Skip to content

Commentaries
Arabic
كولوسي
  
2- صلاة الشكر مِن بولس لأجل الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ
(كُوْلُوْسِّيْ 1: 3- 8)
3:1نَشْكُرُ اللَّهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ, مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ,4إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ, وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ,5مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ,6الَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً, وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضاً مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ اللَّهِ بِالْحَقِيقَةِ.7كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضاً مِنْ أَبَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا, الَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ,8الَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضاً بِمَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ.


نحن
بعدما لاحظ بولس في افتتاحية رسالته مبادئ الإيمان المسيحي وملء الخلاص، التفت إلى الحالة الخاصّة في كُوْلُوْسِّيْ وشهد بصيغة الجمع (نحن) أن ليس هو فقط بل أيضاً تيموثاوس وأبفراس وإخوة في الإيمان آخرين صلّوا معاً، الأمر الَّذي يوضّح لنا سرّ النجاح الرُّوحي (متَّى 18: 9- 20، 28: 20). لم تبتدئ حلقة الصَّلاة ببحث المشاكل العملية والمسائل الخاصة، بل اهتمّت أوَّلاً بأسباب الشكر.

الشكر للآب السماوي
لم يشكر الَّذين يصلّون مع بولس إلهاً مجهولاً، بل واجهوا أبا ربّنا يسوع المسيح، وحمدوه لأجل وجود الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ ونموّها الروحي. وكلّ كنيسة حيّة هي أعجوبة نعمة الثَّالُوْث الأَقْدَس، لأنّ يسوع في انسجامه مع أبيه دعا الأموات في خطاياهم وطهّرهم وأحياهم وقدّسهم. ويعني هذا العملُ الرّوحي اقتحامَ السماء رحابَ الشيطان، وأيضاً انتصار يسوع المسيح على قوى الظلمة. لم تجتمع حلقة الصَّلاة في سجن الاستجواب بروما مرّة واحدة فقط للصَّلاة لأجل الكنائس الجديدة في الأناضول، بل استمرَّت الصَّلاة بمواظبةٍ في كلِّ حلقة صلاة. وكتب المصلٌُّون إلى مستلمي هذه الرِّسَالَة بوضوح عن أمانتهم في الصلاة والإيمان كي يفهموا أنهم ليسوا وحدهم وليسوا متروكين في جهادهم الروحي. طوبى للكنيسة التي فيها مصلّون أمناء وعندهم جداول أسماءٍ أشخاصٍ يشكرون لأجلهم ويحيطون المنعم عليهم، ليس لمرّة واحدة فقط، بل باستمرار بأمانة وبقيادة الروح القدس.

الصَّلاة: أبانا الَّذي في السماوات نشكرك لأجل جميع كنائس الدنيا وبخاصة تلك التي تتبلور في أيامنا باسم يسوع؛ ونتهلّل لأعجوبة السماء إلى عالمنا الظالم. ساعدنا على ألاَّ ننسى الشكر يومياً، لأنّك تعمل أكثر ممّا نعلم وندرك. آمين.

شكرت الفرقة التي حول بولس أبا يسوع المسيح لأجل ثلاثة مواضيع أساسيَّة في كنيسة كُوْلُوْسِّيْ.
أوَّلاً: لأجل إيمانهم بيسوع المسيح.
ثانياً: لأجل محبتهم الملتهبة في الرُّوح القدس.
ثالثاً: لرجائهم اليقين في الحياة الأبدية.

