Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
القسم السَّادس: ضمانة يَسُوْع المَسِيْح لتحقيق نبوءاته
(رؤيا 22: 6- 21)

1- الإعلان أمينٌ وصادقٌ
(رؤيا 22: 6- 9)
22:6ثُُمَّ قَالَ لِي هَذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَالرّبّ إِلَهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا.7هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هَذَا الْكِتَابِ8وَأَنَا يُوْحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هَذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ خَرَرْتُ لأَِسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هَذَا.9فَقَالَ لِيَ انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ. لأَِنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هَذَا الْكِتَابِ. اسْجُدْ لِلَّهِ.


أكَّد ملاك الوحي ليُوْحَنَّا الرَّائي أنَّ أقوال سفر الرُّؤْيَا ستتحقَّق تماماً، فرؤى ونبوءات الدَّيْنُوْنَة والأمجاد المُعدَّة ليست أحلاماً أو حكايات رعب غير مؤكَّدة، بل رموزاً لأحداثٍ وتطوُّراتٍ حقيقيَّة ينبغي أن تقع حقّاً. ستُنفَّذ خطَّة خلاص الله بكلِّ دقَّةٍ. وكلُّ ما رآه الرّبّ العليم مسبقاً وقرَّر أن يفعله بحكمته ورحمته سيحدث حتماً.
كان يُوْحَنَّا قد رأى بنفسه رؤيا أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة الضَّخمة المبنيَّة مِن الذَّهب والجواهر وسمع وعود الله العظيمة التي شهد بواسطتها لحضوره المكشوف مع عائلته الكنيسة. بَيْدَ أَنَّ الفهم التَّام لهذا الإعلان تجاوز نطاق عقله البشري. ينبغي تفسير هذه الصُّور بواسطة نعمة الرُّوْح القُدُس وإلاَّ بقيَت واهنةً كأصدافٍ جميلةٍ فارغةٍ. لذلك أكَّد الملاك ليُوْحَنَّا في المقطع الأخير للرؤى الأخيرة: هَذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ (رؤيا 19: 9؛ 21: 5؛ 22: 6؛ انظر أيضاً 3: 7؛ 15: 7؛ 19: 2؛ وآيات أخرى).
لا تنطبق ضمانة الملاك على الخليقة الجَدِيْدة للسَّماء والأرض فقط، بل على جميع أقوال سفر الرُّؤْيَا الأخرى أيضاً (رؤيا 22: 7، 9، 18- 19؛ وآيات أخرى). وشهادته على صلةٍ وثيقةٍ بالموضوع وهي تُكذِّب الهازئين أو السَّاخرين بأقوال إعلان المَسِيْح. ثمَّة شدَّةٌ مقدَّسةٌ ومحبَّةٌ أبديَّةٌ في السِّفر الأخير للكتاب المقدَّس تختصران جميع الأسفار السَّابقة.

قرأنا في بداية سفر الرُّؤْيَا أنَّ الرُّوْح القُدُس يظهر كجمعٍ مِن الأرواح. وقد أعلن نفسه في صورة سبع مناير أمام عرش الله (رؤيا 1: 4، 12- 13، 20؛ 2: 1؛ 3: 1؛ 4: 5؛ 5: 6). وبذلك تأكَّدت لكلِّ واحدٍ مِن رعاة الكنائس السَّبعة قوَّة الرُّوْح القُدُس. وينطبق هذا نفسه أيضاً على جميع كنائس العالم، حيث إنَّ الرَّقم سبعة لا يشير إلى الكنائس الحقيقية السَّبع فقط، بل إلى العدد الإجمالي لجميع الكنائس أيضاً (رؤيا 1: 4؛ 4: 5).
ترمز أعين حَمَل الله السَّبع وقرونه السَّبعة إلى علمه الكلي وقدرته الشَّاملة وعلم الرُّوْح القُدُس الكلي وقدرته على حدٍّ سواء (رؤيا 5: 6). وتتحدَّث صيغة الجمع في النَّص اليوناني للرُّؤيا 22: 6 (أرواح الأَنْبِيَاءِ) عن موهبةٍ روحيَّةٍ خاصَّةٍ تُعزى إلى الرّبّ وتوهَب منه لكلِّ واحدٍ مِن شهود المَسِيْح المدعوِّين وهي متأصِّلةٌ في الرُّوْح القُدُس نفسه وواحدةٌ مِن فعالياته العديدة.
لا يعمل الرُّوْح القُدُس ويخدم وحيداً ومنفصلاً، بل يخضع للرّبّ الإله كما كرَّم يَسُوْع أباه دائماً: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَِنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ (يُوْحَنَّا 5: 19). إنَّ أقانيم الثَّالُوْث الأَقْدَس الثلاثة المستقلَّة بذاتها متواضعةٌ في الصَّميم بحيث لا يعمل أيٌّ منهم على نحوٍ منفصلٍ عن الآخر، بل دائماً في وحدةٍ وانسجامٍ تامَّين بعضهم مع بعض. وإلهنا إلهٌ متواضعٌ مملوءٌ محبَّةً مقدَّسةً. وهو يريد أن يولد فينا أيضاً صفاته المميزة.
أرسل الرّبّ ملاكه إلى الرَّسُوْل المنفيِّ ليُعلن له الأحداث التي ستقع على الكنائس وعلى الفجَّار. ولم يجزم الشَّيخ الجليل بأنَّ الرُّؤى عن المستقبل قبل أُظهرَت له وحده، بل شهد بوضوحٍ أنَّ عدَّة عبيدٍ للرّبّ في العَهْدين القَدِيْم والجَدِيْد قد تلقّوا إعلاناتٍ ورؤىً ووحياً مِن ربِّهم. وهكذا خدم يُوْحَنَّا بتواضعٍ وأنكر نفسه ليُقدِّم التَّكريم كلَّه لربِّ أرواح الأنبياء.

