Skip to content

Commentaries
Arabic
متى
  
التمهيد كتابة إنجيل المسيح حسب البشير متى



لحياة المسيح وأقواله وموته وقيامته شهود عيان كثيرون. نعلم من شهادتهم أن المسيح لم يكتب كتباً، رغم أنه كان قادراً على الكتابة باللغة العبرية. إنه كلمة الله المتجسد، إذ عاش ماقاله، فسيرته وسنَّته يشكلان ويكونان الإنجيل المفتوح لكل من يحب الحق. ليس كلام المسيح تعليماً وحسب، بل هو قوة الله البناءة. إن كلمة إنجيل تعني بشرى معزية، لأنه يقدم لنا غنى لطف الله ونعمته في المسيح يسوع.



الأناجيل الأربعة


إن كلمة "إنجيل" مأخوذة من الكلمة اليونانية "إوانجليون" ومعناها "بشارة" أو "خبر طيب". فالإنجيل إعلان الأخبار المفرحة عن الخلاص. وتستخدم الكلمة أحياناً للدلالة على قصة حياة ربنا يسوع المسيح ( مرقس1:1) بما في ذلك كل تعاليمه ( أعمال 20: 24).

وكلمة إنجيل الآن، تعني في المقام الأول، الرسالة التي تكرز بها المسيحية، فهي "الخبر الطيب". إن الإنجيل عطية من الله. إنه إعلان غفران الخطايا واسترداد البنوة لله بواسطة المسيح.

وضع روح الرب بين أيدينا أربعة كتب عن سيرة المسيح، إذ أوحى بها لكُتَّابه البشيرين متى ومرقس ولوقا ويوحنا. اثنان منهم كانا من تلاميذ المسيح المقربين له، واثنان من مرافقي رسله، وهذان استقيا الأخبار من الرسل بدقَّة. حين نتأمل الأناجيل نرى أن الثلاثة الأولى تتشابه كثيراً، حتى أنها في بعض الأحيان تظهر العبارة نفسها في كلٍّ منها، رغم أن كلاً يذكر أخباراً خاصة مميزة عن حياة المسيح، لم يذكرها غيره. فلكل إنجيل ميزة خاصة به.



من هو متى؟


متى هو أحد رسل يسوع المسيح الإثنى عشر ( مت10: 1-4 ) وهو من منطقة الجليل (أع 2: 7) إسمه الأصلي "لاوي بن حلفي" ( مر2: 14؛ لو5: 29). وكلمة "متى" معناها " عطية الله". والضيافة الكبيرة التي صنعها متى في بيته ليسوع، ودعا إليها جمعاً من عشارين وآخرين، كانت بمناسبة دعوة الرب له وفرحاً بها. لكنه لتواضعه لم يعلق عليها.

كانت مهنة متى في أول الأمر عشاراً، أي أنه كان يجمع الجزية للدولة الرومانية. لذلك كان هو وأمثاله من العشارين منبوذين ومحتقرين من اليهود الذين كانوا يعتبرونهم غير مستحقين للجنسية اليهودية. وطالما اقترنت أسماؤهم بالخطاة الوثنيين (متى 9: 10-11، 18: 17). كثيراً ما تذمر الفريسيون من الرب لقبوله العشارين ودخوله لبيوتهم (لو5: 30، 15: 51، 19: 7). لكن نعمة الله هي للجميع بدون استثناء، وهي قادرة أن تخلص أشر الخطاة. لقد دعت متى من مكان الجباية للرومان، ليكون رسولا للرب يسوع المسيح. وبعد أن كان نكبة على اليهود بجبايته كعشار، جعلته نعمة الله "عطية منه" لهم بإنجيله كبشير. لذلك لم يخجل أن يسمي نفسه "متى العشار" (متى10: 3).



ميزة الإنجيل حسب البشير متى


تبرز في الإنجيل حسب متى دعوة المسيح للمساكين والثقيلي الأحمال (أصحاح 11) وبعض الأمثال عن نمو ملكوت الله (أصحاح 13) ومثَل العبد الشرير والفعَلة المتأخرين في الكرم (أصحاح 20) وَمثَل العذارى العشر الحكيمات والجاهلات، ووصف الدينونة الأخيرة (أصحاح 25).



الإنجيل الأصلي الآرامي


تشترك الأناجيل الثلاثة الأولى في سرد مجموعة من الأخبار المختارة عن حياة المسيح وأقواله. إذ يتضح أنه قبل كتابة الأناجيل الثلاثة باللغة اليونانية، جَمَع الرسل ودونوا ما حدث في حياة المسيح وما قاله باللغة الأرامية، التي كانت الأساس لكل البشيرين في كتابة أناجيلهم (أعمال الرسل 2:42، لوقا 1:1-4 ، يوحنا 20:30).



من كتب إنجيل متى؟


كان متى، كاتب الإنجيل الأول والأطول، رئيساً للجباية، محتقراً من الشعب لأنه موظف ماهر للدولة المستعمِرة. واسمه الأصلي لاوي (مرقس 2:14 ،لوقا 5:27). لكن المسيح اعطاه اسماً جديداً «متى» أي "عطية الله".

