Skip to content

Commentaries
Arabic
كولوسي
  
5- المسيح هو صورة أبيه وخالق الكون في الوقت نفسه
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 15- 17)
15:1الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللَّهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ, بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ.16فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ, مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ, مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى, سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.17اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ, وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ.


عاين بولس المسيح في مجده وسلطانه أمام أبواب دمشق، ولذلك أضحى تفكيره وعقيدته مختومَين ببهاء ربّه العظيم. عاش يسوع كإنسان على الأرض في جلاله المستتر، ولكنَّ رسول الأمم رأى واختبر في جلال ربّه المجيد أمام دمشق اقتحام الأبدية لزماننا، وفسّر هذا الاختبار صورة القدير المتعالي. الله في ذاته بقي مستتراً، ففساد البشرية يفصله عن مخلوقاته. ولو أنَّ الله ظهر في بهائه لأُبيد الجميع. ولكنَّ جلاله وقوّته ظهرا في المسيح المقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. أكّد يسوع لتلاميذه: مَن رآني فقد رأى الآب (يوحنّا 14: 9).
تدلّنا شهادة يسوع عن نفسه: أولاً على محبَّة الله القدّوسة، وثانياً على حقّه الرَّحيم، وثالثاً على تواضعه الصبور. في المسيح اكتمل خلق الإنسان، فبلغ هدفه ومعناه (سفر التكوين 1: 27) وصار أبوه معلَناً فيه. عاين الرسول يوحنّا مع بطرس ويعقوب مجد يسوع على جبل التجلّي، ولم يتكلّم أحدهم عن هذه الحادثة بالتَّفصيل، بل بإشارة متواضعة، كما كتب يوحنّا "ورأينا مجده" (يوحنا 1: 14). ولكنَّ يوحنَّا في شيخوخته، وفي أثناء نفيه إلى جزيرة بطمس، رأى المقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ كربّ وديّان فكتب: فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ, وَفِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ, وَمُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ, وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ, وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ, وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ, فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلاً لِي, لاَ تَخَفْ, أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ, وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ (رؤيا يوحنا 1: 12- 18).

المولود بكراً قبل كُلِّ خليقةٍ
أدرك يوحنا ببصيرة إيمانه أنَّ "اَللَّهَ مَحَبَّةٌ, وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللَّهِ وَاللَّهُ فِيهِ" (يوحنا الأولى 4: 16). فالمُحبُّ لا يقدر أن يعيش دون مقابلٍ له يحبه. وبما أنّ الله محبّة فهو لم يكن وحيداً، بل كان معه شريكٌ على مستواه أحبّه مِن قبل بدء الكون. والمسيح هو ابن الله المولود أوّلاً، والموجود قبل جميع المخلوقات ككائن أزلي. فليس المسيح خليقة أو مخلوقاً، بل انبثق مِن الآب قبل جميع الدهور. ولم تكن ولادته في بيت لحم بدء حياته، بل بدء تجسّده. فجميع صفات أبيه وروحه ومجده تتمركز وتحلّ فيه. عاش ويعيش مع أبيه في انسجام تامٍّ وديعاً ومتواضع القلب، وهو القائل:"طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ" (يوحنّا 4: 34).
تعترف جميع الكنائس المسيحية في قانون الإيمان النيقاوي أنّ المسيح هو إله مِن إله، نور مِن نور، إله حقّ مِن إله حقّ، مولود غير مخلوق، ذو جوهر واحد مع الآب. أمّا الإسلام فيعترف أنَّ المسيح مخلوقٌ غير مولود، ولم يولد مِن أبيه السماوي أبداً. وبهذا القرار أصبح الإسلام تابعاً لأريوس شيخ الكنيسة في الإسكندرية الذي تبنَّى مبادئ ضدَّ المسيح. فجميع القائلين إنَّ المسيح مخلوق هم غير مسيحيين، لأنّهم اعترفوا بالبدعة القائلة إنَّ يسوع هو عبد الله فقط، بينما هو ابن الله البكر وليس مخلوقاً منه. فالأزلي هو أبوه وهو صورته. لو كان المسيح مخلوقاً لكان جميع أتباعه عبيد الله. ولكنَّ المسيح هو ابن الله، ولأتباعه الحقّ أن يصبحوا أبناء الله وبناته المدعوِّين. فالخالق عندهم ليس ربّاً طاغياً، بل هو أبوهم الحنون بيسوع المسيح بكْرِهِ الكريم.

