Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
اَلأَصْحَاحُ السَّادِسُ 1لِذَلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ الْمَسِيحِ لِنَتَقَدَّمْ إِلَى الْكَمَالَ غَيْرَ وَاضِعِينَ أَيْضًا أَسَاسَ التَّوْبَةِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ وَالإِيمَانِ بِاللهِ2تَعْلِيمَ الْمَعْمُودِيَّاتِ وَوَضْعَ الأَيَادِي قِيَامَةَ الأَمْوَاتِ وَالدَّيْنُوْنَةَ الأَبَدِيَّةَ.3وَهَذَا سَنَفْعَلُهُ إِنْ أَذِنَ اللهُ.


يتحدَّث الكَاتِب إلى العِبْرَانِيِّيْنَ الآن بغير ما قاله في ذيل الأصحاح السَّابق. فهو لم يبدأ بمراجعة أسس التَّعليم المسيحي مِن جديد لهم، بل يحاول أن يهدم حاجز النُّفور مِن المسيح الذي في قلوبهم بالتَّعليم عن ملء يسوع، ويُريد أن يقودهم إلى الكمال؛ ورغم ضعفهم في معرفة الرُّوح وتأخُّرهم في محبَّة الله، يرغب في أن يرفعهم إلى أعلى مستوى في الإيمان، لكي ينكسروا ويتوبوا لأجل إدراك سموِّ جلال المسيح ومحبَّته الفائقة، ويُكرِّسوا حياتهم له مِن جديد.
وربَّما خشي الوَاعِظ، بمراجعته أسس الإيمان لمستمعيه، أن يُدخِل الملل إلى نفوس بعضهم، فعزم أن يقودهم معاً إلى سَبْر أغوار شخصيَّة المسيح وأسرار خدمته الكَهَنُوْتيَّة كي يأخذوا مِن هذه المعرفة قوَّةً لحياتهم.
وممَّا لا ريب فيه أنَّ هذا المعلِّم لم يُقرِّر أسلوب ومضمون تعليمه شخصيّاً، بل خضع لفكر يسوع وإلهام الرُّوْح القُدُس. وإذ تحدَّث عن الكمال لم يُفكِّر بمؤمنين ناضجين مستقلِّين لامعين في أنفسهم، بل تصوَّر ساجدين منسحقين ثابتين في الشَّركة مع المسيح، وعائشين مِن كفَّارته وشفاعته فقط. فلا يعيشون منفردين، بل يُكملون قول المسيح: "أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. لأَِنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً."
وكأنَّه لأجل تذكيرهم، قبل أن يُظهر لهم الكمال، نبَّههم وأشار بلمحةٍ وجيزةٍ إلى بدايات التَّعليم المسيحي. فمِن الضَّروريِّ جدّاً لنا أن نَعلم أنَّ رسائل الرُّسل كلَّها لا تعني تبشيراً لغير المؤمنين، إنَّما هي بنيانٌ للنُّفوس بعد الإيمان، وتعميقٌ للمولودين روحيّاً في ملء معرفة الإِنْجِيْل. فالرُّسل في تبشيرهم استخدموا مواضيع أُخرى غير ما كتبوه للمؤمنين في الكنائس. لذلك خيرٌ لكلِّ قسٍّ ومبشِّرٍ وشاهدٍ للمسيح أن يُميِّز الفرق المبدئيَّ، ولا يبني الطَّبقات العليا قبل وجود الأساس والطَّابق الأوَّل.
فما هي إذاً الأسس الهامَّة لتبشير غير المؤمنين؟ إنَّها ستَّةٌ وهي:
1- الدَّعوة إلى التَّوبة والرُّجوع إلى الله، كي يكون هدف الإنسان ليس الحياة بتجاربها، بل الله نفسه الذي خلق الإنسان وجعله مَسْؤُوْلاً أمامه. فالخاطئ محتاجٌ إلى معرفة قداسة الرَّب ومحبَّته لإيقاظ ضميره النَّائم، كي ينال بمعرفة الله مقياساً لحياته، ويُدرك خطاياه النَّجسة، وينكسر لكبريائه، ويستغني عن استقلال إرادته، ويخضع بملء إرادته لمشيئة الله. فذهن الإنسان يحتاج إلى تغييرٍ جذريٍّ.
وهذه التَّغييرات لا تتمُّ بعزم الإنسان فقط، بل أيضاً بعمل الرُّوْح القُدُس الذي يجذب الخاطئ إلى حضرة الله، ويُريه عيوبه البشريَّة، ويُذكِّره بالدَّيْنُوْنَة العادلة المهلكة، ويدين ضميره بكلمة الرَّب، لتموت الأنا في التَّائب، ويعترف بخطاياه، مسلماً نفسه نهائيّاً ليد القاضي الأزلي.
