Skip to content

Commentaries
Arabic
كولوسي
  
20- موقف المرأة والرجل في العائلة
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 18- 19)
3:18أَيَّتُهَا النِّسَاءُ, اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ.19أَيُّهَا الرِّجَالُ, أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ, وَلاَ تَكُونُوا قُسَاةً عَلَيْهِنَّ.


مَن يعرف القوانين والشرائع في الأديان والدول يُدرِك أنَّ حقوق الرجال والنساء ومشاكلهم في العائلة وفي مكان العمل هي مِن المواضيع البارزة في كل حضارة. وفي بعض البلدان ينبغي أن نتكلم اليوم عن حرب إيديولوجيَّةٍ بين الجنسين. لا يريد أحدُهما أن يخضع للآخر، بل يريد أن يستقلَّ، ويقرر شخصياً ما يفعله. وفي الأيام الأخيرة سيختبر حتى المسيح الكذاب أنَّ الزانية الفاتنة بابل تقوده حتى تُفنى بضربةٍ واحدة (أَعْمَال الرُّسُلِ 13: 1- 19: 4).
لم يشأ بولس العازب أن يحل العلاقة المتوترة بين الرجل وامرأته، بل نظمها حسب مبادئ الخلق، وسمى إرشاداته النظام الأساسي من الخالق في العالم الفوضوي. ويستطيع مَن يريد أن يفهم الجمل القصيرة التي كتبها الرسل أن يقرأ الإصحاحات الأولى في الكتاب المقدس بتمعن، ويفكر فيها، ويعيش بحسبها إن أراد أن يجد سلاماً وقوة في عائلته وفي نفسه. نقرأ في الآية الأساسية: "خَلَقَ اللَّهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللَّهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 1: 27). خلق الله الرجل والمرأة على صورته، فيجب على كليهما أن يصبح صورة طبق الأصل لمحبة الله وقداسته. فلا فرق في هذه الدعوة بين الرجل والمرأة. وأكثر من ذلك نفهم أنَّ الله، بحسب المعنى البيولوجي لهذه الآية، ليس رجلاً ولا امرأةً، بل هو روح ونور ومحبة (يوحنا 4: 24؛ يوحنا الأولى 1: 5و16). وهذا يدل على معنى "طبق الأصل" في الرجل والمرأة.
نقرأ في سفر التكوين 1: 28 أنَّ الرجل والمرأة أخذا بركة الله ودعوته كي يملآ الأرض بنسلهما ويتسلَّطا على الحيوانات والنباتات. تدلُّنا الآيات عن هذه الدعوة على أنَّ الطاقة الجنسية في الرجل والمرأة هي هبة من نعمة الله في الفردوس، ما دام الجنس ضمن الزواج باحترام ورضا. لقد الله أكرمهما أن ينقلا الحياة المستودعة فيهما إلى الأجيال اللاحقة، فأشركهما في قدرة الخلق، وفوق ذلك رأى الله وجود الرجل والمرأة حسناً جداً.
نختبر في الأخبار عن الخلق في المرحلة التالية تفاصيل عن تطور العلاقة بين الرجل والمرأة. فالله خلق الإنسان كنفس حية، وطلب منه أن يبني الجنة ويحفظها ما دام لم يأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فالرجل يعرف أنَّ الله خالقه هو الخير الصالح الحسن. ولكن إن أراد أن يعرف الشر والشرير وينفتح لهما فينبغي أن يموت (تكوين 7: 17)، لأن أجرة الخطيئة هي موتٌ (رومية 6: 23).
نقرأ في سفر التكوين 2: 18 أنَّ الرجل ليس كاملاً، بل يحتاج إلى معينةٍ تحيط به وتكمله. وهذا المبدأ بديهي لأن ليس من رجل يستطيع أن يأتي بأولاد بمفرده. لولا النساء لما بقيَت البشرية. فلا بدَّ مِن المرأة ولا بديل عنها. وهي تسمَّى أحياناً النصف الأفضل في العائلة، فتشارك في الحزن والفرح.
تدلنا هذه الكلمة الإلهية في التكوين 2: 18 على تحديد واضح للزواج. فالرب قال إنَّ الرجل يحتاج إلى معين واحد، أي شريكة واحدة وليس إلى شريكتين أو ثلاث أو أكثر، كما يزعم بعض الأديان استناداً إلى وحيٍ مزعومٍ. فحيث يلتفت الرجل إلى امرأة أخرى أو نساء أخريات يتعدى على مشيئة الله ويزني.