الصَّلاة: أيُّها الآب القدّوس، نشكرك لأنَّ ابنك يسوع ظهر لبولس أمام دمشق في مجدك ومجده، حتَّى استطاع تلاميذه أن يقولوا: ورأينا مجده. ولذلك نسجد لابن مريم لأنّه صورتك الأصليَّة، وقد عاش أمام محبّتك القدوسة. أنت فيه وهو فينا. آمين. آمين.

المسيح هو الخالق
أدرك بولس في سجنه سرّ الخلق، أنّ الله خلق الكون بابنه الحبيب. وبما أنّ يسوع ورث مِن أبيه العلم والقدرة والحكمة مع الحياة الأبدية، فقد استطاع أن يخلق كلّ شيء بتنوُّع غير محدّد. والسؤال هل خُلق العالم تدريجيّاً أم بعمليات متعدّدة لكل نوع ليس سؤالاً في الواقع، لأنّ الرَّبّ الحيّ يضبط الكون في جميع أحواله، حتّى استطاع يسوع أن يقول: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ" (متَّى 10: 30).
ملياردات مِن المجموعات الشَّمسيَّة والضباب الألكتروني تسير تحت قيادته. فروحه وروح الآب يُسيِّران الكون في انسجام تام، وجمال الوردة ورائحتها ونموّ الزنابق دون ضجيجٍ يُشيران إلى بهاء وحكمة ومجد خالقها. فمتى نشكره لوجودنا؟
أدرك الرسول يوحنَّا سرّ الخلق بعد سنوات مِن خدمة بولس بالفكرة نفسها، واعترف أنّ المسيح هو كلمة الله المتجسد."فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ, وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ, وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ, وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ, وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ.... وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا, وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً" (يوحنّا 1: 1- 4و14). وبهذه الطريقة يشهد الرسولان بولس ويوحنّا، بإرشاد الروح القدس، أنَّ يسوع ليس فادينا وربّنا وديّاننا فقط، بل خالقنا ومُديمنا أيضاً. تظهر هذه الحقيقة للعلماء في عصر العقلانيَّة والازدهار غريبة. إنّما روح الآب يُرشدنا إلى تمجيد الابن، حتّى وإن كان هذا التمجيد مخالفاً للعقل البشري.

الصَّلاة: أيُّها الآب القدّوس، أنت خالقنا لأنك خلقتنا بكلمتك يسوع المسيح لكي نكون صورتك أمامك. إنَّ أسرار الكون وتنوعه غير المُدرَك تدفعنا إلى السجود لابنك الَّذي خَلق الكون لتمجيدك. آمين.

جماهير ملائكة المسيح
تشمل شهادة الرسول جماهير الملائكة الصالحة والمرتدة. وهذه يعود وجودها ونظامها وتدرجها وقيادتها للمسيح، لأنه كلمة الله وخُلق بواسطته كل شيء. لم يُهلك ابن الله الكائنات المنظورة فحسب، بل غير المنظورة أيضاَ، ليس ما في العالم فقط، بل ما في السماء أيضاً.إنَّنا نفقد بتفكيرنا الدنيوي معرفة القوى غير المنظورة والإيمان بقوَّتها. وهذا يتعلق بعالم الشياطين وأرواح الأموات، ويخص أيضاً ملاك الله الحارس، وقوى الروح القدس. ينبغي أن نتعمَّق في فقرات العهد الجديد لكي لا نسقط تحت سيطرة الشيطان، بل نتعلم أن نميّز بين الأرواح باسم الرَّبّ يسوع. ويكتب الرسول بولس بهذا الخصوص:
" أَخِيراً يَا إِخْوَتِي تَقَوَّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اللَّهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ, بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ, مَعَ السَّلاَطِينِ, مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ, عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ, مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللَّهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ, وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا" (أَفَسُس 6: 10- 13).