الإيمان الحقّ
كان الإيمان بمصلوب يهودي في المملكة الرومانية جسارةً، لأنّ مَن يُصلَب بحسب الشريعة الرومانية إمَّا أن يكون مجرماً أجنبياً أو عبداً فاراً. لهذا السبب كان إيمانهم بحَمَل اللهِ المصلوب وتبريرهم مِن خطاياهم على أساس كفّارة يسوع أعجوبة لنعمة الله. لم تكُن ثمَّة في الجماعات اليونانية فكرةٌ واضحةٌ عن محبَّة الله الرحيمة، وعن حكم الموت الشرعي على جميع الخطاة، وخلاص المؤمنين بكفارة يسوع البار. كانت هذه الأفكار غريبة ومستهجَنَة في أذهان وقلوب اليونانيين. فإن تأكّدوا مِن هذه الحقائق وآمنوا بالمخلّص المصلوب والمقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ كانت نعمة قدرة الله فيهم. ولذلك شكر بولس وفرقته أبا يسوع المسيح لأجل حلول هذه المعرفة في أهل الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ.

المحبّة الجوهرية
مَن يتحدَّث في العالم اليوناني عن المحبّة، يتبادر إلى ذهنه أوَّلاً الحبُّ الجنسي أيّ العاطفة الموجَّهة نحو العلاقات الجنسية (إيروس). وكتب آخرون عن المحبّة بمعنى الاحترام للعباقرة، وسمّوا الفلسفة بهذا المعنى محبّة الحكمة (فيلوسفي)، بينما أدرك قليلون المحبّة الأصلية (أكابي) الَّتي تقصد استعداد المحبّ للتضحية بعيداً عن كلِّ أنانية وإكرام للذَّات. فكان كلُّ مَن يتكلَّم عن محبّة الله ومحبّة المسيح وحتَّى محبَّة الأعداء لا يقدر أن يُعبِّر عن هذه المحبَّة باليونانيَّة إلاَّ باستخدام العبارة (أكابي) التي تتضمَّن عمق وقداسة هذه المحبّة. وكانت جماعة المصلّين حول بولس متأثِّرةً بمحبَّة أهل الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ الَّذين لم يتكلّموا كثيراً بل ضحّوا بدون أنانية. وعلم المصلّون أنّ هذه الفضائل لم تصدر عن المؤمنين الجدد أنفسهم، إنّما هي هبة من السماء، كما كتب بولس إلى أهل كنيسة روما:" إنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" (رومية 5: 5).
وهذه النّعمة الحالّة في أتباع المسيح تستحقّ شكرنا الثمين، لأنّ هذه الفضيلة تجعل الأناني حنوناً والحسّاس محتملاً الآخرين، والأغنياء مهتمِّين بالمحتاجين لا قولاً بل فعلاً. إنَّما الكنيسة الحقّة انتعشت بقدرة الرّوح القدس. يشتاق الإنسان إلى رفقة روحية واسعة يستقرّ فيها مع جوّ طاهر وفرح بمحبَّة الله. ويُستمَدُّ هذا الجوُّ مِن الإيمان الحقّ بيسوع الذي ينتج فينا ثمار روحه.

لجميع القدّيسين
كانت العبارة البارزة في فرقة الصلاة حول بولس أن أهل كُوْلُوْسِّيْ أحبّوا جميع القدّيسين. إنَّنا نجد في كلّ كنيسة شخصيّات روحية قويّة وأصدقاء روحيين ضعفاء. وتعمد الأكثريَّة إلى الاتِّصال بالأقوياء روحيّاً والابتعاد عن الآخرين الضُّعفاء. ومَن يحاول الاتِّصال بهؤلاء الآخرين قد يسمع كلمات مرّة واتهامات خبيثة. ولكن في كُوْلُوْسِّيْ، أحبّ الضُّعفاء الأقوياء، واحترم القدّيسون الأغنياءُ المساكينَ الفقراء. وأراد الأوّلون في الكنيسة أن يكونوا آخِرين، وشجّعوا الآخرين على أن يجدوا جرأة وتنفساً في الجماعة. لم ترفرف فرقة المَسْؤُوْلِيْنَ فوق البسطاء ولم يشعر المبتدئون أنّهم متجنّبون بل كان الجميع يستمعون إليهم ويُساعدونهم عمليّاً وليس قولاً فحسْب. إنَّ العبارة "جميع القدّيسين" تتجاوز إطار كنيسة كُوْلُوْسِّيْ، فتشمل أيضاً المسيحيين مِن أصل يهودي الجائعين في القدس، والمؤمنين المضطهَدين في قرى ومدن معذّبة. كانت لأهل كُوْلُوْسِّيْ آذانٌ مفتوحة وقلوبٌ مضحّية لضيقات أتباع المسيح في حوض البحر المتوسط. فساعدوا فرقاً مبشّرة بصلواتهم، ولم يهملوا يتامى مِن مسيحيين ماتوا ولا أراملهم، بل كان يسوع ورسله قدوة في محبّتهم لهم. ومارس الجميع محبَّة أعدائهم ومسامحة مبغضيهم. ولم يتحوَّل فرحهم إلى مرارةٍ إن سخر البعض منهم لأجل إيمانهم أو صرفوهم مِن أعمالهم أو احتقروهم، لأنَّ محبَّة الآب والابن والرّوح القدس ملأت حياتهم وغيّرت أذهانهم.