سواء كان الملاك هو الذي نقل رسالةً عاجلةً مِن ربِّه إلى يُوْحَنَّا بعد هذه المقدّمة، أو الرّبّ نفسه خاطب الشَّيخ الجليل قائلاً: هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا؛ إنَّ هذه الصَّرخة المحذِّرة هي الموضوع الحقيقي لسفر الرُّؤْيَا كلِّه. يظهر هذا الإعلان الخاص المثير ثلاث مرَّاتٍ في القسم الختامي مِن سفر الرُّؤْيَا كي نُدرك أخيراً: أنَّ الرّبّ سيعود حقّاً. سيأتي بالتَّأكيد. سيأتي سريعاً وحالاً. فهل نحن ننتظره؟ هل نستعدُّ لمجيئه؟ هل نترقَّب بشوقٍ وصوله؟ هل نشتاق إليه؟ هل هو غاية حياتنا، أم أنَّنا نسعى دائماً خلف المال والشَّرف؟ تشاء هذه الصَّرخة أن تقودنا إلى التَّوبة والفرح وترتيب حياتنا كلِّها.
يستخدم الرّبّ في هذا المقطع ضمير المتكلِّم (سواء كان منفصلاً أو متَّصلاً) سبع مرَّاتٍ، ولكن ليس بداعي الاستكبار أو الأنانية، بل لنُدرك أنَّ ما مِن أحدٍ في هذه الدُّنيا أهمّ مِن يَسُوْع. على ضميره المتكلِّم "أنا" يقوم مستقبلنا. فيه ملء البركات والقوَّة والحياة الأبديَّة وجميع أعمال الله. فإذ يقول "أنا" نعلم أنَّه حيٌّ، وأنَّه يجعلنا نحن (الذين يخاطبنا بقوله: أنتم) خاصَّته. إنَّه يشتاق إلينا ويُريد أن يلتقي وإيَّانا عاجلاً وسريعاً.
يُشجِّعنا هذا النِّداء المنبِّه بمجيء يَسُوْع سريعاً على تأمُّل أقوال النُّبوءة في سفر رؤيا يُوْحَنَّا وعلى حفظ فحواها غيباً حتَّى لا نُفاجأ بأحكام دينونة الحَمَل ولا بجامات غضب القدير. يريد الرّبّ أن يحمينا مِن مكر ضدّ المَسِيْح وزانيته المخادعة بابل. يقول طوبى لكلِّ مَن يواجه قضايا العالم بفعالية ويقظة روحيّتينٍ غير غافلٍ عن نداء الرّبّ.

كان يُوْحَنَّا قد ذكر أوَّلاً أيضاً أنبياء آخرين مِن العَهْدين القَدِيْم والجَدِيْد إلى جانب نفسه كمتلقِّين للإعلانات. وإضافةً إلى ذلك جعل الرّبّ قوله: "هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا" منقوشاً كختم الحقيقة في سفر الرُّؤْيَا. والآن يُوْحَنَّا نفسه مستعدٌّ أن يشهد في صيغة المتكلم المفرد أنَّه مسؤولٌ عن فحوى هذا السِّفر. لقد سمع بنفسه وبكلِّ دقَّةٍ جميع الإعلانات التي كتبها في هذا السِّفر، ووصف بأمانةٍ الرُّؤى المرعبة إضافةً إلى الرُّؤى المعزِّية. فأكَّد الرَّائي بهذه الشَّهادة سلطانه بوصفه رسول يَسُوْع المَسِيْح الأخير الذي ما زال حيّاً ليشهد لمنشأ سفره الإلهي.
بالنَّفَس عينه اعترف الشَّيخ الجليل بخطئه أنَّه وهو مأخوذٌ بسلطان ومجد وبهاء ملاك الوحي جُرِّب ثانيةً بالسُّجود له (رؤيا 19: 10). وإذ كان الملاك سفيراً لله وليس مِن مصدرٍ شيطاني، رفض للتَّو كلَّ نوعٍ مِن أنواع السُّجود للملائكة، وشهد أنَّ الله وحده مستحقٌّ السُّجود. وقال الملاك، في الوقت نفسه، إنَّه عبدٌ لله. ودعا نفسه عبداً مع جميع الأنبياء وجميع المؤمنين الذين يحفظون نبوَّات الله ويستظهرونها ويتأمَّلونها في قلوبهم ويُخبرون بها الآخرين ويعيشون بحسب خطَّة خلاص الله المُعلنَة. وجَّه الملاك والرَّسُوْل يُوْحَنَّا كلاهما قلبه كلِّياً إلى الرّبّ وأرادا أن يُعلنا ويكتبا مشيئته.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرّبّ يسوع المسيح، نشكرك لأنَّك أرسلت الملاك إلى رسولك يوحنا في سجن الاستجواب على جزيرة بطمس، ليعلن له سفر رؤيا يوحنا، وليؤكِّد لنا أنّ كل كلمة فيه هي حقٌّ مبين. ونحمدك أيضاً لرسالتك الخاصة الضرورية، أنك تأتي سريعاً. درِّبنا على انتظارك بترقُّب. آمين.
السُّؤَال
كيف تترقَّب عمليّاً يسوع الآتي؟