Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
6:5فَرَفَعَ يَسُوع عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعاً كَثِيراً مُقْبِلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزاً لِيَأْكُلَ هَؤُلاَءِ.6وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِيَمْتَحِنَهُ لأَِنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ.7أَجَابَهُ فِيلُبُّسُ لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئاً يَسِيراً.8قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُس.9هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ. وَلَكِنْ مَا هَذَا لِمِثْلِ هَؤُلاَءِ.10فَقَالَ يَسُوع اجْعَلُوا النَّاسَ يَتَّكِئُونَ. وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ. فَاتَّكَأَ الرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ.11وَأَخَذَ يَسُوع الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ وَوَزَّعَ عَلَى التَّلاَمِيْذ وَالتَّلاَمِيْذ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذَلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا.12فَلَمَّا شَبِعُوا قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ.13فَجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ الَّتي فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ.


عندما رأى يَسُوع الجماهيرَ المقبلة عليه، رفع عينيه نحو أبيه السَّماوي، وقدَّم له الإكرام والمجد، مسلَّماً له الاعتناء بالجياع إلى البِرِّ. وعندئذٍ ابتدأت الأعجوبة الكبرى، لأنَّ الآبَ أرى ابنه ماذا سيفعل، وأعطاه العمل الَّذي يكشف القلوب.
امتحن يَسُوع تلاميذَه أوَّلاً، هل نما إيمانهم، أم ما زالوا مادِّيين، يُفكِّرون بطرُقٍ دنيويَّةٍ.
فسأل فيلبس عن المصدر الَّذي يمكنهم تأمين الخبز منه للجماهير. أمام مثل هذا السُّؤَال، تتبادر إلى أذهاننا الأفران. ولكنَّ يَسُوع فكَّر في أبيه. فنحن مشغولون بالأمور المادِّية وغلاء المعيشة. أمَّا يَسُوع فشكر المُعِين لحضوره. وسرعان ما ابتدأ فيلبس يحسب مقدار كلفة الطعام، دون أن يُفكِّر بضرورة اللُّجوء إلى الإيمان في هذه الحالة، لأنَّ الَّذي ينظر إلى المال لا يرى إمكانيات الله. وكان حساب التِّلميذ صحيحاً؛ بَيْد أنَّه لم يكن هناك أفرانٌ ولا مطاحن، ولا وقت لصُنع الخبز، بينما كان الجمع الكثير جائعاً بعد يومٍ طويلٍ مِن اتِّباع المعلِّم والاستماع إليه.
وحين وجد بقيَّة التَّلاَمِيْذ فيلبس مرتبكاً في أمره، نظروا حولهم، وفكَّروا في إحضار الخبز، ناسين الصَّلاَة والشُّكْر والإيمان. وفجأةً حرَّك الرُّوْح القُدُس أندراوس، فأبصر فتىً معه خمسة أرغفة وسمكتان. فنادى الغُلام: "هات ما معك مِن الخبز والسَّمَك". وتشاءم رغم طلبه هذا، إذ عرف أنَّ الكمِّية ضئيلةٌ لا تكفي البتَّة. هكذا شاء يَسُوع أن يقود تلاميذه إلى الاعتراف بفشلهم؛ فلم يعرفوا ماذا يفعلون، ولم يعرفوا مشيئة الله، وماذا كان مُزمعاً أن يفعل.
لم يرفض يَسُوع تلاميذه الجُهَّال، ولم يُهمل الجماهير الفاسدة، بل أمر تلاميذه بتنظيم الحضور، وجعلهم يتَّكئون كأنَّما إلى وليمةٍ كُبرى.
كان العشب الأخضر يُغطِّي الأرض، رمزاً للإيمان المُبتدئ النَّامي في الجماهير. لاريب أنَّ خمسة آلاف رجل مع نسائهم وأولادهم يشكِّل عدداً كبيراً، يملأ مساحةً واسعةً. علماً أنَّ بعضهم لم يُشاهدوا يَسُوع ولا عمله آنذاك بسبب المسافة الَّتي تفصلهم عنه. ولكنَّهم اتَّكلوا على كلامه وإرشاده، واتَّكأوا كما أمرهم التَّلاَمِيْذ.
وأخذ يَسُوع تلك الأرغفة الخمسة بكلِّ هُدوءٍ، وهو عالمٌ ما سيفعل، وعزم على أن يُحقِّق قدرته الخالقة في هذه المناسبة. لم يعمل يَسُوع باستقلالٍ عن أبيه، بل وضع الأرغفة الخمسة أمامه، وشكر الآب لهذه الكمِّية القليلة، وآمَن بأنَّ الآب سيُبارك القليل ليُضاعفه حتَّى الفَيض. فكان الشُّكْر لأجل القليل، وإكرام الآب هما سِرُّ هذه المعجزة. فهل تَقبل القليل الَّذي يُعطيك الله إيَّاه شاكراً، أم تأخذه متذمِّراً؟ هل تشكره فَرِحاً، وتُوزِّع القليل الَّذي معك على أصدقائك، أم تحتفظ به لنفسك، وتبتلعه سِرّاً؟ لم يكن المَسِيْح أنانيّاً، بل كانت محبَّة الله ثابتةً فيه. فأكرم أباه ووزَّع بركة الله على الجميع.