2- إنَّ الإيمان، حسب العهد الجديد، يعني معرفة الآب السَّماوي بِوَاسِطَةِ ابنه يسوع المسيح الذي لم يُهلك الخطاة الشَّرسين، بل مات لأجلهم وحمل خطاياهم وكفَّر عنهم. هذا هو سرُّ إيماننا أنَّ التصاقنا بالمصلوب يمحو جميع خطايانا، ويُعطينا الحقَّ في الشَّركة مع الله الآب والابن. فبدون قبول المصلوب ليس ثمَّة إيمانٌ بالله، لأنَّ القُدُّوْس يظهر، حسب عدله، عدوّاً لجميع الثَّائرين على وصاياه. أمَّا الإيمان بالمسيح المخلِّص فيمنحنا صلحاً وسلاماً مع الله إِلَِى الأَبَدِ.
3- وهذا الإيمان الجديد العظيم يحتاج إلى تحقيقٍ، وشهادة ضميرٍ متجدِّدٍ تظهر في رمز المعموديَّة. ويدلُّنا كَاتِب الرِّسَالَةِ على أشكالٍ كثيرةٍ للمعموديَّة، إذ نقرأ في العهد الجديد سبع معموديَّاتٍ مختلفةٍ. مثلاً معموديَّة يُوْحَنَّا المعمدان في نهر الأردن، وهي رمزٌ لإماتة الخاطئ ونجاته مِن أمواج غضب الله. وبَعْدَئِذٍ نقرأ عن معموديَّة المسيح بحلول الرُّوْح القُدُس في هيئة حمامةٍ، مسحاً وتجهيزاً لخدمته الكَهَنُوْتيَّة. ونقرأ أيضاً عن معموديَّاتٍ أجراها تلاميذ يسوع تمهيداً للدُّخول إلى مَلَكُوْت الله (يُوْحَنَّا 3: 22 و26؛ 4: 1- 2). كما تكلَّم يسوع عن معموديَّته بالآلام التي تضايق منها سابقاً (لوقا 12: 50). وبعد موت يسوع، حصل الرُّسل على معموديَّتهم الجوهريَّة بحلول الرُّوْح القُدُس عليهم الذي جدَّدهم وأدخلهم إلى شركة الله. أمَّا المعموديَّة بالنَّار بدينونة الله فهي مقبلةٌ علينا، ولكنَّنا لا نخاف منها، لأنَّ المُولُودَ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ ، ولا تستطيع النَّار أن تؤذيه (متى 3: 11- 12).
وبجانب هذه المعموديَّات المذكورة في العهد الجديد، نجد عند الوثنيِّين واليهود أساليب أُخرى مختلفة للتَّعميد؛ وقد رأت الكنيسة الأولى ضرورة توضيح معنى المعموديَّة الحقيقيَّة، وكان بعض المؤمنين في البداية قد اعتمدوا على اسم يسوع فقط، ولكنَّهم لم يختبروا قوَّة الرُّوْح القُدُس والمعموديَّة به، فوضع كَاتِب الرِّسَالَةِ أهميَّةً كبرى على أن يُدرك المبتدئون بالإيمان أنَّ جميع أنواع المعموديَّات وأشكالها وأساليبها لا تنفع إلاَّ إذا أدخلت المؤمن إلى اسم الآب وعائلته الرُّوحية، وثبَّتته في رحاب المسيح وخلاصه، وملأته بقوَّة الرُّوْح القُدُس ليكون الله بكلِّيَّته فيه، وهو فيه. وهكذا تعني ممارسة المعموديَّة رمزاً خارجيّاً لقطع العهد الجديد داخليّاً بين الله القُدُّوْس والمؤمن المحتاج إليه.
4- كثيراً ما كان وضع الأيادي على المؤمن جزءاً مِن ممارسة طقوس المعموديَّة، لأنَّ الشُّيوخ في الكنائس علَّموا أنَّ بِوَاسِطَةِ هذا اللَّمس وهذه الصَّلاَة تجري قوَّة الله في الجاثي، لأنَّ كلَّ مملوءٍ مِن الرُّوْح القُدُس يُشبه سلكاً كهربائيّاً تجري فيه قوَّة التَّيَّار السَّماوي، وتنتقل إلى المُصلِّي الذي أفرغ نفسه مِن أرواح هذا الدَّهر وأفكاره. فحيث يستسلم الشُّيوخ وطالبو الرُّوْح القُدُس تماماً للمسيح يكون وضع الأيادي هبة القوَّة السَّماويَّة. علماً أنَّ هذه القوَّة لا تخرج مِن الشُّيوخ، بل مِن المسيح وحده بواسطتهم؛ فهو وحده ينبوع الرُّوْح القُدُس.
