؛ 4: 16؛ وآيات أخرى). وهذا السِّر مؤكَّدٌ أيضاً بسفر الرُّؤْيَا. الله القدُّوس يعطي قدوماً إلى مجده كُرمى ليَسُوْع لنرى محبَّته الصَّالحة في داخل قلبه.
الصّلاة: أَيُّهَا الآبُ المتواضع، نُعَظِّمكَ ونكرمك، لأنَّ حَمَلك يسوع الوديع يجلس معك في عرشك المتعالي. إنّ دمه الطاهر هو حقُّنا للحياة الأبدية. بدونه لا نعرفك، ولا نقترب إليك. نُعظِّمك وحَمَلك لأنَّ دم كفارته يسمح لنا أن نأتي إليك ونخدمك. ساعد أولاد إبراهيم جميعاً على أن يُدركوا معنى دم المسيح الثمين المسفوك لأجلهم هم أيضاً ويقبلوه. آمين.

الله القدير، خالق السَّماء والأرض، الرّبّ العليم الذي يدعم ويحفظ كلَّ شيءٍ يستحسنه، هذا الإله يتبوَّأ العرش في مدينته المقدَّسة على نحوٍ مكشوفٍ وظاهرٍ. وهذا معناه أنَّ بواسطة دم المَسِيْح وروحه القدُّوس قد أُنجزَت خطَّة الخلاص. وعبيد الله سيخدمونه في الواقع بدون قبَّعاتٍ محكمةٍ ونظَّارات شمسيَّة. إنَّهم مقدَّسون بواسطة نعمته ولذلك لن يقتلهم ملء نوره (خروج 33: 20- 32؛ إِشَعْيَاء 6: 5). لقد أصبحوا أولاد نوره (أفسس 5: 8- 9).
يخدم عبيدُ الله طوعاً وبدافع الشُّكر والامتنان. إنَّهم ليسوا عبيد الصّلاة أو ديانةٍ كالمسلمين في الإسلام، بل أولاداً أحبَّاء لأبيهم الذي فِيْ السَّمَاءِ (رؤيا 21: 7)، وخدمتهم موافقةٌ لخدمة الكهنة الملوكيِّين أمام عرش الله (خروج 19: 6؛ إِشَعْيَاء 61: 6: 1 بطرس 2: 5، 9؛ رؤيا 1: 6؛ 5: 10؛ وآيات أخرى). طوبى لمَن عنده لائحة الصّلاة جاهزة على الطاولة بجانبه ليأتي، في أوقات الأرق والسُّهاد، بأسماء هؤلاء النَّاس وحاجاتهم أمام عرش الله. والأهمُّ مِن ذلك، في بعض الأحيان، أن نتحدَّث إلى الله عن أولادنا نحن، وبخاصَّةٍ إذا لم يرغبوا في سنِّ المراهقة في الإصغاء إلى والديهم. قد يحار كثيرٌ مِن السَّاسة وعلماء الاجتماع لأنَّ قلَّةً قليلةً فقط مِن المؤمنين المصلِّين الكهنوتيين يواصلون الصّلاة لأجلهم. إذا كنت تشكو مِن قسِّك أو راعي كنيستك فممكنٌ أنَّك أوَّلاً تشكو مِن نفسك لأنَّ راعي الكنيسة يحتاج إلى شفاعةٍ مخلصةٍ. إنَّ مَن يمارس الشَّفاعة لأجل الآخرين والشُّكر والإيمان عوضاً عن الآمحتاجين يُعِدُّ نفسه لخدمة الكهنة المختارين أمام عرش الله.
لا تقتصر خدمة عبيد الله على الاهتمام الرُّوْحي بالأقارب والأصدقاء، بل ترتكز أيضاً على عبادة الله المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ. مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ الْفَمُ (متَّى 12: 34؛ لوقا 6: 45). إن أحببتَ الله مِن كلِّ القلب فستشكره وتعبده أيضاً. إنَّ تسابيح الكنائس هنا عَلَى الأَرْضِ هي غالباً موحى بها مِن السَّماء. وأجزاءٌ عديدةٌ مِن ترانيم مارتن لوثر، أو بول جيرهارد، أو جيرهارد تيرستيجن، أو فيليب فريدريك هيلر ليست مِن تأليف إنسانٍ، بل هي مِن وحي الرُّوْح القُدُس. فكم بالحريِّ تُردِّد معرفة الآب والابن في واقعهما المجيد مِن صدى عبادةٍ وفرحٍ وشكر! قد يهزُّنا الابتهاج القوي للأجواق السَّمَاوِيّة طرباً لتسبيحٍ دائمٍ لله لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ (أفسس 1: 6، 12، 14؛ وآيات أخرى).
