Commentaries
Arabic
- إنجيل المسيح حسب البشير متى
(عبد المسيح وزملاؤه) - إنجيل المسيح حسب البشير مَرْقُس
(عبد المسيح وزملاؤه) - إنجيل المسيح حسب البشير لوقا
(عبد المسيح وزملاؤه) - إِنْجِيْلُ المَسِيْحِِِ حسبَ البَشير يُوْحَنَّا
(عَبْدُ المَسِيْح وَزُمَلاؤُه) - أعمال الرسل حسب البشير لوقا
(عبد المسيح وزملاؤه) - رِسَالةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُوْمِيَة
(عَبدُ المَسِيْح وزُمَلاؤه) - رسالة بُوْلُس الرَّسُوْل إلى أهْلِ غَلاَطِيَّة
(عَبْدُ المَسِيْح وَزُمَلاؤُه) - رِسالةُ بُولُسَ الرَّسُول إِلَى أَهْلِ كَنِيْسَةِ فِيْلِبِّي
(عبد المَسِيْح وزملاؤه) - رِسالةُ بولس الرَّسول إِلَى الكَنِيْسَةِ في كُوْلُوْسِّيْ
(عبد المسيح وزملاؤه) - رِسَالَةِ بولس الرَّسول إلى العِبْرَانِيِّيْنَ
(عَبد المسِيح وزُملاؤُه) - رِسَالةُ يَعْقُوب
(عَبد المسِيح وزُملاؤُه) - رُؤْيا يوحنا اللاهوتي
(عَبْدُ المَسِيْح وَزُمَلاؤُه)
English
- The Gospel of Christ according to Matthew
(Abd al-Masih and Colleagues) - The Gospel of Christ according to Mark
(Abd al-Masih and Colleagues) - The Gospel of Christ according to Luke
(Abd al-Masih and Colleagues) - The Gospel of Christ according to John
(Abd al-Masih and Colleagues) - Acts of the Apostles
(Abd al-Masih and Colleagues) - Studies in the Letter of Paul to the Romans
(Abd al-Masih and Colleagues)
German
- Die Offenbarung des Johannes
(Abd al-Masih and Colleagues)
مقدمة
الجزء الأول
أركان الإيمان المسيحي
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 1- 29)
أركان الإيمان المسيحي
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 1- 29)
1- تعريف المرسلين والبركة الرسولية
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 1- 2)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 1- 2)
2- صلاة الشكر مِن بولس لأجل الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 3- 8)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 3- 8)
3- ابتهال الرسول بولس لأجل كُوْلُوْسِّيْ
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 9- 11)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 9- 11)
4- تمجيد الله الآب لأجل هدف الكنيسة المجيد
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 12- 14)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 12- 14)
5- المسيح هو صورة أبيه وخالق الكون في الوقت نفسه
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 15- 17)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 15- 17)
6- المسيح هو رأس الكنيسة ومصالحها مع الله
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 18- 23)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 18- 23)
ملء المسيح ومصالحتنا لله بواسطة صلبه المؤلم
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 19- 20)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 19- 20)
هل اختبرت الخلاص التام حقاً؟
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 21- 23)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 21- 23)
7- آلام الرسول لأجل كنائسه والسر العظيم في الإنجيل
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 23- 29)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 23- 29)
السرّ المعلَن لكنيسة يسوع
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 25- 27)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 25- 27)
كيف نشر بولس سرّ الإنجيل
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 28- 29)
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 28- 29)
الجزء الثاني
إعلان سرّ المسيح لحفظنا مِن المُضِلّين
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 1- 23)
إعلان سرّ المسيح لحفظنا مِن المُضِلّين
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 1- 23)
8- جهاد بولس لأجل الكنائس في كُوْلُوْسِّيْ ولاَوُدِكِيَّة
(2: 1- 3)
(2: 1- 3)
9- جذورنا في المسيح
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 4- 7)
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 4- 7)
10- مَن يدرك ملء اللاهوت في المسيح؟
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 8- 10)
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 8- 10)
12- حياتنا الجديدة مع المسيح
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 11- 15)