أما خلق المرأة فهو حسب سفر التكوين 2: 21- 22 تكملة لخلق الرجل. فالرب أنشأ من ضلع الرجل امرأة بشعر مختلف وردفٍ مرتفعٍ ومزايا خاصَّةٍ لدورها كأمٍّ. فهي تطور أعلى من الرجل، لأنَّها حافظة الحياة وشعورها مرهفٌ أكثر، كما أنَّها عمليَّةٌ أكثر من الرجل. فخير للرَّجل أن يسمع إلى مشورتها لأنها تشعر بالحقيقة أكثر منه.
يخبرنا الكتاب المقدس في سفر التكوين 2: 23 أن آدم كان متحمساً لامرأته، وقد غرق في حبها، وسماها امرأة بمعنى أنثى امرئٍ. لم تكن المرأة في عيني آدم أعلى منه ولا أدنى منه، بل كانت مساوية له حسب العظم والجسد، فهي مقابله الملموس والروحي. يُعلِّم بعض العلماء، حسب العهد القديم، أنَّ الله لم يخلق المرأة من ساق آدم كي لا يدوسها، ولا من رأسه كيلا ترتفع فوقه وتتسلَّط عليه، بل خلقها من ضلعه لتقف على مستوىً واحدٍ منه وتكون معه دائماً.
يشهد الكتاب المقدس، بعد صرخة آدم المتحمس، أنَّ الرجل يترك أباه وأمه ويلتصق بامرأته (تكوين 2: 24). حاول آلاف الكتَّاب والمخرجين أن يُبرزوا هذه الجملة الممتلئة بطاقة الحب في كتبهم وأفلامهم الدّراميَّة، إنما المحبة المخلصة بين الزَّوجَين هي أعمق مما يقوله علماء النفس، وما ترسمه الشركات الدَّاعية لبدعهم. فالحب المخلص هو قوة من الفردوس، رغم نجاسة البشر بعد السقوط في الخطيئة، وللحب قوة جذابة وموحدة.
للأسف نجد في بعض الحضارات أن المتزوجات حديثاً يرتبطن بعائلة الرجل حتى يختبرن حماية العشيرة. ولكنَّ الزَّوجة في هذه الحالة تخضع لحماتها، فلا تحدث وحدةٌ روحيَّةٌ ونفسيَّةٌ بين الزوج والزوجة بسهولة. فيجب على العشائر المختلفة أن تتوب وتمنح الزَّوجَين الحرية، ليؤسسا معاً عائلة جديدة مستقلة، وعِنْدَئِذٍ يعودان ويزوران أهلهما ويقدمان المساعدة والتكريم.
أمَّا ما يخصُّ التوحيد الجسدي بين الزوجين فلا يعني هذا الامتياز من الفردوس توحيد الجسد فحسب، بل يشمل أيضاً التوحيد النفسي والذهني لكليهما. يبقى الزواج، رغم جميع التوترات والاختلافات، وحدة ثابتة وأساساً لكل حضارة صالحة. وحين يفصل بعض الأديان هذه الوحدة بين الزوجين، أو يتدخل المذهب في هذا الحق السماوي، يحاول روح ملحد أن يدمر نظام الخلق.
الكتاب المقدس جريء، وهو يُعلن أنَّ الزوجين في الفردوس كانا في البدء بدون لباس، ولم يخجلا من عريهما، لأنَّ الله نفسه وحَّدهما. وحيث يكون الله هو الذي يحضر الزواج ويُلصِق الاثنين في وحدة، هناك الرجاء في السلام والانسجام وفي نمو المحبة وتعمقها مع مرور الوقت.
يُتابع الكتاب المقدس بصراحة فيُفسِّر سقوط المرأة والرجل في الخطيئة كتجربة ذكية من الشيطان الذي قصد أن يمزق كليهما وأن يميت اللذين اختارهما الله ليكونا صورة طبق الأصل عنه. ولكنَّ الله ساعد الساقطَين في الخطيئة بمحبته وغفرانه. مِن حيث المبدأ، لا يبقى الزواج ثابتاً بين الزَّوجين إلا إذا كان الله هو الثالث في العهد بينهما. لأنَّ الله وحّدهما بنعمته ولا يزال مستعداً لتوحيدهما ليستمرا معاً في عهدهما الإلهي.