لن يُقدَّم هذا التَّسبيح عَلَى الأَرْضِ الجَدِيْدة إلى الله الآب فقط، بل إلى الحَمَل أيضاً. يتحدَّث الأصحاح 22: 3- 5 عن الله وحمله. أمَّا الضَّمائر التَّابعة فهي في صيغة المفرد، لأنَّ الشَّخصين واحدٌ (يُوْحَنَّا 10: 30). لا تقبل أذهاننا أن نخاطب شخصين وكأنهما شخصٌ واحدٌ، ولكن هذا هو بالضَّبط الواقع الرُّوْحي الذي يستنكره كثيرٌ مِن اليهود والمسلمين. مِن الصَّعب على مَن لم يولَد ثانيةً أن يُدرك وحدة الله في ثالوثه (يُوْحَنَّا 14: 8- 11؛ 17: 20- 23؛ 1 يُوْحَنَّا 2: 21- 25؛ 4: 1- 6).
الصّلاة: نشكرك أَيُّهَا الآبُ السَّمَاوِيّ، ونحمد حَمَلك المذبوح لأجل خلاص الخطاة، ونُعظِّم محبتك وقداستك، صبرك وأمانتك. لولا الآب والابن والروح القدس لما كنَّا شيئاً يستحقُّ الذِّكر. اجعل حياتنا حمداً لمجدك ورحمتك، وخلِّص جميع الذين نُصلِّي لأجلهم، ليمتلئوا بنعمتك ويحمدوك بفرحٍ. آمين.

سينظر عبيد الرّبّ وإماؤه الذين يخدمون ككهنةٍ وجهه، وجه الآب والابن المتشابهين تماماً (يُوْحَنَّا 14: 9). لا يوجد في الأبديَّة أصلاً رجالٌ ونساءٌ، كما هو مكتوبٌ: لأَِنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِيْ السَّمَاءِ (متَّى 22: 30)، فالأدقُّ إذاً أن نتحدَّث عن الجنسين كليهما بصيغة المفرد. ينهار حلم الجنَّة في الإسلام كبيتٍ مِن ورق اللَّعب في ضوء هذا التَّأنيب ويتحوَّل إلى كذبةٍ أوحى بها أبو الأكاذيب. إضافةً إلى ذلك، كشفت كلمة الرّبّ النِّقاب عن الدَّعوة إلى إعطاء النِّساء مزيداً مِن الحقوق والأعمال تحت ستار المساواة بين الجنسين وأظهرَت أنَّها تعليمٌ فاسقٌ.
إنَّ موضع اهتمام السَّاجدين المتعبِّدين وتركيزهم ليس أنفسهم، وهم لا يلتفتون حولهم، بل ينظرون وجه أبيهم. طوبى للذي يسجد أمام وجه الجودة الإلهيَّة ويتمتم كالابن الضَّال: أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا (لوقا 15: 21). لا يحتاج مَن اعترف اليوم بخطاياه على هذا النَّحو، وأقام فيه روح التَّوبة، إلى ترديد هذه الكلمات في الأبديَّة؛ فسوف يختبر أنَّ الآب سيُغطِّيه برداء البر ويأخذه إلى وليمة القدِّيسين المبرَّرين (لوقا 15: 11- 32).
