Skip to content

Commentaries
Arabic
مرقس
  
2- مسحة يَسُوْع فِي بَيْتِ عَنْيَا
(مرقس 14: 3- 9)
14:3وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَان الأَبْرَصِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ.4وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ الطِّيْبِ هَذَا،5لأَِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ. وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا.6أَمَّا يَسُوْعُ فَقَالَ اتْرُكُوهَا، لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا. قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا.7لأَِنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْرًا، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ.8عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ.9اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيْلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ تَذْكَارًا لَهَا


دخل يَسُوْع بيت سِمْعَان الأبرص في بيت عنيا، والأغلب أنَّه كان قد شفاه سابقاً. وكان هذا الشِّفاء يعني تطهيره مِن خطاياه ومِن نتيجتها. وإنَّنا نرى في هذا الرَّجل الّذي شُفي خلاصة عمل المَسِيْح المخلِّص جليّاً. لم يترك الرَّبّ هذا المُطهَّر المُعافَى وحيداً، بل زاره وقوَّاه وأكرمه بحضوره مع جملة تلاميذه، كي لا يكون منفرداً بعد صعوده إلى السَّماء. وحضر ضيوف آخرون، رغم المراقبة والاضطهاد. فالجميع اشتركوا في وليمة مباركة.
وحضر أيضاً لِعَازَر، الّذي أقامه يَسُوْع مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، مع أختَيْه (يُوْحَنَّا 12: 1-8). فكان الحضور، في حدِّ ذاته، بياناً لسلطان الله في المَسِيْح يَسُوْع الّذي غلب جميع الأمراض والخطايا، وحتَّى الموت. إنَّما قصد يَسُوْع العلاج الأخير ونزع جذور الشَّر بمحو خطيئة العالم.
وقد أدركت مريم أخت لِعَازَر، ببصيرتها الإيمانيَّة، وبقلبها العطوف الشَّاعر، بدقَّة مَن هو يَسُوْع؛ وأدركت معنى هذه الوليمة الأخيرة، وشعرت باقتراب السَّاعة الأخيرة؛ وفهمت أنَّه لم يبقَ إلاَّ وقتٌ قليلٌ لتُظهر شكرها ليَسُوْع الشَّافي.
فهرعت إلى بيتها، وأتت بكنزها: قارورة الطِّيب الّتي ربَّما وفَّرَتْها لعرسها. فكسرت القارورة، وسكبتها كلَّها على رأس ورِجْلَي يَسُوْع المتَّكئ في الوليمة. فلم تَجِدْ طريقةً أخرى تعبِّر فيها عن شكرها واحترامها لِمَنْ غلب الموت والمرض غافراً الذُّنوب.
وقَبِلَ يَسُوْع هذه المسحة. وأدرك منها الرَّمز والدَّلالة من أبيه الّذي سمح بمسحته كرئيس الكهنة لموته وذبيحة ذاته.
كان يَسُوْع، منذ الأزل، الممسوح بملء الرُّوْح القُدُس، لأنَّ فيه حلَّ كلُّ ملء اللاهوت جسديّاً، ولم يكن بحاجة إلى مسحة جديدة، إنَّما قوَّتْ مَحَبَّة أبيه إيمانه حتَّى نظر مطمئنّاً إلى موته، فأنبأ، بكلِّ صراحةٍ، بموته الوشيك ودفنه الحقيقي، كي لا يُستنتَج من قبوله لهذه المسحة رجاءٌ خاطئٌ، كأنَّه متقدِّمٌ لقبول العرش في الأُمَّة، أو لعرسه الشَّخصي. استعدَّ يَسُوْع لموته، وأعدَّ تلاميذه لوحدتهم ومسؤوليَّتهم.
