Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
2 - العاصفة البحريّة وانكسار السفينة عند جزيرة مالطة
(27: 14 - 44
27:14وَلكِنْ بَعْدَ قَلِيلٍ هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ يُقَالُ لَهَا "أُورُوكْلِيدُونُ"15فَلَمَّا خُطِفَتِ السَّفِينَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَابِلَ الرِّيحَ، سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ16فَجَرَيْنَا تَحْتَ جَزِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا "كَلَوْدِي" وَبِالْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ الْقَارِبَ17وَلَمَّا رَفَعُوهُ طَفِقُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ، حَازِمِينَ السَّفِينَةَ، وَإِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَقَعُوا فِي السِّيرْتِسِ، أَنْزَلُوا الْقُلُوعَ، وَهكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ18وَإِذْ كُنَّا فِي نَوْءٍ عَنِيفٍ، جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِي الْغَدِ19وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ السَّفِينَةِ.20وَإِذْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ وَلا النُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّاماً كَثِيرَةً، وَاشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، انْتُزِعَ أَخِيراً كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا21فَلَمَّا حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ، حِينَئِذٍ وَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ:"كَانَ يَنْبَغِي أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِي وَلا تُقْلِعُوا مِنْ كِرِيتَ، فَتَسْلَمُوا مِنْ هذَا الضَّرَرِ وَالْخَسَارَةِ22وَالآنَ أُنْذِرُكُمْ أَنْ تُسَرُّوا، لأَنَّهُ لا تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ إِلاَّ السَّفِينَةَ23لأَنَّهُ وَقَفَ بِي هذِهِ اللَّيْلَةَ مَلاكُ الإِلهِ الَّذِي أَنَا لَهُ وَالَّذِي أَعْبُدُهُ،24قَائِلاً: لا تَخَفْ يَا بُولُسُ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ اللّهُ جَمِيعَ الْمُسَافِرِينَ مَعَكَ25لِذلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا الرِّجَالُ، لأَنِّي أُومِنُ بِاللّهِ أَنَّهُ يَكُونُ هكَذَا كَمَا قِيلَ لِي26وَلكِنْ لا بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ".


دوّت الزوبعة حول جزيرة كريت، وأهاجت البحر وطردت السفينة مِن الميناء القريب. فحاول البحّارة بكلّ قدرتهم الوصول إلى ذلك الميناء فلم يفلحوا، لأنّ قوَّة العاصفة دفعت السفينة الضخمة بركّابها الستة والسبعين والمائتين في عرض البحر الهائج. والقارب الصغير المجرور وراء السفينة رفعوه إلى السطح، لكيلا يمتلئ ماء ويغرق. وشاهدوا أَثناء انزلاق وتضعضع سفينتهم جزيرةً صغيرة (كلودي) وكأنَّها تمرّ بهم بسرعة؛ ولم يستطيعوا الرسوّ في خليجها، لتدفق الأمواج الهائلة عليهم. وبعدئذ ربطوا السفينة وسط الرياح المدوِّية بحبال غليظة، وأحاطوها بتلك الحبال كشبكة كبيرة، لئلاّ تتكسّر ألواحها في ضربات الأمواج العاتية، إذ كان صنّاع السفن آنذاك يصنعون سفنهم مِن الخشب، ولم يكن لديهم الأدوات الحديثة، الحديد والبراغي الشديدة في تثبيت الأخشاب بعضها ببعض، وبعد ذلك حاول البحّارة إنزال لوحة خشبيّة مثقلة بحجارة، لوضعها في مواجهة الأمواج أمام السفينة، لتخفيف ضربات الأمواج عنها.