إنَّ للعبارة "سينظرون وجهي" معنى خاصّاً عند اليهود واليهود المَسِيْحيِّين. نقرأ أكثر مِن خمسين مرَّة عن وجه الرّبّ في أسفار العَهْد القَدِيْم (تكوين 3: 8؛ 32: 31؛ خروج 33: 11، 14، 20، 23؛ 2 صَمُوْئِيْل 21: 1؛ 2 أخبار الأيَّام 30: 9؛ مَزَامِيْر 11: 7: 11؛ 42: 3؛ 51: 13؛ 90: 8؛ 95: 2؛ 139: 7؛ 140: 14؛ إِشَعْيَاء 50: 6؛ 54؛ 8؛ حزقيال 39: 29؛ وآيات أخرى). صلَّوا قبلنا بزمنٍ طويلٍ، متَّكلين على الله، أدعية هرون ورجوا تحقُّقها:

حين جاء المَسِيْح إلى عالمنا أصبح وجه الله المحجوب منظوراً. هل تريد أن تعرف كيف يبدو الله؟ تعرَّف إذاً إلى يَسُوْع كما هو معلَنٌ لنا في العَهْد الجَدِيْد (يُوْحَنَّا 14: 9). على جبل التَّجلي وفي بداية الرُّؤْيَا التي تلقَّاها يُوْحَنَّا أشرق وجه يَسُوْع مثل الشَّمس (متَّى 17: 2؛ رؤيا 1: 16). ولكنَّ أعداءه لم يُدركوا المحبَّة القُدْسِيّة في عينيه: حِيْنَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ (متَّى 26: 27). أمَّا يَسُوْع فسأل أباه المغفرة بسبب هذا التَّجديف.
كتب رسل المَسِيْح عن وجه الله مرَّاتٍ عديدةً، أحياناً بفرحٍ، وأحياناً أخرى بخوفٍ (1 كُوْرِِنْثُوْس 13: 12؛ 14: 25؛ 2 كُوْرِِنْثُوْس 3: 7، 13، 18؛ 4: 6؛ 2 تَسَالُوْنِيْكِي 1: 9؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 9: 24: رؤيا 6: 16؛ 20: 11). بالطَّريقة نفسها كما تقرأ أحياناً في وجه وعيني إنسانٍ موقفه وتفكيره (متَّى 6: 22- 23)، هكذا وعلى مستوى أعلى يكشف وجه الله رضاه أو غضبه، قداسته ومحبَّته، مجده وأيضاً دينونته. يعني وجه الله داخله، ذاته. ينظر العبيد الخادمون ككهنةٍ والملائكة الحرَّاس كلَّ مرَّةٍ وجه أبي يَسُوْع المَسِيْح فِيْ السَّمَاءِ وفي أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة (متَّى 18: 10؛ رؤيا 22: 4) وهكذا يتحوَّلون إلى صورته ومجده (1 يُوْحَنَّا 3: 2).
هذا هو قصد تاريخ الخلاص. سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ وَيَكُونُ إِلَهًا لَهُمْ وُهُمْ يَكُونُونَ
شَعبَهُ وَأَولادَهُ (رؤيا 21: 3، 7). إنَّ كلَّ مَن يخدم الله بوضعيَّة السُّجود سينظره كما هو. وصف بولس هذا السِّر كما يلي: فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيتِ اللهِِ. مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَيَسُوْع المَسِيْح نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرّبّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا مَسْكَنًا لِلَّهِ فِي الرُّوْح (أفسس 2: 19- 22).
الصّلاة: أَيُّهَا الآبُ الذي في السَّماء، قال ابنُك: " اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ". نُعَظِّمكَ إذ نرى في ابنك محبَّتك وصبرك وقداستك ورحمتك وتواضعك ووداعتك وحقَّك وأمانتك. ولك كابنك وجهٌ حنونٌ منحنٍ إلى المساكين والفقراء والبسطاء والخطاة. وكابنك أيضاً تُعزِّي الحزانى وتُخلٍِّص الضالين وتُقدِّس الذين يأتون إليك - مثلنا. آمين.