جرَّب الشيطان حوَّاء أوَّلاً، وزعزع تدريجياً ثقتها بجودة الله ومحبة الخالق. لقد وضح لها آدم سابقاً أنَّها إذا أكلَت من شجرة معرفة الخير والشر ستموت (تكوين 3: 2- 3). ولكنَّ الشيطان ادَّعى أنَّ هذا القول غير صحيح، وصوَّر الله كأنه أناني وكاذب، وأنَّهما لن يموتا إن أكلا من هذه الشجرة بل يكونان كالله في علمه الشامل، ويستطيعان أن يحكما الكون.
كثيراً ما يقول المفسِّرون إنَّ سبب سقوط آدم وحواء في الخطيئة هو اتصالهما الجنسي. وهذا غرور وغباء بكل معنى الكلمة، لأنَّ مَن يتعمق في هذه التجربة يجد أن السَّبب لم يكن متَّصلاً بالحب والجنس، بل بمعرفة الله الخير ومعرفة الشيطان الشر. لقد عرف الزَّوجان أنَّ الله هو خالقهما وأنَّه صالح ومملوءٌ خيراً. ولكنَّ الشيطان أرادهما أن يفتحا قلبيهما له ليحل فيهما مكره وكذبه وطموحه كي يكون هو مثل الله. فهما لم يعرفا الشر فحسب، بل أصبحا أيضاً شريرين.
لم يقترب الشرير (كما سمَّى يسوعُ إبليس) (متَّى 6: 13) أوَّلاً من آدم الناقد والمفكر، بل اقترب من حواء الواثقة الحساسة. فيظهر أنها آنذاك لم تكن تملك موهبة تمييز الأرواح، فاشتاقت إلى الحصول على حكمة شاملة، كما صوَّرها الشرير لها كذباً وضلالاً. لهذا السَّبب سمى يسوع إبليس أبا الكذب والقاتل منذ البدء (يوحنا 8: 44).
تجاوبت المرأة وأكاذيب روح الشرير، واعتبرت الخالق أنانيّاً وكذاباً ومخادعاً، وتمنت أن تصبح حكيمة وذكية مثل القدير؛ كما اشتاقت أن تأكل من الثمرة المحرمة، فأخذتها وقضمتها وأكلت منها وأعطَت البقيَّة لزوجها العائد إلى بيته كي يشترك معها بالمعرفة الجديدة ويتحمل معها المسؤولية. فسمع آدم لها، واستعد ليُجرَّب بإعلانات الشيطان، ووافق على ضلال امرأته. وبعدما وثقا بأقوال الشيطان ولم يثقا بوصية الله، انفتحت أعينهما، وأدركا عريهما. فدخل السقوط الروحي مِن الله العلاقة الجسدية أيضاً.
اختبآ من وجه الله الآتي وخافا منه، وعندما دعاهما الرب من مخبئهما وكشف لآدم أنه قد أكل من الثمرة المحرمة، خان هذا الرجل امرأته وشكاها إلى الله الذي أعطاه هذه المرأة التي ضلته.
وعندما سأل الله المرأة لماذا تصرفت بغباءٍ، لم تعترف بذنبها، بل شكت الحية التي أضلَّتها. فلعن القدوس الحية التي هي خلاصة الشر كي تحتمل عبء ضلالها كأدنى مخلوقات الأرض، ولكنَّه قال لها إنَّ نسل المرأة سيأتي ويدوس رأسها، أمَّا هي فتسحق عقبه وتميته. لم يقصد الله بهذه الكلمات المُدينة أصل آدم، بل النسل الفريد للمرأة الذي سيبيد الشرير نهائياً، وهو يسوع المولود من الروح القدس وليس من رجل دنيوي. فلولا المولود من المرأة، الموعود به، لما تمَّ التحرر والنجاة من الشيطان.
بَيْدَ أَنَّ قصاص المرأة وحمايتها من تجربة أخرى للشيطان أتيا بصعوبات عليها، فباتت تحبل بأتعاب وتلد أولادها بأوجاع. ونجد في هذه الأيام في البلدان المتحضرة أن النساء تتهربن من هذه الأثقال وتبلعن حبوب منع الحمل أو تجهضن مئات الألوف من الأجنة. إنَّ عصيان المرأة لكلمة الله يجعلها شريكة في جرائم القتل التي يبلغ عددها في ألمانيا وحدها ثلاثمائة ألف عملية إجهاض سنوياً، ويبلغ هذا العدد في الهند أربعين مليون سنوياً.