وفي اليوم الثاني من مصارعة الأمواج خوفاً مِن الغرق، ألقوا جزءاً مِن القمح في البحر، لكي تخفّ حمولة السفينة، فترتفع عن أشداق الأمواج. ولمّا لم تخفّ حدّة الزوبعة في اليوم الثالث، ألقوا أثاث السفينة إلى البحر، وقطعوا السَّارية الخشبيَّة أيضاً، ورموها مع أشرعتها إلى الموج بكلّ الأدوات الثقيلة، ولكنّ العاصفة دوّت مقهقهة، والبحر زمجر هائجاً، وأكثريَّةُ الرُّكابِ تقيَّأوا وداخوا، ولم تشرق عليهم شمس ولا قمر، فصلّى كثيرون بلجاجة، وصاموا لكي يستجيب لهم الله، ومضت أيام طويلة بلياليها، وأصبحت الدقائق كالساعات، ونما اليأس وخيّم التشاؤم، ولم يأت الطبّاخ بالغذاء، فأصبح البحارة والأسرى والعساكر ضعفاء مُتْعَبِين.
عندئذ قام بولس وشجّعهم. ورغم هيجان العناصر، لم يستطع أن يوفّر عليهم التقريع والتوبيخ واللوم. فقال لهم إنّ هذه الكارثة كانت بسبب عدم استماعهم لكلماته، وعدم الثقة بخبرته الصائبة، فكلّ عدم إيمان ينتج خسارة ويكلّف كثيراً مِن المصائب. ولكنّ بولس صلّى لمّا صرخ الآخرون، ورفقاؤه اجتمعوا معه لأجل الابتهال عن العُنُد، فترابطت شركة المحبّة ثابتة في هيجان جهنّم، والمسيح استجاب صلواتهم، وأرسل إلى بولس، في وسط البحر المزمجر، ملاكاً يؤكّد له أنّه لا يموت حتّى يقول للقيصر الروماني الإنجيل. أَجَل نعم إنّ السفينة ستغرق، لأجل عناد صاحبها وربّانها، ولكن كلّ نفس حيّة ستخلص هبة لبولس المصلّي ورفقائه.
أليست هذه الحادثة مثلاً عظيماً لحاضرنا؟ربّما يكون العالم بكامله قد أسلمه غضب الله بسبب خطايانا إلى سلطة الشيطان وأجناده المخرّبة، ولكنّ قدرة المصلّين تحفظ البشر أحياء، فالله يهدي للجميع البقاء لأجل صلوات المؤمنين ورجاء الكنيسة الخادمة.
لم يُلْقِ بولسُ على البحَّارة وركَّاب السَّفينة عظة تبشيريَّةً أو دَرساً لاهوتيّاً، لأنّ السفينة كانت تتمايل وتتأرجح كثيراً، والفزع ملك نفوسهم جميعاً، فشهد بولس بإيمانه الخاصّ الثابت، وهو واقف كصخرة في مهب الأمواج؛ ووثق الرسول بالله، أنّه سيتمّ كلّ شيء كما أخبره الملاك، فصار ينتظر اقترابهم مِن جزيرة واصطدام سفينتهم برمل الشاطئ حتماً، فلا بدّ مِن الخراب! ولكن وسط الخراب كان الخلاصُ أكيداً. أليس هذا جواب الله على مستقبل أوطاننا؟ صلّوا لكي تنجوا وإخوتكم جميعاً، لأنّنا واقعون مع الكلّ في السّفينة المشرفة على الهلاك نفسها، والشيطان يريد أن يهلك حاملي الإنجيل في قلوبهم. فاسهروا وصلّوا، لكيلا تسقطوا في تجربة.

الصَّلَاة
نشكرك أيّها الرّبّ يسوع، لأنّك أرسلت إلى بولس ملاكاً عزّاه وسط اليأس. أرسل إلى كلّ سجينٍ ومتضايقٍ لأجل اسمك معزّي المحبّة، وخلّصنا أيضاً وأهالي أوطاننا في العاصفة الرُّوحيَّة المقبلة على حضارتنا.
السُّؤَال
لم كان الله مستعداً أن يخلّص كلّ النّاس في السفينة رغم عدم إيمانهم؟