Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
6:4لأَِنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوْح القُدُس5وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي6وَسَقَطُوا لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَِنْفُسِهِمُ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ.7لأَِنَّ أَرْضًا قَدْ شَرِبَتِ الْمَطَرَ الآتِيَ عَلَيْهَا مِرَارًا كَثِيرَةً وَأَنْتَجَتْ عُشْبًا صَالِحًا لِلَّذِينَ فُلِحَتْ مِنْ أَجْلِهِمْ تَنَالُ بَرَكَةً مِنَ اللهِ.8وَلَكِنْ إِنْ أَخْرَجَتْ شَوْكًا وَحَسَكًا فَهِيَ مَرْفُوضَةٌ وَقَرِيبَةٌ مِنَ اللَّعْنَةِ الَّتِي نِهَايَتُهَا لِلْحَرِيقِ


بعدَما دلَّ الرسول بإيجازٍ على مبادئ بداية الإيمان في الكنيسة، انتابته الهموم الرُّوحية مرَّةً أخرى بصدد أعضاء رعويَّته الذين لم تكن مشكلتهم نقصاً في الذَّكاء ولا فشلاً في المعرفة، بل توقُّفاً في التَّطور الدَّاخلي الرُّوحي، وتباطؤاً في حياة الإيمان، وتحوُّلاً أوَّليّاً نحو الارتداد. وهذا البدء في تقسِّي القلوب قد يؤدِّي بضعيفي الإيمان إلى فقدان بقيَّة النِّعمة التي في أنفسهم. فكانوا على مشارف الخطر الأكبر وهو تغليظ أذهانهم واستمالة قلوبهم إلى دينهم السَّابق، وهذا مِن شأنه أن يقودهم إلى الارتداد الكُلِّي.
ولهذا السَّبب رسم معلّم المحبَّة هذا أمام قُرَّائه، بطريقةٍ حماسيَّةٍ، اختباراتهم الرُّوحية التي حصلت عمليّاً في قلوبهم سابقاً. وهي علامات الحياة المسيحيَّة الحقيقيَّة. فامتحِن نفسك: هل أنت تتمتَّع بهذه النِّعم؟ إن كان جوابك سلباً فاطلب إلى الرَّب يسوع بإلحاحٍ أن يُحقِّقها فيك. وهذه النِّعم الرُّوحية الخمس هي:
1- أنَّ المؤمنين بالمسيح قد استناروا حقّاً، لأنَّ النُّور السَّماوي دخل ظلمتهم، فأصبحوا مُبصرين، وعرفوا ربَّهم، كما وضَّح بولس هذه الحالة في رسالته الثَّانية إِلَى أَهْلِ كُوْرِنْثُوْس 4: 6.
2- وذاق هؤلاء المؤمنون العشاء الرَّباني، وأكلوا جسد المسيح، وشربوا دمه، وامتلأوا بإيمانهم بحضور ابن الله فيهم، وحصلوا بِوَاسِطَةِ هذا الحلول على جميع بركات السَّماء.
3- إنَّ أكل الخبز وشُرب الخمر لا يُخلِّصان الإنسان تلقائيّاً. ولكنْ بحلول الرُّوْح القُدُس في قلب المؤمِن يتحقَّق الخلاص. وهكذا أصبحنا شركاء في هذا الروح المبارك، كما قرأنا في الأصحاح 3: 14 أنَّنا قد أصبحنا شركاء المسيح. فمَن نحن لنستحقَّ الشَّركة مع الله؟ إنَّ الرُّوْح القُدُس يُقدِّسنا على أساس دم الابن، ويملؤنا بملئه.
4- وهذا الروح المُنير القويُّ متعلِّقٌ بالإِنْجِيْل دون انفصالٍ. فمَن لا يقرأ كلام المسيح ورسله لا ينال الروح مِن الله، ويبقى ضعيفاً بدون قوَّةٍ، لأنَّ ينبوع الأفكار السَّامية والمُثُل العُليا ليس الفلسفة ولا الذَّكاء ولا الثَّقافة ولا العواطف ولا الإنسانيَّة، بل الإِنْجِيْل المقدَّس وحده الذي يُعطينا قوَّة الله لنعمل مشيئته الصَّالحة.
5- طوبى للَّذي يلتصق بالمسيح وكلمته، ويسمع صوته في الإِنْجِيْل دائماً؛ لأنَّ هذا الإنسان يعيش متَّصلاً بالسَّماء، وتيَّار قوَّة الأبديَّة يجري منه إلى الآخَرين، فينيرهم ويُحييهم. وهو لن يفنى أبداً، لأنَّه قد حصل على حياة الله، وأصبح شاهداً لعمل المخلِّص يسوع. والعجيب أنَّ هذا الروح المبارك يُنمِّي في المؤمن مواهب ونعماً وقوىً مختلفةً، وهي عربون عالم الله الآتي، كما أظهر المسيح بشفاءاته وعجائبه قدرة السَّماء وسط دُنيانا الفانية. فالمسيحيُّون متقدِّمون إلى مستقبل البقاء، وهُم لا يموتون، وإن ماتوا فسيحيَون، لأنَّهم حاملون حياة أبيهم فيهم.