قال الله للمرأة أيضاً إنَّها لا تغلب الحياة منفردة، بل تشتاق دائماً إلى زوجها. وللأسف لا يتجاوب الرجال مع هذا الاشتياق بمحبة وتعاون، بل بسيطرةٍ وخشونةٍ (أَفَسُس 5: 23؛ تيموثاوس الأولى 2: 12). هذا القرار الإلهي هو سببٌ للحرب المعنوية بين الجنسين. العجيب أنَّ يسوع لم يلفظ هذه الكلمات أثناء وجوده على الأرض، بل غلب الدينونة وقال: "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ, أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً. بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي, إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ" (يوحنا 13: 34- 35). إنَّ هذه الوصية الأساسية في شريعة المسيح لا تخص الكنائس المسيحية فحسب، بل الزوجين المؤمنين بالمسيح أيضاً. في المسيح نرى الغلبة على الصعوبات في العهد القديم، ومحبته تغلب كل صعوبةٍ بين الرجل والمرأة، إنْ أحبَّ أحدهما الآخَر محبَّة المسيح.
لا يستبدُّ الرجل الموهوب من محبة المسيح بزوجته ولا يخدعها ولا يجبرها أو يضربها كي تخضع له، كما نقرأ في صورة النساء 4: 34، بل يحبها ويكرمها ويحاول أن يفهمها ويحتمل معها الصعوبات ويباركها ويخدمها.وكتب بولس "أَيُّهَا الرِّجَالُ, أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا لِكَيْ يُقَدِّسَهَا, مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ, لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً, لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ, بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ, كَمَا الرَّبُّ أَيْضاً لِلْكَنِيسَةِ. لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ, مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ, وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ, وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ. وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ, فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هَكَذَا كَنَفْسِهِ, وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا "(أَفَسُس 5: 25-33).
تخضع المرأة لزوجها، حسب هذه الكلمة الرسولية، في محبة المسيح. أمَّا الرجل فيضحي بنفسه لامرأته وأولاده كما بذل المسيح ذاته من أجل خلاص كنيسته. فأيّهما أسهل، الخضوع أم بذل الذات؟ إنَّ خضوع المرأة لإرشاد زوجها ليس فريضة مرة، لأن يسوع أخضع نفسه طوعاً لمشيئة أبيه لأنه أحبه ووثق به. أعلن يسوع في صلواته في بستان جثسيماني أنَّ خضوعه لإرادة الله أحدث فيه صراعاً بين الحياة والموت. أمَّا هو فخضع لمشيئة أبيه دون قيد أو شرط، وانتصر انتصاره الشامل الذي غيَّر تاريخ البشر (متَّى 26: 38- 44). كان في بداية خدمته يقول:"طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ" (يوحنا 4: 34). وكان يعلن لتلاميذه عن أخلاقه الخاصة ويقترح عليهم أن يتغيروا ويعملوا مثله قائلاً:"َتَعَلَّمُوا مِنِّي, لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ, فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ" (متى 11: 29- 30). إنَّ المحبة الحقة تخضع تلقائياً بدون كلام للمحبوب. وهذا الخضوع المتبادل بديهيٌ ما دامت محبة الله هي الحاكمة في القلوب. نرى في هذا المبدأ سر وحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس، حيث خضع يسوع لمشيئة أبيه طوعا.ً والروح القدس لا يمجِّد نفسه، بل يمجد حَمَل اللهِ. لذلك أعطى الآب ابنه كل سلطان في السماء وعلى الأرض. أمَّا حَمَل اللهِ فيسمح للروح القدس أن يبني الكنيسة، جسده الروحي. ويتمُّ هذا كلُّه في انسجام تامٍّ وخضوع متبادل وثقة ومحبة دائمتين.
مَن يُدرك أنَّ سر الثَّالُوْث الأَقْدَس هو التواضع والمحبة، يُدرك أيضاً وصيَّة بولس الرسول: "أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ, لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً رَأْسُ الْكَنِيسَةِ, وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. وَلَكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ, كَذَلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ" (أَفَسُس 5: 22- 24).
