Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
3- المحاكمة المدنيَّة أمام الوالي الرُّوماني
(يوحنّا 18: 28- 19: 16)

أ: الادِّعاء على يَسُوع بملوكيَّته وردُّ يَسُوع
(يوحنّا 18: 28- 37)
18:28ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَاْفَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ. وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ.29فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ.30أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ.31فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ. فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً.32لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ


فكَّر اليهود بقتل يَسُوع لأوَّل مرَّةٍ عندما شفى المفلوج، في الرِّواق المحيط ببركة بيت حسدا (5: 18)، بينما قرَّر أكثرية المجلس اليهودي قتله سِرّاً بعد إقامته لِعَاْزَر من القبر (11: 46- 53).
وفي ليلة الخميس عُقدَت جلستان هامَّتان للمجلس اليهودي لم يتكلَّم يوحنّا البشير عنهما (مَتّى 26: 57- 67؛ 27: 1)، فلم يشأ أن يُدخل قرَّاءه الأمميِّين في مسائل الشَّرِيْعَة اليهودية غير المفهومة عند اليونانيين، بل أبرز الحكم الظالم على يَسُوع الَّذي لفظه مُمثِّل الحق البشري في أورشليم. فجلس بيلاطس في ثكنته الفخمة المشرفة على ساحة الهيكل، والبلاد كلُّها وحياة النَّاس في يده، لأنَّه وحده كان يتمتَّع بحق القتل والعفو.
واليهود الَّذين لم يُدركوا ربَّهم في جوهره، احترزوا خائفين مِن تجاوز النَّاموس (الشَّرِيْعَة)، كيلا يتنجَّسوا بدخولهم بيت أُممي. فأرادوا أن يحفظوا أنفسهم مِن النَّجاسة كي يُمكنهم الاشتراك بحَمَل الفصح مع عائلاتهم. ولكنَّهم ذبحوا حَمَل الله الحَقِيْقِيّ بقلبٍ باردٍ.
وفي تلك الشُّهور الحاسمة الَّتي أُلقي القبض فيها على يَسُوع، حدثت في حياة بيلاطس الوالي تغيُّراتٌ جذريَّةٌ، حين نفى القيصر قائداً كبيراً كان زميلاً لبيلاطس، بسبب تآمره على القيصر ومحاولته الانقلاب عليه. وكان ذلك القائد عدوّاً لليهود، وهم الَّذين كشفوا خطَّته ووشوا به. فكان لهذا التَّغيير في روما أثره في حالة بيلاطس الوالي على أورشليم، ممَّا هدَّد موقفه وسلطته، فاضطرَّ إلى التَّعامل مع اليهود برفقٍ، عكس السِّياسة الَّتي اتَّبعها سابقاً معهم، حين كان يُعاملهم كالكلاب.
ولذلك، عندما أحضر اليهودُ يَسُوع إليه ليُحاكمه، خرج إليهم بسرعةٍ كخادمٍ مستخبراً سائلاً عن مطالبهم. فلم يتباحث وإيَّاهم طويلاً، بل استفهمهم بغيظٍ مكتومٍ جوهرَ شكواهم. ولم يُخفِ بيلاطس ارتياحه واطمئنانه إلى هذا الملك المزعوم الَّذي لا يمكن أن يشكِّل أيَّ خطرٍ على روما. فنظر بازدراءٍ وسخريةٍ إلى الملك الواقف أمامه الَّذي لا يملك جيشاً ولا سلاحاً، بل ولا حماراً حتَّى إنَّه اضطرَّ إلى استعارة حمارٍ لدخول أورشليم. ولكنَّ بيلاطس قَبِل شكوى اليهود على مضضٍ مستجيباً لإلحاحهم. وكان قد أعطاهم في الليلة الماضية ضابطاً مع فرقته لمساعدتهم على القبض على يَسُوع، ونجحت العمليَّة، وها هو الأسير مقبوضٌ عليه، وواقفٌ بين يديه. فسألهم بيلاطس: "ما هو ذنب هذا المتّهم؟"
فأجابه شيوخ اليهود بخشونةٍ، وكأنَّهم أرادوا بجوابهم أن يقولوا له: "أنت تعلم ما قلناه لك آنفاً. إنَّ هذا الرجل مجرمٌ سياسيٌّ له مقاصد ثوريَّة. وليس ضروريّاً أن نُخبرك مَن هو هذا النَّاصِرِيّ. فنحن لم نأتِ إليك في زيارةٍ رسميّةٍ مُمثِّلين الشعب اليهودي، بل جئناك طالبين قتل هذا الثَّائر، كيلا يُحدِث فتنةً في الشعب."
كان بيلاطس يعرف أهواء اليهود، ويعلم أنَّهم أرادوا قتل يَسُوع بسبب قضايا ناموسية، لأنَّهم كانوا ينتظرون مَسِيْحاً آخَر قويّاً. وإذ لم يجد في كلِّ ما عمله يَسُوع وقاله ما يمكن اعتباره جريمةً تستوجب العقاب بحسب الشَّرِيْعَة الرُّومانية، سلَّم المتهم لهم، ليُحاكموه بحسب ناموسهم (شريعتهم) الدَّينية.
لم يكن لليهود الحقّ، طوال تلك السِّنين، برجم مَن يتعدَّى على الشَّرِيْعَة. ولذلك قصدوا إذلال يَسُوع وإهانته بمحاكمة علنيَّة على يد الرومان الَّذين كانوا في نظرهم أنجاساً، ليوقعوا عليه أبشع العقوبات الخاصَّة للعبيد والمجرمين، فيُرفع على خشبة اللَّعنة، ويظهر للعيان أنَّ يَسُوع ليس ابن الله القوي البار، بل مجرَّد إنسان ضعيف مجدِّف ومُضِلّ للشَّعب. وقصد قَيَاْفَا، بموت يَسُوع على الصَّلِيْب على يد الرومان، أن يُثبت أنَّه ليس المَسِيْح الموعود، بل هو مُدَّعٍ كاذب ومُضِلّ.