الصَّلاة: أيُّها الآب السماوي، نشكرك مِن صميم قلوبنا لأنّك تزرع وتنشئ عندنا، وفي البلدان البعيدة، الإيمان الوطيد بيسوع المسيح الذي يتحقّق بمحبّة قلبية مستعدّة للتضحية تجاه جميع القدّيسين، وحتّى أعدائهم. قوِّ إيماننا وحرّرنا مِن أنانيتنا لنمارس المحبّة الملتهبة، خاصّة لجميع القدّيسين المضطهدين المحتقرين. آمين.

الرجاء الحيّ
كان رجاء أهل كُوْلُوْسِّيْ الذي طبع حياتهم وأفكارهم أحد أسباب المحبَّة العاملة والإيمان الثابت فيهم. شكر بولس الله أبا ربّنا يسوع المسيح لأجل الرجاء الفريد في الكنائس الذي كان دافعاً لها في حياتها الرّوحية كمحرّك مستتر. ينمو اليأس في عالمنا مع انتشار الأمراض الخبيثة وتكاثر النسل والتَّلوُّث البيئي والأسلحة النوّوية والحروب الفتّاكة. أمَّا الموت كخطّ الله في الكون فأمرٌ منسيٌّ.
ولكنَّ المسيح قد قام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، وهو حيّ لم يتفتت في القبر كباقي مؤسسي الأديان الأخرى. فقيامته تبرهن قداسته، وتوضح انتصاره على الموت والشيطان، وتؤكّد لنا أنّ الله قد قَبِلَ كفّارته عن جميع الخطاة. فالمسيح هو الرجاء الوحيد لعالمنا. وتشرق قوَّة حياته في المجد كما رآها بولس في طريقه إلى دمشق.

كتابة بولس إلى أهل رومية
"إِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً, وَرَثَةُ اللَّهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا... بل نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللَّهَ, الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ, لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ" (رومية 8: 17 و18 و28و29).
شهد بولس الرسول أنّ جسد المسيح بعد قيامته مِن الأموات كان واضحاً وملموساً. وأكّد لنا أنّ هذا الجسد هو مثالٌ ورمزٌ لقيامتنا أيضاً، لأنّ الرَّبّ وعدنا أن نصير شبيهين بابنه ونعكس صورة مجده. وسيحلّ في أتباعه تواضعه وقداسته وقوّته ومجده ليتمّ القول بالآية:" أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا, وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا" (يوحنا 11: 25- 26). وكتب الرسول بولس إلى أهل الكنيسة في كُوْرِنْثُوْس:" هَكَذَا أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ, يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْماً حَيَوَانِيّاً وَيُقَامُ جِسْماً رُوحَانِيّاً. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ" (كُوْرِنْثُوْس الأولى 15: 42- 44) هذه الأسرار هي:

