Skip to content

Commentaries
Arabic
كولوسي
  
23- واظبوا على الصَّلاة
(كُوْلُوْسِّيْ 4: 2- 4)
4:2وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ,3مُصَلِّينَ فِي ذَلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً, لِيَفْتَحَ الرَّبُّ لَنَا بَاباً لِلْكَلاَمِ, لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ الْمَسِيحِ, الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضاً,4كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ.


هل لديك صلة شخصية مع الله؟ هل تصلي؟ إن كان الله أباك وأنت ابنه فمن البديهي أن تكلِّم أباك وأن يُكلِّمك. إن امتنع طفلٌ عن مكالمة أبيه الدنيوي، فهذا أمرٌ غير مألوف. لعلَّ أمراً غريباً جرى بينهما. إمَّا أن يكون للولد ضمير مبكت بسبب عمل سيء، أو أن تشغل الأب هموم ومشاكل عمله فيبتعد في أفكاره عن عائلته. أمَّا الله أبونا فهو الحكيم والقدير. وعنده وقت دائماً لأجلنا. وهو يترقب صلواتك وينتظرها كي تستودع عنده مشاكلك وتعترف بذنوبك نادماً. ويحق لك أن تسكب قلبك أمامه. فهو يسمع لك لأنه أبوك بالحقيقة. قد مات المسيح لأجلنا وصالحنا مع الله كي يتحقق فينا موعد الآب (أَعْمَال الرُّسُلِ 1: 4).
إن أراد أحد أن يتعلم كيف يصلي صلوات مستجابة، فعليه أن يتعمق في الصلاة الربانية، لأنها الأنموذج لجميع الصلوات المقبولة عند الله (متَّى 6: 8- 13). بعد تمجيد أبينا السماوي تأتي الطلبات السماوية الثلاث التي تنظم أفكارنا وتملؤها.
كيف تستطيع أن تقدس اسم الآب في صلواتك وكلامك وحياتك؟ كيف تظهر عبادتك لله وشكرك لبركاته وحسناته؟
بعد هذه الطلبة الأولى تأتي الطلبة الملحَّة لأجل نشر الإنجيل في العالم لكي يتحقق ملكوت الله الروحي. وصلواتك المؤمنة بخصوص نشر الإنجيل تشركك في السياسة الإلهية مِن خارج ملكوته، وتجعلك شريكاً في المسؤولية. فهل أنت مستعد لتلبية دعوته لك؟
تدعوك الطلبة الثالثة إلى الخضوع المطلق لمشيئة أبينا. فهل سلمت نفسك ليسوع حقاً؟ هل عزمت على تحقيق مشيئة أبيك المخلصة في حياتك وفي عشيرتك، دونما ضجة، كما في السماء اليوم؟
بعد الطلبات السماوية تأتي الطلبتان المختصَّتان بالأمور اليومية، مع طلب الخبز الكافي ليوم واحد، وكذلك الملابس اللازمة والضرورية للحياة، وتشمل هذه الطلبة اهتمامك وصلواتك لأجل الجياع في العالم، لأنَّ هذه الطلبة مكتوبة في صيغة الجمع وليس المفرد. ونشكر الرب يسوع لأجل طلبة غفران خطايانا، لأن ليس إنسان صالح من نفسه. لقد دفع يسوع ديوننا الروحية بدمه الثمين، وبررنا تبريراً تامّاً، شرط أن نسامح أعداءنا بالمحبة نفسها التي سامح بها المسيح شخصياً (متَّى 6: 12و14و15).
تتعلَّق الطلبتان الأخيرتان في الصلاة الربانية بحفظنا من السقوط والانفصال عن الله الآب والابن. فنطلب من أبينا ألاَّ يسمح بسقوطنا في تجربة ما، بل أن يربينا بشدة قداسته، فنلتجئ في كل تجربة إليه ليحفظنا بروحه القدوس ويقودنا ويعزينا.
