Skip to content

Commentaries
Arabic
كولوسي
  
24- العيش مع غير المؤمنين
(كُوْلُوْسِّيْ 4: 5- 6)
4:5اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ, مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ.6لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ, مُصْلَحاً بِمِلْحٍ, لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ.


لم يضع بولس أو يقبل حلاًّ وسطاً بشأن تعدُّد المذاهب في الحضارة الرومانية واليونانية. لقد أدرك بولس بواسطة موهبة تمييز الأرواح أنَّ ثمَّة نوعين من الناس، أموات روحياً في الخطايا، وأحياء في المسيح. واعتبر كلَّ تحليلٍ ومذهبٍ وتربيةٍ غباء لا معنى له. فكتب إِلَى الكَنِيْسَةِ المركزية في أَفَسُس التي عاشت في مستوى أدبي عالٍ: "وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا, الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هَذَا الْعَالَمِ, حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ, الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ, الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضاً جَمِيعاً تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا, عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ, وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضاً" (أَفَسُس 2: 1- 3).
عمَّق بولس هذا التفصيل بين الحضارات وكتب أيضاً:" فَأَقُولُ هَذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ, أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضاً بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ, إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ, وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللَّهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غَلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ. اَلَّذِينَ إِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّ, أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هَكَذَا 21 إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ, أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ, وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ, وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللَّهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ" (أَفَسُس 4: 17- 24). كما كتب إِلَى الكَنِيْسَةِ غلاطية (القريبة من "أنقرة" اليوم) أنَّ ثمَّة نوعين من الناس عملياً: "وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ, الَّتِي هِيَ زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ, وَأَمْثَالُ هَذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضاً, إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللَّهِ. وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ, مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ, طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ, إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هَذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. 24 وَلَكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ" (غلاطية 5: 19- 24).
ممَّا يؤسَف له أنَّنا نجد في أيامنا هذه رعاة ووعاظاً ومَسْؤُوْلِيْنَ في الكنائس لا يتكلمون بوضوح في هذه المبادئ الروحية، بل يحاولون مزج الكنائس في محيطهم، ويردون قبولهم من المجتمع بنزولهم إلى مستواهم. ولكن بولس يفرض علينا الاعتراف بنوعين من الناس: المولودين ثانية بروح المسيح، والأموات روحيّاً في الخطايا، المؤمنين الذين يسكن يسوع فيهم، والناس الذين بدون روح الله. لم يُبْنَ هذا القرار مبني على الاستكبار والتَّفاخر، بل بالعكس لأنَّ المبرَّرين في المسيح قد عرفوا خطاياهم واعترفوا بها نادمين. فأدركوا أنهم ليسوا أفضل، حسب طبيعتهم، من أي إنسان آخر، بل إنَّهم بنعمة الله وحدها نالوا قوة الروح القدس بواسطة إيمانهم بابن الله المصلوب والمقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. وهم يعيشون حتى اليوم في الحياة الأبدية. أكَّد بولس بقوَّة وكأنه شاء أن يغرس في أذهانهم أنَّ: "المسيح فيكم رجاء المجد".
