Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
مجد الله
4:2وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ.3وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ.


عندما دوَّى صوت الملاك كالبوق صار يوحنا "في الروح". ليس المقصود هنا أنَّ الروح ملأه، بل غلفه. لم يكن الروح فيه فقط، بل كان حوله أيضاً. كان يوحنا "في الروح". نقرأ في كتاب العَهْد الجَدِيْد 27 مرّة أنَّ المَسِيْح "فينا"، وحوالي 175 مرة أننا نحن "في المَسِيْح". لسنا نحن الذين "نملك" المَسِيْح أو روحه القدوس، لأنه هو بالحريِّ "فينا" يمتلكنا ويلبسنا مجده، فنختفي كلا شيء في نعمته، لأننا نحن فيه. هو ثوبنا وحصننا الواقي، وهو يحمينا ويحملنا.
نقرأ في سفر حزقيال مراراً كيف قاده الروح بالمثل، أي "حُمِل بالروح" (حزقيال 3: 12- 14؛ 8: 3؛ 11: 1 و24؛ 37: 1؛ 40: 1- 2؛ 43: 5) وبعد حادثة الروح صمت النبي في الجماعة سبعة أيام. ويخبرنا بولس أيضاً أنه يعرف أنَّ هذا الإنسان (أفي الجسد أم خارج الجسد) اختُطف إلى السماء الثالِثة وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يَسُوغ لإنسان أن يتكلم بها (2 كُورنْثوْس 12: 2- 4).
ليس الروح الذي يتكلم عنه يوحنا روحا مخلوقاً، بل هو روح الله منذ البدء بحسب كلمات بولس: "لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ" (رومية 8: 14). ليس ثمة ما يدعو للخوف من الرُّوْح القدُس، لأنه روح الآب والابن، وهو يأتي إلينا معزّياً ومعيناً. إنَّه قوّة الله ومحبته القدوسة؛ فيليق بنا إذا أن نثق بقيادة هذا الروح، روح يَسُوْع المَسِيْح، ثقة تامة، لأنه يريد أن ينجينا ويباركنا ويقوينا.
فتح الروح عيني يوحنا حتى إنَّه رأى أوَّلاً عرش الله العظيم. ليس هذا العرش كرسيّا أو مقعداً فاخراً مرتفعاً، ولا أريكة ذهبية كما كان لسلاطين الأتراك سابقاً، بل إن عرش الله هو مركز قوة السّماء الذي تصدر عنه القرارات الحاسمة والقوى والبروق والبركات والحمايات والقيادات وأحكام الدَّينونة. وليس مبنى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، أو"الكرملين" في موسكو، أو عروش المغول في الهند سوى ظلال إذا قيست بملء سلطان عرش الأبدي.
كان العرش، حين رآه يوحنا، قائماً في السّماء، مركزاً للأبديّة. وكانت "عربة عرش الله" تظهر أيضاً خارج السّماء في منطقة ما بين النهرين، كما يخبرنا حزقيال (حزقيال 1: 4: 28).
نقرأ في كتاب العَهْد الجَدِيْد 60 مرّة عن عرش الله، معظمها في سفر رؤيا اللاَّهُوْتِيّ (47 مرّة) و 12 مرّة في الأَصْحَاح الرَّابِع هذا.
يصف يوحنا في الأعداد التالية من الرُّؤْيَا الجَالِس عَلَى العَرْشِ بملء الدّهشة، وما حوله وأمامه وداخل العرش. إنَّ عرش الله هو محور الأبدية.
علم يوحنا فجأةً أنَّ على العرش واحداً جالساً. لم يكن العرش خالياً. يصف الرّائي مجد الله بتحفظ لا مثيل له، فهو لا يتكلم عن يهوه أو ايلوهيم أو الآب، بل يقول : "وعلى العرش جالس".
الأزلي جالس. لم يسترخِ براحة وانبساط مثل بوذا، بارد العواطف تجاه الزمن والأبدية، بل ظهر كنار ونور، كقوة مركَّزة، كرئيس السلام وضابط الكل الذي خلق كل شيء ويحكم كل شيء ويدين كل إنسان.
إنَّه واحد، وليس اثنين أو ثلاثة أو أكثر. تظهر هنا علانيةً شهادة إيمان العَهْد القَدِيْم (التثنية 6: 4- 5؛ قارن مرقس 12: 29- 30)، وتدين هذه الرُّؤْيَا السّماوات عند الهنود واليونانيين، وتبرهن على كذبها. إنَّ كل شكل من أشكال تعدّد الآلهة هو ناتج عن تجربة الخطيّئة الأولى: "تكونان كالله" (التكوين 3: 5). لقد أقر يَسُوْع بوضوح عكس ذلك: "أنا والآب واحد" (وليس اثنين) (يوحنا 10: 30). فينبغي للمَسِيْحِيّين ألا يتكلموا بطيش عن إلهَين أو ثلاثة، لأنَّ وحدة الثالُوْث الأَقْدَس التامة تفوق إدراكنا، وتتطلب منطقاً روحيّاً يتيح لنا الخضوع له بتواضع.
يلخِّص يوحنا هذه التأملات كلها عندما يشهد بما رآه: "وعلى العرش جالس". لا يظهرُ المشركون (المؤمنون بعدة آلهة) وحدهم في هذه العبارة كضالين، بل كذلك الملحدون جميعا والماديون. ولكنْ كان على الكنائس السبع في أسيا الصغرى أن تدرك أنَّ إلهنا حي وكائن وحاكم. وأنه لم ينسَنا في اضطهادنا، وليس عرشه خالياً في راحة أبدية، بل إنَّ أحداث العالم كلها مركزة فيه. هو خالق السّماء والأرض. يعرف كل واحد، وله سلطان على كل واحد. هو الديان الذي أصبح في آن واحد، وبواسطة يَسُوْع المَسِيْح, أبانا. لا حاجة للخوف من رب المجد، فهو المحبة المشخصة. يحبنا شخصيا ويعرفنا ويهتم بنا.
الصَّلاة: نعظّمك أيُّها القدّوس لأنّك حيّ وموجود وجالس على عرشك المجيد. وتحكم على الكون. وتظهر قداستك كحجر اليشب بدون بقع. ومحبّتك كحجر عقيق ناري.وحولك قوس قزح ممتلئ قدرتك السرمدية. نسجد لك ونتهلل لأنك حيّ وموجود في كلّ حين.