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 11- 15)
13- التحذير من التشديد على البِرِّ الناموسي والرؤى غير الكتابية
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 16- 23)
(كُوْلُوْسِّيْ 2: 16- 23)
الجزء الثالث
كيف تظهر حياتك الروحية الجديدة؟
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 1- 17)
كيف تظهر حياتك الروحية الجديدة؟
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 1- 17)
14- هل قمت مع المسيح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ؟
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 1- 4)
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 1- 4)
16- كونوا قديسين لأني أنا قدوس
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 5- 10)
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 5- 10)
17- كيف تنمو وحدة الكنيسة؟
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 11- 15)
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 11- 15)
18- ماذا يحفظ استمرار الكنيسة ونموَّها في الحياة الروحية؟
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 16)
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 16)
19- ماذا تفعل عملياً لأجل المسيح ؟
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 17)
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 17)
الجزء الرابع
النظام الروحي الجديد في الأسرة ومكان العمل
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 18- 4: 1)
النظام الروحي الجديد في الأسرة ومكان العمل
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 18- 4: 1)
20- موقف المرأة والرجل في العائلة
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 18- 19)
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 18- 19)
21- الأولاد وأهلهم في انقلاب الحضارة
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 20- 21)
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 20- 21)
22- العلاقة بين العبيد وسادتهم وبين العمال وأرباب عملهم
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 22-1:4)
(كُوْلُوْسِّيْ 3: 22-1:4)
الجزء الخامس
خلاصة الرِّسَالَة وتحيَّاتٌ شخصية
(كُوْلُوْسِّيْ 4: 2- 18)
خلاصة الرِّسَالَة وتحيَّاتٌ شخصية
(كُوْلُوْسِّيْ 4: 2- 18)
3- ابتهال الرسول بولس لأجل كُوْلُوْسِّيْ
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 9- 11)
بعدما سمع بولس الكثير مِن إيجابيات الكنيسة التي على تلال الأناضول، أدرك أنّ جماعة المؤمنين في المسيح هذه تحتاج إلى ابتهالات مستمرّة لتستطيع أن تقاوم المضلّين المتعصّبين. وطلب مع أصدقائه إلى الله الواحد الثالوث أن ينمّي أعضاء الكنيسة في إيمانهم ورجائهم ليس في الفكر فقط بل في قوّة الرُّوح القدس وفي الاتِّجاه إلى الهدف الحقّ.
ممتلئين بمعرفة مشيئة الله
تألّم بولس مِن هجوم المسيحيين مِن أصل يهودي الذين كانوا لا يزالون متمسّكين بشريعة موسى، وحاولوا أن يعلّموا الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ أنّهم بدون حفظ وصايا موسى ال(613) لا يدخلون السماء. لم يكن هؤلاء المضلّون يدركون خلاص المسيح بحقيقته أو أنَّهم أهملوه. لذلك لم يعلّم بولس أهل كُوْلُوْسِّيْ خطّة وفلسفة الله حسب العقيدة اليهودية. بل طلب منهم أن يمتلئوا بواسطة روحه مِن ملء معرفة مشيئة الله لكي يستطيعوا أن يصدُّوا محاولات دخول الشيطان إليهم. لم يتوقّف الجهاد الرُّوحي، كما طلب بولس، على الإدراك العقلي لمشيئة الله، بل تجاوزه إلى إعلان منعم بمعرفة روحيّة بمقاصد القدّوس لإدراك أنّه يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحقّ يقبلون (تيموثاوس الأولى 2: 4). إنَّنا لا نعيش بعد في عصر الشريعة، لأن لا إنسان يستطيع أن يتقدّس مِن تلقاء نفسه كالله القدّوس (سفر لاويين 11: 44 و 45؛19: 2). جميعنا ناقصون ويعوزنا مجد الله. ليس أحد يعمل صلاحاً ولا أحد. (رومية 3: 10- 23)
طوبى للإنسان الذي يدرك فساده، ويموت عن كبريائه السام، ويتضرّع إلى الله للحصول على النعمة،لأنَّ له يعلن القدّوس سرّ نعمته. القدير قدّس الفاسد لأنّه أرسل ابنه الطَّاهر الذي رفع خطيئة العالم ومات كفَّارةً عن الخطاة (كُوْرِنْثُوْس الثانية 5: 19- 21).
تحقّقت مشيئة الله الخلاصية في صليب المسيح. مَن يُدرك المسيح كمخلّص وفادٍ ويقبله ويؤمن به مِن صميم قلبه ويرتبط به بثقة يتبرّر ويطهر ويتقدّس بنعمة ولا يحتاج بعد إلى ختان ولا إلى حفظ سبتٍ ولا إلى امتناعٍ عن مأكولات محرمة، لأنّه قد أدرك مشيئة الله واختبر قوّتها. لقد خلص بالنعمة مجّاناً مرّة واحدة إلى الأبد.