نجد أقدم شهادة عن إنجيل متى عند شيخ الكنيسة بابيوس، إذ نقرأ في سجلاته أن متى جمع أقوال الرب أولاً باللغة الآرامية. ونجد مصداقية ذلك في الكلمات المتعددة التي كُتبت بلفظها الأرامي في الإنجيل، مثل رقا (أي رأس فارغ) ومامون (أي مال). فالأرجح أن الرسل فوَّضوا متَّى، وهو أمهرهم باللغات ليجمع أقوال المسيح ويترجمها تحت إشرافهم إلى اللغة اليونانية.

كما أن الأدلة الداخلية في الإنجيل نفسه ترجح أن يكون الكاتب متى العشار. فهذا الإنجيل يحوي إشارات إلى العملات المختلفة أكثر من أي إنجيل آخر. في الواقع إنه يشير إلى ثلاث وحدات نقدية لا توجد في أي مكان آخر من العهد الجديد. وهكذا فإن إنجيل متى يتفرد بالإشارة إلى " الدرهمين " ( متى 17: 24) و" الإستار" ( متى17: 27) و" الوزنة" (متى18: 24). وبالتالي يتضح أن كاتب الإنجيل كان ملماً بأنواع العملات المختلفة ويهتم بتحديد هويتها وقيمها للأتباع. جدير بالذكر أيضا أن هذا الإنجيل يشير في عداد تلاميذ المسيح إلى "متى العشار" علامة على تواضع الرسول متى، بينما يذكر مرقس ولوقا في عداد تلاميذ المسيح "متى" دون ذكر لصفة الإذلال " عشار". يظهر هذا التواضع عند الرسول متى أيضاً لعدم ذكر تفاصيل معينة ترفع من شأنه. فهو لا يذكر أن الوليمة التي صنعها ليسوع كانت من تدبيره وفي بيته لكنه يكتفي بذكر " في البيت" (متى 9: 9-10) بينما يوضح لنا لوقا (لو5: 29) بأن متى صنع للمسيح "ضيافة كبيرة". لا يذكر متى في إنجيله قصة زكا وقصة الفريسي والعشار (لو18: 9-14؛ 19: 1-10) ربما لأن كلا القصتين تحويان مدحاً ضمنياً لإيمان العشار.



خطابات يسوع الستة


تنقسم أقوال المسيح في إنجيل متى إلى ستة أجزاء شاملة متتابعة بنظام معيَّن، لا تحوي أفكاراً مكررة. لقد اتَّبع متى تعليم معلِّمه خطوة خطوة، وأبرز أولاً دستور ملكوت السماوات (الأصحاحات 5-7) ثم أعقبه بالأوامر لنشر ملكوت السماوات (أصحاح 10) ثم أسرار نموّه (أصحاح 13) ثم تنظيمه الداخلي (أصحاح 18) ثم الويلات على أعداء ملكوته ( أصحاح 23) وأخيراً ظهوره في مجيء مَلِكه (أصحاحان 24 ، 25). فَذِكْر أقوال يسوع هذه أثمن كنـز في إنجيل متى التي تستحق الدراسة والتعمق.



الغاية من إنجيل متى


نجد اتجاهاً خاصاً عند البشير متى لإبراز تفاصيل سُنَّة المسيح، لأنه يبرهن لليهود أن يسوع الناصري هو المسيح الحقيقي الموعود، ابن داود وابن ابراهيم. وقد استخلص متى، أكثر من كل البشيرين الآخرين، آيات من العهد القديم ليؤكد أن يسوع هو المسيح الملك الالهي، الذي به تمَّت وعود الوحي. لذلك أصبح إنجيله أفضل الأسفار لتأسيس وتثبيت المؤمنين بتعمُّقهم في تعليم المسيح، وهو في نفس الوقت صالح لتبشير أولاد إبراهيم وجذبهم إلى مخلّصهم الذي احتمل عنهم دينونة الله.

هذان القَصْدان-التبشير والتعليم-هما مترابطان في إنجيل متى بطريقة عجيبة، وضعت هذا السفر في الموقع الأول من العهد الجديد، لتمجيد يسوع مسيحاً لله.



تاريخ كتابة الإنجيل حسب متى


كُتب هذا الإنجيل الفريد حوالي سنة 58 للمسيح، أي بعد 25 سنة تقريباً من صَلبه. ويجمع العلماء أنه كُتب قبل خراب أورشليم سنة 70م. إذ ليس من إشارة فيه إلى خراب الهيكل أو أورشليم بل على العكس فإن النبوات التي فيه تشير إلى توقع حصول هذا الحدث في المستقبل ( راجع 23: 37-38؛ 24: 1-2). إضافة إلى ذلك يسجل الرسول متى تحذيرات كثيرة في إنجيله ضد الصدوقيين الذين فقدوا مركزهم في السلطة بعد دمار أورشليم.

وإننا نجد فيه أقوالاً صادقة عن أعمال وأقوال سيدنا يسوع المسيح الذي يدعونا إلى اتِّباعه كما دعا متى نفسه.


السُّؤَال
من هو متى، وكيف عرَّف عن نفسه؟
السُّؤَال
ماهي ميزات الإنجيل حسب متى؟
السُّؤَال
ماهي غاية الإنجيل حسب متى؟