محفوظة في السماوات
ونقرأ في الرِّسَالَة إلى رومية خلاصة خطَّة الله للخلاص." إنّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ, وَأَمَّا هِبَةُ اللَّهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رومية 6: 23).
تعلّمنا هذه الآية أنّ الحياة الأبدية لا تأتينا إلاَّ مِن المسيح، وهو يبقى فينا إن نحن ثبتنا فيه. هو بنفسه الحياة الأبدية كما أن أباه هو مصدر الحياة. (يوحنا 5: 26) وشهد يسوع مراراً " أَنَا هُوَ الْحَيَاةُ " (يوحنا 11: 25؛ 14: 6). ولذلك كتب بولس إلى أهل فيلبي: المسيح هو حياتي (فيلبي 1: 21).
كلّ مَن يؤمن بالمسيح ينال لأجل إيمانه به الحياة الأبدية في هذه الدنيا. وهذه الحياة المستترة هي قوَّة حياة الله تحلّ وتعمل في أتباع يسوع. وسمّى بولس هبة الله هذه عربوناً لميراثنا في المستقبل لإكمال فدائنا. عندما اشترك المسيحيون في الحياة الإلهية بواسطة إيمانهم بفاديهم الحيّ، لم تحلّ فيهم حياة الله الكاملة إنَّما العربون حلّ فيهم. أمَّا غنى مجده فيتحقّق فينا عند المجيء الثاني للمسيح. مِن هبته لا يزال محفوظاً لنا في السماء. إنَّما قد حصلنا على العربون منها.

الرجاء الذي سمعتم به
سمعت الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ مِن الشيخ أبفراس، ومِن شهود المسيح الآخرين مراراً، كيف وهب يسوع المسيح حياته الأبدية للعالم. وربّما سمعوا الإنجيل الأصغر: "هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ, لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3: 16). تؤكِّد لنا هذه العبارة الأساسيَّة في العهد الجديد أنَّنا لا ننال الحياة الأبدية بعد الموت فقط، بل بالعكس ننال هذا الامتياز اليوم بواسطة ارتباطنا الإيماني بالمسيح يسوع.
وأكّد الرَّبّ لتلاميذه، أنّ أسماءهم مكتوبة في سفر الحياة. (لوقا 10: 20؛ فيلبي 4: 3). ودعا يسوع نفسه بالرَّاعي الصالح وأتباعه بخرافه التي يعرفها ويمنحها الحياة الأبدية حتى لا تهلك. (يوحنا 10: 28)
لقد وهب لهم كلمات الحياة المحيية الممتلئة بالقوى السماوية (يوحنا 6: 63 و68؛ فيلبي 2: 16) وكلَّم يسوع في صلاته الشفاعية أباه قائلاً: "هَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ, أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ" (يوحنا 17: 3). فكلّ مَن يعرف أنّ الإله الفريد العظيم هو أبونا المحبّ القدّوس، وكلّ مَن يفهم الإنسان يسوع، ويشكره لأجل كفّارته التي تبرّرنا إلى الأبد، ينال مِن الآب وحَمَل اللهِ هبة الرّوح القدس الَّذي قال بولس عنه:" وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ" (رومية 8: 10) فلأن المسيح مات لأجلنا ننال الحياة الأبدية مجاناً بنعمته. وينبغي ألاَّ ننسى أنّ حياة المسيح سرمدية، ولا يستطيع إبليس والموت أن يهلكها. فمَن يشكر يسوع فعلاً لحياته الأبدية التي وهبها لنا؟

الصَّلاة: أيُّها الآب السماوي، نسجد لك لأنّك منحتَنا الحياة الأبدية بواسطة يسوع المسيح ابنك. فمَن نحن حتَّى أدخلتنا نحن الأموات في حياتك الأزلية ومنحتَنا مجدك كعربون الرُّوح القدس. ساعدنا على أن نحبّك كما تحبّنا أنت. آمين.

سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ
سمَّى بولس عظاته عن المسيح الحيّ إنجيله (كُوْرِنْثُوْس الأولى 9: 16؛ 15: 1؛ كُوْرِنْثُوْس الثانية 4: 3؛ 10: 14؛ 11: 7؛ غلاطية 1: 8؛ ألخ).
كانت كلمة الإنجيل في أيامه تُستعمَل في الحياة اليومية. وكانت الأخبار الخاصّة لبلاط القيصر تُدعى إنجيلاً. فإن وُلد للحاكم ابنٌ كخليفة له، أو انتصر جيشه كانت تُرفَع اليافطات وتُقام الاحتفالات بهذا الخبر السَّار. أمَّا إنجيل بولس فلم يكن فلسفة بشريَّة، بل إعلان حقيقة تاريخية يَقبلها البعض ويرفضها الآخَر. ملأ يسوع وتلاميذه هذه الكلمة اليونانية بوعود العهد القديم. (يوحنا 61: 1 ولوقا 4: 18) وشهدوا بالأخبار المفرحة مِن عرش الله أنَّ ابن الله تجسّد في بيت لحم، فانتصر على الخطيئة والشيطان والموت على الصليب. ليست هذه الحوادث تقارير فلسفية بل حقائق تاريخية لا تَقبل المناقشة أو البحث، بل القبول بشُكرٍ. ومنذ ولادة المسيح ينتشر إنجيل الله في العالم كلِّه كي يفرح مَن يؤمن ويتقسى مَن يرفض غلبة الله (لوقا 2: 10).
سمّى بولس هذا الإنجيل (كلمة الحقّ) لأنّ لآيات الإنجيل وعباراته حقائق وأسساً لا تتزعزع. قد يشكّ المرء فيه أو قد يقبله فرحاً. وكلمات الإنجيل ليست محرّفةً، لأنّ الله نفسه لا يسمح بتحريف كلامه، بل يحافظ عليه (أرميا 1: 12). وكلمة (حق) تعني الصدق والحقيقة والشريعة كأساس للشَّعب ولسلوك الناس. ليست الفلسفات وبرامج الأحزاب وكتب الأديان والإعلانات الحضارية سوى أمانٍ صالحة وتخيّلات مرجوة، بَيْدَ أَنَّها ليست حقّاً ولا صدقاً. لا يوجد في الإنجيل كذب ولا غش، فحقّه أساس إيماننا. صلّى يسوع إلى أبيه قائلاً: كلامك هو حقّ. (يوحنا 17: 17) وهذه الجملة تدين جميع المزاعم المضادة للإنجيل الفريد.
وشهد يسوع فوق هذا الحقِّ قائلاً: الحقّ أقول لكم: إنّ مَن يسمع كلامي ويؤمن بالَّذي أرسلني فله حياة أبديّة ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل مِن الموت إلى الحياة (يوحنا 5: 24).
مَن يقرأ شهادة ابن الله هذه، ويفهم معانيها الأساسية والشرعية، ويؤمن بها، لا يفهم أنّ الإنجيل حقّ وصالح فحسْب، بل أنّه القوّة الإلهية التي تتحقّق كحياة أبدية في جميع الذين يثقون بكلمة الحقّ هذه الَّذين قد انتقلوا مِن يوم الدين ومِن حوزة الموت إلى الحياة الأبدية بواسطة ارتباطهم الإيماني بالمسيح. ليست هذه الحقيقة فلسفة بل كياناً روحيّاً جديداً دخل بيسوع المسيح إلى عالمنا الفاسد.

الصَّلاة: أيُّها الرَّبّ يسوع المسيح، نسجد لك، لأنك أخبرتنا بالحقّ عن أنفسنا وعن الله أبيك، وأعطيتنا إنجيلك الخبر السار مِن السماء الممتلئ بالقوّة والحياة. ساعدنا أن نقرأ كلامك بانتباه، ونحفظه غيباً، ونعمل ما تقوله لنا كي نُكرمك ونشكرك لأجل إنجيلك. آمين.