في كلّ حكمة وفهم روحي
تكلّم بولس عن حكمة الله وليس عن حكمة الفلاسفة كما تكلّم اليونانيون. يعارض العقل البشري حقيقة خلاص الله التامّة بواسطة صليب المسيح. يريد أكثرية نسل آدم وحواء أن يفدوا أنفسهم بأنفسهم، لأنّهم فقدوا معرفة الله كمقياس لحياتهم؛ لذلك يحتاجون إلى عقل مجدّد ليستطيعوا أن يدركوا سرّ المسيح. لا يحتاجون إلى قليل مِن هذه الحكمة الإلهية بل إلى ملء حكمة الله ليدركوا ويقبلوا خلاصه التام. وهذه الموهبة الفائقة لا تأتي مِن ذكائهم، بل تتبلور بواسطة حلول الروح القدس فيهم. هو الذي يشعّ النور فيهم ويريهم محبّة الله وقداسته،ويكشف لهم حقد الإنسان واستحالة الفداء بالشريعة.
يرسل روح الله سلاماً أزلياً إلى القلب المؤمن. وإضافةً إلى عمل الرُّوح هذا يحتاجون إلى نعمة لتفكيرهم وتأمّلهم وتفصيلهم ليدركوا أعجوبة مصالحة الله مع العالم الفاسد بالعمق والعرض والعلّو. عِنْدَئِذٍ يستطيعون أن يجاوبوا فقهاء الشريعة ويوضحوا لهم أنّ خلاص الله يأتي بواسطة النعمة إلى الخطاة، وليس بأعمال صالحة وناقصة مِن الإنسان.
الصَّلاة: أيُّها الآب القدّوس نشكرك لأنّك منحتَنا معرفة مشيئتك وإدراك حالتنا الهالكة. نشكرك لأجل خلاص الله المتمّم بالنعمة وحدها، ونلتمس منك الحكمة كي ندافع عن هذا الامتياز بفهمٍ وصبرٍ، ونخبر الآخرين به بمحبَّةٍ وعطفٍ. آمين.
الحيّ الَّذي يستحقّ الرَّبّ
بعد رفض البرّ الموهوم المبني على الشريعة ودفاع الإيمان المبني على (الأنا) الصالح، طلب رسول الأمم من المولودين ثانية أن يسلكوا في حياتهم كما يحقُّ للرَّب شاكرين نعمته. لم يكتب بولس بهذه الكلمات شريعة جديدة بل صلّى ثانية لأجل الكنائس في جبال الأناضول أن يمنحهم القدّوس الثالوث النُّضج الروحي في حياتهم ليقدّس سلوكهم اسم الآب دائماً. أوضح الرسول امتياز تقديس الله المجيد بأمثلة عديدة، فشجّع مستلمي رسالته: عيشوا حتَّى يسرّ الله أبوكم ويطمئن فيكم. امتنعوا عن كلّ كذب ونجاسة وكبرياء وحساسية زائدة وثقة بالمال، وتمسّكوا بشرفكم حتَّى ينضج فيكم التواضع ووداعة المسيح، وتظهر في حياتكم الطهارة وصدق كلماتكم، وتنمو قوّة الله وثمار الروح القدس فيكم. يُقدِّم أتباع المسيح بهذه الطريقة أعمالاً صالحة أكثر مِن جميع المتمسّكين بالشريعة. إنَّهم لا يقدّمون أعمالهم الصالحة لتبرير أنفسهم وإنشاء خلاصهم بل بالعكس كشكر لأنّهم خلصوا حقاً بالنعمة. لقد قلب بولس بهذه الكلمات هدف ونيّة الأعمال الصالحة قلباً جذريّاً. فهذه الأعمال الصالحة لا تبني خلاص الخطاة، بل إنَّ ثمار الرُّوح القدس هي الدليل الواضح والبرهان الأكيد على إظهار الحياة الرُّوحية في المقدّسين بالنّعمة.
