Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
11:13فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيَّوْهَا وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ.14فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَنًا.15فَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ.16وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَنًا أَفْضَلَ أَيْ سَمَاوِيًّا. لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمُ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ لأَِنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً


حين وجد الخليفة هرون الرَّشيد نفسه مشرفاً على الموت، أمر خادمه أن يرفع القماش الذي سيُكفَّن به على قصبةٍ، ويدور في الأسواق منادياً: "انظروا، هذا كلُّ ما سيأخذه الخليفة معه إلى القبر".
في الموت، يظهر حساب حياة الإنسان؛ فإمَّا أن ييأس لأنَّه عاش باطلاً، أو أن يطمئنَّ لأنَّ له رجاءً يقيناً. لقد توفِّي آباء الإيمان متعزِّين في سلامٍ، لأنَّهم سمعوا صوت الله الذي أكَّد لهم أنَّهم يعيشون في بلادٍ بحضوره وسيريهم إيَّاها. فشعروا ببداية الوعد، ولكنَّهم لم ينالوه عمليّاً. فرأوا البلاد الموعودة مِن بعيدٍ، ولكنَّهم بقوا فيها غرباء مطرودين. فأدركوا أنَّ الله لا يُريد منحهم كنعان فقط، بل السَّماء موطن حضور الله أيضاً. فاتَّجهَت إليه أفكارهم وصلواتهم.
لقد سمعوا صوت الله، وذاقوا حلاوة روحه. فلم يكتفوا بملذَّات الدُّنيا، بل أرادوا أن يكونوا مع الله في كلِّ حينٍ، وآمنوا بمحبَّته، ولم يُدركوه، إنَّما اتَّكلوا عليه أكثر فأكثر، واعتبروا أنفسهم رحَّالةً ونُزلاء. فصارت الأرض لهم خشبة القفز إلى السَّماء.
لقد انفصلوا طوعاً عن أهدافهم الدُّنْيَوِية، وامتدُّوا إلى موطنهم الإلهيِّ. فهذا هو السُُّؤَال الحاسم لك: "أين وطنك؟ هل هو على الأرض أم في السَّماء؟" يدعونا الله اليوم مِن مجتمعاتنا لنكون غرباء عن أوطاننا الدُّنْيَوِية، ونصير بين البشر خدَّاماً كَهَنُوْتيِّين خاصَّةً لله تحت تصرُّفه. ليست للكهنة حصَّةٌ في الأملاك، لأنَّ حياتهم متَّجهةٌ إلى الله. فلأجله يعيشون، وينقلون بركته إلى البشر.
إنَّ الكلمة "كنيسة" لا تعني في اليونانيَّة سوى المدعوِّين مِن العالم لخدمة مشتركةٍ لله. فالمسيحيُّون هُم نُخبة البشر الذين سمعوا كلمة الله، وأنكروا محبَّتهم للمال والملك، وتطهَّروا مِن ذنوبهم بدم المسيح، وتجدَّدوا بروحه القُدُّوْس، ويخدمونه اليوم بزينةٍ مقدَّسةٍ واضعين بركاته ومواهبه على جميع السَّامعين، ويُوافقون على أنَّهم غرباء عن أقربائهم ونزلاء في دنيانا، لأنَّهم مولودون مِن روحٍ مِن خارج العالم؛ فيشتاقون إلى أبيهم السَّماوي، ويُصلُّون بمواظبةٍ: "لِيَأْتِ مَلَكُوْتكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ". فإلى أين تتَّجه أفكارك، إلى السَّماء، أم إلى الأرض؟ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوْت اللهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.
كان مستلمو الرِّسَالَة على وشك الارتداد مِن الرَّجاء الحيِّ، لأنَّ الوعد لم يتحقَّق بعد؛ فأراهم الوَاعِظ، بأمثال آباء الإيمان، أن ليس أحدٌ منهم نال الموعد، ولكنَّ الجميع شعروا به، وتحسَّسوه، وحيوه بسرورٍ، وانتظروه بصبرٍ، ورجوه بعزمٍ. فرتَّبوا حياتهم كلَّها على هذا المبدأ في الغربة. لم يجمعوا كنوزاً دنيويَّةً، ولم يرجعوا إلى بلاد الرَّافدَين الخصبة، ولم ينزلوا إلى وادي الأردن واسترخائه، ولم يستسلموا للتَّمدُّن، بل بقوا رحَّالةً. لم يقصدوا في حياتهم ملكاً دنيويّاً لضمان حياتهم، بل طلبوا الله نفسه. فلأجل اشتياقهم إلى الأزليِّ وأمانتهم للموعود ارتبط الله نفسه بهم، وسمَّى نفسه إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، كأنَّه أصبح خاصَّتهم. فهذا العهد الذي قطعه الله للمؤمنين عهدٌ أزليٌّ، ومَن يستودع نفسه بين يدَي المسيح يرتبط المسيح به، ومَن يتبع يسوع يسمع أنَّ الله يُسمِّي نفسه أباه. وهذا الاسم يكفل لنا أن يُفكِّر "أبونا" فينا ويشتاق إلينا ويجذبنا إليه، حتَّى نكون معه كلَّ حينٍ.
فثقتنا باسم الله الأبويِّ الفريد هي أساس رجائنا. لقد ابتدأ المسيح عمله الخلاصي فينا. مَن يؤمن به وبذبيحته الكاملة يتقدَّم إلى حضور الله. فلا تلتفِت إلى الوراء، ولا تتباطأ بطريقك إلى أبيك، بل إلى الأمام سِر.

الصَّلَاة
يا أبي السَّماوي، أَشْكُرُكَ مع جميع المؤمنين لأنَّ ابنك الوحيد أعلن لنا اسمك الأبوي، ووضع فينا رجاءً حيّاً، كي ندخل إلى شركتك معه. نطلب بلجاجةٍ أن يتقدَّس اسمك ويأتي مَلَكُوْتك، ونَشْكُرُكَ لأنَّ روحك القُدُّوْس حلَّ فينا عربوناً لرجائنا. سَاعِدْنَا عَلَى أن نعيش في الدُّنيا لا كدنيويِّين بل كغرباء ونزلاء، نشتاق إلى وطنك، ونترقَّب مَلَكُوْتك، ونطلب بِرَّك على الدَّوام. آمين.
السُّؤَال
ما الذي طلبه آباء الإيمان، وكيف أثَّرَ شوقهم في سيرة حياتهم؟