تمَّت هذه الأعجوبة الَّتي ورد ذكرها في الأناجيل الأربعة بدون ضجَّةٍ ودعايةٍ. ولربَّما لم يشاهد المعجزة لحظة وقوعها إلاَّ الجالسون قريباً مِن المَسِيْح، فرأوا يَسُوع وهو يكسر عدداً لا نهاية له مِن الأرغفة، وكان التَّلاَمِيْذ يتعاونون على حمل الخبز ذهاباً وإياباً، ليوزِّعوه على الجلوس، ومن ثمَّ يعودون إلى يَسُوع ليأخذوا مِن ملئه، ويُوزِّعوا مِن جديدٍ نعمةً فوق نعمةٍ. وكان كلُّ واحدً مِن الجمهور يأخذ ما يُريد. وهذا هو شعار النِّعمة، أنَّ الله يعطي الغفران والرُّوح بدون كيل أو ميزان. فخُذ مِن النِّعمة المقدار الَّذي تريده. آمِن بدون حدودٍ، وأعطِ الآخَرين مِن البركة الَّتي عندك، وباركهم كما بارك المَسِيْح، فتُصبح ينبوع حياةٍ لكثيرين.
في قانا الجليل حوَّل يَسُوع الماء إلى خمرٍ، وفي الجولان صنع مِن خمسة أرغفةٍ خُبزاً أشبع خمسة آلاف شخصٍ. والعجيب أنَّ كِسر الخبز الَّتي فضلت بعد الطَّعام كانت تزيد كثيراً على الأرغفة الأصليَّة الَّتي كانت في بدء الطَّعام. وتدلَّ الاثنتا عشرة قفة الَّتي جُمعَت فيها الفضلات على كفاية الله لجميع أسباط الشَّعب. وقد أمر يَسُوع بألاَّ تُتلَف كسرةٌ واحدةٌ. وأنَّه لَعارٌ ما يفعله النَّاس اليوم، إذ يُلقون بفضلات الطَّعام في عُلب القمامة، عالمين أنَّ آلاف النَّاس يموتون جوعاً في كلِّ ساعةٍ، في مناطق متفرِّقةٍ مِن العالم. فاحفظ كلَّ كسرةٍ كهديَّةٍ مِن الله. احفظها مهما كانت صغيرةً، لأنَّ الأمانة تَظهر في القليل. ولا تُبذِّر البركة الموهوبة لك، بل اجمع فضلات النِّعمة، فتكسب أخيراً أكثر ممَّا تستطيع احتماله مِن نِعَم ربِّك الفيَّاضة.
تصوَّر موقف الصَّبي عندما أخذ يَسُوع الخبز مِن يدَيه، كيف عقدَت الدَّهشة لسانه وهو يُشاهد بذهولٍ الخبز يتكاثر بين يدي الرَّبّ. لا شكَّ أنَّ هذه المعجزة قد انطبعَت في ذاكرته طوال حياته. كان يَسُوع عند عمله المعجزات يُفضِّل العمل مِن خلال النَّاس وبالنَّاس. وقد استخدم هنا ما قدَّمه ولدٌ صغيرٌ في صُنع واحدةٍ مِن أعظم المعجزات المدوَّنة في الأناجيل. ولم يكن العمر حاجزاً في خدمة المَسِيْح. فلا تستشعِر أنَّك أكبَر أو أصغر ممَّا يجب لخدمة المَسِيْح.

الصَّلَاة
نشكرك أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوع لصبرك وشكرك ومحبَّتك. إيمانُك أشبعَ الجميع، وعنايتك أساس شركتنا معك. اغفر لنا ضعف إيماننا، وعلِّمْنا أن نلتجئ إليك في أوقات الشِّدة والضِّيق، فلا ننظر ونثق بقدراتنا، بل نتَّكل على مواردك وحدها. نشكرك لأجل الغنى الرُّوحِيّ الَّذي وهبته لنا، كما نشكرك لأجل القليل الَّذي لدينا، مؤمنين بأنَّك تُباركنا وتُشبعنا للأمانة في القليل، فلا نُتلف شيئاً مِن البركة بإهمالنا.
السُّؤَال
ما هو السِّرُّ في إشباع الخمسة الآلاف؟