وقد بارك يسوع الأولاد، كما بارك يعقوب أحفاده بوضع يده على رؤوسهم. والرُّسل وضعوا الأيادي على الشَّمامسة السَّبعة عند تعيينهم للخدمة الخيريَّة. كما لمس الشُّيوخ في أَنْطَاكِيَة رأسَي برنابا وشاول تجهيزاً للخدمة التَّبشيريَّة، ليحلَّ سلطان المسيح في هذين المُرسَلَين. ونقرأ أيضاً في (أَعْمَال الرُّسُلِ 8: 17 و19: 6) أنَّ بعض المؤمنين حصلوا على الرُّوْح القُدُس لأوَّل مرَّةٍ بِوَاسِطَةِ وضع الأيادي. كما تمَّ منح مواهب الرُّوح، بعض المرَّات، بهذه الطريقة. وقبل كلِّ شيءٍٍ نرى أنَّ شفاءات المرضى التي عملها يسوع كانت تجري بلمسه المريض فيشفى. كذلك أمر الرَّب تلاميذه أن يشفوا المرضى جميعاً بِوَاسِطَةِ وضع أيديهم (مَرْقُس 16: 18). وقد أثبت يعقوب في رسالته هذا الامتياز بكلِّ وضوحٍ وتفصيلٍ (يعقوب 5: 13- 16).
5- التَّوبة والإيمان بالمسيح يُنظِّفان ماضي الإنسان، والمعموديَّة وحلول الرُّوْح القُدُس يختمان حاضره. أمَّا مستقبله فيتَّضح بِوَاسِطَةِ التَّعليم عن القيامة مِن الموت ودينونة الله المُقبلة. فكما قام المسيح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، سيقوم المؤمنون به أيضاً، ولن يكون للموت سلطانٌ عليهم فيما بعد، وسيتغيَّر جسدهم التُّرابي إلى جسدٍ روحيٍّ ملموسٍ وقادرٍ على اختراق جميع الحواجز المادِّيَّة مِن صخورٍ وجدرانٍ وغيرها. فقيامة المسيح هي رجاؤنا العظيم، ورمز قيامتنا نحن أيضاً. ففي مجيئه سنُختطَف إليه، لأنَّه يشتاق إلينا نحن الثَّابتين فيه وهو فينا.
6- وأخيراً سيقوم أموات البشر جميعاً إلى الدَّيْنُوْنَة الرَّهيبة. فويلٌ للإنسان الذي يعيش سطحيّاً غير عالمٍ أنَّ الله سيدين كلَّ ظُلمٍ. إنَّ عليك أن تُقدِّم حساباً عن كلِّ كلمةٍ بطَّالةٍ نطَقْتَ بها، وعن كلِّ قرشٍ صرفتَه بطريقةٍ مخالفةٍ لوصايا الله. ستظهَر أفكارك كلُّها، وأعمالك بتفاصيلها، إن لم تستغفر ربَّك عنها بِوَاسِطَةِ دم المسيح.
إنَّ إيمانك بالمسيح هو الذي يُخلِّصك في الدَّيْنُوْنَة. أمَّا الذي يعيش بدون المخلِّص فهو لا محالة هالكٌ. فمتى تقوم وتُسرع إلى الناس وتُخبرهم بالمُنجِّي الوحيد مِن الدَّيْنُوْنَة، كي يخلصوا مِن الهلاك الأكيد؟ هل أنت أنانيٌّ ولا يهمُّك إلاَّ خلاص نفسك فقط، أم قد صرتَ ممتلئاً بروح المحبَّة، قاصداً نجاة الجميع؟

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ، نَشْكُرُكَ لأنَّك دعوتَنا إلى كسر كبريائنا بالتَّوبة، وفتحتَ قلوبنا للإيمان بك مصلوباً ومقاماً مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، ومنحتَنا الرُّوْح القُدُس، وشهادة المعموديَّة، ورجاء الدَّهر الآتي، والفداء الكامل، وسط لهيب الدَّيْنُوْنَة. خلِّص الكثيرين مِن إخوتنا كيلا يضلُّوا، بل يتوبوا وينالوا الحياة الأبديَّة بِوَاسِطَةِ إيمانهم.
السُّؤَال
ما هي خلاصة المبادئ السِّتة في بداية الإيمان المسيحي؟