أمَّا الطلبة الأخيرة فترشدنا في جهادنا الروحي ضد إبليس وأرواحه النجسة، فلا يقدر أحدنا أن يغلبه من تلقاء نفسه. نطلب من الله الآب والابن أن يُنقذنا من حيلة الشيطان الشرير وسلطانه. فثباتنا في المسيح يحفظنا.
لاحِظ أنَّ معظم طلبات الصلاة الربانية هو في صيغة الجمع، فنحن لا نصلي لأجل أنفسنا فحسب، بل لأجل جميع أتباع يسوع ولأجل الكفَّار أيضاً. فمَن يصلِّ لأجل نفسه فقط هو أنانيٌّ روحيّاً.
يوضح لنا السجود والتمجيد لوحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس أنَّ مشاكلنا الخاصة صغيرة، وأنَّ غاية أبينا هي تنفيذ ملكوت محبته في العالم أجمع. لقد دفع إلى ابنه كل سلطان في السماء وعلى الأرض لتتحقق قوته السماوية الأصلية بأتباعه، وتعدهم لنيل مجد أبيهم. فهل تريد أن ترجع إلى أبيك السماوي لتعاينه وتنضم إلى أسرته الروحية؟
إنَّ معنى الكلمة آمين هو: هذا حق ويقين. ولا بد أن يتحقَّق ما طلبناه باسم المسيح. فالرب يستمع إلى صلواتك، إنْ صليت باسم يسوع وبإرشاد روحه.
اهتم بولس في رسالته، بعد الطلبات المذكورة أعلاه في الصلاة الربانية، وأمر أهل الكنيسة أن لا ينسوا الشكر لأجل بركات أبيهم السماوي. كثيراً ما تمتلئ صلوات بعض المؤمنين بطلبات شخصية واضحة وغير واضحة، كما عند الأطفال الصغار الذين يعبرون دائماً عن أمانيهم، وقلَّما يشكرون عندما يحصلون على طلباتهم. وهذا السؤال موجَّهٌ لكل واحد منا، هل نحن بخلاء في الشكر؟ إن استجاب الآب السماوي طلباتنا، ننسى الشكر، وهذا يدل على اهتمامنا بأنفسنا أكثر مِن اهتمامنا بالله. تُعلِّمنا المزامير المختلفة الشكر من صميم القلب بعد استجابة صلواتنا المخلصة (مزمور 50: 23؛ 103: 1- 22؛ 104: 1- 35؛ 107: 1- 45؛ 108: 1- 5 ألخ). ومَن يتعمق في سفر أَعْمَال الرُّسُلِ وفي رسائل الرسول بولس يجد دلائل قوية على الشكر الفائض في الممسوحين بروح الحق (أَعْمَال الرُّسُلِ 16: 23- 26؛ 21: 3-5؛ أَفَسُس 1: 3- 6و14 إلى 16؛ 3: 20- 21؛ 5: 18- 20 ألخ).
كان الأمر الغريب في طلب الرسول إلى أهل كُوْلُوْسِّيْ، بالنسبة إلى الصلوات المستمرة، هو طلبه الملحُّ أن يصلوا لأجله ولأجل زملائه، كي يفتح الرب أمامهم الباب للشعوب غير المُبشَّرة والقلوب المفتوحة ليتمكَّنوا مِن إعلان الإنجيل لهم بسلطان روحي. لم يطلب بولس من أهل كُوْلُوْسِّيْ أن يبتهلوا لأجل تحريره من السجن الاستجوابي الطويل. لم يكن هذا الموضوع وارداً في جدول طلباته، إنما أراد شيئاً واحداً، وهو أن ينشر الإنجيل في جميع مناطق العالم، كي يرجع الناس، وتؤسس كنائس جديدة، ويسمح لهم الرب أن يشتركوا في هذه الحركة الروحية حتى من داخل سجونهم، كي يأتي ملكوت الله الروحي ويتقدَّس اسم الآب حتى بواسطة المسجونين.
وقد استجاب الله هذه الصلوات المشتركة من الأحرار والمسجونين، وحتى اليوم تعمل صلوات الرسول في لغات متعددة وبلدان متنوعة ومذاهب غريبة. وقد شهد في أيامنا رجلٌ مشرفًٌ على الموت بكلمات الرسول في جهاده ضد الأرواح المشتكية عليه، فقال:"حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيئةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدّاً" (رومية 5: 20).