مَن يفكر في هذه النصوص المثيرة، ويقرأ الآية الافتتاحية في هذا النص يجد دعوة مقلقة: "خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللَّهِ" (أَفَسُس 5: 21). مَن يتأمل هذه الكلمات يجد أنَّ قبل الفروض الواجبة على الرجل والمرأة، تأتي الوصية أن يخضعا لمحبة المسيح، وينظرا أحدهما إلى الآخَر بعين هذه المحبة فقط.
المسيحية دين التواضع للرِّجال أوَّلاً وللنساء أيضاً. ويمكننا مِن هذا المبدأ أن نقبل أنظمة الرسول للعائلات.
لكن حيث لا تنسكب محبة الله في القلوب، نرى أنَّ نظام الخلق يصبح عبئاً مريراً. إن كان الزَّوجان يغضبان أحدهما مِن الآخَر ويرفضان آراء بعضهما البعض بشدة، فثمَّة دائماً سبيلٌ للمصالحة والغفران. يبدأ أسلوب المصالحة بين زوجين مختلفين في إحدى قبائل أفريقيا بوقوف أحدهما إلى الحائط ليقول: "أنا غبي. أنا أخطأت" وعِنْدَئِذٍ ينبغي للآخَر أن يجيبه قائلاً: "أنا غبي أيضاً وأخطأت مثلك". ويقول الأذكى بينهما "إنِّي أكثر غباءً وغروراً منك. سامحني". فيقول الآخَر: "أنا بحاجة إلى الغفران كسلة متكاملة. عِنْدَئِذٍ يقترب كلاهما مِن الآخَر ويتبادلان القُبَل بحيث تنحني المحبة عميقاً.
نجد في الدُّول المتقدِّمة تكنولوجيّاً تطبيقاً لمبادئ الاشتراكيَّة حتَّى يكون الرَّجل والمرأة متساويين في الحقوق والواجبات في المصانع والإدارة والمواقع السياسية وحتى في القيادة العسكرية. فتحصل المرأة على المال والرَّاتب بمعزلٍ عن ارتباطها المادِّي بالرَّجُل. تتلقَّى الفتيات في أكثرية الدول منذ مئة عامٍ التعليم نفسه الذي يتلقََّاه الفتيان. وهذا التَّطور ضروريٌّ ولا بد منه. ولكن حين تُغرق المرأة نفسها في أتعاب الخدمات المهنيَّة والوظيفيَّة متجاهلةً دورها كأمٍّ أوَّلاً، تتحطَّم الحياة العائليَّة وتفقد معانيها تدريجياً. عِنْدَئِذٍ يرسل الأهل الأولاد إلى الحضانات بلا تربية دينية أو اهتمام بالمحبة، أو إلى مدارس ذات نظام داخلي حيث يترعرعون بدون محبة الوالدين. بلغت الأوضاع المعيشيَّة في أيامنا هذه حدّاً لا يمكن معه راتب الرَّجل وحده أن يكفي لسد حاجات العائلة. فلا بدَّ مِن أن تعمل المرأة في المصنع أو المكتب للحصول على ما يكفي لسد حاجات عائلتها. وهذا الأمر يؤدِّي إلى اضمحلال الحضارة، ونشوء جيلٍ جديدٍ يفتقر إلى الحياة الروحية الأدبية، اهتماماته الوحيدة هي المادَّة والجنس ليس إلاَّ.
إذا نظرنا إلى هذه التطورات الحديثة المؤلمة، يليق بنا أن نتأمَّل اقتراحات ووصايا الرسول بولس، ونصلي بحسبها ونحققها، فنصل إلى وصية المسيح الذي قال: أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم، مهما كان الثَّمَن.

الصَّلَاة
أيُّها الآب السماوي، نشكرك لأجل نظام خلقك أنك جعلتَ بجانب الرجل معيناً أنثى، ومنحت كليهما هبة نقل الحياة المستودعة فيهما. ساعد كل زوجَين باسم يسوع على أن يُحبَّا ويخدما ويُكمِّلا بعضهما بعضاً في تواضع المسيح ومحبته، وأن يخضع كلاهما للآخَر طوعاً. اغفر للبشر حالات الطلاق الكثيرة وعمليات الإجهاض، وامنح المتزوجين باسم يسوع أن تصبح حياتهم فردوساً ملؤه الفرح والسلام. آمين.
السُّؤَال
ما هي آيات الكتاب المقدس التي تحدِّد العلاقة بين الرجل والمرأة بأوضح بيان ؟ اكتبها حرفياً.