أمَّا مَن يسقط مِن غنى الرُّوْح القُدُس عمداً وقصداً فلن يستطيع أن يتوب مرَّةً أُخرى. وسقوطه هذا أصعب مِن أيِّ خطيَّةٍ، لأنَّه قد سقط مِن علياء السَّماء إلى أسفل جهنَّم، وفرَّ مِن عضويَّة عائلة الله إلى عبوديَّة الشَّيطان. لا يقول كَاتِب الرِّسَالَةِ إلى العِبْرَانِيِّيْنَ أنَّ أحد الإخوة قد ارتدَّ، ولكنَّه يُحذِّرهم بشدَّةٍ مِن الارتداد بالتَّدريج إلى هذه الغاية الأليمة. فالمولود ثانيةً إذا ارتدَّ بسبب عصيانه الرُّوْح القُدُس، واقترب مِن الكفر، وأنكر الحقَّ الإلهيَّ، يرجع إلى سلطان الشَّيطان، ويُميت حياة الله الموهوبة له، ويستسلم إلى الموت الأبديِّ الذي لا محالة له منه؛ فلا يُمكن تجديده مرَّةً أُخرى، لأنَّ القدرة على قبول الرُّوْح القُدُس قد ماتت فيه. وهذا الارتداد لا يعني خطيَّةً كبيرةً أو صغيرةً، بل هو نقضٌ متعمَّدٌ للعهد الجديد الذي قطعه مع يسوع. وهذا يعني تجديفاً على الرُّوْح القُدُس ومواهبه، وانفصالاً عن الله، حتَّى إنَّ المرتدَّ يصير عدوَّ الله وثائراً ضدَّه. وهذه الخطيَّة غير قابلةٍ للغفران (مَرْقُس 3: 29).
إنَّ المتجدِّد الذي يثور على الله مبغضاً المسيح في قلبه، ومنكراً إيَّاه بلسانه، يصلب المسيح مِن جديدٍ بتصرُّفه هذا، ويدوس ذبيحة ذاته بكفره، لكأنَّه بتجديفه يُعلن أنَّ نعمة الله ضعفٌ وعارٌ. وكلُّ مَن يشترك في الاستهزاء بالصَّلِيْب واحتقار دم المسيح يفصل نفسه عن الخلاص نهائيّاً. ومَن يهرب مِن موكب انتصار المخلِّص إلى أجناد الشَّر يَحكم على نفسه بالثَّبات في الظُّلمة، لأنَّه قد رفض خلاصة النِّعمة، وقطع ذاته عن ذات الله الذي كان حالاًَّ فيه بِوَاسِطَةِ الرُّوْح القُدُس.
لا يُعاقِب الإِنْجِيْل المرتدَّ بالضَّرب أو القتل. فهذا المسكين الذي احترقت فيه إمكانية اتِّصاله بالله نهائيّاً، يُصبح في الجزاء الإلهيِّ شرِّيراً مِن أجناد الشَّيطان، ولا يجد سبيلاً إلى التَّوبة حتَّى وإن رجاها بالدُّموع.
أخي العزيز، إن كنتَ قد ذُقْتَ لذَّة الرُّوْح القُدُس، واستنَرْتَ بمجد المسيح، ونلتَ الحياة الإلهيَّة مِن أبيك السَّماوي، فاشكُر ربَّك جاثياً على ركبتَيك، وابذل حمداً وثناءً، واطلب إليه أن يغلب فيك كلَّ تباطؤٍ وعصيانٍ، كيلا تتعرَّض إلى خطر إنكار اسمه، بل تُحبّه بمعرفةٍ زائدةٍ بمحبَّته، وتنمو في قوَّة روحه اللَّطيف؛ فتشبه عِنْدَئِذٍ الشَّجرة الجيِّدة النَّامية قرب جداول المياه التي تأتي ثمارها في أوانها، وورقها لا يذبل في أيَّام الحَرِّ، لأنَّك تتَّصل عميقاً بإِنْجِيْل قوَّة الله.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ المسيح، نَشْكُرُكَ لأجل خلاصك وحياة الرُّوْح القُدُس الموهوبَين لنا، ونَسْجُدُ لَكَ ولأبيك ملتمسين منك ألاَّ تدع أحداً يخطفنا مِن يدك. لا تُدخِلنا في تجربةٍ، بل درِّبنا على سُبُلك، واحفظنا في اسمك. كسِّر كبرياءنا كي نعترف بحاجتنا إليك دائماً، ونلتصق بك ليلاً ونهاراً. خلِّص جميع إخوتنا البطيئين في قلوبهم، والرَّافضين مصالحة أعدائهم ومسامحتهم، كي يتوبوا فوراً، ويُفضِّلوا الآلام والموت على الارتداد، ولا يعتبروا أموالهم وحرِّيتهم أفضل مِن الشِّركة معك. آمين.
السُّؤَال
ماذا يعني الارتداد في المسيحيَّة؟