سيعطي الله الذين يخدمونه شكلاً معيَّناً. سيُحفَر اسم الرّبّ بالنَّار على نحوٍ منظورٍ في جباه الذين سلَّموا حياتهم بأمانةٍ له كي يخدموه. نجد بالنِّسبة للحيوانات أنَّ العلامة المميِّزة لمالكها هي الوسم الذي تُدمَغ به. أمَّا الأولاد فيُمكن رؤية العوامل الموروثة مِن والديهم وأجدادهم في وجوههم. قال المَسِيْح عن نفسه: رُوحُ الرّبّ عَلَيَّ لأَِنَّهُ مَسَحَنِي (لوقا 4: 18). لقد اتَّخذ الابن شكلاً معيَّناً تماماً مِن قبل أبيه والرُّوْح. إنَّه امتياز عبيد المَسِيْح المنكسرين أن يكون اسم الآب واسم أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة واسم يَسُوْع المَسِيْح مكتوبةً عليهم (رؤيا 3: 12). وضدّ المَسِيْح أيضاً سيحفر اسمه في جباه أتباعه بواسطة نبيِّه الكذَّاب كعلامةٍ خارجيَّةٍ لاستحواذهم الدَّاخلي. فيُرى مِن بعيدٍ كلُّ إنسانٍ ابن أيِّ روحٍ هو (رؤيا 13: 16- 17). كان لبابل الزَّانية أيضاً اسمها منظوراً على جبهتها ليعرف الجميع مَن هي وما يُمكنها أن تقدِّم (رؤيا 17: 5).
ينبغي لكلِّ واحدٍ أن يُفكِّر ما هو الاسم المحفور على جبهته. مِن المستحيل أن يكون محفوراً اسمان أو ثلاثة. ينبغي أن نحسم أمرنا لصالح ربٍّ واحدٍ كلِّياً وإلى الأبد. يحمل الكهنة الملوكيون الذين أمام عرش الله اسم الله المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ على جباههم. الاسم نفسه يُنطَق به على المَسِيْحيين عندما يعتمدون. مَن يعرف المغزى العميق لهذا الامتياز؟
الصّلاة: أبانا الذي في السَّماواتِ، نتهلل ونشكرك لأنَّك جمعتَنا وأدخلتَنا إلى أسرتك السَّمَاوِيّة، ونحن خاصَّتك وملكك. اغفر لنا إن لم نسلكْ كما يليق لقداستك، وقَدِّسْنَا إلى التَّمَامِ لكي لا نشين اسمك الأبوي. نُعظِّمك لأنَّ اسم الآب والابن والرُّوح القُدُس وُضع علينا أثناء معموديتنا، ونلتمس منك أن تُحقِّق معاني هذه الأسماء فينا. آمين.

أكَّد يُوْحَنَّا مرَّةً أخرى أنَّه ستكون ثمَّة تغيُّراتٌ كونيَّةٌ جذريَّةٌ في أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة. وينبغي ألاَّ نُخطئ فنطبِّق المعايير الأرضيَّة على الوجود المقبل. فِيْ السَّمَاءِ الجَدِيْدة وعَلَى الأَرْضِ الجَدِيْدة يسكن البِرُّ والقداسة والمحبَّة والحقُّ. ولن يكون هناك ظلامٌ ولا ظلمٌ ولا كذبٌ ولا نجاسةٌ. وكعلامةٍ خارجيَّةٍ للتَّجديد الدَّاخلي سيُصبح التَّغيير الكوني منظوراً. لا يوجد النِّظام الشِّمسي بعد، فلا حاجة للشَّمس والقمر بعد. يُشرق الرّبّ الإله وحَمَله بضياءٍ يفوق جميع الأجرام السَّمَاوِيّة السَّابقة. يُشرق مجد الرّبّ على عبيده وبواسطتهم، فيُنيرهم ويجعلهم أنوار العالم، كما يَسُوْع نفسه هو نور العالم (متَّى 5: 14؛ يُوْحَنَّا 8: 12).

عندما كتب يُوْحَنَّا أنَّ كهنة الله الملوكيَّين سيملكون في حكومته الدِّينية الجَدِيْدة، لم يُعلن بذلك أنَّهم سيتسلَّطون على الآخرين ويضطهدونهم. فالمَسِيْح لم يُجبر أحداً بالقوَّة على الإيمان به أو إطاعته، بل أظهر للجميع وعوده ووصاياه بكلِّ وضوحٍ حتى يتمكَّن كلُّ واحدٍ مِن أن يُقرِّر مصيره بنفسه.
أُعطي آدم وحوَّاء سلطاناً على السَّمَك والطَّير والبهائم، ولكن ليس على البشر. وكان عليهما الحفاظ على الخليقة القَدِيْمة (تكوين 1: 26- 28)، ولكنَّهما بعصيانهما أتيا بالموت والخراب على كلِّ مَن كان دونهما مرتبةً.
