Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
1:17لأَِنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ. أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوع الْمَسِيْح صَارَا.18اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ


الفرق بين العهدين القديم والجديد هو كالفرق بين البِرِّ الَّذي بالنَّاموس والبِرِّ الَّذي بالنِّعمة. فاللهُ أعطى موسى الوصايا العشر، والشَّرِيْعَة لتنظيم الحياة والذَّبائح. فمَن حفَظَ هذه الفرائض استحقَّ الحياة، ومَن تجاوز واحدةً مِنها استحقَّ الموت. هكذا كانت الشَّرِيْعَة للموت، لأنَّه ما مِن إنسانٍ كامل. انكسر خيرة الأتقياء توباً وندماً أمام استحالة حفظ جميع أحكام الشَّرِيْعَة. أمَّا السَّطحيون فاعتبروا أنفسهم صالحين، وكأنَّ حياتهم تُرضي الله، فأصبحوا أنانيِّين ناموسيِّين متعصِّبين، ناسين المَحَبَّة، متفاخرين ببرِّ أَعْمَالهم الأنانية. مِمَّا لا ريب فيه أنَّ الشَّرِيْعَة مقدَّسة لأنَّها تعكس قداسة الله، ولكنْ يظهر كلُّ إنسانٍ أمامها شريراً. فالشَّرِيْعَة إذاً تقودنا إلى الشَّقاء والموت.
في هذا الجوِّ المشحون برائحة الموت، يَذكر البشير يُوْحَنَّا للمرَّة الأولى في إِنْجِيْله اسم يَسُوع المَسِيْح المُنجِّي مِن الشَّقاء والمُخلِّص مِن غضب الله. فيَسُوع الإنسان الَّذي مِن النَّاصِرَة هو المَسِيْح الموعود الممسوح بملء الرُّوْح القُدُس، وهو ملك الملوك، وكلمة الله، ورَئِيْس الكَهَنَة. هو خلاصة جميع إمكانيَّات الرَّجاء والخلاص.
لم يأتِنا المَسِيْح بشريعةٍ جديدةٍ، بل فدانا مِن لعنة الشَّرِيْعَة، وأتمَّ بمحبَّته الفائقة جميع مطالب الشَّرِيْعَة عوضاً عنَّا، وحمل خطايانا ودينونة العالم على كتفيه، مصالحاً إيَّانا مع الله. فالله ليس بَعْدُ عدوَّنا بسبب خطايانا، بل قد صار لنا سلامٌ مع الله بربِّنا يَسُوع المَسِيْح. وصعد يَسُوع إلى أبيه السَّماوي، وسكب علينا روحه القُدُّوْس، ونقش الشَّرِيْعَة على قلوبنا، مالئاً شعورنا الباطني بأفكارٍ طاهرةٍ وصادقةٍ ونبيلةٍ. فلسنا بعدُ تحت الشَّرِيْعَة، بل المَسِيْح فينا. هكذا أعطانا الله القوَّة لإتمام مطالب محبَّته.
بمجيء المَسِيْح ابتدأ عصر النِّعمة، ونحن عائشون فيه. لا يطلب الله منَّا تقدماتٍ أو خدمات أو ذبائح لدعم بِرِّنا الذَّاتي، لكنَّه أرسل ابنه ليهَب لنا البِرَّ الإلهي. فمَن يؤمن به يتبرَّر تماماً. لذلك نحبُّه ونشكره ونُضحِّي لأجله، لأنَّه قدَّسَنا.
لا يتركنا الله يتامَى، بل يبقى معنا، ويسكب مواهبه علينا. ونحن لا نستحقٌّ غفران خطايانا، أو شركة روح الله؛ ولا نستحقٌّ أيَّ موهبةٍ أُخرى، أو بركة منه. كلُّ شيءٍ هو نعمةٌ منه. إنَّنا في الحقيقة لا نستحقٌّ سوى الغضب والهلاك. ولكنَّنا لأجل ارتباطنا بالمَسِيْح بالإيمان أصبحنا أبناء الله المُنعَم عليهم. فهل أدركتَ الفرق بين عبيد الخطيئة وأولاد النِّعمة؟
ليست هذه النِّعمةُ مجرَّد شعورٍ عاطفيٍّ في قلب القُدُّوْس، بل هي محبَّةٌ مبنيَّةٌ على حقوقٍ شرعيَّةٍ. فالله لا يغفر لمَن يشاء، لأنَّ خَطِيئة الخاطئ تقتضي موته الفوريَّ. ولكنَّ صلب المَسِيْح النِّيابي عنَّا قد أتمَّ كلَّ بِرٍّ؛ فأصبحت النِّعمة حقّاً لنا، ورحمة الله حقيقةً لا تتزعزع. إنَّ النِّعمة في المَسِيْح هي الأساس الشَّرعي لحياتنا مع الله.
أنت تسأل: مَن هو هذا الإله الحرُّ التَّصرُّف، والمقيَّد مع ذلك بعدالته؟ ونحن نُجيب: حاولت أديانٌ كثيرةٌ بجهدٍ جهيدٍ أن تفهم الله، ولكنَّها تُشبه سلالم منصوبةً على الأرض ولا تستطيع أن تبلغ السَّماء. أمَّا المَسِيْح فهو يُشبه سلّماً إلهيّاً نازلاً مِن السَّماء، ثابتاً على الأرض. ولقاؤنا بالله بواسطته لا يترك أحداً بائساً.
لم يرَ إنسانٌ الخالق الأزليَّ، لأنَّ خطايانا تفصلنا عن القُدُّوْس. وليست الأقوال عن الله كلُّها إلاَّ تخمينات مُبْهَمَة. ولكنَّ المَسِيْح كان ابنه، مع الله من الأزل، أحد أقانيم الثَّالُوْث الأَقْدَس. فالابن عرف مَن هو الآب. وكلُّ وحيٍ قبله ناقصٌ ومبتورٌ. أمَّا المَسِيْح فهو كلمة الله الكاملة، وخلاصة كلِّ حقٍّ.