لكنَّ أتباعَه، للأسف، لم يفهموا معنى ما فعلته المرأة الرَّقيقة المشاعر. فرائحة الطِّيب الثَّمين نفذت إلى أنوفهم، وعبق أريجها الزَّكيُّ في أرجاء المكان، وابتدأت عقولهم بالحساب. ربَّما لم يكن صندوق الجمعيَّة في ذلك الوقت مملوءاً بسبب الاضطهاد، أو ربَّما كان يَسُوْع قد وزَّع التّبرُّعات كلَّها كاملةً على الفقراء. وعلى أيَّة حالٍ تهامس البعض فيما بينهم، وكان أكثرهم كلاماً يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيّ الّذي استاء ممَّا اعتبره إتلافاً لا طائل تحته، فقال: " لو أنَّ مريم أعطتنا قارورة الطِّيب الثَّمينة هذه لبِعناها وقبضنا قيمتها مبلغاً طائلاً، وساعدنا كثيراً مِن الفقراء."
وقرأ يَسُوْع أفكارهم، وأصاب المتمرِّدين في الصَّميم، وحكم على جميع مصلحي العالم بأحلامهم الزَّائفة ووعودهم الكاذبة، فقال: الفقراء معكم في كلِّ حين... حتَّى في فردوس العمَّال والفلاَّحين. ما دامت الأرض بعيدةً عن الله، يتكاثر المساكين والمرضى والجياع غرباً وشرقاً عند الرَّأسماليِّين. وعواصمهم بلا رحمة، كما عند الاشتراكيِّين ونظامهم الدَّقيق.
فلا ينتهي الضِّيق والظُّلم في عالمنا إلاَّ بمجيء يَسُوْع. هو وحده سيُنْهي المأساة.
وقد أظهر الرَّبّ لنا الطَّريقة المُثْلَى لمساعدة الفقراء والمساكين. فهو لم يُنشئ مؤسَّسة خيريَّة، ولم يَدْعُ إلى أنظمة مساعدات، بل قال: إنْ أردتم تقدرون أن تساعدوا الفقراء في مُحِيْطكم. لا تُعطوهم صدَقةً لتتخلَّصوا منهم وترجعوا مِن ثمَّ إلى قصوركم، بل انحنوا إليهم، وانزلوا إلى مستواهم، واهتمّوا بهم شخصيّاً. لربَّما يكونون بحاجة إلى أدوية، أو إلى كلمة معزِّيَة، أو وظيفة، أو تدريب مهني، أو منحة دراسيَّة. فاطلبوا مِن الرَّبّ الحكمة لمحبَّتكم كي تخدموا المساكين ولا تهتمّوا بأنفسكم فقط. إنَّ الفقراء هم هدف مَحَبَّة الله.
لم يطلب يَسُوْع منَّا مالاً، في الدَّرجة الأولى، بل قلوباً ليملأها برحمته ومحبَّته، وليُجنِّد إرادتنا بعزمٍ وثباتٍ في خدمة المساكين.
إنَّ كلَّ مَن يريد أن يخدم ويُساعد، مصلِّياً للرَّب أن يُرشده إلى خدماته الحكيمة، لا بُدَّ من أن يختبر إرشاد الرَّبّ الّذي يمنحه القوَّة، ليس ليغلب الفقر في العالم، بل ليُساعد المساكين في مُحِيْطه.
هل سمعتَ دعوة يَسُوْع هذه؟ ماذا ستفعل؟ هل ستُواصِل جَمْع المال لتضمن نفسك وعائلتك؟ لقد ضحَّى المَسِيْح بذاته، فماذا تُقدِّم له أنت مقابل ذبيحته الّتي لا تُقدَّر بثمن؟ ضحَّت مريم آنَذَاكَ بكنز حياتها ليَسُوْع، فعملت ما استطاعت عمله، وقدَّمت كلَّ ما عندها لتمجيد ربِّها.

الصَّلَاة
أيُّها الرَّبّ يَسُوْع، أنت ابن الله. نسجد لك لأنَّك المَحَبَّة، وبذلتَ حياتكَ ذبيحةً كاملةً لأجلنا ونحن أشرارٌ. علِّمْنا أن نتغيَّر في أذهاننا وأفكارنا فلا نُساعد أنفسنا بأنفسنا، أو نتَّكل على عون الآخرين، بل نستعدّ لخدمة الفقراء والمساكين في مُحِيْطنا. افتح أعيننا لكلّ متضايقٍ محتاجٍ إلى خدمتنا، وأَرِنَا الطَّريقة الفُضلَى لمساعدته، وهَبْ لنا الإرادة والقوَّة لخدمةٍ أمينةٍ. يا ربّ، امنحنا فكرك. آمين.
السُّؤَال
ماذا نتعلَّم مِن مسحة يَسُوْع بواسطة مريم، ومِن النِّقاش الّذي جرى بعد هذه المسحة؟