قد حضر الإنجيل إليكم
يُطلق ثلث البشر على أنفسهم، في أيامنا هذه، الاسم "مسيحيِّين". وهؤلاء هم الذين يؤمنون عملياً أو وهمياً بالإنجيل الشريف ومضمونه. أمّا ثلثا البشر الآخَرين فإمَّا أنَّهم لم يسمعوا الإنجيل بعد أو قد رفضوه بتعصّب. يحاول البعض أن يمزجوا الإنجيل أو أن يُحرِّفوه، ولكنَّهم لا يقدرون أن يمنعوا انتشار الإنجيل بالإذاعة والإنترنت والتلفزيون. فيدخل الخبر السماوي إلى البيوت والأذهان والقلوب؛ ومَن يستعدّ للسمع ويؤمن بما أعلن له يختبر أن هذه الكلمات المقدّسة تقدّم قوّة أزلية له. لم تسمع كنيسة كُوْلُوْسِّيْ كلمات الإنجيل مِن بولس مباشرةً، بل سمع مؤمنون جدد، مِن مدينتهم في العاصمة أَفَسُس، بولس يتكلّم عن حقّ المسيح، واختبروا قوّته، وتحمسوا لنقل اختباراتهم. وهذا الاستماع للخبر الخاص مِن عرش الله عن ولادة ابنه وعن انتصاره لم يبق للكنيسة رواية رومانسيَّةً، بل أصبح ينبوع القوّة وسبباً لقَبول الرُّوح القدس. يُنشئ وصول الإنجيل إلى قرية ما أو مدينة ما، في بعض الأحيان، خلقاً جديداً وولادة ثانية وتحقيقاً للحياة الأبدية في المؤمنين بالمسيح.

كلمة الحقّ تنتشر في العالم كلِّه
اعتبر بولس الدولة الرومانية عالماً واحداً وحضارة موحّدة، فأسرع مِن منطقة إلى أخرى ومِن محافظة إلى أخرى، لأنّ بفضل هذه الحضارة الموحّدة أصبحت اللغة واحدة والأسفار منتظمة وتقاليد الحياة متقاربة، ووجد بولس في كلّ مكان استولى الرومان عليه إمكانيَّةً لنشر الإنجيل. وأراد أن يبشّر هذا العالم الموحدّ بالإنجيل، فاختبر في جميع المناطق أنَّ البعض انفتح لكلمة الحقّ وقَبِلَها وآمَن بها واختبر القوّة الخالقة فيها. تُشبه كلمة الإنجيل القمح الصالح للزراعة. فمَن ينشرها يجدها مالئة الأرض. بعض الزَّرع يأكله الغربان، والبعض يجفّ، والبعض لا يجد أرضاً صالحة، والبعض يخنق مِن الطبيعة الخارجية. أمَّا الذي يسقط على أرضٍ صالحةٍ فينمو وينضج ويثمر ويأتي بثمر كثيرٍ (متَّى 13: 2- 9؛ 18- 23). لقد قال يسوع مبدئياً: وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى (متَّى 24: 14).
لا يعني تبشير العالم أن يصبح جميع النَّاس مسيحيين، بل بالحري دعوة الذين يسمعون ويؤمنون ويطيعون. فمعنى الكنيسة في اللغة اليونانية (أكليسيا) هو المدعوون. وتشير هذه الكلمة اليونانية إلى المَسْؤُوْلِيْنَ مِن أهل المدينة الذين كانوا يُدعَون مِن حين لآخر إلى الاجتماع في ساحة المدينة لإقرار المبادئ ووضع الحلول لمشاكل مدينتهم وتحديد نسبة الضرائب والدفعات الخاصّة المتعلقة بحلّ هذه المشاكل. فالكنيسة المدعوّة مسؤولة عن تطوّر الخير في المدينة والمحيط روحياً.

