Skip to content

Commentaries
Arabic
مرقس
  
2- مَبَادِئ اتِّباع يَسُوْع
(مرقس 8: 34- 38)
8:34وَدَعَا الْجَمْعَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي.35فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيْل فَهُوَ يُخَلِّصُهَا.36لأَِنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ،37أَوْ مَاذَا يَعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ.38لأَِنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هَذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيْسِيْن


هذه الآيات غنيَّةٌ وعميقةٌ حتَّى إنَّ المجلَّدات الضَّخمَة لا تكفي لتفسيرها. فاحفظها غيباً، واذكرها دائماً، واطلب إلى المَسِيْح أن يُحقِّقها في حياتك بفرح الرُّوْح القُدُس.
لقد آمَن بُطْرُس بالمَسِيْح، وصمَّم على اتِّباعه، دون أن يلاحظ أنَّ ذهنه الجسدي وشعوره الإنساني لا ينسجمان مع مَلَكُوْت الله، لأنَّه لا يوجد إنسانٌ صالحٌ أمام القُدُّوس. ومَن لا يشتكي على نفسه معترفاً بذنوبه، ومُميتاً كبرياءه، لا يكون صالحاً وقادراً على اتِّباع يَسُوْع.
فأوَّل درجة في هذا الاتِّباع تتطلَّب إنكار الذَّات، فلا نتجاوب مع أنفسنا فيما بعد، بل نقول لرغباتنا الأنانيَّة: "لا"، فنعتبر أنفسنا لا شيء، ونحتقر ذواتنا، ولا نسايرها، ولا نكرمها، ولا نمجِّدها.
لماذا يطلب المَسِيْح منَّا موقفاً سلبيّاً تجاه الأنا؟ لأنَّ الأنانية سمَّمَت كلّ نواحي حياتنا، حتَّى أضْحَتْ أفكارُنا ملوَّثَةً، وأَعْمَالنا الصَّالِحة غير كاملةٍ ولا كافية. هل ابتدأتَ بإنكار نفسك؟ أم أنَّك تحبّ ذاتك، وتُبالغ في هندمة وجهك أمام المرآة؟ هل دُسْتَ شهواتك؟ أم مازلتَ تكافح لأجل شرف عائلتك؟ لقد أنكر يَسُوْع نفسه وعائلته، وأصبح خادم الجميع. هل تحلم بالشُّهرة، وهل تحبّ الظّهور والأمجاد الدّنيويَّة؟ إن كانت هذه صفاتك، فلن تلتقي بيَسُوْع لأنه وديعٌ وقنوعٌ. إذاً أنكِر نفسك، لأنَّ إلهنا ربٌّ مُتَوَاضِع.
يقود يَسُوْع تلاميذه إلى درجة ثانية في اتِّباعه، فيقول: "احمل صليبك". ولا يقصد بهذا القول صليبه هو، ولا مشاكلنا نحن، أو آلامنا، أو اضطهاداتنا لأجل اسمه، بل يدلُّنا على المعنى العام للصَّليب آنَذَاكَ المعيَّن للقضاء على المجرمين والعبيد الفارّين عند الرُّومان. فبذكر كلمة "صليبك" يعني يَسُوْع: أنَّك مذنبٌ أمام الله، وعبدُ خطاياك، وعاصٍ، والموتُ على الصَّلِيْب نصيبُك.
قليلون مِن أتباع يَسُوْع يُدركون سرَّ الحكم على الذَّات، لأنَّ معرفة أنفسنا تتطلَّب أوَّلاً معرفة الله. فمقياسُ نَفسي ليس فكري، أو شعوري، بل هو الله نفسه، وناموسه، وعظمته. أمامه نحن جميعاً لا شيء، وبالأحرى فاسدون، هالكون. طوبى لك إنْ أدركتَ الله القُدُّوس المحب. عِنْدَئِذٍ تعرف مَن أنت بدون تفسير، وتنكسر انكساراً نهائيّاً.
