Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
5- سبب عدم الإيمان
(يوحنَّا 5: 41- 47)
5:41مَجْداً مِنَ النَّاس لَسْتُ أَقْبَلُ.42وَلَكِنِّي قَدْ عَرَفْتُكُمْ أَنْ لَيْسَتْ لَكُمْ مَحَبَّةُ اللَّهِ فِي أَنْفُسِكُمْ.43أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ تَقْبَلُونَهُ.44كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْداً بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَالْمَجْدُ الَّذي مِنَ الإِلَهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ


مزَّق يَسُوع قناع أعدائه، وأراهم حالة قلوبهم ومستقبلهم الرُّوحِيّ؛ ودلَّهم على نيَّاتهم الشرّيرة الَّتي هي خلاصة أخلاقهم الفاسدة.
لم يستكبر يَسُوع، ولم يكن بحاجة إلى إطراء الشَّعب وتصفيقه، لأنَّه كان مقتنعاً بخدمته. وهذا الاقتناع لم يكُن مبنيّاً على النَّتائج الظاهرية لخدمته. فكان إذا أكرمه أحدٌ، نقل هذا الإكرام إلى أبيه. وعلَّمنا أن نُصلِّي أوَّلاً للآب، قبل أن نُصلِّي له شخصيّاً. علَّم المَسِيْحيَّة كلَّها أن تُصلِّي: "أَبَانَا الَّذي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوْتكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ." فأنكر المَسِيْح ذاتَه، وتخلَّى عن كلِّ نيَّةٍ لقبول أيِّ مجدٍ أو إكرامٍ، لأنَّ مجد أبيه كان شعار حياته، والغيرة على حقِّ الله أكلته.
إنَّ محبَّة الله هي الدَّافع في الخلق والفداء والكمال، وهي لبُّ جوهر الثَّالُوْث الأَقْدَس، وتكميل النَّاموس ورباط الكمال. ومن صفات هذه المَحَبَّة أنَّ صاحبها لا يعيش لِذاته، ولا يُكرم نفسه، بل يُكرم الآخرين، ويخدمهم، ويُنكر نفسه وينساها ويُضحِّي بها، ويهدي كلَّ ما عنده إلى المساكين، ويُغطِّي غير المستحقِّين بالنِّعمة. فمحبَّة الله لا تسقط أبداً.
لا يوجد إنسانٌ يُحبُّ الله مِن ذاته. ولكنَّ الَّذي يتألم مِن نجاسة الخطيئة، ويتوب، ويؤمن بمحبة الله في المَسِيْح، يختبر الوِلاَدَة الثَّانِية، فيعترف مع بولس بأنَّ "مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوْح القُدُس الْمُعْطَى لَنَا." وتظهر هذه المَحَبَّة في التَّضحية والتَّواضُع والصَّبْر، وجميع ثمار الرُّوْح القُدُس. فمَن يفتح قلبَه لروح الله، يُحب الثَّالُوْث الأَقْدَس وجميع النَّاس.
أمَّا الَّذي يتفاخر وينتفخ ويُكرم ذاته، ويحسب نفسه صالحاً ومستحقّاً كلَّ اعتبارٍ، فهذا الإنسان لا يكون تائباً حقّاً، بل مقاوماً لروح الله، أنانيّاً في أعماقه، غير مشتاقٍ للتَّجديد، وغير مدركٍ حاجته إلى مُخلِّصٍ، مُقسِّياً قلبه.
لم يأتِ المَسِيْح باسم إلهٍ غريبٍ مجهولٍ، بل باسم الآب ليُعلن محبَّة الله ورحمته ولُطفه، لأنَّ اسم الآب هو خلاصة محبَّة الله. فجميع الَّذين يرفضون المَسِيْح يُثبتون برفضهم هذا أنَّ أذهانهم مُغلقةٌ على محبَّة الله، لأنَّهم أحبُّوا الظُّلمة أكثر مِن النُّور؛ ولذلك هم يُبغضون المولودين مِن النُّور.
أخبر المَسِيْح أعداءه بمجيء المَسِيْح الكذَّاب الَّذي يجمع الأنانيِّين والَّذين يطلبون ما لأنفسهم، ليقودهم إلى التَّمرُّد على محبَّة الله؛ فيصنع عجائب مدهشة، ويحاول تقليد المَسِيْح، كما يُحاول القرد تقليد الإنسان. ولكنَّ هذا المُضلَّ العَظِيْم لن يُكرم اللهَ، بل سينتفخ لكي يسجد له جميع المنتفخين الَّذين هم مِن روحه.
يُوبِّخُنا المَسِيْح موضحاً لنا أنَّ كثيرين لا يستطيعون أن يؤمنوا، لأنَّهم يكرمون بعضهم بعضاً، غير معترفين بخطاياهم، حاسبين أنفسهم صالحين، مقبولين، أقوياء، أذكياء. فلا يرتجفون أمام القُدُّوْس، ولا يُدركون أنَّه هو وحده الصَّالِح. فالبِرُّ الذَّاتيُّ، أي اعتقاد الإنسان أنَّه صالحٌ في ذاته، هو سبب عدم الإيمان. وما الكبرياء إلاَّ علامة هذا الاعتقاد الكاذب.
إنَّ مَن يعرف الله، ويَعرف حقيقة نفسه، ينكسر ويعترف بخطيئته، فلا يَقبَل أيَّ مجدٍ وإكرامٍ، بل يُمجِّد الآب والابن دائماً، ويُعظِّم النِّعمة المخلِّصة؛ لأنَّ الإيمان بمغفرة خطايانا يُحرِّرُنا مِن المداهنة في تصرُّفاتنا. إنَّنا نَعلم مَن نحن، ومَن هو الله. والمَحَبَّة تقول الحقَّ للصَّديق؛ أمَّا المتكبِّر فيكذب ويخدع ذاته، ويبتعد عن روح الله الَّذي يُشيع التَّواضع.