Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
10 - بولس على انفراد مع الوالي وامرأته
(24:24 - 27)
24:24ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ جَاءَ فِيلِكْسُ مَعَ دُرُوسِلاَّ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ فَاسْتَحْضَرَ بُولُسَ وَسَمِعَ مِنْهُ عَنِ الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ25وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ، ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ، وَأَجَابَ:"أَمَّا الآنَ فَاذْهَبْ، وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ"26وَكَانَ أَيْضاً يَرْجُو أَنْ يُعْطِيَهُ بُولُسُ دَرَاهِمَ لِيُطْلِقَهُ، وَلِذلِكَ كَانَ يَسْتَحْضِرُهُ مِرَاراً أَكْثَرَ وَيَتَكَلَّمُ مَعَهُ27وَلكِنْ لَمَّا كَمِلَتْ سَنَتَانِ، قَبِلَ فِيلِكْسُ بُورْكِيُوسَ فَسْتُوسَ خَلِيفَةً لَهُ وَإِذْ كَانَ فِيلِكْسُ يُرِيدُ أَنْ يُودِعَ الْيَهُودَ مِنَّةً، تَرَكَ بُولُسَ مُقَيَّداً.


دروسلا امرأة الوالي، هي ابنة الملك هيرودس أغريباس، الّذي سمعنا عن موته الشنيع في الأصحاح الثاني عشر. كانت هذه المرأة الرائعة الجمال متزوجة أوّلاً مِن أحد ملوك سوريا، ولكنّ فيلكس استعمل حيلةً بواسطة ساحر يهودي، ففصلها عن زوجها وأخذها لنفسه وتخبرنا الروايات أنّها ماتت سنة 79 في وقت انفجار بركان فيزوف، واحترقت بموادّه المنصهرة.
وقد حرّضت زوجها لمّا كانت في قيصرية على إحضار بولس المثير، ليشاهدا رواية مسليّة ومُشوِّقة، فما أبدعها فرصة لبولس أن يعمل على تحرير نفسه! وقد اتّكأ فيلكس الغني الماكر الرّخيّ البال على وسادته، وبجانبه امرأته المثيرة الزانية الجميلة، ووقف قدّامهما الأسير الموسوم بآثار الضربات والحجارة، وبداخله قوّة اندفاع روحي كبركان ناري لخلاص البشر. هل سيقع بولس في ساعة التجربة ويداهن الزوجين؟ لا، فهو لم يفكّر ثانيةً واحدةً في خلاص نفسه، بل رأى الإنسانين المسكينين أمامه، الغارقين في الشهوة وضميرهما الفاسد، فالتهب قلبه لخلاصهما. وكما الطبيبُ الصالح لا يُدلِّكُ الورمَ بسطحيّة، بل يشقّه بمبضع بضربة واحدة، هكذا طعن بولس الوالي الظالمَ مباشرةً، لأجل تصرفاته غير المستقيمة، وأراه أَنَّ الله يطلب الحقَّ والعدلَ والبرَّ وشهدَ للمرأة بحاجتها إلى العفّة والزهد والطّهارة، لأنّه لا يدخل زانٍ ملكوتَ الله. وبعدما أيقظ الرسولُ الأسيرُ ضميرَ المتَّكِئَين أمامه، أوقفهما أمامَ دينونة الله العادلة، وأعلن لهما غضَب القدُّوس. فليس بولس هو الّذي أهلكهما، بل الله نفسه هو الّذي كشفهما بنوره الساطع. ففيلكس ومعنى اسمه "السعيد"، فزع مرتعباً، لأنّه لم يتجرّأ أحد حتّى تلك اللحظة أن يقول له الحقّ بصراحة. وربّما اغتاظت المرأة وأبغضت رسول الله، لأنّه كشف كذب حياتهما، حتّى إِنَّها حرَّضَتْ بعدئذٍ زوجَها على ألاّ يترك بولس حرّاً. وظهر فيلكس في قضيّة ضميره متأرجحاً، وحاول أن يتّخذ موقفاً معتدلاً وحلاً وسطاً؛ فلم يرفض دعوة الله للتوبة، ولكنّه لم يطع صوت ضميره أيضاً، فأجّل القرار عن خلاص نفسه كما أجّل القرار لتخلية بولس.
وفوق ذلك فقد شمّ رائحة المال، لأنّ بولس تكلّم سابقاً عن العطايا المقدَّمة إلى أهالي أورشليم، فتأمّل الوالي أن يستخرج مِن مقدام الكنيسة فداء كبيراً عن نفسه، ولا ريب أنّ الكنائس كانت مستعدّة أن تجمع أيّ مبلغ لتحرّر به رسول الأمم، ولكنّ بولس نفض مثل هذه الأفكار بعيداً عنه، ليس لإراحة ضميره فقط، بل أيضاً ليخلّص فيلكس مِن طمعه، ممثّلاً أمامه قدوة الاستقامة في الحياة. وحقّاً لم يستطع الوالي أن يتخلّص مِن تأثير رسول الحقّ فيه، فكان يستشيره دائماً في الأمور الإنسانيّة والإلهيّة، لأنّ كلّ حاشيته كانت تداهنه الكذب، ولكن ها هوذا حق الله ماثل أمامه ببولس، الّذي اخترق ضميره مرّةً تِلْوَ الأُخرى بكلماته الصادقة. ولكن لم ينكسر الوالي أمام الله، رغم كلّ تلك الإعلانات الرّوحيّة، لأنّنا لا نقرأ حرفاً عن إيمانه أو خلاصه البتة.