عرَّف يَسُوْع حكم عبيده كما يلي: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ، بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا. كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدُمَ وَلِيَبْذُلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ (متَّى 20: 25- 28).
بواسطة هذا الإرشاد وهذه الوصيَّة اتَّخذ يَسُوْع خدمته وتواضعه هو معياراً ووصيَّةً لأتباعه. أوصاهم أن يكونوا خدَّاماً وليس أسياداً. وإضافةً إلى ذلك قال الرّبّ: مُعَلِّمُكُمْ وَاحِدٌ المَسِيْح وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ (متَّى 23: 8: 10). وبين الإخوة ينبغي عمل كلِّ شيءٍ بالمحبَّة والحقِّ.
ولكن محبَّة يَسُوْع ليست سهلة الانقياد وسطحيَّةً، بل قد تصبح صلبةً كالفولاذ في صدقها كما ترى في ويلاته على الفريسيين والكتبة (متَّى 23: 13- 33). وحتَّى يملك عبيد الله المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ بحسب حقِّ المَسِيْح وبمحبَّته سيقودهم الرُّوْح بصبرٍ عظيمٍ ليتمكَّنوا مِن تنفيذ تعليمات ربِّهم ووصاياه. وبفعل ذلك يتحقَّق ما يلي: طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَِنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ (الجَدِيْدة) (متَّى 5: 5).
لا توضَع تعليمات خدمة ابن الله موضع التَّنفيذ إلى حينٍ، وهي ليست ناشئةً عن ظروفٍ سائدةٍ، لأنَّ يُوْحَنَّا سمع عن عبيد الله أنَّهم سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. ومعنى "إلى أبد الآبدين" دائمٌ، لا يحدُّه زمانٌ، بدون نهايةٍ وبدون بدايةٍ. إنَّ عبيد الله هم أولاده المولودون بواسطة روحه، وجميعهم شركاء في أبديَّته. الله وحده يحيا إلى أبد الآبدين، فجميع الأشياء الأخرى لها منشأ وهي مخلوقة. عندما يملك عبيد القدُّوس المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ "إلى أبد الآبدين" فإنَّهم يملكون هكذا لأنَّ الله قد أعطاهم صفته المميزة الأصيلة: "الأبديَّة".
إذا كانت الأبديَّة تعني "دهراً طويلاً" أو "حقبةً"، فمعنى "مِن دهرٍ إلى دهرٍ"، أو "إلى أبد الآبدين" على التَّوالي هو عبورٌ مِن حقبةٍ لا نهاية لها إلى حقبةٍ أخرى لا نهاية لها. الإنسان عَلَى الأَرْضِ محدودٌ بالمكان والزَّمان، ويحتاج لتفكيره إلى مثل هذه الوسيلة اللغوية المساعدة لتقريب سرِّ الأبديَّة. أمَّا الله فهو ليس محدوداً بهذه التَّقييدات الوضعيَّة. إنَّه ليس مقيَّداً بالزَّمان، بل يحيا إلى أبد الآبدين مع أولاده (يُوْحَنَّا 15: 19؛ 17: 14؛ 1 يُوْحَنَّا 4- 4- 6؛ وآيات أخرى).

الصَّلَاة
أبانا، نُعَظِّمكَ، لأنَّك أبونا وقد سمحت لنا أن نصير أولادك. نشكرك لأنَّ ابنك المَسِيْح طهَّرنا مِن جميع آثامنا. ونبتهج لأنَّ الرُّوْح القُدُس هو الحياة الأبديَّة فينا. ساعدنا على أن نكون عبيدك السُّعداء في الشُّكر لأجل الامتياز الذي أعلنته لنا. قُدنا لنجد الذين أسماؤهم مكتوبةٌ في سفر حياة الحَمَل، كي نخدمهم باسم ابنك، فلا يفقد أيٌّ منهم حقَّه في الميراث. آمين.
السُّؤَال
لماذا صار الإيمان بدم المسيح الطريق الوحيد إلى الله؟ لماذا الثلاثة واحدٌ في سرّ اللاهوت الأبدي؟ صف وجه الله حسب معرفتك وإيمانك! أي اسم غير منظور نُقِش على جبينك؟ كيف سيملك عبيدُ الرّبّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ؟