انموا في معرفة الله
لئن كان بولس يكتب أوّلاً عن معرفة مشيئة الله فقد قدَّم لمستلمي رسالته لبّ القضيّة حتَّى يعرفوا الله بالذات. لم يعلّمهم علماً لاهوتياً جديداً، بل طلب إلى الآب السماوي أن يعلن للكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ مَن هو وماذا يفعل. لم يفسّر بولس عقيدة معرفة الله هذه بكلماتهم هم، بل طلب إلى الله أن يعلن ويحقّق هذه الأسرار المستترة لحلقات المصلّين عنده وللكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ. حقاً ليست معرفة الله سوى نعمة، فهي ليست نتيجة عقلية أو اجتهاداً تقيّاً. كان يسوع يصلّي:" أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ, لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. 26 نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ, لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ. 27 كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي, وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الاِبْنَ إِلاَّ الآبُ, وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (متَّى 11: 25- 27).
ويقول بولس إثباتاً لهذا الإعلان: "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ, أَرْسَلَ اللَّهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ, مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ (شريعة موسى), لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ (الشريعة), لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ, أَرْسَلَ اللَّهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخاً, يَا أَبَا الآبُ" (غلاطية 4: 4- 7). وشهد بولس لكنيسة في روما:" إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ, بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ, يَا أَبَا الآبُ.. 16 اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللَّهِ" (رومية 8: 15 و 16).
مَن يتعمّق في نصوص الكتاب المقدّس هذه يستطيع الإدراك أنّ معرفة الله ليست أفكاراً وتعاليم وعلماً فحسب، بل هي كيان روحيّ وقدرة مغيّرة. يجعل إنجيل المسيح مِن الخطاة أولاد الله، لأنّ الأزلي المتعالي هو أبونا. نجد بين أسماء الله وصفاته البالغ عددها (350) في الكتاب المقدّس أنَّ اسم الآب هو خلاصة هذه الأسماء. وإن أراد أحد أن يدرك المعاني الغنية لهذا الاسم الجديد المعلن بالمسيح فليصلِّ الصَّلاة الربّانية ويؤمن بما يصلّي ويعمل ويختبر ما يقوله فينمو إلى غنى مجد الآب والابن بواسطة الروح القدس. لقد تكلّم يسوع مئتي مرّة في أقواله المدوّنة في الإنجيل عن الآب. أمَّا الرّوح فيصرخ فينا: يا أبا الآب. آمين.
متقوِّين لكلّ صبر وأناة
ختم بولس صلاته الشاكرة والمبتهلة لأجل الكنيسة البعيدة بثلاث طلبات روحيّة.
أوَّلاً طلب للكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ تقوية سماوية. قال يسوع لتلاميذه: ستنالون قوَّة الرُّوح القدس (أَعْمَال الرُّسُلِ 1: 8). فالإنجيل يمنح قوَّة مِن العلى. الله نفسه هو القوَّة الأصلية. (إيل: معناه قوة وقدرة). ودُفع إلى يسوع كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض (متَّى 28: 18). والروح القدس هو قوَّة الله نفسه. لذلك طلب بولس للكنيسة المنعزلة تقويتها بكلّ قوَّة في وحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس. تفوق هذه الطلبة الروحية عقل الإنسان، ولا نستطيع أن ندرك عمقها وطولها وقدرتها. وتعني ضمناً حلول وحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس في أتباع المسيح وأعماله الإلهية بواسطة إيمانهم (يوحنا 14: 23؛ و20: 22و23؛ أَفَسُس 6: 10؛ يوحنا الأولى 5: 4و5ألخ).
ينبغي أن نغيّر تفكيرنا ولا نفتش عن المثل العليا والأفكار الجذابة والكلمات الرنّانة، بل نهتم بعمل قوَّة الله؛ وهذا أهم مِن جميع العلوم والشهادات. لم يكتفِ بولس الموقوف في سجن الاستجواب بطلب جميع القوى السماوية لكنيسة الله، بل شجع الذين لا يعرفهم شخصياً على أن يتمسّكوا بقدرة القدير غير المحدودة لكي يملأ الكنيسة المنفردة بسلطانه المجيد. واستطاع بولس أن يكتب هذا الطلب لأنّه اعتبر وجوده في سجن الاستجواب معيَّناً مسبقاً مِن الله الذي وضع هذا الثقل على عنقه لكي يتعلّم الصبر ويجد وقتاً كافياً للصَّلاة لأجل أقربائه الروحيين وللكنائس في المستقبل. يكتب بولس رسائل مقوّية لهم لينشئ مِن الصمت المفروض عليه صرخة عالية مدوّية في أرجاء العالم لتمجيد يسوع. لقد آمن بولس بقدرة المسيح غير المحدودة والمجيدة كما رآه أمام دمشق بجلاله.