الإنجيل مثمر فيكم
كتب الرسول إِلَى الكَنِيْسَةِ في كُوْلُوْسِّيْ ليُفهم الجماعة، أن ليست هي التي أنتجت الإيمان والمحبّة والرجاء مِن تلقاء نفسها، بل إنَّ كلمة الحقّ في الإنجيل هي سرّ نشاطها وقوّتها وإنجازاتها. وإن وجدت كنيسة ميتة روحيّاً فيجب أن تفتش عن أسباب زوال الحياة الروحية فيها وتتوب وتسمع كلمة الله الكاملة حتَّى تنجو وتثمر الحياة الروحية. وحيث يبدأ الانتعاش الروحي ينمو كثير مِن الحركات الروحية والمساعدات العمليَّة، وهناك يُسمَع الحمد والتَّسبيح.
لا تأتي هذه النشاطات الروحية بتدبير الراعي الماهر، ولا بقرارات شيوخ الكنيسة، بل إنَّ هذه النَّشاطات والخدمات هي ثمار كلمة الحقّ. ولكن إن كان ثمَّة جمودٌ في الكنيسة أو في السينودس ككلٍّ، فينبغي البحث عن تدريب لاهوتي للقسوس والشمامسة مبنيٍّ على نقد نصوص الكتاب المقدّس وتحليل جمله وآياته كي تُنشئ كلمة الله خليقة جديدة. فبدون الإيمان كطفل بسلطان كلمة الله لا يتحقق خلاص كلمة المسيح في أيّ مكان (متَّى 11: 25- 26؛ 13: 11- 16؛ 18: 2- 5 ألخ).

الصَّلاة: أيُّها الآب السماوي نشكرك لأنّ إنجيلك المقدّس ينتشر في جميع بلدان العالم، وكلّ مَن يُريد أن يسمعه ويقرأه يجده في كلّ حين. امنح كلّ باحثٍ عن الحقٍِّ أن يجد فرصة للتعمّق في كلمات يسوع المسيح الخالقة والمعزّية، واجعلنا نحن شهوداً لكلامه أمام جميع الذين يشتاقون إلى سماع الحقّ. آمين.

معرفة نعمة الله المثيرة
كتب الرسول إِلَى الكَنِيْسَةِ في كُوْلُوْسِّيْ أن نموّها الروحي يدفعها إلى خدمات المحبّة. إنَّما هذه الخدمات لا تخرج مِن أنفسهم فحسب بل تنتج مِن كلمة الحقّ التي تمنحهم الحياة الروحية الجديدة والبرّ المقبول عند الله. كان أهل كُوْلُوْسِّيْ حسب طبيعتهم خطاة مثلنا، وعاشوا في أعمال الجسد التي أوضحها بولس في رسالته إلى أهل غلاطية (غلاطية 5: 19- 26). على المسيحيين أن لا يكرموا ذواتهم إنْ هُم لم يسرقوا أو يلعنوا أو يكذبوا أو يزنوا فيما بعد، لأنَّ هذا التغيير ليس مِن أنفسهم، بل هو نعمة عظيمة من الرَّبّ الَّذي يخرجهم من الخطايا ويدخلهم حضارة المسيح الروحية وسلوكهم الجديد. تظهر الغلبة على كبرياء المسيحيين وريائهم عندما يشكرون الرَّبّ الذي خلّصهم ويكرمون الثَّالُوْث الأَقْدَس لأجل خلاصهم وسلوكهم المقدّس الجديد. شكر بولس وفرقته بدون انقطاع لأجل أعمال الرُّوح القدس في الكنائس في الدولة الرومانية، وسبّحوا الرَّبّ لأجل قيامة المسيح وحلول حياته في المؤمنين، ومدحوا القدّوس لأجل البركة الخارجة مِن كفّارة المسيح والمتحقّقة للكنائس. وأوضح بولس مراراً أنّ ثمار الروح القدس هي الخليقة الجديدة التي اقتحمت مِن عند الله عالمنا الفاسد. لم يتكلّم الرسول عن فلسفة الإيمان وتعليمه، بل أوضح حقيقة محبّة الله في الكنيسة الظاهرة في حمدنا وشكرنا للآب والابن والروح القدس.