لا يشهد يوحنا بمثل أقوال الإيمان المفصلة هذه، بل يصف فقط ما رآه ولا يضع تفسيراً في رؤياه. يتلعثم قائلاً: إنَّ منظر الجَالِس عَلَى العَرْشِ كلمعان الحجارة الكريمة. ولكن إلهنا ليس حجراً بارداً مع أنه الأكرم والأغلى؛ وليس كتمثال بوذا الميت المصنوع من اليشب الصافي في هيكل بانكوك حيث يضع الملك الحاكم كل شتاء شالاً غالي الثمن على كتفيه كي لا يصاب "إلههم" بالزّكام. ليس إلهنا مادَّةً مخلوقة، بل هو نار وقوة ونور وروح ومحبة (التثنية 4: 24؛ 9: 3؛ إِشَعْيَاء 60: 1 و19؛ حزقيال 1: 26 و 27؛ متى 26: 64؛ يوحنا 4: 24؛ يوحنا الأولى 4: 16؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 12: 29؛ رُؤْيَا يُوْحَنَّا 21: 23؛ 22؛ 25 وغيرها).
رَأَى يُوْحَنَّا القدُّوسَ لامعاً لمعان حجر اليشب والعقيق. واليشب كما نعرفه اليوم حجر كوارتز غير شفاف يظهر بألوان ما بين الأحمر والأبيض أو البني والأخضر. في الأَصْحَاح 21: 11 يشبّه لمعان أورشليم الجَدِيْدة النازلة من السّماء "ولها مجد الله" بلمعان أكرم حجر كحجر يشب بلوري. ولعلّ اليشب في زمن يوحنا كان بلوراً فاتح اللون شفافاً بدون بقع يتلألأ في نور الشّمس ويلمع. بالمقارنة مع هذا اليشب، وصف الرّائي طهارة الله الحيّ وقداسته ومجده.
أما الله فليس قدوسا وحسب، بل هو المحبة أيضاً. يتوهج العقيق كالنار ويضيء في النور كالدم القاني. ينبهنا هذا اللون الوهاج إلى أنَّ الله إلهٌ غيور يحب عالمه الساقط ومستعد أن يضحِّي بأغلى ما عنده لأجله ويترقب بشوق تبادل محبته. وهذا ما نجده في لون العقيق الأحمر الذي يرمز إلى ذبيحة المَسِيْح وعطف الآب أثناء آلام الابن على الصَّلِيْب.
مجد شفاف كالبلور ممزوج بمحبة مقدسة جارفة حمراء كالدم: هذه هي صورة أبينا في السّماء. يصف يوحنا فقط ما رآه ولا يفسر رؤياه الروحية. ولكن الألوان تُعبِّر عن ذاتها والإنجيل يثبت رسالتها.
رَأَى يُوْحَنَّا حول العرش هالة من شعاع نور باهر كقوس قزح كامل مستدير كالدائرة, ولكن لم يشع هذا القوس في السّماء بالألوان كلها، بل باللون الأخضر المنير. هل يشير هذا اللون إلى طاقة هائلة, وقوة وقدرة ويشبه النتوء في تاجية الشمس؟ يعني المقطع "إيل" في إيلوهيم القوة والقدرة.
يُذكِّرنا قوس القزح حول عرش الله برحمته وسط الدَّيْنُوْنَة، وهو ما وعد به نوح ونسله كرمز لعهده معهم.
يُعلن لنا الأبيض البلوري الشفاف والإنارة الحمراء كالدم في شعاع الإكليل الأخضر الفاتح مَن هو الجَالِس عَلَى العَرْشِ: القدّوس كله محبَّة وهو القوَّة التي تحافظ على كل شيء.

الصَّلَاة
أيُّها الآب السماوي نعظّمك لأن الكون في يدك ويحقّ لنا أن نرفع أعيننا نحوك ونتمتم خجلاً: شكراً لك أيُّها الآب لأنّك تحبّنا وتبنينا لأجل كفّارة المسيح وسكبت روحك القدّوس فينا. ساعدنا لنمجّدك قولاً وعملاً إلى الأبد. آمين
السُّؤَال
ماذا يعني أنَّ العرش في السماء غير فارغ بل يجلس أحد عليه؟ بأيِّ ألوان ظهر الله القدوس للرائي وما تعني هذه الألوان؟