أراد بولس أن يعلن السرّ المعلن له واختبر تحقيقه مئات المرات، أن من وقته حتى اليوم يحل المسيح في قلوب غير اليهود، إن آمنوا به. فنطق الرسول بشعاره المثير، "المسيح فيكم رجاء المجد" (كُوْلُوْسِّيْ 1: 27). فهم بولس مكوثه في السجن كنتيجة لهذه الحقيقة، لأن اليهود المتعصبين للناموس اعتبروا نقل البركات والوعود من العهد القديم إلى غير اليهود تجديفاً يستوجب الموت. فاضطهدوا بولس وكنائسه كلما سمحت الظروف بذلك.
اعترف بولس أن خدمة التبشير ما كانت عنده اهتماماً شخصياً ولا تطوراً لاهوتياً، بل فرضت عليه كضرورة إلهية لا بد من تنفيذها. فكان عليه أن يكرز بيسوع المصلوب المقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ الذي ظهر له، وهو مضطهِد المسيحيِّين من أصل يهودي؛ إنما لم يدنه ولم يبده، بل أنعم عليه، وأرسله، وفوَّضه، ودعاه إِلَى كَنِيْسَةِ عالمية من غير اليهود لينشئها في كل مكان بحسب إرشاد الروح القدس. ولأجل هذه الخدمة الروحية اضطهد بولس ومات أخيراً قتلاً (أَعْمَال الرُّسُلِ 9: 16).
يجد أيضاً، مَن يتعمق في سيرة يسوع، ضرورة الله المفروضة عليه والتي احتملها مطيعاً وبدقة (متَّى 16: 21؛ 17: 12؛ مرقس 14: 49؛ لوقا 2: 49؛ 9: 44؛ 24: 26؛ يوحنا 3: 14؛ 10: 16؛ 20: 9 ألخ).
ليست هذه الضرورة قضاءً وقدراً محتوماً لا بدَّ منه، بل تتحقق كدافع روحي في الذين يحبون الله أباهم الذي دعاهم إلى ممارسة خطط خلاصه.
سوف يضغط العدو الشرير، المتعدِّي دائماً على الله وابنه وروحه، على كنائس المسيح، مثلما ضغط على يسوع نفسه، كي يخرب أتباعه من الداخل والخارج. لذلك شدد بولس في تعاليمه للكنائس الجديدة على أنَّ ضرورة الله هي أمر روحي لا بد منه في الكفاح الروحي ضد سلاطين الظلمة في هذه الدنيا وقال:"بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ" (أَعْمَال الرُّسُلِ 14: 22). فما يختبره المسيحيُّون في بعض دول الشرق الأوسط ليس إلاَّ تفسيراً لهذا الإعلان. ولذلك دعا بولس الكنائس الحديثة، بعد تعليمه الإيمان الحق والسُّلوك بالمحبة العملية، أن يواظبوا على الصَّلاة حتَّى في الليل، إن لم يقدروا أن يناموا، وأن يصلُّوا دائماً في إرشاد الروح، كما كتب الرسول يعقوب 5: 16:"... طِلْبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعْلِهَا".

الصَّلَاة
نسجد لك أيُّها الآب السماوي لأنك تسمح لنا أن نلتجئ إليك وإلى ابنك يسوع دائماً كلَّما احتجنا إلى عونك أو حفظك؛ ونشكرك لأنك منحتَنا روح الصلاة الذي يصرخ فينا: "يا أبا الآب"؛ ونشكر الرب يسوع الذي علمنا الصلاة الربانية كي نصلي في روحه وفي قوته؛ كما نشكرك لأجل استجابة صلوات القديسين التي نطقوا بها باسم يسوع. ساعدنا نحن على أن نصلي باستمرار ونؤمن أنك تسمعنا. آمين.
السُّؤَال
لماذا ختم بولس تعليمه وشهادته بطلب المواظبة على الصلاة وعدم نسيان الشكر؟