أبفراس
كتب بولس إِلَى كَنِيْسَةِ كُوْلُوْسِّيْ أنّ كلمة الحقّ في الإنجيل المقدّس أتتهم بواسطة (أبفراس) الَّذي يشبه أنبوب الماء الصافي، مِن الأبدية إلى أهل كُوْلُوْسِّيْ. لم يبشّر أبفراس هذه الكنيسة وينعشها فحسب، بل علّمها الإيمان الجديد تدريجياً لكي لا يتوقّف عند عواطفهم بل يثبت في كلمة الله الحقّ. أطلق بولس على أبفراس، في رسالته إلى أهل كُوْلُوْسِّيْ، ألقاب شرف متعدّدة لكي يرّد الثقة له ولتعليمه في وسط التجارب، فسمّاه الرسول (خادماً مشتركاً) لم يعلّم الجهلاء كسيِّدٍ متكبّر بل صار لهم خادماً. مثل المسيح أتى إلينا خادماً وليس رئيساً. ولم يعتبر أبفراس نفسه الخادم الوحيد لأنّ بولس وفرقته سمّوا أنفسهم عبيد المسيح أيضاً؛ فكان الجميع معاً شركة الخدّام. وسمّى بولس أبفراس (الخادم الحبيب) الَّذي شعر متى وكيف ينبغي أن تكون الخدمات. لقد رأى ضيقات في الكنيسة وتألّم معهم وساعدهم قدر الإمكان. ما كان فيلسوفاً ولا عبقريّاً، بل نائب بولس الرسول في مدينة كُوْلُوْسِّيْ. ومضى رسول الأمم في وصفه لأبفراس فسمّاه (خادم المسيح) شاهداً مدعوّاً عيّنه الرَّبّ العليُّ شماساً في الكنيسة. وأثبت بولس أكثر أنّ أبفراس كان أميناً في خدمته مملوءاً بالإيمان والمحبة والرجاء ليس لنفسه فحسب بل لكلّ عضو في الكنيسة. كان مرسل المسيح لمدينة كُوْلُوْسِّيْ وألقى الرَّبّ عليه مسؤولية الاهتمام الرُّوحي بالكنيسة هناك ليعتني بها اعتناء الأم بأولادها. كان أبفراس صلة الوصل بين بولس والكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ، هو أخبر بولس بما فعله المسيح في الكنيسة وما هي الصعوبات والمشاكل والمسائل الرَّاهنة. وتتمركز شهادة أبفراس في الحقيقة أن الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ كانت ممتلئة بالمحبة بقوّة الروح القدس. لم يتكلّم عن حبّ دنيوي أو عاطفي، ولا عن الاحترام الزائد، بل تكلّم عن المحبة الناتجة من الروح القدس التي تقودنا إلى التضحية والاستمرار في الخدمات اللازمة. وكانت لأبفراس موهبة تمييز الأرواح؛ فلم يتكلَّم المعتني بالنُّفوس بخطب جذابة، بل أعلن أنّ الحياة في الكنيسة مبنيّة على عمل روح المسيح وثماره اللطيفة.

الصَّلَاة
أيُّها الرَّبّ يسوع نشكرك لأنّ خادمك أبفراس نشر في كُوْلُوْسِّيْ إنجيل الرسول بولس حتَّى تغلغلت محبّة الروح القدس في بعض مِن المستمعين. أعطنا ألاَّ نعتم بنسيان أنفسنا روحياً فقط، بل أن ننشر كلمتك في محيطنا بين جميع طلاب الحقّ. آمين.
السُّؤَال
لماذا شكر الرسول وفرقته الاستمرار لأجل الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ؟ أين هو مكتوب: أنّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا. وهل تتحقّق هذه الشهادة فيك؟ ما هو الرجاء اليقين في المسيحية؟ ما هو معنى كلمة الإنجيل؟ ما هي الثِّمار التي يُنتجها الإنجيل في المشتاقين إلى الرجاء؟ مَن بشّر كنيسة كُوْلُوْسِّيْ؟ وما هي الأساليب التي استخدمها هذا الخادم؟ وما هي الألقاب المكرمة مِن بولس له؟