المسيح هو مالك الكون وربُّه
ُيلخِّص بولس الرسول إعلاناته عن المسيح الخالق بقوله إنَّ الكل خُلق بواسطة المسيح وله، ولا يبقى شيءٌ إلا فيه. مَن يدرك معاني هذه العبارة، ويفكر أنَّ بولس كان موقوفاً في السجن الاستجوابي، يتعاطف معه، لأنَّ الرسول بولس آمن بالسلطان المطلق للمسيح. لم يوجد المسيح فقط قبل جميع المخلوقات والملائكة، وقبل النور والحياة، بل الكل خُلق بواسطته؛ وما خُلق يخُصه كمُلكِه الخاص. فهل أدركتَ أنك خاصَّةُ المسيح ومُلكُه؟ سواء عرفت هذه الحقيقة أم لم تعرفها، وسواء قبِلْتَها أم لم تقبَلْهَا، إنَّ أكثريَّة الناس يختلسون أنفسهم من مُلك المسيح، ويريدون الحرية والاستقلال عنه؛ وهؤلاء المساكين يخدعون أنفسهم، وينفتحون لروح الظلمة. لا نجد سلاماً ولا راحة لأنفسنا إلا بعلاقتنا المتينة بالله وابنه. كان أوغسطينوس، الأسقف المثالي، يقول: "إنَّ قلوبنا تبقى مضطربةً حتى ترتاح فيك أيُّها الرَّبّ الإله".
لا يثبت العالم في ذاته، بل يحتاج إلى خالقه، فاللهُ هو القوة الأصلية، واسمه مشتقٌّ مِن العبارة "إلوهيم" المشتقَّة بدَورِها مِن العبارة "إيل" التي تعني باللغات السامية القوة والسلطة. فمَن يريد أن يعيش بدون هذه القدرة القدوسة الحقّة المحررة، وبدون ابنه الحنون، يسقط إلى القوى السلبية التي تُسمم ذهنه وكيانه ليصبح ظالماً ومفسداً للآخرين. ليس لنا ولا لأولادنا بقاءٌ مباركٌ إلا إذا انسجمنا مع مشيئة ابن الله المُخلصة، وخضعنا لشريعته المعينة، وفهمنا محبته التي بذلت نفسه لأجلنا. يعيش العالم كله مِن رحمة ابن الله ونعمته، ولربنا الخالق صبرٌ طويلٌ على مخلوقاته المتمردة العنيدة، وهو ينتظر توبتهم. إنما مَن يبعد عنه، ويهرب منه باستمرار، ويعمل عكس ما يطلبه المسيح، سيقف أخيراً أمام خالقه، ويدرك بخوف أنَّه قاضيه، لأنَّ كياننا صدر منه ويثبت فيه، يقودنا ويرجعنا إليه سواء شئنا أم أبَيْنَا.
يُعارِض النُّقَّاد هذه الجملة، ويقولون إنَّ هذه الأفكار ليست مِن الكتاب المقدس، بل هي مستمدَّةٌ مِن الفلسفة اليونانية. والذين يقولون ذلك قد نسَوا أنَّ بولس وُلد في العالم اليوناني، وتربى وتعلم في مدارسهم، في مدينة ترسوس، وقدَّم إيمانه السامي بالأفكار اليونانية كي يَفهَم اليونانيون حقيقة المسيح ويتعزوا من إنجيله، وليطمئنَّ أتباعُ المسيح بأنَّ حياتهم ومستقبلهم محفوظان في المسيح، ويُدركوا أنهم أتوا منه وصاروا به فيعيشوا فيه ويرجعوا إليه. وقد صلَّى المسيح لأجلهم قائلاً:" أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كَلاَمَكَ, وَالْعَالَمُ أَبْغَضَهُمْ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ, كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. 17 قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ" (يوحنا 17: 14- 17).

الصَّلَاة
أيُّها الربّ يسوع المسيح، تسجد الملائكة كلُّها لك، لأنك كنتَ قبلهم وخلقتهم وفديتنا. أنت مالك الكون القدير، ومَلِكُ الجميع، ونحن نخصُّك نفساً وجسداً. ساعدنا على أن نخدمك بفرح، ونطيع أوامرك، ونُميِّز الأرواح باسمك، فلا ننفتح لمذاهب مضادة لك، حتى وإن أتى الكاذبون بنور السماء. آمين.
السُّؤَال
ماذا تعني كلمة يسوع: مَن رآني فقد رأى الآب؟ ماذا تعني شهادة الكتاب المقدّس أنّ المسيح خلق العالم في انسجام مع أبيه؟ ماذا يعني اعتراف الرسول بولس أنَّ المسيح خلق كل ما في السماء وعلى الأرض، وأنَّه مالك الكون؟