فالذي يعيش بدون وحدة الله في الثالوث، يحاول بأفضل طريقة أن يُنشئ براءته وخلاصه بواسطة أعمال صالحة وهمية وسلوك مثالي، ولا يلاحظ أنه هالك بالنسبة إلى قداسة الله وعظمته. لا يكون الإنسان صالحاً مِن ذاته، ولا يحتاج إلى تربية عالية ليصبح إنساناً بمستوى عالٍ، لأن الإنسان في بعض الأحيان يشبه نمراً في لباس نبيل، ولكن ما إن يرى قطعة لحم مضرَّجة بالدَّم حتَّى ينقض عليها ويبتلعها.
أكَّد بولس لأهل كُوْلُوْسِّيْ أنَّ أكثرية الناس يعيشون خارج المسيح. أمَّا نحن فنعيش بينهم، وهم يراقبوننا بانتقادٍ. فلا يجوز أن نلتجئ إلى حلقات قداسة واجتماعات روحية مغلقة، بل يجب أن نسلك عمداً بين الكفار. وإذا انتبهنا نجد أنَّ من بينهم عدداً وافراً ممَّن لم يسمع كلمة واحدة عن يسوع بعد، ولا يعرف خلاصه. ليتنا لا نحاول أن ندعو هؤلاء الجهلاء أو المعارضين بكلامٍ منمَّقٍ، لأنه يُسبب ردة فعل عكسية. فهم لا يقدرون أن يروا ملكوت الله أو أن يفهموه من تلقاء أنفسهم. لذلك ينبغي أن نعيش بينهم بحكمةٍ وبشعور حساس. قال يسوع:"فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ, لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ, وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متَّى 5: 16).
لا بدَّ لكلِّ مَن يبحث عن الحق مِن أن يجده متجسداً في المسيحيين الذين لا يكذبون ولا يسرقون ولا يزنون. هكذا يشعر طلاب الحق أنَّ لأتباع المسيح شيئاً لا يعرفه الناس الدُّنيويُّون. فصلواتنا المستمرة، والعون في الضيقات، واللقاءات بكلامٍ لطيفٍ، تخلق جسوراً غير منظورة لحقيقة المسيح ولطفه.
لم يقدر بولس أن يمتنع عن القول لأهل كُوْلُوْسِّيْ أن يكون كلامهم مصلحاً بملح. فينبغي أن نتكلم دائماً بلطف مع الغرباء وألا ندين أو نحتقر أحداً، بل نتشجع في إرشاد الروح القدس ونسألهم عن حياتهم بعد الموت. هل تنتظرهم جهنم أم السماء؟ والسؤال "ما هو رأيك في المسيح؟" قد فتح مراراً مصارحة لطيفة. ولا بد أن نصغي إلى الشخص الذي أرشدنا يسوع إليه، كي نعلم ماذا يفكر ومما يتألم؟ طوبى لمَن يرسل بَعْدَئِذٍ في قلبه برقية صلاة إلى السماء، ليعطيه يسوع الكلمة المناسبة لهذا الشخص فينال جواباً معيناً في لمح البصَر.
طوبى لمَن يتشجع ويقول كلمة الله الملهمة له إلى المخاطب. وإن كان أحد لا يستطيع أن يتكلم كثيراً فليسلم طالب الحق نشرة مطبوعة مناسبة له ليساعده، فلا يكون مضطراً للإجابة فوراً عن موضوع غريب عنه ولا يعرفه البتة.
أكَّد بولس على الكنيسة في كُوْلُوْسِّيْ أن تفتدي الوقت وتعمل كل ما هو ممكنٌ لنشر ملكوت الله في المسيح. إنَّ ما يُسيِّر عمل الروح القدس ليس الإدارة العلمية، ولا الاجتهادات الرنانة، ولا خداع علم النفس، بل الهدوء أمام وجه الله، وتواضع المسيح يهدينا إلى رحاب قوة الروح القدس. عِنْدَئِذٍ ندرك أنَّنا لسنا نحن مَن يُنجي الضالين، بل إنَّ الله يستخدم ضعفنا ونقصنا لنقل نار المحبة والحق. ومَن يجرؤ ويصطف إلى جانب شهود المسيح يختبر معجزات النعمة، حتى وإنْ دخل السجن مثل بولس.

الصَّلَاة
أيُّها الرب يسوع المسيح، أنت مخلص جميع الناس. نسجد لك لأنَّ أباك السماوي دفع إليك كل سلطان في السماء وعلى الأرض، وقد أمرت أتباعك أن يذهبوا إلى جميع بلدان العالم ويُقدِّموا إنجيل خلاصك التَّام لجميع النَّاس، كي يعتمدوا باسم الله الآب والابن والروح القدس. ساعدنا على طرح ثوب الكسل والقيام والذَّهاب إلى الذين يرشدنا روحك إليهم لنقول ونعمل لهم ما تنتظره منا. آمين.
السُّؤَال
ماذا تعني الآيتان 5 و6 في الإصحاح الرابع مِن الرِّسَالَة إلى كُوْلُوْسِّيْ؟