هل أنكرتَ نفسكَ، وحكمتَ على ذاتكَ؟ إذاً اتبع يَسُوْع تلميذاً سامعاً نائلاً منه إرشاداً وقوَّةً وتعزيةً. اختبَرَ بُوْلُس الرَّسُول هذا الموقف، ووصفه بكلمته الشَّهيرة: "مع المَسِيْح صُلِبْتُ، فأحيا لا أنا، بل المَسِيْح يحيا فيَّ".
ومرَّةً أُخرى نقول إن أردتَ الشّهرة والقوَّة البشريَّة والنَّجاح الدُّنيَوي، فإِنَّ حياتك الرُّوحيَّة تضعف، وتصبح أحد الأَمْوَات في الخطايا. لكنْ حيثما تُضحِّي بحياتك شُكراً لمصالحتك مع الله، وتَنشُر إِنْجِيْل المَسِيْح قولاً وسُلوكاً، تعِشْ إِلَى الأَبَد مطمئنّاً مسروراً، ليس لأنَّك تأتي بأَعْمَال صالحة مِن تلقاء نفسك، بل لأنَّ الرُّوْح القُدُس الحالّ فيك يُنشئ رجاءً ومَحَبَّة وصلوات. هو المُجدِّد لنفسك، ويخلق فيك ذهناً مقدَّساً، فالحياة الجَدِيْدة في المَسِيْح هي الحياة الحقَّة المستحقَّة أن نُسمِّيها حياةً، وكلُّ ما عداها هو بليَّةٌ وبؤسٌ. ثمَّة أناسٌ يملكون سيَّاراتٍ فخمةً، وهم أصحاب ملايين، ولكنَّهم مع ذلك قلقون ومضطربون، وبعضُهم ينامون والمسدَّسات تحت وسائدهم. وملكات الجمال يعشنَ بضمائر جريحة مخدوشة. فهؤلاء وأولئك غير مسرورين بتاتاً، وسيَبقون مضطربين تعساء إِنْ لم يُطهِّرهم دم المَسِيْح ويُجدِّدهم بقوَّة روحه القُدُّوس.
كلُّ إنسانٍ بدون يَسُوْع هو عبدٌ للخطيئة، فاقِدٌ طهارة قلبه، وخاسِرٌ نفسه خسراناً أبديّاً؛ فالإنسان لا يقدر أن يجدِّد نفسه بنفسه. وأنتَ بدون يَسُوْع ضالٌّ مسكينٌ محكومٌ عليك بالهلاك، لأنَّك بطبيعتك نجسٌ شرِّيرٌ. المَسِيْح هو وحده مُخلِّص العالَم، وكُل ُّ مَن يُهمل أو يرفض كلمة خلاصه يهلك إِلَى الأَبَد. أمَّا كلُّ الّذين يَقبلون إِنْجِيْله، ويعترفون بقوَّته في عصرنا المتمرِّد، فيَرون رجاءً في مُسْتَقْبَل العالم، لأنَّ المَسِيْح آتٍ قريباً في مجد أبيه، وأتباعه الأحياء هم حاشيته البهيَّة. عِنْدَئِذٍ يُقيم مَمْلَكَة محبَّته على الأرض مع الّذين ماتوا لأنفسهم، وها هم أحياء في قوَّة روحه. فهل أنتَ عبدٌ لشهواتك؟ أم أنتَ ثابتٌ في المَسِيْح؟

الصَّلَاة
نشكرك أيُّها الرَّبّ يَسُوْع لأنَّك تركتَ مجدكَ السَّمَاوِيّ، وأخليتَ نفسكَ، وأصبحتَ إنساناً ضعيفاً، مُطيعاً لإرشاد أبيك، وفدَيتَنا للحياة الرُّوحيَّة الحقَّة؛ ولأنَّكَ تواضعتَ، وأنكرتَ ذاتَك، رجعتَ إلى أبيك ومجده، وتحيا مالكاً معه في وحدة الرُّوْح القُدُس إِلَى الأَبَد. علِّمْنا فكرك كي نُنْكِر أنفسنا، فنَترك شهواتنا مَصْلُوبةً على صليبك، ونخدمك في دوافع محبَّتك، مُحِبِّيْن لجميع الناس، وعبيداً لمسرَّتك. آمين.
السُّؤَال
ما هي المَبَادِئ الضّروريَّة لاتِّباع يَسُوْع؟