علَّمَنا المَسِيْح أن نُخاطب الله في الصَّلاَة هكذا: "أبانا الَّذي في السَّماوات". فأعلن لنا بهذا النَّحو مِن مخاطبة الله أنَّ جوهر الله هو أبوَّته. فالله ليس حاكماً مطلقاً، أو قهَّاراً، أو مُبيداً، ولا هو فاتر الشُّعور أو غير مبالٍ، بل يهتمُّ بنا اهتمام الأب بولده. فإنْ سقط هذا الولد في الوحل، يشدُّه ويجذبه إليه ويُطهِّره ولا يتركه يهيم في عالم الإثم. منذ عرفنا أنَّ الله أبونا زال كَربنا النَّاجم عن همومنا وخطايانا، لأنَّنا برجوعنا إلى أبينا نلنا التَّطهير والقبول. ونحن نحيا مع الله إلى الأبد. إنَّ الثَّورة الدِّينية الَّتي اندلعَت في عالمنا باسم الآب هي الفكر المَسِيْحيُّ الجديد الَّذي جاء به المَسِيْح. وهذا الاسم الأبويُّ يحمل خلاصة أقوال المَسِيْح وأَعْمَاله.
كان المَسِيْح قبل تجسُّده عند أبيه. توضح هذه الصُّورة اللَّطيفة العلاقة الودِّيَّة بين المَسِيْح والله. وعاد الابن بعد موته وقيامته إلى الآب. فلم يجلس عن يمين الله فقط، بل في حضن الآب أيضاً. ومعنى هذا أنَّه واحدٌ معه، أنَّ المَسِيْح هو الله. فأقوال المَسِيْح عن الله كلُّها صحيحةٌ. في المَسِيْح نرى مَن هو الله. كما الابن هكذا الآب، وكما الآب هكذا الابن.

الصَّلَاة
أبانا الَّذي في السَّماوات، نُسبِّحك ونشكرك لأنَّك أرسلتَ إلينا المَسِيْح ابنك الحبيب. نسجد لك لأنَّك حرَّرتَنا مِن كابوس الناموس (الشَّرِيْعَة)، وغرستَنا في بِرِّك الإلهي. نشكرك لكلِّ موهبةٍ روحيَّةٍ، ونُعظِّمك لأجل الامتيازات الَّتي نتمتَّع بها في اسمك الأبوي.
السُّؤَال
ما هو الفكر الجديد الَّذي أتى به المَسِيْح إلى العالم؟