وإلى هذا الرَّبّ البهي طلبت الفرقة التي حول بولس تحقيق قوّته ومدّ الكنيسة بطاقة إلهيّة. مَن يتعمّق في هذا الأسلوب لتقوية الكنائس يسأل نفسه كيف ينبغي أن يدرّب طلاب اللاهوت في كنائسنا عملياً. لا يعني العلم التفصيلي نيل القوَّة، بل بالعكس تغيّرنا قوَّة الله إلى خدّامه المتواضعين الحكماء، كما أنّ الرَّب نفسه ظهر خادماً وحاملاً أثقال العالم (متَّى 20: 28).
وبدرجة أخرى طلب بولس وزملاؤه مِن ملك السماوات أن يمنح كنيسة كُوْلُوْسِّيْ كلّ صبرٍ وأناةٍ. لو تكلّم بولس عن الصبر والأناة عامّة لكان إرشاده مفهوماً. إنّما الفرقة المصلّية حول بولس طلبت كلّ صبرٍ وطول أناةٍ كما عاشهما المسيح. لذلك يعني طلبهم حلول ابن الله في قلوبهم حتَّى يُغيِّر تواضعه ووداعته أتباعه ويُقدِّساهم ويُنضِجا فيهم جميع ثمار الرُّوح القدس (متَّى 11: 29، أَفَسُس 3: 14و23).
تعني كلمة الصبر في اللغة اليونانية أن حمالاً يحمل حملاً ثقيلاً لا يستطيع التنفس إذا صعد جبلاً. وتعني عملياً أن لا نبغض زميلاً أرعناً في الخدمة، بل نكرمه. وأن لا نرفض أعضاء معارضين في الكنيسة بكبريائهم وعنادهم، بل نصلّي لأجلهم، ونحتملهم، ونباركهم، حتَّى يتغيّروا رويداً في قوَّة المسيح.
تدلّنا عبارة كلّ صبرٍ وطول أناةٍ أخيراً على محبّة الله الآب ورحمته للخطاة والمؤمنين الذين يعيشون في ثورة روحية ضدّه ويخدعون أنفسهم بقداستهم الكاذبة، وصبره عليهم جميعاً. فإلهنا صبور. وقد فسّر يسوع هذا الامتياز بمثَل الأب وابنَيه الضَّالَّين. لقد انتظر الأب سنواتٍ رجوع ابنه الضال البعيد، وعندما اقترب هذا خجلاً بلباسه المهترئ ركض أبوه إليه وعانقه وقبّله ووضع عليه رداء البرّ. لكنَّ الأب لم يُكلِّم ابنه الضَّال إلا بعد اعترافه بآثامه. عِنْدَئِذٍ بدأ احتفال الفرح لأنّ الأب قال إنَّ ابنه الضال قد وُجد والميت قام بواسطة حبال محبّة الأب وصبره. ومِن ثمَّ الأب إلى ابنه الثاني التقي الذي استاء مِن أخيه اللص ولم يرد أن يستقبله. وبذل هذا جهده لإقناع التقي المتكبر بمسامحة أخيه وقبوله كما قبله هو (لوقا 15: 11- 24). إنَّ هذا النوع مِن صبر الله الآب هو الذي طلبه الرسول وفرقته لأجل الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ، فأتمّوا بطلبتهم قول المسيح: كونوا رحماء كما أنّ أباكم هو رحيم. (لوقا 6: 36). ووضع بولس النقاط على الحروف، إذ طلب إلى الله أن يمنح الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ كلّ صبر وأناة بفرح. فيحدث أن بعض المؤمنين يغلبون حقدهم على أعدائهم ويحتملونهم بصبر طويل، ولكنَّهم يظلُّون عابسين. فطلب بولس اكتمال صبر المؤمنين في كُوْلُوْسِّيْ كهبة مِن الله، ممَّا يشير إلى قول المسيح: طوبى لكم إذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كلّ كلمة شرّيرة مِن أجلي كاذبين. افرحوا وتهلّلوا لأنّ أجركم عظيم في السماوات. (متَّى 5: 11و 12)